الإعلام والانتخابات


الإعلام والانتخابات

وسائل الإعلام وفهرس الانتخابات
وسائل الإعلام واختبارات الانتخابات

      تعتبر وسائل الإعلام من الأدوات الضرورية من أجل إجراء انتخابات ديمقراطية. ولا تكون الانتخابات حرة ونزيهة بالتصويت في ظروف مناسبة فقط، وإنما من خلال توافر المعلومات الكافية عن الأحزاب والسياسات والمرشحين، والعملية الانتخابية نفسها أيضا، بحيث يتمكن الناخبون من تحديد خياراتهم بصورة مستنيرة. وإن إجراء انتخابات ديمقراطية دون توفر الحرية لوسائل الإعلام، يمثل تناقضا في المصطلحات والمفاهيم. 
     وتكمن المفارقة في أن ضمان تلك الحرية، يتطلب وجود مجموعة من الأنظمة، كما ينبغي أن تقوم وسائل الإعلام الحكومية والتي يتم تمويلها من المال العام، بتغطية عادلة، وأن تكون مفتوحة أمام أحزاب المعارضة على سبيل المثال. ولا يسمح لوسائل الإعلام في كثير من الأحيان تقديم التقارير– مثل استطلاعات الرأي أو النتائج المبكرة - قبل أن يتم الإدلاء بكل صوت. 
     إن وسائل الإعلام الجماهيرية والتي غالبا ما يشار إليها بمجرد "وسائل الإعلام"، تفهم عادة بأنها تمثل الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون. وقد أصبح هذا التعريف يشمل في السنوات الأخيرة، شبكة الإنترنت بمختلف أشكالها، وغيرها من الأشكال الجديدة من وسائل الاتصال الالكترونية التي تستخدم للأخبار والترفيه، مثل خدمة الرسائل القصيرة على الهواتف النقالة. 
     يتمثل الاهتمام الأول في حق الناخبين في الحصول على معلومات وافية ودقيقة. ولا يمثل هذا الحق الوحيد المطلوب. فالأحزاب السياسية والمرشحين لهم الحق في استخدام وسائل الإعلام من أجل إيصال رسائلهم إلى الناخبين. وأما وسائل الإعلام نفسها، فلها الحق في نقل الأخبار بحرية، والقيام بمراقبة العملية الانتخابية برمتها. وتمثل عملية المراقبة هذه في حد ذاتها، حماية إضافية هامة ضد التدخل أو الفساد في إدارة الانتخابات. وأخيرا، إن هناك حاجة ماسة لهيئة إدارة انتخابات لتوصيل المعلومات إلى جمهور الناخبين – وجماعات متنوعة أخرى، بما في ذلك الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام نفسها. 
      هذا وإن علاقة هيئة الإدارة الانتخابية بوسائل الإعلام معقدة إلى حد ما، ويمكن أن تكون هناك ثلاثة أشكال مميزه من العلاقات بين مديري الحملات الانتخابية ووسائل الإعلام: 
     • علاقة تنظيمية: قد تكون الإدارة الانتخابية في بعض الأحيان مسؤولة عن وضع الضوابط التي تحكم سلوك وسائل الإعلام خلال الانتخابات أو تنفيذها (ولا سيّما فيما يتعلق بالوصول المباشر إلى وسائل الإعلام من قبل الأحزاب والمرشحين). كما قد تكون مسؤولة عن التعامل مع الشكاوى المقدمة ضد وسائل الإعلام. 
     • علاقة تواصل: قد ترغب الإدارة الانتخابية أيضا في استخدام وسائل الإعلام كوسيلة لنقل رسائلها إلى الناخبين.  
     • إعداد قصص جديدة: ستكون الإدارة الانتخابية محور اهتمام وسائل الإعلام في جميع مراحل العملية الانتخابية. وسوف تكون وسائل الإعلام مهتمة بالمعلومات التي يمكن أن توفرها الإدارة الانتخابية، إضافة إلى محاولة التحقيق في أداء الإدارة الانتخابية ونزاهة الانتخابات وكفاءتها. 

نظرة عامة على وسائل الإعلام والانتخابات

     ومن البديهي أن تلعب وسائل الإعلام دورا لا غنى عنه في حسن سير الديمقراطية. ويتركز النقاش حول دور ومهام وسائل الإعلام في "المراقبة": تستطيع وسائل الإعلام من خلال كتابة التحقيقات غير المحدودة  ومناقشة مدى نجاح الحكومات وفشلها، إطلاع الجمهور على مدى فعالية ممثليهم، وتساعد في محاسبتهم. إضافة إلى ذلك،  يمكن أن تقوم وسائل الإعلام أيضا بدور أكثر تحديدا، وهو تمكين الجمهور من المشاركة الكاملة في الانتخابات العامة، ليس من خلال تقديم تقارير عن أداء الحكومة فقط، وإنما من خلال عدد من الطرق الأخرى :
• عن طريق تثقيف الناخبين حول كيفية ممارسة حقوقهم الديمقراطية.
• عن طريق تقديم التقارير عن وضع الحملة الانتخابية.
• من خلال توفير المجال للأحزاب السياسية في نقل رسائلها إلى الناخبين.
• عن طريق توفير المجال للأحزاب للنقاش مع بعضها البعض.
• من خلال تقديم التقارير ورصد نتائج فرز الأصوات.
• عن طريق التدقيق بالعملية الانتخابية نفسها، من أجل تقييم نزاهتها وفعاليتها واستقامتها.
     ليست وسائل الإعلام هي المصدر الوحيد للمعلومات بالنسبة للناخبين، ولكن في عالم تسيطر عليه وسائل الاتصال الجماهيري، أصبح لوسائل الإعلام على نحو متزايد القدرة على تحديد جدول العمل السياسي، حتى في المناطق الأقل تطورا من الناحية التكنولوجية في العالم. وأصبحت فرق مراقبة الانتخابات الآن، على سبيل المثال، تعلق بشكل روتيني على حرية وصول وسائل الإعلام وتغطية الانتخابات، كمعيار للحكم على ما إذا كانت الانتخابات نزيهة. وفي موازاة ذلك، أصبح رصد وسائل الإعلام خلال فترات الانتخابات ممارسة شائعة على نحو متزايد، وذلك باستخدام مزيج من التحليل الإحصائي وتقنيات الدراسات الإعلامية وتحليل الخطاب، لقياس ما إذا كانت التغطية العادلة.
     وهناك، بصفة عامة، ثلاثة مجالات لوسائل الإعلام في تغطية الانتخابات. يعمل كل منها وفقا لمبادئ مختلفة، ويتطلب دورا مختلفا من هيئة الإشراف الانتخابي.
التغطية التحريرية
     يشير هذا على نطاق واسع لجميع الجوانب الإخبارية والمقالات والشؤون الجارية، ومقالات الرأي التي تقع تحت سيطرة دائرة التحرير في وسائل الإعلام نفسها. وبصرف النظر عن بعض جوانب محدودة - مثل الإبلاغ عن النتائج، أو فرض قيود على إعلان استطلاعات الرأي قبل التصويت بوقت قصير – فإن دور الهيئة المشرفة هو أن تفعل كل ما في وسعها لتسهيل عمل وسائل الإعلام بحرية.
التغطية المباشرة
         وهناك مجموعة متنوعة ومذهلة من النظم لتنظيم الدعاية السياسية أو التغطية المباشرة الحرة. وهذا يشير إلى ذلك الجزء من تغطية الانتخابات الرئاسية التي يخضع لسيطرة تحريرية من قبل الأحزاب أو المرشحين أنفسهم. وقد تكون هناك التزامات على بعض قطاعات وسائل الإعلام لنقل هذه المواد، وهناك من شبه المؤكد شروط يجب عليهم الالتزام بها عند القيام بذلك.
     مناظرات ومقابلات المرشح العامة، والتي تزداد شيوعا في بث تغطية الانتخابات، تقع في مكان ما بين هاتين الفئتين، ويمكن أن تكون خاضعة لعدد من القوانين والتي من شأنها أن لا تنطبق على المواد التحريرية العادية.

تثقيف الناخبين
       لا يتناول هذا الموضوع ثقافة الناخبين بصورة مفصلة، لأن هذا الجانب سوف يتم تناوله بالتفصيل في مكان آخر. رغم ذلك، لا سيما في ظل نظام ديمقراطي جديد، قد تكون وسائل الإعلام أداة حيوية، ليس في تزويد الناخبين بالمعلومات حول القضايا والمرشحين فقط، وإنما بالمعلومات الأساسية أيضا حول كيفية التصويت وهدفه. ويخضع "تثقيف الناخبين" كما هو الحال في حرية "الوصول المباشر"، لمعايير صارمة تضمن حيادية وسائل الإعلام.
     ويهتم هذا الموضوع في الدرجة الأولى بمسؤولية إدارة الانتخابات والمشرعين، في وضع إطار تنظيمي لأنشطة وسائل الإعلام خلال فترات الانتخابات، لتوفير الحرية لوسائل الإعلام. ومع ذلك، فإن الكثير منها قد تكون له فائدة للآخرين، مثل الإعلاميين أنفسهم والأحزاب السياسية.
        يبدأ هذا الموضوع بالنظر في المبادئ العامة: دور وسائل الإعلام في ظل النظام الديمقراطي وتطور فقه القانون الدولي والمقارن حول وسائل الإعلام والانتخابات. كما يناقش كيفية تأثير المستويات المختلفة من التنمية الاقتصادية والتعددية في وسائل الإعلام المختلفة، والمعايير المهنية في طبيعة التغطية الإعلامية للانتخابات ونوعيتها.
     ويناقش الجزء الرئيس من هذا الموضوع النماذج المختلفة من أطر تنظيم وسائط الإعلام في الانتخابات، بدءا من لجنة انتخابية مستقلة إلى نظام وسائل الإعلام المتخصصة، مثل لجنة البث الإذاعي أو مجلس وسائل الإعلام التطوعي أو قسم شكاوى الصحافة. وينظر في الالتزامات المختلفة لوسائل الإعلام المطبوعة ومحطات البث، وكذلك وسائل الإعلام التي يملكها القطاع الخاص وتلك التي يمولها القطاع العام.
     وينظر هذا الموضوع أيضا في الطرق التي يمكن أن تقوم من خلالها هيئات إدارة الانتخابات بتطوير استراتيجيات اتصالية خاصة بها، تمكنها من إرسال رسائلها الخاصة، من خلال وسائل الإعلام بين قنوات أخرى. كما ينظر في كيفية تحديد الرسائل والجمهور ومن ثم تحديد وسائل الإعلام والتقنيات المناسبة لنقل هذه الرسائل. كما يدرس مهام الإدارة الانتخابية في مختلف مراحل العملية الانتخابية، من فترة تثقيف الناخبين التي تسبق الحملة، وخلال الحملة ذاتها، إلى يوم التصويت، وفرز الأصوات وإعلان النتائج.

     كما يحاول هذا الموضوع استكشاف التقنيات الأساسية وطرق استخدامها في عمليات رصد وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية. ويحاول أن يستعرض المناهج الكمية والنوعية، ويدرس الطرق التي استخدمت من قبل وسائل الإعلام في رصد إدارة الانتخابات، والمنظمات غير الحكومية، وبعثات المراقبين الدوليين.

     وينظر القسم الأخير من هذا الموضوع في حملة كتابة التقارير من وجهة نظر وسائل الإعلام نفسها. ويتناول قضايا التخطيط والتدريب لتغطية الانتخابات، ويدرس مختلف المسائل الأخلاقية والعملية التي تنشأ خلال نقل عملية الانتخابات.

المبادئ التوجيهية وسائل الإعلام والانتخابات

يتمثل المبدأ الرئيس والوحيد الذي يقوم عليه دور وسائل الإعلام في الانتخابات، في أنه بدون حرية وتعددية لوسائل الإعلام، فإن الديمقراطية غير ممكنة. وتم التأكيد على ذلك في قرارات العديد من المحاكم الدولية. كما تم التأكيد عليه بصورة واضحة في الفترة الأخيرة من قبل المقرر الخاص حول حرية التعبير في الأمم المتحدة، والذي قام بإجراء العديد من الخطوات المتتالية لكي تضمن الحكومات حرية الإعلام خلال الانتخابات.  
وهناك العديد من الأبعاد المختلفة لحرية الصحافة والتي ترتبط بالانتخابات، وهي:
• التحرر من الرقابة.
• عدم التعرض للهجوم أو التدخل التعسفي.
• حرية الوصول إلى المعلومات الضرورية.
• تعددية الأصوات في وسائل الإعلام.
      ويحتل البعد الأخير منها أهمية خاصة. ويعني ذلك في الغالب، أن تكون وسائل الإعلام مملوكة من قبل مجموعة متنوعة من المصالح المختلفة، مما يؤدي إلى وجود تنوع في الأفكار. وهذا أمر مهم، ولكنه يمثل جانبا واحدا فقط. وأما بالنسبة للدول التي خرجت لتوها من حكم شمولي، يتسم عادة بسيطرة الدولة الصارمة على وسائل الإعلام، فإن ضمان التعددية في وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام مهم على حد سواء. لأن هذه الوسيلة في كثير من الأحيان تخضع لسيطرة الحكومة الوطنية، وهي الوحيدة القادرة على الوصول إلى جميع شرائح الناخبين.
     ومن أجل ضمان أن تكون وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام، ليست من الناحية العملية تحت سيطرة الحكومة، هناك حاجة إلى تدخل تنظيمي واضح. ويمثل هذا التناقض الرئيس في إدارة وسائل الإعلام في الانتخابات- الحاجة المستمرة لإنشاء نظام معقد نوعا ما، لكي تتمكن وسائل الإعلام من العمل بحرية ودون تدخل.
وفي هذا المجال توجد ثلاثة حقوق متشابكة في خطر:
• حق الناخبين بأن يتم اختيارهم على أساس من المعرفة التامة.
• حق المرشحين في نشر سياساتهم.
• حق وسائل الإعلام في نشر الآراء بشأن المسائل ذات المصلحة العامة.
     بطبيعة الحال، إن هذه الحقوق التي تمثل أساسا جميع مظاهر الحق في حرية التعبير، مكفولة في المادة 19 من "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، وتطبق في جميع الأوقات، وليس عندما يكون هناك انتخابات فقط. وإن الجانب الرسمي لعملية الانتخابات والتي يجب أن تتم بناء على قواعد محددة في القانون – هي التي أدت إلى ظهور اهتمام المعنيين بقضية حرية الإعلام. وإن مدى احترام الحرية والتعددية التي تتمتع بها وسائل الإعلام خلال فترة الانتخابات، يمكن أن يكون مؤشرا حساسا إلى حد ما على احترام حرية التعبير بشكل عام – وهذا في حد ذاته شرط أساسي للديمقراطية الفاعلة. وبالعكس، يمكن أن تكون الانتخابات فرصة مثالية لتوعية جميع السلطات بالتزامها باحترام حرية وسائل الإعلام وتعزيزها،  وتوعية وسائل الإعلام بمسؤوليتها في دعم العملية الديمقراطية.
       ويؤدي البحث في العلاقات مع وسائل الإعلام من وجهة نظر هيئة إدارة الانتخابات، إلى ظهور مبدأين آخرين مهمين يدخلان في الاعتبار: الشفافية والسرية.
• تعني الشفافية أن تكون عمليات الإدارة الانتخابية مفتوحة أمام عامة الناس، وأن تكون بالتالي خاضعة للمساءلة.
• تعني السرية الحفاظ على عمليات الإدارة الانتخابية بصورة آمنة ضد أولئك الذين ليس لهم الحق في الحصول على معلومات غير مصرح بها، مما قد يقوض نزاهة العملية الانتخابية.
     ومن الواضح أن هذه المبادئ قد تتعارض في الممارسة العملية.  فقد تتعارض الشفافية الكاملة مع السرية بصورة واضحة. رغم ذلك، فإن تطبيق هذين المبدأين في أي حالة من الحالات، قد يكون أقل صعوبة مما يظهر في البداية. كذلك يمكن القول بصورة دائمة، أن خطط الإدارية الانتخابية ونشاطاتها يجب أن تكون واضحة ومفتوحة أمام مراقبة الجمهور. وسيكون صحيحا، من دون استثناء، أن التصويت في حد ذاته يجب أن يكون سريا. وإن الحالات التي تكون قريبة بين هذين المبدأين غالبا ما تكون قليلة.

سياق وسائل الإعلام والانتخابات

.طالما كانت هناك وسائل للإعلام، فإنها تنقل الأحداث السياسية، ولكن الدور المحوري الذي تقوم به وسائل الإعلام في الانتخابات في معظم أنحاء العالم هو من الأمور الحديثة جدا. 
      إن الانتخابات الحرة في العديد من البلدان، هي ظاهرة جديدة في حد ذاتها. فلقد كان القسم الأكبر من آسيا وأفريقيا تحت الحكم الاستعماري، والانتخابات الحرة والمستقلة هي تطور حدث في النصف الثاني من القرن العشرين. وكذلك الأمر بالنسبة للدول التي كانت ضمن الكتلة الشيوعية السابقة، تعتبر الانتخابات فيها ظاهرة حديثة جدا. ولم تصبح البلدان في أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية ديمقراطية تماما إلا بعد فترة وجيزة قبل أو بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد أن تم توسيع نطاق حق الانتخاب للمرأة. ولم ترفع الولايات المتحدة القيود على حق الانتخاب إلا في الستينيات من القرن العشرين. ولقد تعرضت التقاليد الديمقراطية في أميركا اللاتينية إلى موجة من الدكتاتورية العسكرية، لا سيما بين الستينيات والثمانينيات من القرن العشرين. وهو أمر انعكس في كثير من بلدان أفريقيا وآسيا. وكان لدى بعض البلدان، ولا سيما في أوروبا وأمريكا الشمالية صحافة حرة قوية، رغم القيود التي كانت مفروضة على الانتخابات. في حين قامت شعوب أخرى بتطوير وسائل الإعلام المستقلة في الوقت الذي كانت تكافح فيه من أجل تثبيت نظام لحكومة منتخبة.
     ولقد قامت الدول الأوروبية والدول في أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية بتطوير نظرية خاصة بالإعلام، تتمثل بأنها القوة الرابعة في الدولة، موفرين بذلك الفرصة لمراقبة نشاطات الحكومات. وقد بات هذا النهج بصورة متزايدة جزءا من القانون الدولي، على الرغم من أن هذه الممارسة لم ترق إلى مستوى المثل الأعلى. وبصورة عامة، تطورت الصحافة المستقلة بصورة متوازية مع زيادة التطور العام للحريات السياسية.
     ولقد كانت الصحافة المطبوعة حتى وقت قريب نسبيا، وسيلة الإعلام الوحيدة. وكانت تصل إلى فئة محدودة نسبيا، بسبب انتشار الأمية. ولهذا تطور البث بصورة ثورية في نقل الأفكار السياسية لجمهور كبير. ورغم ذلك كانت الإمكانيات التي توفرها الإذاعة والتلفزيون في كثير من الحالات، مخيفة بالنسبة للمسؤولين عن إدارة الإذاعة. فلقد قامت هيئة الإذاعة البريطانية بتطبيق قاعدة "14 يوما" التي تحظر تغطية أي قضية في غضون أسبوعين من مناقشتها في البرلمان. ولم يكن بالإمكان إذاعة أول انتخابات إلا عام 1951. وكان المنع الإجباري لتغطية الانتخابات في الأيام التي تسبق الانتخاب، لا يزال في بلدان مثل فرنسا من مخلفات تلك الفترة – عندما كانت وسائل الإعلام تخرج من الطريق كي لا تؤثر على نتائج الانتخابات.
      لقد تغير الزمن. والحكمة التي توصلنا إليها هي أن الانتخابات الحديثة تسيطر عليها أجهزة التلفاز، ويعود هذا التطور إلى عام 1960 تقريبا، وهو تاريخ المناظرة التاريخية التلفزيونية الأولى بين المرشحين للرئاسة الأمريكية.        لكن هذا الرأي صحيح بصورة جزئية فقط. لأن القسم الأكبر من سكان العالم كان لا يستطيع مشاهدة التلفاز-لعدم وجود الكهرباء أو لا يستطيع شراء جهاز التلفاز. ولم يكن ذلك ظاهرة من ظواهر الدكتاتوريات- فأكبر ديمقراطية في العالم رغم ذلك هي الهند، وكان الإذاعة بالنسبة لمثل هذه البلدان لا تزال أهم وسيلة اتصال.
     وتعد هذه الظاهرة حديثة نسبيا حتى في البلدان التي يهيمن التلفاز فيها على النقاش السياسي، وفي العديد من بلدان أوروبا الغربية، لم تتم الموافقة بصورة قانونية على البث الإذاعي التجاري إلا في الثمانينيات.  ولا زالت التغطية التلفزيونية للانتخابات تخضع لأنظمة محددة، باعتبارها إرثا من سنوات طويلة من سيطرة الدولة على البث.
      إن  الحديث عن "قصص الأطباء" و "العولمة"، والكثير مما يكتب في وسائل الإعلام في أوقات الانتخابات، كان معروفا إلى حد كبير من قبل الجيل السابق من الناخبين، الذي اعتاد على نمط من الحملات السياسية من خلال الاجتماعات العامة والحملة الانتخابية. إن التقليد الأميركي من الإعلانات التلفزيونية المدفوعة، التي تستفيد من التقنيات الأكثر تطورا في شارع ماديسون، هو تقليد مهم ، ولكن ليس شائعا في جميع أنحاء العالم. وإن التقليد الأوروبي للبث الأكثر تنظيما ما زال يتمتع بالقبول على نطاق واسع في وقت الانتخابات، أكثر من أي تقليد أخر. ويميل هذا لصالح رسائل سياسية أكثر طولا، وتسجيل مناظرات صوتية سريعة.
      يقول أحد النقاد المشهورين في وسائل الإعلام إن "الوسيلة هي الرسالة". ولا شك أنه يمكن إيصال أنواع عديدة من الرسائل بنفس الوسيلة خلال عملية الانتخابات. إن المناظرات الأكثر شهرة في تاريخ الحملات الانتخابية الأمريكية كانت بين كنيدي ونيكسون في عام 1960، وبين لينكولن ودوغلاس قبل قرن من ذلك. وكانت المقابلة الأولى هي بداية عهد الانتخابات التلفزيونية. ولكن الشيء المثير هو أن أوجه التشابه بين هاتين المقابلتين كانت أكثر من أوجه الخلاف بينهما.
     ويبقى علينا أن نرى ما هو الأثر الطويل الأجل لأحدث التطورات في تكنولوجيا وسائل الإعلام. فلقد حولت الإنترنت بالفعل الطريقة التي يتم نقل المعلومات عن الانتخابات. وانتهت بصورة فعالة تماما، على سبيل المثال، محاولات "التعتيم الإخباري" أو" فترات التفكير"، لأن ذلك لم يعد يحدث تحت سيطرة المنظمين. ولما كان القسم الأكبر من سكان العالم،  لا يملك أجهزة التلفاز، وعدد قليل جدا يملك أجهزة الحاسوب، فإن التأثير الدقيق على تغطية الانتخابات لا يزال بحاجة إلى تحديد.
     ويحتمل أن تكون خدمات الهاتف النقال كوسيلة لنقل الأخبار أكثر أهمية في المستقبل. وإن الحصول على الهواتف في أجزاء كثيرة من العالم، تجاوز جيلا تكنولوجيا. فالعديد من الناس الفقراء الذين ليس لديهم خط أرضي، يمتلكون الهاتف المحمول. وقد تم بالفعل استخدام الرسائل النصية في الحملات السياسية وتوزيع الأخبار. وستشهد المرحلة المقبلة في الانتخابات نموا أكثر في  استخدام أجهزة "البودكاستينغ"، التي تستخدم لبث ملفات الصوت.
     ربما لا يوجد جانب من جوانب إدارة الانتخابات  أكثر تحديدا من خلال السياق السياسي والاجتماعي من جانب أداء وسائل الإعلام. ويجب أن ينظر إليه بصورة أساسية من خلال بعدين متداخلين هما :
• مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، ونتائجها على البنية الهيكلية لملكية وسائل الإعلام والجمهور – والمصدر الذي يحصل الناس من خلاله على معلوماتهم السياسية.
• مدى الخبرة المتوفرة لدى وسائل الإعلام في نقل أخبار الانتخابات الديمقراطية - ومدى توفر الحرية لدى وسائل الإعلام في الماضي.
       لقد أصبح الحديث الشائع اليوم عن عولمة المعلومات. كما يشعر الكثيرون بالأسف بالتأثير الأمريكي "أمركة" الحملة الانتخابية - أي استخدام الصور السريعة المرئية على التلفزيون ذات المحتوى الموضوعي الهزيل. وكل من هاتين النظرتين، رغم أنهما تنبعان على ما يبدو من وجهات نظر سياسية مختلفة، تصل إلى نفس الفرضية: وهي أن هناك نوعا معينا من وسائل الإعلام، ولغة خاصة للحملات الانتخابية، هي التي تسود في جميع أنحاء العالم. إلا أن هذا لا يزال بعيدا عن القضية الأساسية، إذ يتم استبعاد أعداد كبيرة جدا من الناخبين، لعدم قدرتهم على الوصول إلى التلفزيون بسبب الفقر. كما يستبعد عددا كبيرا آخر من قراء الصحف بسبب الفقر والأمية. (رغم ذلك فإنه من المثير للاهتمام الإشارة إلى أن عدد الذين يقرؤون الصحف أعلى من عدد الذين يشاهدون التلفزيون في العديد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى) . وهكذا بدون شك، رغم انتشار نظام المعلومات أكثر من أي وقت مضى – بصورة أكبر مما كانت عليه عندما اخترع المارشال ماكلوهان مصطلح "القرية العالمية" في الستينيات- فإن الخصائص الوطنية لا تزال تحتل مكانة هامة للغاية. ولم تكن أكثر أهمية في أي وقت من الأوقات مما هي عليه في الانتخابات التي تحولت بصورة جوهرية إلى مناسبة وطنية.
     وتشترك البلدان التي كانت خاضعة لحكم استبدادي في الفترة الأخيرة، بخضوع وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام فيها لرقابة حكومية صارمة في كثير من الأحيان. وفي أماكن أخرى، في معظم بلدان أوروبا الغربية مثلا، هناك تاريخ طويل وهام للإذاعة العامة التي تعمل بصورة مستقلة عن الحكومة، وتعمل على تعزيز تعددية وسائل الإعلام. ولكن في البلدان التي تعاني من ضعف ثقافة التعددية السياسية، لا تتوفر لدى الصحفيين التابعين للدولة الجرأة الكافية، أو لا يتمتعون بالاستقلالية. وقد يتطلب هذا الأمر درجة أكبر من التدخل من الهيئة التنظيمية، لضمان أداء الصحفيين لمهامهم في الخدمة العامة بشكل صحيح.
      ظرف آخر من الظروف المماثلة التي يمكن أن تتدخل فيه من السلطة التنظيمية بشكل أكثر فعالية وأكثر تنظيما، عندما يكون هناك تجربة طويلة من "خطاب الكراهية" والتحريض على العنف من خلال وسائل الإعلام الحزبية التي تمثل جماعات سياسية أو عرقية مختلفة.
     ويكون دور السلطة التنظيمية في مثل هذه الظروف، هو ضمان تعدد الأصوات في وسائل الإعلام، وليس إسكات أحد.
      هذا وإن بعض القضايا العملية قد تكون أكثر صعوبة في معالجتها في ديمقراطية حديثة من معالجتها في ديمقراطية قائمة بصورة واضحة.  فمثلا كيف يمكن أن تقرر مدى وقت البث الحر لكل حزب عندما لم تكن هناك انتخابات ديمقراطية سابقة كوسيلة لقياس حجم التأييد الشعبي للأحزاب؟ ولكن ينبغي عدم المبالغة في مثل هذه الصعوبة أو الاختلاف، فالعديد من الديمقراطيات المتقدمة مثل هولندا والدنمرك والنرويج، على سبيل المثال،  لا تعطي أهمية كبيرة لنتائج الانتخابات السابقة عند تخصيص وقت البث. وهي تفعل ذلك على أساس المساواة بين الأحزاب. ويتوفر للمسؤولين في الديمقراطيات الجديدة عند القيام بوضع الخطط والنظم ثروة من الأمثلة الحية للاختيار من بينها. 

المبادئ القانونية


     يخضع دور الإعلام في الانتخابات لمجموعة متزايدة من القوانين، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. ومن الضروري أن ندرك أن هذه التشريعات تتوجه بصورة أساسية إلى تنظيم سلوك الحكومات فيما يتعلق بوسائل الإعلام، وليس لتنظيم وسائل الإعلام نفسها.
     تتبنى المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي جانبين:
• الحق في حرية التعبير وحرية الحصول على المعلومات
• الحق في المشاركة في حكم البلاد من خلال الانتخابات
        يمكن العثور على هذه المبادئ في شكلها الأصلي في المادة 19 والمادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1948. وكما وردت في عدد من معاهدات الأمم المتحدة، ومعاهدات حقوق الإنسان الإقليمية التي اعتمدت منذ ذلك الحين. ولقد عملت الهيئات التي صدرت عنها مختلف قرارات المعاهدات، مثل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، على تعديل هذه المبادئ وتحسينها، ما يجعلها مصدرا غنيا من الإرشادات القانونية والقابلة للتطبيق على نحو متزايد.
      ويمكن العثور على مصدر آخر للقانون الدولي حول  وسائل الإعلام والانتخابات في قرارات أنواع أخرى من المؤسسات الدولية، مثل المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير، الذي وضع في عام 1999 عددا من المبادئ الهامة عن دور الإعلام في الانتخابات، وواجب الحكومات في ضمان تعددية وسائل الإعلام.
      كما يمكن أن نجد في أساليب الهيئات الدولية الأخرى مثل إدارة الأمم المتحدة في الانتخابات التي جرت تحت إشراف دولي، مصدرا ل"قانون غير ملزم". أي أنها لا تفرض سلطة ملزمة على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكنها تقدم مؤشرا هاما من المعايير الدولية السائدة.
     إضافة إلى مصادر القانون الدولي، فإن العديد من القوانين المحلية، وقرارات المحاكم الوطنية، توفر مصدرا من مصادر القانون المقارن. وفي العديد من البلدان، ولا سيما تلك التي تطبق نظام القانون العام، قد يتم استدعاء قرارات المحاكم الوطنية الأخرى، باعتبارها سابقة ومصدرا للإرشاد. مرة أخرى إن هذه القرارات ليست ملزمة، ولكن، تبعا لأقدمية المحكمة التي يجري ذكر قرارها، يأخذ القضاة بعين الاعتبار طريقة التفكير والنتائج التي تم الوصول إليها.


القانون الدولي حول وسائل الإعلام والانتخابات


     إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم اعتماده من قبل الأمم المتحدة في عام 1948، هو البيان النهائي للمبادئ في مجال حقوق الإنسان. وهو يحتوي على المادتين 19 و 21، والتي تعتبر أساسية بالنسبة لالتزامات الحكومات فيما يتعلق بدور وسائل الإعلام في الانتخابات. وتضمن المادة الأولى المادة 19 الحق في حرية التعبير. وتضمن المادة الثانية رقم 21 الحق في المشاركة في انتخابات دورية سرية.
     ويفرض الإعلان العالمي التزامات على جميع أعضاء المجتمع الدولي. وهو كإعلان، يمثل فقط ما يسمى القانون الدولي العرفي. وباعتماد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1966، تم تأكيد هذه الأحكام نفسها، وإعطاؤها قوة القانون الملزم، وواجب النفاذ على جميع الدول التي صدقت عليها. ويقول جزء من المادة 19 من العهد الدولي:
     لكل إنسان الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق الحرية في البحث عن المعلومات والأفكار من كل نوع وتلقيها ونقلها، دونما اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة، بشكل فني أو بأية وسائط أخرى يختارها.
وتقول المادة 25 من العهد الدولي في جزء منها:
  (ا) يجب أن يتوفر لكل مواطن الحق والفرصة، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة (2) [تمييز من أي نوع مثل العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد أو أي وضع آخر ] ودون قيود غير معقولة :
(ب) أن ينتخب وينتخب في انتخابات دورية حقيقية، تكون بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة، وتجرى بالاقتراع السري، وتضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
      ولقد تم اعتبار هذين القرارين معا من أجل فرض التزام على الحكومات لضمان التنوع والتعددية في وسائل الإعلام خلال فترات الانتخابات.
      وإن المعاهدات الإقليمية الرئيسة لحقوق الإنسان - الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب - تحتوي على مزيج مماثل من الضمانات للحق في حرية التعبير والإعلام، والحق في المشاركة السياسية دون تمييز.
      كما أن الوثائق التي اعتمدها مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا تخطو خطوة أخرى إلى الأمام. وقد التزمت الدول  المشاركة في مؤتمر الأمن والتعاون في وثيقة كوبنهاغن لعام 1990 بضمان ما يلي:
     "يجب أن لا تكون هناك عقبة قانونية أو إدارية تقف في طريق الوصول دون عائق إلى وسائل الإعلام على أساس غير تمييزي، لجميع المجموعات السياسية والأفراد الراغبين في المشاركة في العملية الانتخابية".
     وثائق مؤتمر الأمن والتعاون ليست معاهدات، وبالتالي لا تملك نفس القوة الملزمة. ولكن يتم القبول بها كجزء من القانون الدولي العرفي، وبالتالي فهي تفرض التزامات على الدول المشاركة.
    تقوم قرارات كل من المحاكم الدولية والوطنية بتوفير المزيد من التفاصيل والمضمون لهذه المبادئ العامة حول وسائل الإعلام والانتخابات. ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
• وسائل الإعلام تلعب دورا حيويا في مراقبة الحكومات ومساءلتها وضمان الأداء الفعال للديمقراطية.
• تلتزم الحكومات بضمان وجود نظام ديمقراطي يضمن التعددية في وسائل الإعلام، لا سيما في الانتخابات.
• حرية النقاش السياسي هو حق أساسي.
• يحق للأحزاب السياسية والأفراد  الوصول إلى  وسائل الإعلام الحكومية خلال الحملات الانتخابية.
• تلتزم وسائل الإعلام الحكومية بنشر وجهات النظر المعارضة.
• يجب أن يتوفر حق الرد والتصحيح أو التراجع، ردا على التصريحات الخاطئة في وسائل الإعلام الحكومية.
• قد تكون هناك قيود على المسؤولية القانونية لوسائل الإعلام إذا كانت تنشر بيانات غير قانونية.
• يجوز الحد من حرية التعبير السياسي لأسباب استثنائية.
• يجب تعزيز الحماية من انتقادات السياسيين والحكومة.
• يجب تعزيز الحماية للآراء السياسية.
• يحق الحصول على تعويض مناسب لأولئك الذين انتهكت حقوقهم.
• تلتزم الحكومات بحماية سلامة العاملين في وسائل الإعلام والمؤسسات.



وسائل الإعلام والديمقراطية


تجعل وسائل الإعلام من ممارسة حرية التعبير واقعا ملموسا. [1]
    تظهر كلمات محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان بإيجاز مبدأ معترف به عالميا الآن في القانون الدولي: ممارسة حرية التعبير في ظل الديمقراطية لا تعني الكثير، إذا كانت تمارس على المستوى الفردي فقط. فحرية التعبير ليست ما يمكن أن تقوله لجارك فقط، أو ما تسمعه منه. فالشيء الأهم، هو إمكانية التعبير عن الحقائق والآراء وتلقي المعلومات من خلال وسائل الإعلام أيضا.
     والمحكمة الدولية التي ذهبت إلى أبعد من ذلك في تطوير هذا النهج، هي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وقد خلصت إلى أن حرية الإعلام أمر حيوي لتوفير المعرفة للمواطنين:
    إن حرية الصحافة تعد من أفضل الوسائل التي تتيح للجمهور تشكيل الرأي العام، واكتشاف أفكار قادتهم السياسيين ومواقفهم. وهي تعطي بصورة خاصة لرجال السياسة الفرصة للتأمل والتعليق على اهتمامات الرأي العام، وهي بالتالي توفر الفرصة للجميع من أجل المشاركة في النقاش السياسي الحر الذي هو من صميم مفهوم المجتمع الديمقراطي. [2]
تقوم وسائل الإعلام بتوعية الجمهور بالمسائل التي تهمه وتعمل كرقيب على الحكومة :
     ... يتعين على [الصحافة] أن تنقل المعلومات والأفكار حول القضايا التي تتعلق بالمصلحة العامة، ليس فقط لأنه يقع على عاتقها مهمة نقل هذه المعلومات والأفكار: الجمهور أيضا لديه الحق في الحصول عليها. وإذا كان الأمر عكس ذلك، فإن الصحافة لا تستطيع أن تلعب دورها الحيوي "كمراقب عام". [3]
    ولهذا فإنه وفقا للمحكمة الأوروبية، يوجد هناك جانبان لهذا الدور الديمقراطي للوسائل الإعلام : اطلاع الرأي العام والعمل كرقيب على الحكومة. وهذا الدور لا يفرض واجبات خاصة على أي صحيفة أو محطة إذاعة، بل يفرض واجبا على الحكومات لضمان أن تكون وسائل الإعلام قادرة على القيام بهذه المهام. ولهذا المبدأ بشكل واضح آثاره العملية في سياق الانتخابات.
    ويجوز للحكومات أن تقوم بتنظيم الجوانب الفنية للبث الإذاعي وفقا للمحكمة الأوروبية. وينبغي تخصيص الترددات بطريقة عادلة وغير تمييزية. وتخضع وسائل الإعلام لقانون البلاد - في المسائل التي تتعلق بالتشهير أو التحريض - ولكن لا يجوز بصورة عامة أن تقوم الحكومات بتقييد محتويات وسائل الإعلام.

[1] العضوية الإلزامية في النقابة المنصوص عليها في قانون ممارسة الصحافة، ومحكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان، Adv. Opn. OC-5/83 من 13 نوفمبر 1985 ، المجموعة أ رقم 5، وأعيد طبعه في 7 مجلة قانون حقوق الإنسان (1986)، 74 في 8، 165.
[2] كاستلز ضد اسبانيا ، الحكم الصادر في 23 أبريل 1992، المجموعة أ رقم 236، الفقرة 43.
[3] ثورقرسن ضد أيسلندا ، الحكم الصادر في 25 يونيو 1992، المجموعة أ رقم 239، الفقرة 63.


الالتزام بالتعددية


تلعب وسائل الإعلام في الانتخابات دورا رئيسيا، ليس فقط باعتبارها وسيلة لمراقبة الإجراءات الحكومية، ولكن أيضا من أجل ضمان أن الناخبين لديهم كل المعلومات اللازمة تحت تصرفهم لاتخاذ قرار ديمقراطي مستنير. ويقع على عاتق الحكومات واجب هام وسلبي بعدم عرقلة وسائل الإعلام في القيام بهذه الوظائف. إضافة إلى ذلك، وعلى درجة أقل أهمية، يقع على عاتق الحكومات التزام إيجابي، يتمثل في توفير تعددية في وسائل الإعلام، من أجل نقل أوسع مجموعة متنوعة من مصادر المعلومات للجمهور. والواقع أن الالتزام الوارد في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يضمن حرية التعبير وحرية الإعلام، وينطبق فقط على الحكومات، ولا ينطبق بالتأكيد على منظمات ووسائل الإعلام الفردية.
     وكما ذكرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام الوحيد على المادة 19 من العهد الدولي المذكور:
    "نظرا لتطور وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة، يلزم اتخاذ التدابير الفعالة لمنع السيطرة على وسائل الإعلام بشكل يتعارض مع حق كل فرد في حرية التعبير...." [1]
        وقد خلصت المحكمة العليا في زيمبابوي في نفس السياق، إلى أن الاحتكار الذي تتمتع به الشركات شبه الحكومية وشركة الاتصالات السلكية واللاسلكية غير دستوري على أساس حرية التعبير. ووجدت المحكمة أن حماية حرية التعبير لا تنطبق فقط على محتوى المعلومات، ولكن أيضا على وسائل نقل واستقبال هذه المعلومات. وإن القيود المفروضة على وسائل نقل أو استقبال المعلومات تتعارض بالضرورة مع الحق في تلقي المعلومات ونقلها. وإن أي احتكار مهما كان الغرض منه، له تأثير ويحول دون تلقي ونقل الأفكار والمعلومات يشكل انتهاكا لحماية هذا الحق. [2]
       وتؤكد التشريعات في العديد من البلدان مثل غانا وسريلنكا وبليز والهند وترينيداد وتوباغو وزامبيا النقطتين المشتركتين، بأن احتكار وسائل الإعلام يشكل تدخلا غير مقبول مع حرية التعبير، وأن وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام، يجب أن تنقل وجهات النظر الأخرى غير وجهة نظر الحكومة الحالية. وهناك عدد من هذه الأحكام في زامبيا وبليز وترينيداد وتوباغو يشير إلى حق المعارضين السياسيين للحكومة في عرض وجهة نظرهم في وسائل الإعلام. وينطبق هذا الحق على أنواع أخرى من الأقليات أيضا. والتوصية التالية مأخوذة من تقرير للأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات:
     "ينبغي لأعضاء الجماعات المختلفة التمتع بحقها في المشاركة في الحياة الثقافية للمجتمع، على أساس ثقافتهم ولغتهم، وبإنتاج الفنون والعلوم والاستمتاع بها، وحماية تراثهم الثقافي وتقاليدهم، وامتلاك وسائل إعلام خاصة بهم، وغيرها من وسائل الاتصال، وإمكانية الوصول بشكل متساو إلى وسائل الإعلام المملوكة للدولة أو التي يسيطر عليها الجمهور." [3]
     ومن المهم التأكيد على أن وسائل الإعلام ليست فقط وسيلة للتعبير بالمعنى الضيق. إنها تحتل أهمية كبيرة أيضا – لأنها تعتبر في المقام الأول وسيلة لتمكين الجمهور من ممارسة حقه في حرية الحصول على المعلومات. كما تلعب وسائل الإعلام دورا في الرقابة على أنشطة الحكومة وغيرها من المؤسسات الهامة. ومن الواضح أنها لا تستطيع القيام بهذا الدور إذا كانت تدين بالولاء الضيق للحكومة أو الحزب الحاكم في تلك الفترة. وكانت المبادئ التوجيهية الأكثر تفصيلا، والتي تعكس أفضل الممارسات الدولية حول التعددية والوصول إلى وسائل الإعلام، هي تلك التي أصدرتها السلطة الانتقالية للأمم المتحدة في كمبوديا. وهي كما يلي:
    
    "ينبغي أن تكون وسائل الإعلام الحرة والمستقلة متنوعة في الملكية، ويجب أن تعمل على تعزيز الديمقراطية وحمايتها، وأن تفتح الفرص والسبل لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". [4]
     وفي البيان النهائي الصادر عن سلطة من الأمم المتحدة، خلص عابد حسين المقرر الخاص للأمم المتحدة في تقريره السنوي لعام 1999 حول حرية الرأي والتعبير إلى ما يلي:
    "هناك العديد من المبادئ الأساسية التي لو تم تعزيزها واحترامها، تعمل على تعزيز الحق في البحث عن المعلومات وتلقيها ونقلها، وهذه المبادئ هي : تجنب الاحتكار أو التركيز المفرط لملكية وسائل الإعلام في أيدي عدد قليل من الأفراد، من أجل أن يكون هناك تعدد  في وجهات النظر والأصوات؛ كما تتحمل وسائل الإعلام المملوكة من قبل الدولة مسؤولية تقديم تقرير عن جميع جوانب الحياة الوطنية، وتوفير إمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من وجهات النظر، كما يجب أن لا تستخدم وسائل الإعلام المملوكة للدولة كوسيلة من أجل نقل الدعاية لحزب سياسي أو للدفاع عن الحكومة، واستبعاد جميع الأطراف والمجموعات الأخرى... " [5]
وقام المقرر الخاص بعد ذلك بوضع قائمة بسلسلة من الالتزامات التي يجب أن تقوم بها الدولة، لضمان أن تعمل وسائل الإعلام على أوسع نطاق ممكن لتوفير أكبر قدر من المعلومات الكاملة للناخبين:
• يجب ألا يكون هناك تحيز أو تمييز في التغطية الإعلامية
• ينبغي أن لا يسمح بوجود رقابة على برامج الانتخابات.
• ينبغي أن تعفى وسائل الإعلام من المساءلة القانونية عن التصريحات الاستفزازية، وينبغي توفير الحق في الرد.
• يجب أن يكون هناك تمييز واضح بين التغطية الإخبارية لمهام مكتب حكومي، والتغطية الإخبارية لمرشح حزب.
• ينبغي توزيع الوقت في برامج البث المباشر على أساس عادل وبدون تمييز.
• يجب توفير البرامج التي تتيح الفرصة للمرشحين مناقشة بعضهم البعض، وتوفير الفرصة للصحفيين للحوار معهم
• ينبغي أن تشارك وسائل الإعلام في تثقيف الناخبين.
• ينبغي أن تستهدف البرامج الفئات المحرومة تقليديا، والتي قد تشمل النساء والأقليات العرقية والدينية.

[1] الذي تم اتخاذه من قبل لجنة حقوق الإنسان في جلستها رقم 461 في 27 يوليو 1983، وثيقة الأمم المتحدة رقم A/38/40 ، 109.
[2] رتروفت (بيه تيه واي) المحدودة ضد شركة ا الاتصالات السلكية واللاسلكية، المحكمة العليا، 1995 (9) BCLR 1262 (2.
[3] وسائل إيجابية لتسهيل إيجاد حلول سلمية وبناءة للمشاكل التي تتعلق بالأقليات (تقرير المقرر الخاص أسبيورن إيدي)، الملحق الرابع، وثيقة الأمم المتحدة رقم E/CN.4/Sub.2/1993/34/Add.4 ، الجزء الثاني ، الفقرات 11 و 12.
[4] سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا، المبادئ التوجيهية لوسائل الإعلام في كمبوديا، 1992.
[5] تقرير المقرر الخاص المعني بحماية الحق في حرية التعبير والرأي وتعزيزهما، السيد عابد حسين، وثيقة الأمم المتحدة رقم E/CN.4/1999/64 29 كانون الثاني 1999.


حرية المناظرة السياسية


     لقد تم الاعتراف بحرية المناظرة السياسي كحق أساسي من قبل المحاكم الدولية وغيرها من الهيئات الدولية الأخرى، والمحاكم الوطنية. ولقد أشارت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في عام 1978 إلى أن: "حرية المناظرة السياسية هي من صميم مفهوم المجتمع الديمقراطي". [1]
    تعود أهمية المناظرة السياسية في قسم منها، إلى أنها وسيلة لإعطاء معلومات للناخبين، تسمح لهم بممارسة اختياراتهم السياسية. ولقد ذكر الفريق التقني للأمم المتحدة في استفتاء ملاوي لعام 1993، الذي تم فيه الاختيار بين نظام أحادي ونظام متعدد الأحزاب: “إذا أراد الناخبون الاختيار بصورة مستنيرة في مركز الاقتراع، فإن ممارسة حقيقية لحرية التعبير شيء ضروري " [2] . ولقد قامت المحكمة العليا "انوجو" في نيجيريا بملاحظة مماثلة:
   إن حرية التعبير بلا شك هي أساس كل مجتمع ديمقراطي، وبدون نقاش حر، ولا سيما في القضايا السياسية، لن يكون هناك تثقيف أو تنوير للجمهور، وهي أمور ضرورية لحسن سير العمل وتنفيذ عمليات الحكومة المسؤولة. [3]


وذكرت المحكمة العليا الإسرائيلية :
إن الديمقراطية الحقيقية وحرية التعبير كلاهما واحد. تُمكن حرية التعبير كل فرد من بلورة رأيه المستقل في عملية اتخاذ القرارات الحيوية في دولة ديمقراطية. ويعتمد جوهر الانتخابات الديمقراطية على التمكن من الوصول إلى آراء مدروسة، وتقييمها وعرضها للنقاش... [4]

[1] لنجنز ضد النمسا، الحكم الصادر في 8 يوليو 1986، المجموعة أ رقم  103، الفقرة 42.
[2]) تقرير الفريق الفني للأمم المتحدة حول سلوك حر واستفتاء نزيه في قضية نظام الحزب الواحد أو التعددية الحزبية في ملاوي (15-21 نوفمبر 1992)، الفقرة 26.
[3]) الدولة ضد دار بوق العاج للنشر، 1984، 5، NCLR736، المحكمة العليا، إينوغو، 31 كانون الثاني 1983.
[4] زفيلي ضد اللجنة المركزية لانتخابات الكنيست الثالثة عشرة، وجمعية حقوق المواطن في إسرائيل ضد هيئة الإذاعة الإسرائيلية، 869HC/92 و931/92 : 46 (2) بسكي دن، 692.


الحق في الوصول إلى وسائل الإعلام الحكومية


      هناك تزايد لأهمية القرارات التي تتخذها المحاكم الوطنية بشأن حق الأحزاب المعارضة في الوصول إلى وسائل الإعلام الحكومية. وهناك اتجاه واضح نحو الاعتراف بأن الحكومات ملزمة بضمان وصولها. وكان هذا هو النهج المتبع من قبل مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير في تقريره لعام 1999.
   ولقد أصدرت المحكمة العليا في زيمبابوي في عام 2000 على سبيل المثال، حكمين خاصين بهذه المسألة بالذات. فقد أصدرت المحكمة في شهر كانون الثاني تعليمات لهيئة الإذاعة في زيمبابوي من أجل بث الإعلانات والمواد التي أعدتها حملة "لا" في استفتاء البلاد على دستور جديد مقترح. وكانت الحكومة تناصر حملة  "نعم" وقامت ببث موادها بإسهاب. [1]
     وقامت المحكمة العليا في 13حزيران، قبل بضعة أيام من الانتخابات البرلمانية،  بناء على طلب من حركة التغيير الديمقراطي المعارضة، بتوجيه الأمر إلى هيئة الإذاعة في زيمبابوي بوقف البث السياسي المنحاز، والقيام بأداء وظائفها وفقا لقانون البث لنقل الأخبار على شاشة التلفزيون وخدمات البث الإذاعي دون تحيز، ودون تمييز على أساس الرأي السياسي، ودون إعاقة حق الأشخاص في نقل الأفكار والمعلومات وتلقيها. [2]
     وقبل سنوات قليلة، قامت المحكمة العليا في زامبيا، الجارة الشمالية لزيمبابوي، بالحكم في قضية مماثلة. وكانت نقطة الخلاف تدور حول التوجيهات الصادرة من الرئيس كينيث كاوندا في الأسابيع التي سبقت أول انتخابات متعددة الأحزاب في البلاد في عام 1991. فلقد صدرت التعليمات للصحف الثلاث التي تسيطر عليها الحكومة، بعدم نشر البيانات التي يدلى بها قادة حزب المعارضة الرئيس أو قبول إعلاناتهم. ورأت المحكمة أن هذا التوجيه قد انتهك الضمانات الدستورية التي تكفل حرية التعبير:
     "ونظرا لعدم السماح لمقدمي الطلبات من نشر وجهات نظرهم حول المسائل السياسية من خلال صحف حكومية، ومن خلال الراديو والتلفزيون أيضا، فقد حرموا من حق التمتع بحريتهم في التعبير..." [3]
ونتيجة لذلك قامت المحكمة بإصدار "تعليق عام" بشأن الدور المناسب لوسائل الإعلام المملوكة ملكية عامة:
  "فيما يتعلق بالصحف، يفترض أن تدار على أساس المبادئ والأخلاق الصحفية، بعيدة عن أي تدخل خارجي. وتفرض هذه المبادئ تغطية جميع الأحداث المهمة بغض النظر عن مصدر هذه الأنباء. وأي شيء أقل من هذا، غير مقبول من وسيلة إعلام يملكها القطاع العام، سواء كانت مطبوعة أو غيرها- وأنه من السهل جدا لعامة الناس تقييم إذا ما كانت صحيفة معينة تعمل وفقا لمبادئ صحفية سليمة أو أخلاقية". (المرجع نفسه)
    وكانت المحكمة العليا في ترينيداد وتوباغو قد وجدت في وقت سابق نتيجة مماثلة فيما يتعلق بالتلفزيون. فقد رفضت المحطة التلفزيونية المملوكة للدولة بث كلمة مسجلة مسبقا من قبل أحد أعضاء المعارضة في البرلمان. وقضت المحكمة بأن هذا العمل يعد انتهاكا للحق في حرية التعبير:
  "ولما كان التلفاز يعد من أقوى وسائل الاتصال في العصر الحديث، فإنه من وجهة نظري غير مقبول أن نقول أن حرية التعبير عن الآراء السياسية تعني ما يقصده الدستور دون ربط التعبير عن وجهات النظر بشاشات التلفزيون. فإن أيام الخطابة قد ولت، وكذلك أيام توزيع المنشورات السياسية... " [4]


    وقد اتخذت بعثات إشراف المراقبين الدوليين والمجموعات الاستشارية نهجا مماثلا في السنوات الأخيرة. فقد ذكر مراقب في بعثة الأمم المتحدة في انتخابات 1989 في نيكاراغوا مثلا: "إنه من الضروري توفير الفرص المتساوية لجميع الأحزاب السياسية في الوصول إلى تلفزيون وإذاعة الدولة من حيث التوقيت وفترة البث على حد سواء." [5] . ولقد قام فريق الأمم المتحدة التقني للاستفتاء في ملاوي عام 1993 بتوصية مماثلة :


     من المعتاد في وسائل الإعلام المملوكة للحكومة، أن يكون الوصول إليها على قدم المساواة، سواء من حيث التوقيت وطول الاستفتاء لكي يتمكن كل من الجانبين المتنافسين من طرح حججهم."[6]
    (لاحظ أنه في هذه الحالة كانت التوصية "على قدم المساواة" بدلا من الوصول "العادل"، ذلك أن الاختيار في الاستفتاء كان بين اثنين من المقترحات بدلا من عدد من الأحزاب السياسية.)
    وبالمثل، في الانتخابات التي جرت تحت إشراف الأمم المتحدة في كمبوديا في عام 1993، كانت السلطة الانتقالية للأمم المتحدة في كمبوديا معنية بضمان الوصول العادل إلى وسائل الإعلام ، على النحو المبين في المبادئ التوجيهية للانتخابات :
      سوف تضمن السلطة الانتقالية عند ممارستها لمسؤولياتها بموجب الاتفاق، الوصول العادل إلى وسائل الإعلام لجميع الأطراف المتنافسة في الانتخابات، بما في ذلك الصحافة والتلفزيون والإذاعة". [7]

[1] مشروع رصد وسائل الإعلام في زيمبابوي، مسألة التوازن: وسائل الإعلام في زيمبابوي والاستفتاء على الدستور، هراري ، 2000.
[2] مشروع رصد وسائل الإعلام في زيمبابوي وانتخابات عام 2000: الحرب الإعلامية، هراري، 2000، ص11.
[3]) آرثر وينا وآخرون ضد النائب العام (1990) رقم HP/1878 ، محكمة العدل العليا: لوساكا.
[4] رامباشان ضد هيئة التلفزيون المحدودة في ترينيداد وتوباغو والنائب العام لترينيداد وتوباغو، قرار 17 تموز 1985 (غير المبلغ عنه).
[5] إنشاء بعثة مراقبة الأمم المتحدة واختصاصاتها للتحقق من العملية الانتخابية في نيكاراغوا، والوضع في أمريكا الوسطى، السجلات الرسمية للجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة 44. "التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليين ومبادرات السلام" الأمم المتحدة، الوثيقة رقم  A/44/375 1989 ، الملحق 1، في 3.
[6]) تقرير الفريق الفني التابع للأمم المتحدة حول سير استفتاء حر ونزيه في قضية نظام الحزب الواحد والتعددية الحزبية في ملاوي (15-21 تشرين الثاني 1992)، الفقرة. 27.
[7] سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا، والمبادئ التوجيهية لوسائل الإعلام في كمبوديا (1992)، pream. الفقرة. 4.


نشر وجهات النظر المعارضة


     إن واجب وسائل الإعلام المملوكة ملكية عامة أو تسيطر عليها الحكومة، في نشر أو بث آراء المعارضة، مستمد من حظر التمييز الخاص بالتمتع بالحقوق. وقد ورد ذكر ذلك بصورة واضحة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك في سائر معاهدات حقوق الإنسان. وهذا يعني أنه إذا كان الحزب الحاكم لديه الفرصة لممارسة حقه في حرية التعبير عبر وسائل الإعلام الحكومية، يجب أن تعطى المعارضة الفرصة نفسها. 
     ولقد رفضت اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان طلبا من إحدى الجمعيات، رُفض طلبها من قبل هيئة الإذاعة البريطانية في الحصول على وقت للبث خلال الانتخابات. وذكرت اللجنة، رغم أنه لم يكن هناك من وجهة نظرها حق عام في الوصول إلى وسائل البث، إلا أنه ينبغي إعطاء الأحزاب السياسية مثل هذا الفرصة على أساس منصف: 
    من الواضح أن حرية "نقل المعلومات والأفكار" المدرجة في الحق في حرية التعبير المنصوص عليها في المادة 10 من الاتفاقية، لا يمكن أن تشمل الحق العام والمطلق لأي مواطن عادي أو منظمة في الحصول على وقت بث في الإذاعة أو التلفزيون من أجل أن تقدم رأيها. من ناحية أخرى، ترى اللجنة أن الحرمان من البث مرة واحدة أو أكثر لمجموعات أو أشخاص معينين، في ظروف خاصة، يثير  قضية بموجب المادة 10 وحدها، أو بالاشتراك مع المادة 14 من اتفاقية (حظر التمييز). وتنشأ مثل هذه المسألة، من حيث المبدأ، على سبيل المثال، إذا تم استبعاد حزب سياسي واحد من مرافق البث في وقت الانتخابات، في حين أعطيت الأحزاب الأخرى وقتا للبث. [1] 

    هذه هي وجهة النظر المنطقية السليمة، التي وردت في التصريحات التي أدلى بها مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية التعبير، وكذلك في السياسة العامة أو الممارسة في العديد من البلدان. وهي تضمن استقلال هيئات التحرير في وسائل الإعلام، وفي نفس الوقت توفير حد أدنى من مستوى وصول الأحزاب السياسية إلى وسائل الإعلام. 

[1] X ورابطة Z ضد المملكة المتحدة. المفوضية الأوروبية حول حقوق الإنسان. قرار المقبولية، 12 تموز 1971، ملحق رقم 4515/70 (38) ، القرارات التي تم جمعها 86 (1971). 


الحق في الرد على تقارير وسائل الإعلام خلال الانتخابات

إن فكرة إنشاء حق قانوني ملزم في الرد أو التصحيح، لم تلق استحسانا كبيرا في مجال حرية التعبير للقائمين بالحملات الانتخابية، الذين يخشون من أنها قد تؤدي إلى خنق قوة حرية التعبير- وهذا شيء نحن بحاجة إليه في سياق الانتخابات بصورة خاصة. ومع ذلك فقد حبذت الهيئات الاستشارية الدولية وبعض المحاكم الوطنية مثل هذه الآلية، خاصة عندما يتم الرد على هذه المسألة في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة، والتي قد لا تتمكن المعارضة من الوصول إليها.
هذا هو المبدأ التي وضعته سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا على سبيل المثال.
    ينبغي أن تعطي وسائل الإعلام الأحزاب أو الجماعات أو الأفراد الذين حرفت وجهات نظرهم، أو تم الافتراء عليهم من قبل وسائل النشر أو البث "حق الرد" في وسائل الإعلام نفسها. [1]
     واعترفت المحكمة العليا في الهند بحق الرد الذي كان محددا في المطبوعات الحكومية، وقد أشارت إلى أن "النزاهة تتطلب وضع كل من وجهتي النظر على حد سواء أمام قرائها بقدر محدود، لتمكينهم من استخلاص الاستنتاجات الخاصة بهم." [2]
     وقد وجدت المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف في "بليز" قضية لصالح حق الرد مع أهمية خاصة للانتخابات. فقد رفضت هيئة إذاعة بليز السماح لمعارض سياسي كبير ومدير محطة تلفزيون، بث سلسلة من البرامج للرد على تصريحات الحكومة حول الاقتصاد. وقضت المحكمة العليا بأن هيئة إذاعة بليز قد تصرفت بشكل تعسفي، وذكرت :
   "إن التلفاز اليوم هو أقوى وسائل الاتصال ونشر الأفكار والمعلومات، ويشتمل حق التمتع بحرية التعبير حرية استخدام هذه الوسيلة". [3]
   وقد أيدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر عن المحكمة العليا، ورأت أن رفض هيئة إذاعة بليز بث البرامج ينتهك الحق الدستوري لمقدم الطلب في حرية التعبير والحماية من التمييز. ويجب أن تعطى الأحزاب السياسية فرصة للرد من خلال شاشة التلفاز على التصريحات التي تدلي بها الحكومة، والتي "تقدم معلومات أو تفسيرات للأحداث ذات أهمية وطنية أو دولية كبيرة... أو تسعى إلى تعاون الجمهور فيما يتعلق بهذه الأحداث." ولا يحق للمعارضة الرد في المجالات التي يكون فيها توافق في الآراء فقط "الرأي العام". [4]

[1] سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا، المبادئ التوجيهية لوسائل الإعلام في كمبوديا، 1992.
[2] مانوبهاي شاه ضد شركة التأمين الهندية على الحياة، 1992، 3 SCC 637.
[3] هيئة إذاعة بليز ضد كورتني وهور، ومحكمة الاستئناف 20 حزيران  1986، (1988) مركز مصادر التعلم 276 Const. (13) Common L Bull (1987) ، و 1238.
[4] المرجع نفسه، نقلا عن القوانين في انجلترا من تأليف هالزبري edn 4، المجلد 8، الفقرة 1134.

حدود مسؤولية وسائل الإعلام خلال الانتخابات

تثير قضية التشهير بحق كل من الصحفيين والسياسيين الاهتمام بصورة حقيقية. فما هو المدى على وجه التحديد الذي تكون فيه وسائل الإعلام مسؤولية قانونيا إذا  نقلت تقارير أو بيانات السياسيين، ثم وجد في وقت لاحق أنها شكل من أشكال التشهير؟
     إن مقرر الأمم المتحدة الخاص في تقريره لعام 1999 المعني بحرية الرأي والتعبير، وقف بقوة لصالح إعفاء وسائل الإعلام من المسؤولية عن نشر تصريحات غير مشروعة، أدلى بها سياسيون في سياق الانتخابات. ويمكن أن تشمل البيانات المقصودة تلك التي تحتوي على تشهير أو تحريض على الكراهية. وهذا لا يعني أنه لن يكون هناك أي مسؤولية عن مثل هذه التصريحات، فالشخص الذي أدلى بها سيظل مسؤولا - ولكن وسائل الإعلام ستكون حرة في إعادة نشرها دون، وأن تستعرض مثلا بث كل حزب أو دعاية انتخابية قبل إذاعتها.
"وقام المقرر الخاص بتقديم توجيهات واضحة بشأن مسألة كانت حتى الآن غير واضحة ومثيرة للجدل. وهكذا، على سبيل المثال ، فإن سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا أخذت في مبادئها التوجيهية وجهة النظر المقابلة تماما، معتبرة أن وسائل الإعلام ستكون مسؤولة قانونا عن البيانات التي "تحرض على التمييز أو العداوة أو العنف" من خلال أحقاد وطنية ودينية وعنصرية أو عرقية".  [1]
      وكان المقرر الخاص يعكس الاتجاه المتنامي في المحاكم الوطنية والهيئات التشريعية. وقد أقر البرلمان الدانمركي قانون إعفاء وسائل الإعلام من المسؤولية عن بسبب تصريحات تحرض على نشر الكراهية العرقية أو الوطنية، شرط أن لا تكون نية هذه الوسائل نفسها تعزيز الكراهية. جاء ذلك بعد إدانة صحفي وتغريمه لإذاعة مقابلة تلفزيونية مع أعضاء عصابة عنصرية. وتقدم الصحفي بطلب إلى اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي حكمت بقبول طلبه. [2]
كما وجدت المحكمة الدستورية الإسبانية بصورة مماثلة، أنه لا يمكن أن تكون الصحيفة مسؤولة عن نشر بيان صادر عن منظمة إرهابية:
"إن حق الصحفي في أن ينقل، وحق القراء في الحصول على معلومات كاملة ودقيقة، يشكلان معا في نهاية الأمر، ضمانة موضوعية للمؤسسة، تمنع فعليا احتساب أي نية إجرامية من جانب أولئك الذين ينشرون المعلومات". [3]
    إن هذا المنطق هام، لأنه يشدد على أن الحجة في عدم وضع المسؤولية على وسائل الإعلام في مثل هذه الحالات، هي في المقام الأول من أجل حماية حق الجمهور في الحصول على المعلومات.

[1] سلطة الأمم المتحدة الانتقالية في كمبوديا، المبادئ التوجيهية لوسائل الإعلام في كمبوديا (1992).
[2] جيرسيلد ضد الدانمرك، طلب رقم 15890/89 ، القرار بشأن القبول الصادر في 8 أيلول 1992.
[3 ]حالة إيجن، STC 159/86 ، مجلة التشريعات الدستورية 68 في 1447الفقرة 8.

القيود المفروضة على الخطاب السياسي


إن حرية التعبير ليست حقا مطلقا، وقد يجري تحديدها في بعض الظروف. لكن هذه القيود يجب أن تتفق مع المعايير المحددة بوضوح. وفي كل الأحوال تقريبا فإنه لن يكون مشروعا تقييد الخطاب السياسي قبل أن يحدث. لذلك، ففي حين أن الشخص الذي يتعرض للقذف قد يكون لديه وسيلة إنصاف قانونية، فمن غير المقبول تطبيق الرقابة المسبقة على كلمات السياسيين للتأكد من أنها لا تحتوي على التشهير.
     وتنص المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في الفقرة 3 عددا من الأسباب التي يجوز فيها تقييد هذا الحق.
    "إن ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة تشمل واجبات ومسؤوليات خاصة، ويمكن بالتالي أن تخضع لقيود معينة، ولكن ستكون هذه فقط بما ينص عليه القانون، وفي حالة الضرورة: (أ) للحصول على احترام حقوق الآخرين وسمعتهم ، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام، أو الصحة العامة أو الآداب العامة ".
  ولقد نصت التشريعات  أن حرية التعبير في إطار القانون الدولي يمكن أن تكون فقط من خلال تطبيق اختبار من ثلاثة أجزاء من أجل إثبات أن هذا التحديد:
• منصوص عليه في القانون- وهذا يعني، أنه يجب أن توجد من قبل في القانون الوطني أو القانون الدولي الملزم؛
• يخدم غرضا مشروعا- وهذا هو واحد من الأغراض المنصوص عليها في المادة 19 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛
• ضروري في مجتمع ديمقراطي. وهذا يعني، من بين أمور أخرى، أن التقييد ينبغي أن يكون متناسبا مع الغرض الذي يهدف إليه، وأنه ينبغي ألا ينتقص من جوهر الحق نفسه.
     ويمكن تطبيق المادة 20 من العهد الدولي المذكور أيضا في مناسبات مشابهة. هذا ويحظر الدعاية للحرب والدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية بصورة تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
وقام فريق الأمم المتحدة الفني حول الاستفتاء في ملاوي بتطبيق هذه المبادئ على قانون وطني ينظم حملة الانتخابات. وذكر أن وجود قيود على حرية التعبير :
"ينبغي أن لا تكون غامضة أو حتى محددة على نطاق واسع،  لكي تترك هامشا تقديريا واسعا أكثر مما ينبغي للسلطة المسؤولة عن تطبيق القانون، لأن عدم اليقين بشأن الحدود القانونية له تأثير مثبط على ممارسة هذا الحق في حرية التعبير، وربما يشجع التمييز في... تطبيق القيود ." [1]

[1]) تقرير الفريق الفني للأمم المتحدة حول السلوك الحر، واستفتاء نزيه في قضية نظام الحزب الواحد/والتعددية الحزبية في ملاوي (15-21 تشرين الثاني 1992) ، الفقرة. 29.


انتقادات من السياسيين والحكومة


     تدرك المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية أيضا على نحو متزايد،  أن رجال السياسة والحكومات يمكن أن تتعرض للانتقاد والاهانة أكثر من الأفراد العاديين، وبالتالي يوفر لهم القانون حماية أقل. وهذا ، بطبيعة الحال، عكس الوضع الذي كان سائدا في كثير من الأحيان، حيث كان المسؤولون الحكوميون في كثير من الأحيان يثيرون تهم التشهير الجنائي ضد المنتقدين.
    ويميز القانون الدولي أيضا بين المزاعم الواقعية والآراء. ولا يجوز أن يتم فرض القيود على الآراء السياسية إلا في الظروف القصوى. ولا يمكن أن يتم تحديدها على أساس أنها "غير صحيحة"، ولقد رأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الطلب من أي شخص اتهم بالقذف إثبات حقيقة هذا الرأي "ينتهك حرية الرأي نفسها". [1]
    وقد أقرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالإجماع ما يلي: "لان حرية النقاش السياسي هي في صميم مفهوم المجتمع الديمقراطي... فإن حدود النقد المقبول وفقا لذلك هي على نطاق أوسع فيما يتعلق برجال السياسية مما هو على نطاق الأفراد ". وإضافة إلى ذلك، " إن حدود النقد المباح فيما يتعلق بالحكومة هي أوسع مما يتعلق بمواطن عادي، أو سياسي." وتنطبق العقوبات بتهمة التشهير في مثل تلك الحالات فقط، عندما تكون الاتهامات "عارية من أساسها أو تم توجيهها بسوء نية." وذكرت المحكمة أيضا :
    في حين أن حرية التعبير هامة بالنسبة للجميع، فإنها كذلك بصورة خاصة بالنسبة لممثل منتخب من الشعب. لأنه يمثل ناخبيه، ويلفت الانتباه إلى شواغلهم، ويدافع عن مصالحهم. وبناء على ذلك، إن التدخل في حرية التعبير مع عضو المعارضة في البرلمان... يدعو إلى التدقيق عن قرب من جانب المحكمة. [2]
     ويمكن بصورة مشروعة استخدام القانون المدني حول التشهير لحماية السمعة ضد مزاعم طائشة وضارة. ولكن المحاكم الوطنية ترى على نحو متزايد، أن نطاق قانون التشهير يجب أن يكون بطريقة لا تمنع وسائل الإعلام من القيام بمهامها الخاصة- أو أن تعمل على خنق الجدل السياسي المحتدم. وإن الحكم التاريخي للمحكمة العليا في الولايات المتحدة في نيويورك، الخاص بحالة مجلة التايمز ضد سوليفان (1964)، قد أرسى المبدأ الذي يدعو إلى أن يكون هناك قدر أكبر من الحرية في انتقاد موظف عمومي، بما يشمل بيانات خاطئة أو غير دقيقة، شريطة أن لا يتم هذه بشكل ضار. وأشارت المحكمة إلى أن الشخصيات العامة لديها القدرة على الوصول بسهولة أكبر إلى وسائل الاتصال للتصدي للبيانات الكاذبة. [3]  وقد تم اعتماد هذا النهج في السنوات الأخيرة بطرق مختلفة، في طائفة واسعة من التشريعات القضائية الأخرى في المملكة المتحدة واستراليا وباكستان والهند وزامبيا. [4]
[1] لنجنز ضد النمسا، الحكم الصادر في 8 تموز 1986 ، المجموعة أ رقم  103.
[2] كاستلز ضد اسبانيا، الحكم الصادر في 23 نيسان 1992، المجموعة أ رقم 236.
[3]) شركة نيويورك تايمز ضد سوليفان، 376 الولايات المتحدة 254 (1964).
[4] جوانا ستيفنز، "رحلات سوليفان"، ملخص قانون إعلام جنوب أفريقيا، المجلد رقم 2، نيسان 1997. 

الحق في العلاج الفعال


      ينص القانون الدولي على أن أي شخص يعتقد أن حقوقه قد انتهكت، له الحق في الحصول على وسيلة إنصاف فعالة في محكمة وطنية. يعني هذا بالنسبة لوسائل الإعلام والانتخابات، أن تكون المحاكم قادرة على التعامل مع أية قيود غير مبررة على التغطية الإعلامية، والحرمان من الوصول إلى وسائل الإعلام، والحرمان من الحق في الرد، أو التشهير أو المواد التحريضية، أو أي قضية أخرى، تشعر وسائل الإعلام من خلالها وكذلك الأحزاب والمرشحين أو الناخبين بأن حقوقهم قد انتهكت.
   وتشمل فكرة العلاج الفعال، أن يتمكن صاحب الشكوى بصورة فعلية من الحصول على حل عملي في الوقت المناسب. ولهذا أهمية خاصة في سياق الانتخابات. إذ أن بث معلومات غير دقيقة أو حدوث تشهير مثلا، لا يحتاج إلى علاج يكون التصحيح فيه أو التعويض النقدي في فترة ما في المستقبل. فالمهم هو تصحيحه في الوقت الذي لا يزال ماثلا في ذهن جماعة الناخبين (وبينما لا يزال الأمر على علاقة بنتائج الانتخابات).
    وفي حين أن المحاكم العادية ستظل صاحبة القرار النهائي فيما إذا كانت قد انتهكت حقوق الإنسان، إلا أن العديد من البلدان أيضا لديها من الإجراءات الإدارية التي من شأنها أن تكون قادرة على التعامل مع الشكاوى بسرعة أكبر. قد تكون هذه  آليات شكاوى عادية تابعة لنظام البث أو مجلس وسائل الإعلام. أو قد تكون إجراءات خاصة يتم وضعها خلال فترات الانتخابات.
    وعندما تقرر هذه الهيئة أن الشكوى في طبيعتها إدارية (وليس قضائية)، فيجب أن تكون منفصلة عن الهيئة التي يتم الشكوى ضدها. وينطبق ذلك، على سبيل المثال، في حالة الشكاوى المقدمة ضد مذيع.
     ولقد أوصى الفريق الفني للأمم المتحدة الخاص بالاستفتاء في ملاوي أن "آلية اللجوء يجب أن تكون موجودة، وتسمح بمراجعة مستقلة، في الحالات التي طبقت فيها القيود المفروضة على هذا الحق في حرية التعبير." [1]
[1]) تقرير الفريق الفني للأمم المتحدة حول سير استفتاء حر ونزيه في موضوع نظام الحزب الواحد والتعددية الحزبية  في ملاوي (15-21 تشرين الثاني 1992) ، الفقرة. 29.


حماية سلامة وسائل الإعلام


     الصحافة مهنة خطيرة. وتشير الإحصائيات التي جمعتها منظمات حرية وسائل الإعلام، أن العشرات من العاملين في وسائل الإعلام يقتلون أو يصابون أثناء عملهم كل عام. وليست الانتخابات هي الجزء الأكثر خطورة في عملهم - ولكن التوتر والعنف في الحملات الانتخابية في بعض الأحيان، يحمل المخاطر لأولئك الذين يحاولون كتابة تقاريرهم بأمانة ودقة.
     وتقع المسؤولية على عاتق الحكومة في حماية السلامة الجسدية للفرد داخل أراضيها، وعليها التزام خاص فيما يتعلق بوسائل الإعلام. واعترافا بهذا الالتزام، قرر المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في عام 1993:
    يشجع المؤتمر العالمي زيادة مشاركة وسائل الإعلام، والتي ينبغي ضمان الحرية والحماية لها في إطار القانون الوطني. [1]
وهناك عدد من الخطوات الأساسية التي يمكن أن تتخذها الحكومات لضمان هذه الحماية :
• إلغاء كافة القوانين المقيدة لحرية وسائل الإعلام.
• تحديد جريمة ترتبط بالعنف أو التهديد ضد وسائل الإعلام.
• تقديم الضمانات للتحقيق على وجه السرعة في جميع التقارير عن أعمال عنف أو تهديد ضد وسائل الإعلام وإحضار المسؤولين أمام العدالة.
إضافة إلى ذلك ، يمكن لهيئة إدارة الانتخابات إعداد مدونة لقواعد السلوك،  تركز على أهمية كل من الأحزاب السياسية وقوات الأمن، والسماح للصحفيين الذهاب إلى عملهم دون عوائق.
[1] المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان ، إعلان فيينا، الفقرة. 26.


بيئة وسائل الإعلام

الصورة:
انتخابات غانا في هيئة الإذاعة البريطانية. البرنامج الدولي لهيئة الإذاعة البريطانية العالمية، برخصة "سمات إبداعية عامة"- إعلان غير تجاري 2.0
في عصر شركات وسائل الإعلام المتعددة الجنسيات نشعر باستمرار ونعتقد بأننا نعيش في "قرية عالمية" - مجتمع واحد غير متمايز في المعلومات. ولا شك في أن تدفق المعلومات عبر وسائل الإعلام هو أكبر وأسرع مما كان عليه في الستينيات مثلا، عندما تم استخدام مصطلح "القرية العالمية"، - ولا يزال أكثر بالمقارنة مع الفترة التي سبقت البث الجماهيري الشامل. ومع ذلك، فإن الحصول على المعلومات من قبل معظم الناس – ومعظم الناخبين بصفة خاصة - يختلف كثيرا حسب السياق الوطني. ولا شك أن عولمة المعلومات تؤثر على المناطق الريفية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أو أوروبا الشرقية. ولكن هذا لا يعني أن لديهم نفس مصادر المعلومات المتوافرة لدى المواطنين في غرب أوروبا أو أميركا الشمالية، أو حتى أبناء وطنهم في المدن نفسها. 
    وستعمل بيئة وسائل الإعلام إلى حد كبير على تحديد الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في الانتخابات. وسيتم تحديد البيئة بدورها من قبل مجموعة متنوعة من العوامل. وأول هذه العوامل هو مستوى التنمية الاقتصادية. ففي حالة وجود الفقر الشديد، لن يكون معظم الناس قادرين على شراء الصحف، وربما غير قادرين على قراءتها أيضا. وغالبا ما تكون التلفزيونات باهظة التكلفة ويكون من يملكها ويشاهدها من سكان المدن تقريبا. فلم تتمكن بعض البلدان الفقيرة جدا مثل مالاوي وتنزانيا، من إنشاء شبكات التلفزيون الوطنية إلا في الفترة الأخيرة. ويرجح أن يكون الراديو هو الوسيلة الوطنية الأهم للاتصالات في هذه الظروف. ورغم ذلك من المحتمل أن تكون هذه الوسيلة مقيدة بسبب النقص في عائد الإعلانات. وهناك مستوى أعلى من التنمية الاقتصادية، يرجح أن يعني ذلك عددا أكبر من وسائل الإعلام، يتجاوز على نحو متزايد أهمية قيود السيطرة السياسية على وسائل الإعلام.

     هذا ويمكن أن تؤثر التنمية الاقتصادية في هيكل ملكية وسائل الإعلام. ويمكن القول بصورة عامة أن البلدان الفقيرة ، بما في ذلك معظم الدول في أفريقيا، تميل إلى أن يكون لديها قطاع وسائل الإعلام الحكومية بصورة أكبر، وذلك بسبب النقص في الدعاية. ويحتمل أن تكون سائل الإعلام المستقلة في هذه البلدان تابعة لمصالح تجارية خاصة صغيرة. وفي الاقتصادات الكبيرة في مناطق مثل أمريكا اللاتينية وشرق آسيا وأوروبا الوسطى والشرقية، من الأرجح أن تكون وسائل الإعلام تحت سيطرة الشركات الوطنية الكبيرة (التي هي أيضا لديها مصالح سياسية). وقد تملك بعض الشخصيات السياسية وسائل الإعلام من أجل تعزيز مستقبلها السياسي، أو قد يملكها بعض الأفراد الأثرياء الذين يستخدمون سيطرتهم على وسائل الإعلام من اجل البدء بالعمل في مجال السياسة. وتوجد أشهر هذه الأمثلة (والأكثر تطرفا) من الظاهرة الثانية في إيطاليا، حيث استغل رجل الأعمال سيلفيو برلسكوني وسائل الإعلام ليصبح رئيسا للحكومة. ومع ذلك، فإن ما يصفه بعض الباحثين في وسائل الإعلام بأنه "النموذج الايطالي"، يمكن مشاهدته بصورة أقل تطرفا في كثير من البلدان.
وتقع وسائل الإعلام على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم، إلا في أشد البلدان فقرا، تحت سيطرة شركات الإعلام المتعددة الجنسيات. وهذه أيضا لها توجهات سياسية خاصة بها، قد تأخذ شكل دعم أحزاب سياسية أو مرشحين محددين، أو قد تنطوي على نزعة أكثر عمومية بتحديد شروط الحوار السياسي.
لكن الثروة ليست هي العامل الوحيد الذي يحدد هيكلية ملكية وسائل الإعلام، فالتقاليد السياسية والثقافية تلعب دورا كبيرا. فالقسم الأكبر من البلدان الأوروبية، على سبيل المثال، لديها تقليد قوي بأن تكون الإذاعة ملكية الدولة أو ملكية عامة. وقد سمحت فرنسا بوجود الإذاعات المحلية بصورة قانونية في الثمانينيات فقط. وعلى النقيض من ذلك فإن الولايات المتحدة، لم تعرف الملكية العامة للإذاعة.  وليس من المستغرب أن تكون البلدان التي خضعت لحكم عسكري طويل، أو يحكمها حزب واحد، أن يكون لديها تقاليدها الخاصة بسيطرة الدولة على وسائل الإعلام. ومن الواضح أن المدى الذي تشارك فيه الحكومة أو السلطات العامة في امتلاك وسائل الإعلام والسيطرة عليها، سيكون لها تأثير مباشر على دور وسائل الإعلام في الانتخابات.
     وثمة بعد آخر بالغ الأهمية لبيئة وسائل الإعلام، وهو القوة التي تتمتع بها تقاليد الحرية السياسية، واحترام حرية التعبير. فوسائل الإعلام التي لها تاريخ طويل، تتميز فيه بالتعددية والحرية والاستقلال، تكون أكثر قدرة على التعامل مع القضايا السياسية بطريقة صريحة ومباشرة. وربما تكون أيضا قد وضعت معايير فنية متقدمة (رغم أن تدني الأخلاق لدى بعض وسائل الإعلام في الديمقراطيات المتقدمة، يدل على أن العلاقة ليست صحيحة). والأهم من ذلك، أن وجود ممارسات حديثة من الرقابة أو الإرهاب الجسدي على سائل الإعلام، يرجح أن يشكل تهديدا مستمرا على الصحفيين والمحررين في تغطية الانتخابات الخاصة بهم.
      إن بيئة وسائل الإعلام هي أيضا بيئة قانونية إلى حد ما. ويفضل أن تعمل وسائل الإعلام تحت حماية قوية من الضمانات الدستورية والقانونية لحرية التعبير والوصول إلى المعلومات. وتختلف التقاليد القانونية اختلافا كبيرا في هذا المجال. تميل البلدان التي تطبق القانون العام نحو نهج يتميز بعدم وجود قوانين واضحة تنظم وسائل الإعلام. وتفترض أن وسائل الإعلام حرة في القيام بكل ما هو غير محظور صراحة في القانون. وتتطلب تقاليد القانون المدني، على النقيض من ذلك، تنظيما قانونيا للنشاط الذي تقوم به وسائل الإعلام. وهناك نقاط قوة وضعف في كلا المنهجين، رغم أنهما يميلان إلى التقارب في الواقع. وتعتبر الإذاعة أحد مجالات اختلاف التقاليد القانونية التي تسعى لإيجاد حلول مشتركة. وتطلب جميع البلدان تقريبا شكلا من أشكال التنظيم القانوني للإذاعة، وحتى في الولايات المتحدة التي لا يوجد فيها تنظيم بصورة تقليدية، باعتبار أن ذلك وسيلة لضمان التعددية عبر موجات الأثير. ولا شك أن النزاهة والشفافية في مدى تخصيص ترددات البث سيكون لها تأثير كبير على الكيفية التي يقوم بها المذيعون بالاضطلاع بمسؤولياتهم في وقت الانتخابات.

Creative Commons License Image:

من أين يحصل الناس على المعلومات الخاصة بهم؟


    يفترض غالبا أن تكون وسائل الإعلام هي المصدر الرئيس للمعلومات بالنسبة لمعظم الناخبين. ولكن هذا ليس صحيحا بالضرورة. وحتى في الديمقراطية المتقدمة المشبعة بوسائل الإعلام مثل بريطانيا، يقوم ما بين ربع وثلث المشاهدين للتلفزيون، بتبديل القنوات عندما يبدأ البث لأحد الأحزاب في الانتخابات. وقد تم الاتفاق على أن تقوم جميع القنوات بالبث والعرض في وقت واحد، حتى لا يتمكن الجمهور من الهرب، سوى القيام بإعداد فنجان من الشاي لأنفسهم خلال ذلك. ولقد وجد من خلال مسح تم القيام به في عام 1968 أن بث انتخابات الأحزاب، كان المصدر الرئيس للمعلومات بالنسبة للناخبين المترددين. ورغم ذلك، فمنذ عام 1987 تم التخلي عن البث في وقت واحد، وانخفض عدد المشاهدين. وظهر في مسح تم القيام به عام 1990 أن البث الحزبي هو المصدر الأقل تصديقا بالنسبة للمعلومات السياسية، ما عدى ما يرد في جريدة الصن [1]
       وقبل ظهور وسائل الإعلام الالكترونية الحديثة، كان إيصال المعلومات السياسية يتم من خلال وسيلتين من وسائل الإعلام، هما الصحافة المطبوعة والاتصال الشخصي المباشر. في تلك الأيام، كانت قراءة الصحف أعلى مما هي عليه اليوم، ولكنها كانت لا تزال تستبعد نسبة كبيرة جدا من السكان، بسبب كونهم فقراء جدا ولا يستطيعون شراء صحيفة، أو لأنهم ببساطة لا يستطيعون القراءة. ومن هنا كانت الاتصالات الشخصية المباشرة تحتل أهمية كبيرة. وكانت تشمل الاجتماعات السياسية العامة الموجهة من قبل المرشحين أو الحملات الانتخابية، حيث تجري المناظرات بين مختلف المرشحين، ويتم طرح الأسئلة عليهم. وتشمل أيضا زيارة البيوت للحصول على الأصوات من قبل المرشح أو أعضاء الحزب النشيطين، إضافة إلى النشرات والملصقات التي تصدرها الأحزاب أو يصدرها المرشحون.
     ولقد انخفضت أهمية هذه الأساليب بشكل كبير في البلدان الصناعية التي تتوفر فيها وسائل الإعلام الالكترونية على نطاق واسع. ورغم ذلك، بقيت الاجتماعات السياسية والاتصال الشخصي مع المرشحين يحتل مكانة هامة. ولا يزال الراديو في المناطق الريفية في أفريقيا على سبيل المثال، هو الوسيلة الوحيدة للوصول الشامل. وغالبا ما تكون هذه المحطات التي تبث إلى هذا الجمهور في المناطق الريفية، تحت سيطرة الحكومة وتعطي المجال القليل، إذا كان ذلك ممكنا لأحزاب المعارضة. وتكون العقبات التي تحول دون نقل المعلومات في بعض الأحيان أساسية: تحتاج معظم أجهزة الراديو العادية  إلى بطاريات مكلفة، ومن المرجح أن لا تكون من الأولويات في المجتمعات المحلية التي تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. ولهذا فإن الاتصال الشخصي لا يزال يحتل مكانة هامة.
     ومع ذلك، وفي ظل ظروف من الفقر المدقع، لا تزال وسائل الإعلام تلعب دورا في إيصال المعلومات السياسية. حتى لو كانت المجتمعات الريفية لا تستطيع الوصول مباشرة إلى وسائل الإعلام المستقلة، فإن المعلومات التي توفرها الصحافة الخاصة، سيتم تداولها بصورة عامة، ويمكن أن تصل إلى الناخبين في المناطق الريفية في مرحلة ما. لذلك، رغم أن الكلام الشفوي قد يكون مصدرا مباشرا للمعلومات السياسية، فإن وسائل الإعلام تسهم إسهاما مهما في الكم الهائل من المعلومات المتداولة.
   وينظر عادة إلى المناطق الريفية في أفريقيا، مثل أجزاء أخرى من العالم، باعتبارها مناطق فقيرة في المعلومات، وتعتبر طرق نقل المعلومات بصورة شفوية متطورة جدا، وغالبا ما كانت تتطور في ظل الظروف الصعبة المتمثلة في الاستعمار وحكم الحزب الواحد أو الدكتاتورية العسكرية. وأصبحت الجماهير تمتلك الخبرة في تفسير الرسائل الواردة في وسائل الإعلام الرسمية التي تخضع للسيطرة الحكومية، وتحاول تقديم التفسير البديل. ويساعد في ذلك التقاليد الثقافية التي تسمح بنقل المعلومات ووجهات النظر الحساسة بصورة محرفة أو غير مباشرة. فإن قبائل "نغوني" من أفريقيا الوسطى على سبيل المثال، لديها تقليد يعرف باسم كوكولاويكا - أغاني نسائية تكون قادرة على نقل رسائل صريحة عن الجنس، ولكن دون استخدام البذاءات. وتوجد لدى "التونغا" آلية مماثلة. وخلال فترة الحكم الاستعماري البريطاني، كان العاملون في هيئة إذاعة افريقيا الوسطى في لوساكا يبثون نوعا من أغاني الكوكولاريكا السياسية التي تسمح لهم بنقل رسائل وطنية خفية. وكان هذا النوع من رسائل الاتصال السياسية الخفية مفيدا بشكل خاص في فترة لاحقة من حكم الحزب الواحد الذي كان يحد من انتشار المعلومات. [2]
    وغالبا ما يتم وصف الاتصالات غير الرسمية للأخبار السياسية من قبيل الاستخفاف، بأنها غير دقيقة تماما وأنها شكل من الشائعات. وكانت الإدارة الاستعمارية تطلق عليها اسم “إعلان"، في حين اخترع الأفارقة الناطقين بالفرنسية مصطلحا أفضل إلى حد ما وهو "راديو الرصيف". أيا كان الاسم الذي يعطى لها، فلا شك أن هناك الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم يشكلون آرائهم السياسية على أساس تجربتهم الخاصة، وما تعلموه شخصيا من أولئك الذين يثقون به. وقسم كبير من هذه المعلومات تأتي من خلال وسائل الإعلام، ولكن يصعب تحديد حجمها.
      إلى أي مدى يمكن لوسائل الإعلام التأثير على سلوك الناخبين أمر لا يمكن التكهن به. ففي زيمبابوي، على سبيل المثال، خلال استفتاء وانتخابات عام 2000، رفض غالبية الناخبين النصيحة التي قدمتها وسائل الإعلام الأكثر أهمية. وقد تمتعت الدولة باحتكار جميع وسائل البث، والتي كانت تحت سيطرة حكومية مشددة. لم يتوفر للمعارضة في الاستفتاء على إصلاح الدستور، ومن ثم في الانتخابات البرلمانية، إلا الحد الأدنى من الوصول إلى الإذاعة والتلفزيون، وكانت إدارة التحرير في كليهما وبشكل فاضح لصالح الحزب الحاكم. ومع ذلك فإن غالبية الناخبين في كل الانتخابات أيدت المعارضة. ولعل المعلومات الهامة التي كان يتم تداولها في الصحافة المملوكة للقطاع الخاص كان لها أثرها الكبير. ولكن في النهاية، كانت خيارات التصويت للعديد من الناس كما يبدو، تحددها عوامل أخرى. وقد اقترح فريق المراقبة في إحدى وسائل إعلام المستقلة أن يكون بث الدعاية في آخر لحظة لصالح الحكومة، قد أثر على قسم من الناخبين في الاستفتاء للتصويت لصالح المعارضة. ومن المؤسف أن البحوث الخاصة بالجمهور ليست جيدة بما فيه الكفاية لتوفير إجابة واضحة [3].
     وتشير مجموعة دراسات مكثفة في أوكرانيا إلى وجود شكوك شعبية مماثلة تجاه وسائل الإعلام، والتي وصفت بأنها "غير حرة"، وبالتالي فهي لا تتمتع بثقة المواطنين. ويقول المواطنون إن وسائل الإعلام لا تتوفر على "مقالات تحليلية في المقام الأول"، وتلعب دورا "غير كاف" في توضيح القضايا المطروحة في الحملات الانتخابية وإعداد الرأي العام للانتخابات. وقالت المجموعات الدراسية المركزة على أن "محاولات وسائل الإعلام لإلقاء الضوء على التطورات السياسية والاقتصادية بطريقة مناسبة ونوعية لم تكن ناجحة". [4]
     وفي الديمقراطيات الصناعية حيث تحتل وسائل الإعلام مكانة هامة جدا كمصدر للمعلومات السياسية، لا زال الجواب على هذا السؤال الخاص بتأثير وسائل الإعلام غير واضح. وفي بريطانيا ، كانت جريدة "الصن" الأوسع انتشارا،  ولسنوات عديدة تدعم حزب المحافظين، إلا أن غالبية قرائها من الطبقة العاملة، التي تدعم حزب العمال بصورة أساسية. ولقد أثرت الجريدة بطبيعة الحال على قسم صغير من القراء ولكن له أهميته لتغيير تصويتهم. وفي عام 1997، حولت جريدة "الصن" ولاءها لحزب العمال، وادعت أن الفضل يعود لها في فوز الحزب- رغم أن استطلاعات الرأي العام وحجم الأغلبية العمالية، أظهر أن هناك عوامل أكبر من ذلك بكثير قد ساعدت على الفوز. وفي الواقع، قد يكون للجريدة تأثير أكبر على الحكومة الجديدة أكثر من التأثير على الناخبين. وكان قادة حزب العمل حريصين على المحافظة على علاقة جيدة مع روبرت مردوخ صاحب الجريدة. وهذه إشارة واضحة إلى أن وسائل الإعلام في نظام العولمة الجديد أصبحت تمثل مؤسسات قوية متعددة الجنسيات.
   وتمثل بريطانيا بوجه أعم حالة دراسية مثيرة للاهتمام للنفوذ السياسي لوسائل الإعلام. فالغالبية العظمى من الصحف تؤيد حزب المحافظين. ولو كان نفوذها لدى الناخبين حاسما، لما كان هناك أبدا حكومة حزب العمال. ولا تسير الأمور بشكل واضح بهذه الطريقة. ومع ذلك، فإن التأثير غير المباشر لوسائل الإعلام يصعب إخضاعه للتقييم. ولكن يمكن القول، بأن وسائل الإعلام تؤثر في جدول الأعمال السياسي من خلال التشديد على القضايا ذات الأولوية بالنسبة لأحزاب اليمين، مثل القانون والنظام والحد من الهجرة. وبالتالي يجوز لحكومة حزب العمال تبني سياسات أكثر تحفظا، لأنها تعتقد أن لوسائل الإعلام تأثير على الناخبين في هذا الاتجاه.
ملاحظات :
[1] مارغريت سكامل وهولي ا. سيميتكو.  "السياسة الإعلانية على التلفزيون: التجربة البريطانية"، في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن: ثاوزند أوكس، 1995.
[2] ديفيد كير. "الإيديولوجية والمقاومة والتحول في التقاليد في ملاوي بعد الفترة الاستعمارية"، جامعة بوتسوانا، غابورون، 1993.
[3] مشروع مراقبة وسائل الإعلام في زيمبابوي. مسألة التوازن: وسائل الإعلام الزيمبابوية والاستفتاء الدستوري، هراري، آذار 2000.
[4] غاري أ. فيرجسون. القضايا السياسية الأوكرانية ومجموعات التركيز  الإعلامية: ملخص النتائج، المؤسسة الدولية لأنظمة الانتخابات، واشنطن العاصمة، 1999.


تاريخ احترام حرية الإعلام


إن تاريخ احترام حرية وسائل الإعلام من قبل الحكومة في بلد ما، سيكون له تأثير كبير على قدرة وسائل الإعلام في نقل الانتخابات. وغالبا ما تكون البلاد التي لا يتوفر فيها الاحترام بصورة كافية لحرية التعبير ذات خبرة قليلة في الانتخابات، أو على الأقل في انتخابات حرة وديمقراطية.
     وتعود أهمية ذلك على سبيل المثال، إلى أن وسائل الإعلام بعد رفع القيود عنها عند الانتقال من الحكم الاستبدادي إلى الحكم الديمقراطي، لا تزال تتأثر بإعمال القمع في الماضي، وتكون مترددة في نقل التقارير بطريقة جريئة ومستقلة. أو قد يكون العكس هو الحال: حيث تكتشف وسائل الإعلام الحرية الجديدة التي تم الحصول عليها، ولكن تمارس هذا الحق بطريقة غير مهنية وغير مسؤولة. ويصبح الإرث من القيود المفروضة على حرية وسائل الإعلام ظاهرا  في شكل محطة إذاعة مملوكة للدولة وتسيطر عليها الحكومة، التي حتى في سياق نظام سياسي ديمقراطي حديث، لا ترغب في العمل بشكل مستقل عن الحكومة. وفي كثير من الأحيان، يكون التأثير نتيجة لمزيج من كل هذه العناصر.
    بطبيعة الحال، تقوم وسائل الإعلام أحيانا بوضع معاييرها المهنية الخاصة والفعالة في الظروف الصعبة. وفي هذا الصدد، قد تكون معدة إعدادا جيدا للتحدي ونقل تقارير الانتخابات. لكن من المرجح أن لا يكون لديها الكثير من الخبرة العملية في تغطية الانتخابات.
      في كل من هذه السياقات، يجب أن تقوم هيئات وسائل الإعلام وإدارة الانتخابات التنظيمية بدور هام في خلق بيئة أكثر ملائمة، من شأنها أن تسمح لوسائل الإعلام بالاضطلاع بالمهام غير المألوفة في تغطية الانتخابات بحرية ومهنية.
    وهناك مجموعة متنوعة من الوسائل التي يمكن أن تنتهك الحكومات من خلالها حرية وسائل الإعلام، وتشمل  الوسائل الأكثر شيوعا:
• الاعتداءات البدنية على وسائل الإعلام والصحفيين. وعادة ما تهدف أخطر الهجمات على وسائل الإعلام إلى إسكات بعض النقاد وإرهاب غيرهم. ويتعرض الصحفيون للضرب أو حتى القتل أو "االخطف". وقد تهاجم مباني وسائل الإعلام، ويتم اقتحامها بشكل غير قانوني، أو تقصف بالقذائف الحارقة. وقد يستهدف بائعو الصحف، وقد تصادر الصحف بشكل غير قانوني أو قد يتعرض البائعون أنفسهم للضرب.
• استخدام سلطات قانونية صعبة جدا ضد وسائل الإعلام. وأكثرها تهديدا الرقابة السابقة للنشر، حيث يجب أن تحصل  كل مادة منشورة على موافقة رسمية مسبقة. كما أن ترخيص المطبوعات أو الصحفيين يعطي السلطات قوة هائلة على وسائل الإعلام. ويمكن استخدام مجموعة كاملة من القوانين لتقييد حرية وسائل الإعلام لأسباب تتعلق بالأمن القومي غالبا. وتستخدم هذه الوسائل  كأساس لتوجيه اتهامات جنائية ضد الصحفيين وأصحاب وسائل الإعلام، والتي يمكن أن تؤدي إلى فترات طويلة من السجن. ويتم في بعض الأحيان، استخدام سلسلة من الإغراءات أو التهم الجنائية بالتشهير ضد وسائل الإعلام، حتى لو كانت هذه الحالات من غير المرجح أن تأتي إلى المحاكمة، وذلك بهدف إرهاب الصحفيين واستنزاف مواردهم. كما أن التدابير القانونية ضد المطابع والموزعين تعتبر طريقة فعالة جدا لعرقلة عمل وسائل الإعلام المستقلة في التفكير. وكثيرا ما تم تقييد استيراد ورق الصحف واستخدامه كأداة لتقييد حرية وسائل الإعلام.
• قوانين شديدة على وسائل الإعلام. كما أن احتكار الدولة الكامل أو الافتراضي لوسائل الإعلام، هو وسيلة فعالة تهدف إلى منع سماع الأصوات الناقدة. رغم أن وفاة أحد الصحفيين أثناء القيام بواجبه تتصدر عناوين الصحف، فلا شك هناك في أن السيطرة المباشرة للحكومة على وسائل الإعلام، هي من الوسائل الأكثر شيوعا لتحديد ما يعرفه الجمهور.
• حتى عندما تكون وسائل الإعلام المستقلة اسميا وحرة من كل القيود القانونية لسيطرة الحكومة، فإنه يمكن إسكات الأصوات المستقلة في كثير من الأحيان من خلال السيطرة على الموارد الحيوية، مثل الكهرباء والمطابع والبث وأجهزة الكمبيوتر المستخدمة.
     وغالبا ما تظهر مثل هذه القيود في الأفق لدى "الديمقراطيات" الجديدة أو الانتقالية. وغالبا ما تبقى القوانين التي تضع القيود في مكانها، حتى إذا لم يتم استخدامها بشكل متكرر من قبل. وربما يمارس وجودها ما يعرف عادة بأنه "تأثير مثبط" على حرية وسائل الإعلام. في بعض الأحيان، خلال الفترة الانتقالية، قد يزداد العنف ضد وسائل الإعلام. ذلك أن الحكومات القمعية لم يعد لديها من التدابير القانونية من أجل اللجوء إليها للسيطرة على وسائل الإعلام، فتلجا بدلا من ذلك إلى وسائل قمع سرية وغير رسمية. وفي أغلب الأحيان، تتمثل المجموعة الثالثة من القيود في أن سيطرة الحكومة على جزء كبير من وسائل الإعلام ستبقى في مكانها على الأرجح. ويجوز للحكومات أيضا أن تمارس رقابة مشددة على نظام ترخيص البث، مما يؤدي إلى نتيجة تصبح فيها وسائل الإعلام "المستقلة" في الواقع مملوكة من قبل الحلفاء السياسيين المقربين.
     وليست الديكتاتوريات وحدها هي التي تحد من حرية وسائل الإعلام. فقد يظهر في الديمقراطيات الراسخة أحيانا توتر بين الحكومات ووسائل الإعلام. هذا أمر لا مفر منه، وليس غير مرغوب فيه تماما، ذلك أن وسائل الإعلام بعد كل شيء، تهدف إلى القيام بدور المراقبة على الحكومة. ولكن هذه التوترات ليست صحية على الإطلاق. إلا إن الصحفيين في الديمقراطيات الراسخة هم أقل عرضة لمواجهة التهديدات الفعلية في القيام بواجباتهم، ولكن يتم التعامل مع العديد منهم بالإجراءات القانونية، لإجبارهم على سبيل المثال على الكشف عن مصادرهم السرية للمعلومات. وإن العديد من الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وضعت معايير لإلزام  الحكومات على احترام حرية وسائل الإعلام، نتيجة الحالات التي تم فيها انتهاك حقوق الصحفيين الأوروبيين.


الأهمية النسبية لوسائل الإعلام المختلفة


هنالك مجموعة متنوعة كاملة من العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تحدد وسائل الإعلام الأكثر أهمية في مختلف البلدان. ويقال على نطاق واسع أن وسائل الإعلام - وخاصة بالنسبة للدور الذي تقوم به في الحملات الانتخابية – قد أصبحت متأثرة بالصحافة الأمريكية "متأمركة". ويعني هذا من بين أمور أخرى بصورة عامة، أن التلفزيون أصبح يلعب دورا مهيمنا كوسيلة للحصول على المعلومات. وفي حين أن هذا الكلام صحيح على نحو متزايد، إلا أن الأمر ليس كذلك على الصعيد العالمي. وإن ما يمكن أن يكون صحيحا في قطاع معين في مجتمع معين، لا يكون صحيحا بالنسبة للجميع. إن الأشخاص الفقراء والذين يعيشون في المناطق النائية من الناحية الجغرافية على سبيل المثال، لديهم صعوبة كبيرة في مشاهدة التلفزيون مثل أصحاب الدخل العالي أو سكان المدن.


هيكلية ملكية وسائل الإعلام


من الواضح أن الذي يملك وسائل الإعلام، لديه قدرة كبيرة على تشكيل الطريقة التي ستغطي بها الانتخابات - أو أي مسألة سياسية أخرى. وتخضع وسائل الإعلام المملوكة للدولة في كثير من الأحيان لسيطرة الحكومة المباشرة، وبالتالي سوف تميل لصالح الحزب الحاكم. كما أن وسائل الإعلام المملوكة ملكية خاصة تخدم أيضا المصالح السياسية لأصحابها، بينما قد تملك الأحزاب السياسية نفسها في بعض البلدان وسائل إعلام هامة خاصة بها.
     ومن المحتمل أن تؤثر طبيعة الملكية أيضا على مسائل أخرى، مثل مدى استخدام الإعلان خلال الانتخابات. ومن المعروف أن وسائل الإعلام في الولايات المتحدة، هي على وجه الحصر تقريبا في أيدي القطاع الخاص، وتوفر الوصول المباشر للأحزاب السياسية إلى وسائل الإعلام عن طريق الإعلانات المدفوعة. ولكن هذا ليس هو النموذج الوحيد. وتتبع فنلدا مثلا، حيث بدأ  البث الإذاعي التجاري فيها في وقت مبكر قبل بقية الدول في معظم أوروبا، نهجا أكثر تحررا من الدعاية السياسية المدفوعة من معظم البلدان الأوروبية. وإن دولا مثل بريطانيا والدنمرك التي تمتلك تقاليد أقوى للملكية العامة لوسائل الإعلام، لا تسمح للدعاية السياسية مدفوعة الثمن في كل شيء، ولديها بدلا من ذلك نظام البث المجاني المباشر.
      وينظر في بعض الأحيان إلى ملكية وسائل الإعلام بوصفها انعكاسا بسيطا للظروف السياسية: تسيطر الأنظمة الديكتاتورية أو الأنظمة الاستبدادية على وسائل الإعلام مباشرة، في حين تسمح الأنظمة الديمقراطية بالملكية التعددية. هناك ذرة من الحقيقة في هذا الكلام، ولكن من الواضح أن الواقع هو أكثر تعقيدا بكثير. فقد كانت الدولة في معظم الديمقراطيات الأوروبية الغربية على سبيل المثال، تحتكر البث فيها حتى وقت قريب نسبيا. وقامت بريطانيا بالسماح قانونيا بالبث الإذاعي التجاري الخاص في الخمسينيات، ولكن فرنسا وألمانيا والدنمرك لم تفعل ذلك حتى الثمانينيات. وتمثل بريطانيا وفرنسا أمثلة ذات أهمية خاصة بسبب التركة الاستعمارية الواسعة النطاق التي أثرت على تنظيم البث والإعلام في العديد من البلدان.
     وعرفت بريطانيا وفرنسا من الناحية التاريخية التمييز الواضح والقوي بين الإذاعة وجمهورها القوي، ووسائل الإعلام المطبوعة المملوكة للقطاع الخاص. وكانت الحجة في مشاركة الدولة في الإذاعة- أو على الأقل في تخصيص تراخيص البث الإذاعي- أن الطيف الترددي هو مورد عام ومحدود، ولذلك ينبغي أن يتم توزيعه دون تحيز. ورغم ذلك هناك تقليد في بعض الديمقراطيات القائمة منذ فترة طويلة - على سبيل المثال في الدول الاسكندنافية – في التمويل العام لوسائل الإعلام المطبوعة، وذلك  كوسيلة لضمان التعددية.
     وعلى العكس، فإن وسائل الإعلام الخاصة في أمريكا اللاتينية كثيرا ما تحالفت بشكل وثيق مع الديكتاتوريات العسكرية في الستينيات والسبعينيات. وبدلا من العمل على تسهيل التعددية، عملت هذه المؤسسات الإعلامية على قمعها. ويرى العديد من المحللين أن الشركات الكبرى التي تسيطر على وسائل الإعلام الأمريكية، لا تساعد في الواقع على التعبير عن وجهات نظر سياسية بديلة. وأيا كانت حقيقة هذه الادعاءات، فمن الواضح أنه لا يوجد علاقة مباشرة بين الملكية الخاصة والتعددية.
      ويلعب الاقتصاد أيضا دورا مهما في تحديد طبيعة ملكية وسائل الإعلام. وإن حجم الإعلان "الكعكة" يختلف باختلاف الظروف الاقتصادية، ولا يوجد هناك الكثير ما يمكن أن تفعله وسائل الإعلام الفردية حيال ذلك. وتعتمد كل وسائل الإعلام  الخاصة والعامة أحيانا على الإعلان لكي يصبح عملها التجاري مستداما. وتعود الأهمية الكبيرة للقطاع العام في وسائل الإعلام في البلدان الفقيرة إلى صغر حجم هذه الكعكة - وخاصة أن الإعلانات الحكومية تضم نسبة كبيرة من ذلك.
      ويفسر لنا هذا المثال لماذا تكون المحطات الإذاعية الوطنية، والبث الإذاعي على موجات التردد المتوسط والطويل كلها تقريبا في البلدان الأفريقية، وكذلك في أجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية، مملوكة ملكية عامة. تهتم في المقام الأول بالمعلنين من القطاع الخاص، والوصول إلى الجمهور في المناطق الحضرية من ذوي الدخل الجيد-نفس نوع الجمهور المستفيد من خدمات محطات "اف ام" خاصة (التي تذيع الموسيقى في المقام الأول). وحتى عندما تسمح لوائح البث - وغالبا لا تسمح- لا المذيعين في المحطات الخاصة ولا المعلنين لديهم اهتمام كبير في مجال البث للأمة بأسرها. وفي هذا السياق، فان التعددية عبر الموجات الهوائية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال وضع ولاية واضحة للخدمة العامة على وسائل الإعلام الرسمية.
        وكان ظهور وسائل الإعلام مثل تلفزيون الكابل والأقمار الصناعية  قد جعل هذه الصورة أكثر تعقيدا. وخلافا لما يراه بعض الدعاة المتحمسين كثيرا، فإن ذلك لا يغير الصورة جذريا. ومن الواضح أن أولئك الذين يستطيعون تحمل تكاليف الاشتراك في القنوات التلفزيونية المدفوعة الأجر لن يكونوا من بين الفقراء – ونادرا ما ينضوي الذين يملكون أجهزة التلفاز تحت هذه الفئة على أي حال. فالشبكات المحلية ومقدمي خدمات الأقمار الصناعية يخضعون لنفس القيود السياسية والاقتصادية مثل المحطات التي تبث على القنوات الأرضية. وإن قنوات البث المتعددة الجنسيات مثل شبكة الأخبار (سي ان ان) وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تلعب دورا هاما في اختراق الاحتكار الإذاعي. ولهذا السبب تقوم العديد من البلدان، ولا سيما في الشرق الأوسط، بحظر ملكية الصحون اللاقطة ( الحظر الذي تم التحايل فيه في حالة واحدة لا تنسى في شمال أفريقيا عن طريق الاستعاضة على نطاق واسع بالمقالي). ولقد كان الشرق الأوسط تربة خصبة للمشاهدة الفضائية، لأن المنطقة تشترك في لغة واحدة، وهي اللغة العربية. وهناك عدد قليل من مناطق في العالم تشترك بلغة واحدة، ونتيجة ذلك أن البث باللغة الإنجليزية من أتلانتا ولندن له تأثير محدود فقط.
ويمكن إيجاز الأنواع المختلفة لملكية وسائل الإعلام من أجل السهولة على النحو التالي:
• وسائل الإعلام العامة أو المملوكة للدولة، تكون في المقام الأول في مجال البث.
• الإذاعات الخاصة.
• وسائل الإعلام المطبوعة وتكون في الغالب مملوكة للقطاع الخاص.
• وسائل الإعلام المجتمعية.
• وسائل الإعلام المملوكة مباشرة من قبل الأحزاب السياسية.



وسائل الإعلام العامة أو الرسمية


نسبة كبيرة جدا من وسائل الإعلام في العالم - ولا سيما الإذاعة والتلفزيون – يملكها الجمهور أو الدولة. وتستخدم ثلاثة مصطلحات مختلفة لتحديدها، من حيث المبدأ على الأقل، وتحمل معاني مختلفة جدا:
• وسائل الإعلام العامة التي تستخدم المال العام للبث في مصلحة الجمهور كله. وهي ليست حزبية ولا تميل تجاه أي طرف، بما في ذلك الحزب الحاكم.
• وسائل الإعلام الرسمية، وهي ملك الدولة (وإن كانت الدولة بطبيعة الحال تمول من المال العام)، وتتحكم فيها بصورة مباشرة.
• وسائل الإعلام الحكومية، وتملكها الحكومة الحالية (ولكنها تستخدم نفس الأموال العامة) ويتم التحكم فيها من قبل الحكومة الحالية.
      لقد تطور نموذجان من وسائل الإعلام العامة/الحكومية بصورة متوازية. وان معظم وسائل الإعلام في أوروبا الغربية بدأت تبث تحت الملكية العامة، ولكن مع ضمانات قانونية صارمة أن تكون عادة مستقلة عن الحكومة القائمة. وفي الوقت نفسه، كان البث في الاتحاد السوفيتي (وفيما بعد في العديد من البلدان التي اقتدت به) تحت سيطرة الحكومة، ويتم توجيهه نحو تحقيق أهداف الدولة.
إن نموذج الإذاعة العامة الأوروبي يعمل بشكل جيد عموما في أوروبا أي البلدان الأصلية، ولكنه لم ينتقل بصورة جيدة.  وتتمتع هيئات البث الاستعمارية التي تسير على النموذج البريطاني أو الفرنسي بالقليل من الاستقلال عن نموذج المركز أو العاصمة، وتستند بصورة أكبر على الاتفاقية وليس على ضمانات قانونية قوية. وبعد الاستقلال، استمرت الحكومات التي جاءت بعد الفترة الاستعمارية على نفس التقليد في الإذاعة كوسيلة للدعاية للحكومة. وبالتالي فإن التمييز الواضح من حيث المبدأ بين وسائل الإعلام العامة والوسائل التابعة للدولة قد اختفى إلى حد كبير في وسائل الإعلام.
     رغم ذلك، فإن التمييز لا يزال هاما. فقد تأسست خدمة البث العامة على اعتقاد أنها لا تزال صحيحة في معظم أنحاء العالم: فالقطاع الخاص وحده لا يمكن أن يضمن التعددية في مجال البث. والمشكلة هي أن وسائل الإعلام الحكومية فشلت أيضا في تحقيق ذلك إلى حد كبير جدا. فقد أدى ظهور البث الخاص في كثير من البلدان لجعل الحكومات أكثر تصميما على التشبث بمراقبة التحرير في الإذاعة العامة.
       في بعض الحالات كانت هناك محاولات جريئة لاستعادة وتحديث نموذج الخدمة العامة: كانت الإذاعة العامة في جنوب أفريقيا على سبيل المثال،  تتميز منذ عام 1993 بالاستقلال القانوني، وكان أعضاء مجلس إدارتها في مرحلة من المراحل، يتم تعيينهم بعد جلسات استماع علنية.
ويمكن تمويل وسائل الإعلام العامة أو وسائل الإعلام الرسمية عن طريق مصدر واحد أو جميع المصادر الرئيسة الثلاثة وهي:
• ورسوم الترخيص التي يدفعها مشاهدو التلفاز.
• ميزانية الحكومة.
• الإعلانات التجارية.
وفي حالات قليلة يمكن استكمال التمويل من الإيرادات الأخرى، مثل بيع البرامج. ويوجد لمصادر الدخل المختلفة هذه الآثار المحتملة على الاستقلال اليومي. ويجوز أن تساعد رسوم الترخيص أو الإعلانات التجارية المذيع في الحفاظ على مسافة بينه وبين الحكومة، رغم أن هذه الوسائل سوف لا تزال تعتمد على آليات الحكومة (الخدمة البريدية في الغالب) لتحصيل الرسوم.
     إن النقاش الواسع حول "قوانين" وسائل الإعلام في الانتخابات - وهو مصطلح يخلق التوتر لدى بعض دعاة حرية التعبير –يسعى في الواقع لضمان أن تعمل وسائل الإعلام التي تمولها الحكومة بصورة مستقلة عن الحكومة القائمة. بدلا من في محاولة الحد من عمل وسائل الإعلام التي تتمتع بالفعل باستقلال كامل في عملية التحرير.
     إن وسائل الإعلام العامة أو وسائل الإعلام المملوكة للحكومة غالبا ما تكون وسائل البث. لكن لا تزال هناك العديد من الصحف المملوكة للحكومة. ولكنها لا تتمتع بنفس المنطق الاقتصادي مثل الإذاعات العامة، وغالبا ما تكون وظيفتها أن تكون وسيلة من وسائل الدعاية الحكومية. هناك استثناءات- فجريدة الحكومة الأوغندية على سبيل المثال، لديها سمعة باعتبارها مصدر موثوق ومستقل للأخبار. ولكن في كثير من الأحيان تكون الأساليب المبتكرة في ملكية الصحف في نهاية المطاف على النمط القديم نفسه.


شركات وسائل الإعلام


إن التقسيم التقليدي لوسائل الإعلام إلى عامة وخاصة عفا عليه الزمن في عصر أصبحت فيه ملكية وسائل الإعلام في أيدي الشركات.  كان امتلاك صحيفة أو محطة إذاعية أمرا مكلفا منذ فترة طويلة. ولكن وصف وسائل الإعلام بأنها "شركات" لا يعني فقط أن نقول إن وسائل الإعلام مملوكة من قبل شركات كبيرة. فالتطور اللافت في الربع الأخير من القرن العشرين، هو تنوع عمل الشركات التي تملك وسائل الإعلام، في مصالح تجارية، وامتلاك وسائط الإعلام من قبل الشركات العاملة في أنواع أخرى من النشاط الاقتصادي.
      وقد سبق ثاني هذه التطورات التطور الأول قليلا، عندما قامت شركات أمريكية مثل "جنرال الكتريك" و "ويستنغهاوس" بامتلاك مؤسسات إعلامية. وقد أدى التسارع في ثورة الاتصالات إلى ظهور التطور الثاني، حيث أصبحت شركات وسائل الإعلام تدير حقائب متنوعة في مجال الإذاعة والصحف والمجلات ونشر الكتاب والسينما والتسجيلات الصوتية وبرامج الحاسوب والإنترنت.
     وكانت نتيجة هذه التطورات ظهور مشهد إعلامي يبدو بعيدا عن النموذج المحايد للسلطة الرابعة. صحافة مستقلة وبعيدة عن العملية السياسية. وأصحاب وسائل الإعلام لديهم مصالح حزبية في العملية السياسية بنفس الطريقة التي تتكون فيها أي شركة.
     وقد وضعت العديد من النماذج النظرية التي تشرح الدور الذي تضطلع به شركات وسائل الإعلام في العملية السياسية. وإن نموذج "الدعاية" التي وضعه هيرمان وتشومسكي هو من النماذج القوية  (إدوارد س.هيرمان ونعوم تشومسكي. الرغبة في التصنيع: الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام ، 1988). ويفسرا هذا النموذج ميل وسائل الإعلام في الدول الغربية للتكيف مع التوافق السياسي، مع الإشارة إلى خمسة "مرشحات" تمر من خلالها جميع الأخبار :
• الملكية : تميل وسائل الإعلام إلى أن تكون مملوكة لمصالح الشركات الكبرى التي لها مصلحة راسخة في الوضع السياسي والاقتصادي الراهن.
• الإعلان: معظم دخل وسائل الإعلام مستمد من الإعلان وليس البيع. والمعلنون أنفسهم يمثلون مصالح الشركات الكبيرة، ولا يوافقون على الأصوات المعارضة.
• مصادر: هناك رجحان للمصادر الرسمية أو أخبار"المؤسسة القائمة" على أخبار السياسية والاقتصادية.
• معارضة: تقابل التقارير النقدية بمواجهة عدائية بصورة آلية من قبل الحكومة والمسؤولين في الشركات، بما في ذلك الدعاوى القضائية، والضغوط غير الرسمية وسحب الإعلانات أو نشر القصص المسيئة.
• الفكر : وصف هيرمان وتشومسكي مكافحة الشيوعية باعتبارها الإيديولوجية المشتركة التي توجه وسائل الإعلام الأمريكية في الثمانينيات. ويمكن أن تكون قد تحولت إلى مكافحة الإرهاب أو العداء للإسلام أو الدعوة إلى العولمة في المجتمعات الغربية في الألفية الثالثة. ويوجد لدى المجتمعات الأخرى بطبيعة الحال إيديولوجيات رسمية.
       وتم توجيه النقد الشديد لتفسير هيرمان وتشومسكي لطبيعته التآمرية المزعومة. والواقع أنهما  قد أشارا بألم إلى وجود تفسير بنيوي يعمل بشكل مستقل عن الاختيارات الفردية للمحررين والصحفيين المعنيين. وسواء تم القبول بهذا التفسير أم لا، من الواضح أن الدور السياسي للمؤسسات الإعلامية هو حقيقة من حقائق الحياة في القرن الحادي والعشرين.


البث الخاص


      هناك مجموعة واسعة ومختلفة من أنواع البث الخاص- من الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي يديرها بعض أغنى وأكثر الناس قوة في العالم من الناحية السياسية، إلى محطات ال اف ام الصغيرة. وهذا تقسيم وهمي، لأن ما يفرق بينهما كبير جدا كالشيء الذي يوحد بينهما.
     إن الشيء المشترك بينهما هو أن هذه الوسائل مملوكة من قبل المصالح الخاصة – والتي تسعى عادة إلى تحقيق الربح، وإن كانت في بعض الأحيان غير ربحية. ويكون البث في معظم الحالات تحت شروط الترخيص الممنوح على أساس دوري من قبل السلطة الرسمية. ويختلف مدى الالتزام أو القيود في شروط هذا الترخيص أيضا. فقد تحظر رخصة البث صراحة في بعض الأحيان بث الأخبار. وهذا هو الحال مع الرخصة الممنوحة لشركة جنوب أفريقيا المتعددة الجنسيات "أم نت"، على سبيل المثال. "ام نت" سعيدة بتوفير قنوات ترفيه محضة، وبالتالي فهي لا تتعرض للانتخابات وما يرتبط بها من نقاشات صاخبة. [1]
     ويتم غالبا وضع الشروط على رخصة البث، والتي يمكن بموجبها بث الأخبار أو الأحداث الراهنة. وسوف تشمل هذه التحديدات في بعض الأحيان إلى ما ينبغي أن يتم تغطيته في الانتخابات. وقد يحتوي الترخيص أيضا على عنصر واضح يرتبط بالخدمة العامة - فقد يلزم المرخص له على سبيل المثال بتنفيذ برامج التوعية العامة.
     ما هو مدى أهمية محطات البث الإذاعي الخاصة كمصدر معلومات للناخبين؟ سؤال لا يمكن الإجابة عليه بشكل منفصل عن دور الإذاعة العامة. ومثال على ذلك، يلعب البث العام في الولايات المتحدة دورا ضعيفا جدا من جهة، ويستمد الناخبون جزءا كبيرا جدا من المعلومات حول الانتخابات من البث الخاص. ومن المفارقات، في بلد مثل تنزانيا، حيث تم إنشاء التلفزيون في الآونة الأخيرة فقط، يلعب التلفاز التجاري الخاص دورا أكبر بكثير من الإذاعة العامة. (ويتناقض هذا مع معظم البلدان الأفريقية، حيث لا يزال تلفزيون الدولة مهيمنا – وكذلك الحال في زنجبار، جزء من تنزانيا حيث وجد التلفزيون لفترة طويلة.) [2]
     إن محطات التلفاز الخاصة هي القطاع الأسرع نموا في وسائل الإعلام في كثير من أنحاء العالم - وليس في أوروبا الغربية فقط، حيث بدأ بداية متأخرة نسبيا، ولكن أيضا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية. إن أصحاب محطات البث الخاصة في كثير من الحالات لديهم طموحات سياسية وانتخابية صريحة. وإن أوضح مثال على ذلك هو  سيلفيو برلسكوني في ايطاليا، الذي نجحت محطات البث الإذاعي في تعزيز طموحه لأن يصبح رئيس الوزراء في بلاده. ويمكن ملاحظة ظاهرة مشابهة في كثير من بلدان أمريكا اللاتينية، فضلا عن أوروبا الوسطى والشرقية.
[1] ريتشارد كارفر . جنوب أفريقيا . في: كارفر وريتشارد وآن نوتون (محرران). من يحكم موجات الأثير؟ البث في أفريقيا ، المادة 19، فهرس الرقابة ، لندن 1995، ص 91
[2] ريتشارد كارفر. "الاتجاهات والموضوعات في الإذاعة الأفريقية". في : ريتشارد كارفر وآن نوتون (محرران). من يحكم موجات الأثير؟ البث في أفريقيا ، المادة 19، فهرس الرقابة، لندن 1995 ، ص 5


وسائل الإعلام المطبوعة


     تمثل وسائل الإعلام المطبوعة أكبر تنوع في كل شيء، في كل من الملكية والمحتوى. وهي تتراوح بين الصحف اليومية والأسبوعية، من المجلات الإخبارية إلى مجموعة من المنشورات ذات الأهمية الخاصة. وبالنسبة للانتخابات نحن نهتم بالدرجة الأولى بالصحف، رغم من أن العديد من الملاحظات والمعايير تنطبق أيضا على أنواع أخرى من وسائل الإعلام المطبوعة
    حتى في الحالات التي تحتفظ فيها الدولة بحصة كبيرة في البث الإذاعي، غالبا ما تكون وسائل الإعلام المطبوعة في أيدي القطاع الخاص. ويحتمل أن تكون الاستثناءات الرئيسة في الأنظمة الديكتاتورية الاستبدادية، التي يستبعد أن تكون الانتخابات الحرة فيها على جدول الأعمال. ولكن هناك أيضا بعض البلدان في شمال أوروبا مثلا، حيث يتم دفع الإعلانات العامة للصحف لضمان التعددية السياسية في الصحافة. وتقوم الجهات المانحة في البلدان الخارجة من الديكتاتورية، بتقديم الدعم للصحف الخاصة في بعض الأحيان والتي لها هدف مماثل. وتستمد الصحف دخلها إلى حد كبير من الإعلانات وإيرادات المبيعات (وتكون الأولى عادة أكثر أهمية من هذه الأخيرة).
       وإن المثل الأعلى، أن تكون الصحافة هي "السلطة الرابعة" – أي أن تحافظ وسائل الإعلام على مراقبة الحكومة – وربما تكون أكثر فعالية في وسائل الإعلام المطبوعة أكثر من وسائل البث. ومن المرجح أن تقوم بعض الصحف على الأقل في أي بلد بتحقيقات جدية للأخبار، والتعليق بطريقة متطورة، ودرجة معقولة على التطورات السياسية. وهذا الشيء ليس صحيحا دائما في مجال البث أو الإذاعة.
     لكن الصحف لا تزال تملك برنامجها السياسي، والذي قد لا يكون بالضرورة ديمقراطيا. ومن الأمثلة الشهيرة على ذلك صحيفة الميركوريو في التشيلي، التي نظمت حملة ضد الحكومة المنتخبة في عام 1973، وأيدت الانقلاب العسكري – وتمثل هذه حالة كئيبة وواضحة، فشلت فيها الصحافة فشلا ذريعا في تعزيز التعددية السياسية. والحجة المعتادة، مع ذلك، هي أن وجود مجموعة متنوعة من الصحف، تعكس وجهات نظر مختلفة يؤدي إلى ضمان إعلام الجمهور بصورة كبيرة، والتفاعل الحر للأفكار السياسية. وينطبق نموذج هيرمان/ تشومسكي "نموذج الدعاية" لوسائل الإعلام على الصحف المتداولة بصورة واسعة، بقدر ما ينطبق على البث.
     وغالبا ما تكون الصحف أكثر عرضة من محطات البث لتأييد مرشح أو حزب سياسي بشكل واضح. وتختلف الثقافة السياسية من بلد إلى آخر. ويعتبر تأييد هيئة التحرير الصريح لخيار سياسي شيئا لا يمكن تصوره في العديد من البلدان، ويعتبر طبيعيا في بلدان أخرى. ولا زالت أخلاقيات مهنة الصحافة الكلاسيكية تطالب بالفصل تماما بين التقارير الإخبارية حول الوقائع، والتعبير والتعليق لهيئة التحرير. ومع ذلك، فإن اختيار برنامج سياسي سيؤثر لا محالة على اختيار الأخبار التي يتعين تغطيتها.
     وبصورة عامة إن الصحف ووسائل الإعلام الأخرى تقوم بتطبيق اختيار عام للقضايا التي هي مشروعة لتتم مناقشتها في الحملة الانتخابية. والأمل في أن تكون هذه دائما هي القضايا التي تتسم بأهمية خاصة بالنسبة للناخبين. وللأسف، غالبا ما تكون وسائل الإعلام والأحزاب السياسية متواطئة في اختيار القضايا ذات الأولوية.


وسائل الإعلام المجتمعية


     تعتبر وسائل الإعلام المجتمعية في أجزاء عديدة من العالم ظاهرة متنامية بسرعة. ويحتدم النقاش حول ما يحق أن يطلق عليه بالضبط وسائل إعلام مجتمعية. ويشمل التعريف في العادة شيئا يتم إنتاجه من قبل المجتمع من اجل المجتمع. وبعبارة أخرى، لا يعني ذلك أن تكون هذه الوسائل مقتصرة فقط على منطقة محلية صغيرة، وتستهدف جماعة معينة، وينبغي أن يتم إنتاجها بمشاركة من هذا المجتمع.
     ولكن علينا أن نسأل، ما هو المجتمع؟  يفترض أن يشير ذلك بصورة تقليدية إلى جماعة في منطقة جغرافية. ولكن في جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، والتي تمتلك واحدة من أكبر شبكات الإذاعة المحلية والمجتمعية في العالم، يستخدم المصطلح للإشارة إلى جماعة لها اهتمامات مشتركة، وخاصة بين القطاعات الاجتماعية المحرومة. وبالتالي قد يكون هناك "مجتمع المرأة"، و "مجتمع مثلي الجنس" أو "مجتمع ذوي الحاجات الخاصة". وقد تكون هناك أيضا وسائل إعلام مجتمعية تستهدف جماعة من الناس من عقيدة دينية معينة. [1]
     وتختلف وسائل الإعلام نفسها أيضا. فقد كانت الصحف المجتمعية موجودة منذ زمن طويل، ولكن السنوات العشرين الماضية، شهدت ظهور تقنيات بث أقل تكلفة، يرافقها نظم ترخيص حرة. وقد يسر ذلك ظهور إذاعات مجتمعية نابضة بالحياة في بعض البلدان (وإلى حد أقل بالنسبة للتلفزيون).
      وتلعب محطات البث العامة الوطنية في بعض البلدان دورا مجتمعيا أيضا، تبث المواد الإخبارية المنتجة من قبل المجتمعات المحلية (أو تستهدفها) أو تستهدف جماعات المصالح.
      وأهمية ذلك بالنسبة للانتخابات واضحة على الفور. فوسائل الإعلام المجتمعية، بحكم التعريف تقريبا، لديها جمهور صغير، ولكنه مخلص للغاية. وبالنسبة لأغراض تثقيف الناخبين، تعتبر وسائل الإعلام المجتمعية مهمة جدا، لا سيما وأنها يمكن أن تصل إلى قطاعات في المجتمع يمكن أن يتم تجاوزها من قبل وسائل الإعلام التقليدية.
      شروط تراخيص البث لوسائل الإعلام المجتمعي كثيرا ما تحظر الحملات السياسية بصورة واضحة. وسيكون من المهم بشكل خاص للسلطة التنظيمية رصد الامتثال لشروط الترخيص خلال فترات الانتخابات.

[1] ريتشارد كارفر. جنوب أفريقيا. في: ريتشارد كارفر وآن نوتون (محرران). من يتحكم بموجات الأثير؟ البث الإذاعي في أفريقيا، والمادة 19، ومؤشر على الرقابة، لندن، 1995، ص 93. انظر أيضا: الجمعية العالمية لإذاعات الراديو المجتمعية. http://www.amarc.org


وسائل الإعلام الحزبية


     ومن المفارقات الغريبة أن تملك الأحزاب السياسية وسائل إعلام بشكل مباشر وتسيطر عليها، والتي من المحتمل أن تكون أكثر اهتماما بنتائج الانتخابات – وهي تقع خارج معظم أنظمة وسائل الإعلام وقوانينها. فإذا كانت الصحيفة هي مجرد صفحات للحملة الانتخابية للحزب الذي يملكها، فإنها ليست ملزمة على نحو فعال من قبل أي من المعايير المهنية أو القانونية التي تحكم سلوك وسائل الإعلام ككل.
     في العديد من البلدان، لا يسمح للأحزاب السياسية امتلاك محطات البث الإذاعي، ويعتبر ذلك توزيعا غير عادل للموارد الوطنية - الطيف الترددي - لمصلحة سياسية ضيقة.
      وبصورة أساسية، تقع سائل الإعلام التابعة للأحزاب السياسية في واحدة من فئات ثلاث، وسيكون على السلطة التنظيمية أن تقرر هذه الفئة:
• صحف الدعاية التي لا تندرج في إطار تنظيم وسائل الإعلام، ولكن يمكن مراقبتها إذا كانت تشكل على سبيل المثال جزءا من نفقات الحملة، التي قد تكون محدودة بموجب القانون.
• وسائل الإعلام الخاصة التقليدية التي قد تكون مملوكة من قبل حزب. ويجب في هذه الحالة، أن تلتزم مع المعايير السائدة أو لوائح وسائل الإعلام الخاصة الأخرى.
• وسائل الإعلام الحكومية، وتتداخل في هذه الحالة مصالح الحزب الحاكم والحكومة. في هذه الحالة، يجب على وسائل الإعلام التي تستخدم الأموال العامة أن تلتزم بنفس معايير وسائل الإعلام العامة الأخرى – ويعني ذلك في الواقع على الأرجح أنها لا تستطيع القيام بحملة للحزب على الإطلاق.
      ومع ذلك  فقد نشأ على نحو متزايد نوع آخر من وسائل الإعلام، التي يمكن أن تمثل الفرق بين وسائل الإعلام الحزبية ووسائل الإعلام الخاصة. فقد يملك بعض الأفراد من رجال السياسية أو كبار رجال الأعمال الذين لديهم تطلعات سياسية، وسائل إعلام خاصة تبدو كأنها وسائل عادية. ومهما كانت أهدافها وأغراضها، فهي وسائل إعلام تقليدية خاصة لا تخضع لنفس القوانين واللوائح مثل غيرها.


وسائل الإعلام الجديدة


     تطورت ممارسات ومبادئ سلوك وسائل الإعلام في الانتخابات إلى ما نعتبره الآن "وسائل الإعلام" التقليدية: الصحف والإذاعة والتلفزيون. إلا أن أشكالا جديدة من وسائل الإعلام تطورت الآن بشكل سريع. وتشكل الإنترنت مثالا واضحا، ولكن هناك غيرها من التكنولوجيات التي لها صلة واضحة بالانتخابات: الرسائل القصيرة التي تنتقل عبر الهواتف المحمولة، على سبيل المثال.

وهل ستكون الممارسات والقوانين وأساليب نقل الأخبار التي وضعت على مدى السنوات لوسائل الإعلام التقليدية مطبقة أيضا على "وسائل الإعلام الجديدة"؟
      أولا، يوجد هناك ارتباك واضح يجب إزالته منذ البداية. هناك العديد من الطرق الممكنة لاستخدام  تكنولوجيا الاتصالات الالكترونية في العملية الانتخابية نفسها. وتشمل التسجيل والتصويت على الانترنت باستخدام شبكة الانترنت أو الرسائل القصيرة. ولكنها محدودة للغاية، ويجب أن يتم تمييزها عن الدور الذي يمكن أن تضطلع به هذه التكنولوجيات في نقل الأخبار أو الحملات الانتخابية. ولن نتناول الحديث عنها هنا.
     إن الكثير من الافتراضات التي تكمن وراء تنظيم وسائل الإعلام التقليدية لا تنطبق بكل بساطة على وسائط الإعلام الجديدة. فمساحة نشر المواد على الشبكة العالمية على سبيل المثال غير محدودة نهائيا، بالمقارنة مع تنظيم بث الطيف الترددي الذي هو مورد محدود ويجب أن يكون مشتركا.
     ويمكن أن تقوم التكنولوجيات الجديدة إلى حد ما، بتحدي الهيمنة القوية للشركات أو الجهات الحكومية. ومن الأسهل كثيرا بالنسبة للأفراد أو المجموعات الصغيرة، إقامة المواقع على شبكة الإنترنت، أو استخدام حملة رسائل نصية قصيرة، عن إنشاء الصحف أو محطات التلفزيون. ولكن في نهاية المطاف، إن شبكة الانترنت وغيرها من التكنولوجيات الجديدة في وسائل الإعلام (مثل خطوط الهاتف) تملكها الحكومات أو أصحاب الشركات الكبيرة.
       ويتمثل التحدي الذي يشكله تنظيم وسائل الإعلام الجديدة حتى الآن، ما يلي: يمكن تنظيم وسائل الإعلام القديمة بطريقة لا تمثل شكلا من الرقابة، وهي تعزز حرية التعبير بدلا من تقييدها. وقد ثبت أن مثل هذا التنظيم لوسائط الإعلام الجديدة مستحيل. يمكن تنظيم وسائل الإعلام الجديدة ، ولكن محتوى شبكة الإنترنت، على سبيل المثال، متعدد ومتنوع على نطاق واسع، وكانت عملية التنظيم سيئة وبلغت حد الرقابة: اعتراض رسائل البريد الإلكتروني، وإغلاق مواقع الإنترنت، وممارسة الضغوط أو اتخاذ إجراءات قانونية ضد مقدمي خدمات الإنترنت.
       وتشكل شبكة الإنترنت، على وجه الخصوص، تحديا لوجهات النظر التقليدية لسلوك وسائل الإعلام في الانتخابات. فقد تم بصورة فعلية مثلا، تجاوز منع نقل التقارير الإخبارية عن الانتخابات، من خلال أنشطة المواقع غير المنظمة على شبكة الإنترنت. وإن السمة التي تجعل الإنترنت فوق القواعد والقوانين هو وطابعها الدولي. وأدت المحاولات من جانب المنظمين على المستوى الوطني في إغلاق المواقع، إلى إنشاء مواقع مثيلة خارج حدود البلاد.
     ويحتمل أن تمتد التحديات التنظيمية إلى ما وراء الكلمة المكتوبة، مع تطور شبكة الانترنت والإذاعة  والتلفزيون مع مرور الوقت. وسوف تظهر متغيرات أخرى  مثل "البودكاستنج"- بث ونقل الملفات الصوتية - و آر إس إس (قوائم المعلومات المبسطة) وشبكات الند-للند التي سوف تؤدي إلى زيادة هذا التحدي. 

الإنترنت


     وقد تمت الإشادة بالإنترنت على أنها الثورة المقبلة في مجال الاتصالات الانتخابية، تماما كما تمت الإشارة إلى أنها ثورة في التدفق العالمي للمعلومات. وبالفعل، تجري استطلاعات الرأي الآن عن طريق شبكة الإنترنت (هذا ونأمل أن يتم التعامل مع هذه النتائج بحذر شديد). وإن التعامل مع مثل هذه الحقائق بشيء من الشك، لا يعني صرف النظر عنها، وإنما مجرد اتخاذ نهج جاد حول كيفية انسجام الانترنت مع هيكلية وسائل الإعلام على وجه العموم.
     النقطة الأولى هي أن شبكة الإنترنت تعتمد على الاتصالات السلكية واللاسلكية –وما زال الجزء الأكبر يعتمد على الخطوط الأرضية بدلا من الهاتف النقال. وهناك مثالان مباشران يؤكدان أهمية هذا. أولا ، هناك من الهواتف في مانهاتن أكثر مما هو موجود في أفريقيا كلها. وثانيا: إن جنوب أفريقيا التي وصلت إلى المستوى الثامن عشر في مجال الاتصال من خلال شبكة الإنترنت في العالم، لم يجر فيها أكثر من نصف السكان اتصالا هاتفيا واحدا. [1] وهذا يعني بكل بساطة، أن الإنترنت لا تزال وسيلة الاتصالات للأغنياء نسبيا، بدلا من أن تكون لعامة الناخبين في العالم. وعلى هذا الأساس فهي على خلاف الإذاعة والتلفزيون، ومن المرجح أن تظل كذلك في المستقبل المنظور.
     ومع ذلك، سرعان ما أصبحت الإنترنت وسيلة ذات أهمية حيوية للاتصالات السياسية – أنظر إلى الجهود التي تبذلها الحكومات مثل الصين من أجل الحد من الوصول إلى "مواقع ويب تخريبية". وفي سياق تخضع فيه وسائط الإعلام التقليدية للرقابة الشديدة، يمكن للإنترنت أن تكون وسيلة هامة لأعداد صغيرة من الناس في الحصول على معلومات حساسة من الناحية السياسية، والتي يمكن تعميمها على نطاق واسع. وبعبارة أخرى، إن أهمية الإنترنت بالنسبة لمعظم العالم، أنها تمكن من وضع أفكار بديلة للتداول، بدلا من أن تعمل كوسيلة للاتصال الجماهيري من قبل الأحزاب والمرشحين أو السلطات الانتخابية.
     إن اللقاء بين تقنيات البث والاتصالات السلكية واللاسلكية يحتمل أن يؤدي أيضا إلى توثيق الروابط بين وسائط الإعلام التقليدية والإنترنت. ومن المؤكد أن الجوانب الرئيسة في حقل ما يمكن أن تعبر بسهولة إلى حقل آخر. ولقد انتقلت الاتصالات الهاتفية نحو استخدام الأقمار الصناعية، في حين تحول نقل البث نحو استخدام الكوابل من الألياف البصرية. ويبدو أن التبعات الاقتصادية والاجتماعية سوف تميل على الأرجح نحو نمو الاحتكارات الخاصة في سائل الإعلام في مجال الإذاعة والإنترنت.
     ومن المستغرب أن الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة، حيث يتم استخدام الإنترنت بصورة أكثر انتشارا، لم تستخدم الانترنت إلا قليلا وبصورة غير متطورة. ولا شك في أن تردد السياسيين في المشاركة في التفاعل العفوي مع الناخبين يفسر هذا. وتميل مواقع رجال السياسة على شبكة الإنترنت إلى أن تكون نفس المواد التي تتوفر في غيرها من الأشكال التقليدية والتي تم إعادة تجميعها لشبكة الإنترنت.
      أما المجال الذي تم فيه استخدام شبكة الانترنت بصورة أسرع فيما يتعلق بالانتخابات، يتمثل في وضع المواد على الشبكة من قبل المنظمات غير الحكومية. وقد شملت هذه في الولايات المتحدة قواعد البيانات للبحث على الانترنت والتي تتيح للجمهور البحث عن التبرعات للحملات الانتخابية لمختلف للمرشحين، أو البحث في تطور سجلات التصويت لرجال السياسة والتي يمكن أن تعزز الديمقراطية فقط.
     ورغم ذلك هناك تطور أكثر إشكالية، وهو استخدام تقارير الإنترنت بصورة تتعارض مع الاتفاقيات التي تم قبولها على نطاق واسع في "وسائل الإعلام التقليدية" - من خلال تقديم تقارير استطلاعات الرأي قبل انتهاء الانتخابات على سبيل المثال.
    سمة هامة أخرى لشبكة الإنترنت – سواء كانت جيدة أو سيئة اعتمادا على طريقة النظر إليها- وهي سهولة وصول الأفراد والمؤسسات الصغيرة إلى الشبكة. فالإنترنت لا تضع أي من القيود التقليدية عند النشر: من حيث التكلفة أو مراقبة الجودة. وقد أدى ذلك ، على سبيل المثال، إلى ظهور "المدونات" (اشتقاقا من مصطلح "ويب"). وقد تعرضت هذه اليوميات السياسية الفردية المستقلة، والتي تتسم غالبا بالاعتدال، إلى الذم والمدح بنفس القدر. ولكنها ظاهرة سياسية وجدت لتبقى.
     كما سيكون للتطورات التكنولوجية الأخرى ضمن شبكة الإنترنت انعكاسات سياسية أيضا. وإن نظام قوائم المعلومات المبسطة (آر إس إس) وسيلة لنشر الأخبار بسرعة وبدون تكلفة. كما تسمح شبكات الند-للند البسيطة بنقل ملفات كبيرة بتكلفة منخفضة (مثل ملفات الصوت والفيديو) لجمهور واسع. و"البودكاستنج" هو مصطلح تمت صياغته لوصف بث المواد السمعية على شبكة الإنترنت (ونظريا تحميلها على أجهزة ستيريو شخصية).
     إن الجمع بين هذه التكنولوجيات - مثل سندكة البودكاست- له دلالات وإمكانات هائلة. هذه وسائل إعلام ذات إمكانيات جماهيرية واسعة، يحتمل أن تكون خارج سيطرة أي سلطة تنظيمية. وهذا تطور مفيد إلى حد كبير، يمكن أن يتخلص من الرقابة، ويزيد من حرية التعبير. ففي سنغافورة على سبيل المثال، حيث تخضع وسائل الإعلام الرئيسة للسيطرة الرسمية، فقد استخدم زعيم المعارضة البودكاست لتوزيع رسائله السياسية.
       ولو أخذنا الانترنت بعين الاعتبار بالتعاون مع وسائل الإعلام التقليدية، فإنها سوف تنمو وتزداد أهمية. وعلى كل حال فإن العديد من الصحفيين يستخدمون الإنترنت الآن كمصدر هام لكتابة تقاريرهم. كما تستخدم السلطات الانتخابية على نحو متزايد المواقع على الشبكة العالمية كوسيلة لنشر المعلومات. وبعد ذلك يمكن التقاط هذه المعلومات من قبل وسائل الإعلام التقليدية ونشرها على نطاق أوسع. هذا مهم بشكل خاص، على سبيل المثال، عند نشر النتائج. وإذا تم الربط بين موقع ويب مع نتائج قاعدة البيانات على جهاز كمبيوتر سلطة الانتخابات، يعني ذلك أن تكون النتائج متاحة للجمهور على الفور.
      كما يمكن أن تكون الانترنت أيضا وسيلة هامة لتوزيع مواد مثل "حزم  البث الإذاعي". وهذه وسيلة فعالة جدا لجعل البرامج متاحة لمحطات إذاعية محلية أو إقليمية في البلدان الكبيرة. ولقد قامت اندونيسيا  على سبيل المثال، بتجربة هذه الطريقة. هذا ويمكن أن تستخدم الانترنت لتوزيع المواد التعليمية للناخبين أو توفير حصص البث الخاصة للوصول المباشر.
[1] سالي بيرنهايم، الحق في الاتصال : الإنترنت في أفريقيا ، المادة 19، لندن، 1999. (http://www.article19.org).


الهواتف الخلوية والدعاية الانتخابية


يمكن أن تكون الهواتف الخلوية وسيلة مهمة جدا للاتصالات الانتخابية ، وذلك لسببين:
• الملكية والوصول إلى الهواتف الخلوية (الهواتف المحمولة، الهواتف النقالة، الهواتف اليدوية....) يفوق بكثير الوصول إلى الهواتف الأرضية. هذا التفاوت واضح بشكل خاص في البلدان الأكثر فقرا، ولكنه أيضا ظاهرة عامة.
• تتوافر لدى الهواتف المحمولة إمكانات للبث غير قابلة للمقارنة بالنسبة للخطوط الأرضية التقليدية. في حين يمكن استخدام الهاتف الثابت للمكالمات الصوتية وإرسال الوثائق، ويمكن للهاتف المحمول إرسال واستقبال الرسائل النصية والملفات الصوتية والفيديو.
     إلا أن استخدام الهواتف المحمولة في الحملات السياسية أو البث، لم يتطور بصورة جيدة حتى الآن، ولكن الإمكانيات واضحة. وحتى الآن تم التركيز على استخدام النص أو الرسائل القصيرة. ويوجد لدينا نوعان من الأمثلة الموثقة توثيقا جيدا من الفلبين. فقد اضطر الرئيس جوزيف استرادا في عام 2001 إلى الاستقالة بعد حملة شعبية ضده دبرت عن طريق الرسائل القصيرة. وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2004، كانت الرسائل القصيرة وسيلة شعبية للغاية بالنسبة لحملة أهم المرشحين.
    ومن الصعب أن نرى كيف يمكن بسهولة وضع الرسائل القصيرة ضمن نطاق تنظيمي، دون اللجوء إلى فرض رقابة مشددة. إضافة إلى أن الرسائل القصيرة مثل البريد الإلكتروني، يمكن أن تتعرض للغش بسهولة. وهذا يعني أنه يمكن إرسال الرسائل من عناوين وهمية أو مخفية (كما هو الحال مع البريد المزعج "البريد الالكتروني")، مما يجعل مهمة الهيئة المشرفة أكثر صعوبة.
      وما قد تم حتى الآن بالنسبة للرسائل القصيرة، يمكن أن يتطور بشكل سريع من خلال ملفات الصوت والفيديو، مع تطور "الجيل الثالث" (3G) من الهواتف القادرة على تبادل الملفات بسهولة. وهكذا يتم التداخل بين التقنيات القائمة على الإنترنت (مثل البودكاستينغ) والاتصالات الهاتفية الخلوية. ويمكن بث الرسائل السياسية من خلال مزيج من وسائل الإعلام، فيمكن المشاهدة أو الاستماع من خلال الهواتف أو من خلال أجهزة الستيريو الشخصية.
     هذه التقنيات يمكن أن تكون متاحة لجميع المشاركين في الحملات الانتخابية. ويمكن أن تستخدمها الأحزاب من أجل  توزيع مواد الحملة الانتخابية، ويمكن لوسائل الإعلام  أن تشجع الجمهور لاستقبال هذا البث؛ ويستطيع مديرو الحملات الانتخابية استخدامها لتثقيف الجمهور، وزيادة المشاركة السياسية، لا سيما في صفوف الناخبين الشباب.


المستوى المهني لوسائل الإعلام


       من العناصر الهامة في بيئة وسائل الإعلام درجة الاحتراف والخبرة بين الصحفيين وغيرهم من العاملين في وسائل الإعلام. ومن المعروف أن الصحفيين في البلدان التي تخلصت في الفترة الأخيرة فقط من نظام سياسي شديد القيود، يفتقرون إلى العديد من المهارات والمعايير المهنية لنظرائهم في البلاد التي لها تاريخ طويل لحرية وسائل الإعلام.
      تظهر وسائل الإعلام في بعض الأحيان في ظروف لم تكن تمارس فيها الصحافة بحرية على الإطلاق. وقد يكون هناك أيضا في هذه الحالة، اتجاه للإساءة إلى الحريات الجديدة التي تم الحصول عليها من خلال التقارير غير الدقيقة وغير الوافية. وبكل بساطة، لا يعرف الصحفيون في كثير من الأحيان في هذه الحالات ما هي المعايير المهنية المتوقعة منهم: لا يوجد لديهم هيئات مهنية أو نقابات أو مدونات لقواعد السلوك، وسوف يفتقرون إلى المهارات الأساسية في كتابة التحقيقات الصحفية وتدقيقها وكتابة القصص أو بثها، وخاصة الصحفيون الذين سيشاركون للمرة الأولى في الانتخابات، ومن المحتمل أن يفتقروا إلى معرفة أبسط مظاهر هذه العملية. في كثير من الأحيان، لن تكون هناك أماكن لتدريب الصحفيين - أو على الأقل أي شيء يوفر لهم المهارات التي يحتاجون إليها للقيام بدور المراقب، الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في ظل الديمقراطية.
       ومع ذلك، فإن تجربة النظم الاستبدادية لا تكون سلبية تماما. فلقد لعبت الصحافة المستقلة الجريئة في العديد من الحالات، دورا مهما في الضغط على الأنظمة الديكتاتورية لفتح الفضاء السياسي. والصحفيون الذين قاموا بكتابة التحقيقات الناجحة ونشروا المقالات الحساسة في مثل هذه البيئة الإعلامية، قد اكتسبوا المهارات المهنية التي لا مثيل لها من قبل زملائهم في ظروف ودية. ويتمثل التحدي المهني في سياق الانتخابات في القدرة على استخدام هذه المهارات من أجل كتابة مجموعة جديدة وغير مألوفة من القصص التي يجب نشرها. 

التدريب الصحفي


     يتم تحديد المعايير الصحفية من خلال مؤسسات التدريب الموجودة. وتتأثر هذه بدورها بعاملين رئيسين: المناخ السياسي والاقتصادي.
     في الحالة التي تكون فيها بيئة وسائل الإعلام مقيدة إلى حد كبير، فمن غير المحتمل أن تكون هناك أي مؤسسة أكاديمية أو تدريب الصحفيين يعمل على تزويدهم بالمهارات اللازمة. ومن غير المحتمل أيضا أن تكون الهيئات المهنية راغبة أو قادرة على توفير مثل هذا التدريب. وفي البلدان الأكثر فقرا، نادرا ما يتم النظر إلى توفير التدريب في مجال الصحافة على أنه من الأمور التي تحظى باهتمام كبير. ويكون هذا غالبا نتيجة للمكانة الاجتماعية المتدنية التي يحظى بها الصحفيون.
     في أي ظرف من الظروف، يفضل أن يتم تطوير مرافق التدريب على المستوى الإقليمي أو الدولي. ويوجد لدى منظمات الصحفيين الدولية، مثل الاتحاد الدولي للصحفيين خبرة كبيرة (في مجال تقديم التقارير حول الانتخابات)، ويمكن أن تقوم بتوفير التدريب، وبصورة خاصة في الديمقراطيات الجديدة أو الانتقالية. ويمكن أن توفر مؤسسات التدريب الإقليمي نوعا من التدريب في مجال الصحافة، يتميز بتخصصه بتجربة بلد المتدربين من الصحفيين، دون أن يكون له نفس القيود السياسية أو الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، يستطيع الصحفيون الطامحون من الوصول إلى شبكة الإنترنت وتعلم قدر كبير من المهارات من مختلف المواقع.


الإطار القانوني للإعلام


وثمة عامل مهم يساعد في توفير التعددية والاستقلال والحيوية في وسائل الإعلام، وهو الإطار القانوني الذي يتم العمل فيه. ويميل الصحفيون أنفسهم غالبا نحو الرأي القائل، بأنه كلما قلت علاقتهم بالقانون، كان ذلك أفضل لهم. ولا شك في أن الوضع المثالي على الأرجح، أن يكون هدف الإطار القانوني لوسائل الإعلام هو خلق بيئة مواتية للصحافة، يمكن أن تزدهر فيها، بدلا من وضع القوانين لكل مظهر من مظاهرها المختلفة.
      إن الإطار القانوني العام الذي تعمل فيه وسائل الإعلام يستمد في المقام الأول من القانون الدولي. وإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو القانون الدولي العرفي، الذي يشرح الطريقة التي يتم فيها تفسير كل قانون آخر. وتشكل المادة 19 من الإعلان العالمي الضمان الأساسي للحق في حرية التعبير، والذي يشمل حرية وسائل الإعلام. ويتكرر هذا الحق بصورة مفصلة في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية:
     "لكل شخص الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حرية البحث عن المعلومات والأفكار من كل نوع، وتلقيها ونقلها، دونما اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو بشكل فني، أو من خلال أية وسيلة أخرى يختارها ".
   هذه هي المعاهدة التي تعتبر ملزمة لكل دولة تصدق عليها.
   وعلاوة على ذلك، هناك معاهدات إقليمية في أوروبا وأفريقيا والأمريكتين، تحتوي كل منها على ضمانات مماثلة لحرية التعبير وحرية الإعلام.
وتتأثر حرية التعبير وحرية وسائل الإعلام على المستوى الوطني بالقوانين في عدة مستويات مختلفة:
•  الدستور: وهو القانون الأساسي أو الأعلى للبلاد.
• النظم الأساسية التي يصدرها المجلس التشريعي.
• المراسيم والأنظمة أو الأدوات القانونية الأخرى، والتي سيكون لها عادة قوة أقل من القوانين الواردة في الدستور.
     من حيث المبدأ، بطبيعة الحال، ترتبط مجالات جميع هذه القوانين معا بطريقة منسجمة. وإذا صادقت دولة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أو معاهدات حقوق الإنسان الإقليمية، فسوف تنعكس أحكامها على الدستور، والتي سوف تحدد بدورها مضمون القوانين الفرعية. ولكن الأمور نادرا ما تكون بهذه البساطة.
     في كثير من النظم القانونية، لا يؤدي التصديق على المعاهدات إلى تطبيقها تلقائيا في القانون الوطني. فقد تتم صياغة الدساتير قبل فترة طويلة من التصديق على المعاهدة. أو قد يعكس الدستور التطورات التقدمية في قانون حرية التعبير، ولكن قد لا يتم تعديل قوانين أخرى لتأخذ هذا بعين الاعتبار. من حيث المبدأ، قد تأخذ المصادقة على المعاهدات الأسبقية على الدستور، ويتم توفير الوسائل لتفسير ذلك. أو قد تعتبر أنها مساوية له في الأهمية، أو قد تكون لا تزال جزءا من القانون الداخلي، ولكنها تعتبر أدنى من الدستور. وبالمثل، يكون الدستور عادة ذات سيادة في ما يتعلق "بالنظام الأساسي"، والذي يعتبر غير فعال إذا كان في تناقض معه.
     ويتوقف كل هذا بدوره على مدى احترام الحكومات لسيادة القانون في الممارسة العملية. حتى في الديمقراطيات المستقرة، لا يمكن أن يكون هذا أمرا مفروغا منه. ويمكن أن تشعر الحكومة بالغضب بسهولة من خلال ما تراه من تدخل أو استفسار من قبل الصحافة، وتعمل على اتخاذ التدابير غير القانونية في محاولة لوقف تحقيقاتها - بدءا من الاستيلاء غير المشروع على كتابات أحد الصحفيين إلى تنظيم فرق الموت. في هذا المجال، كما هو الحال في أي مجال آخر، تعد اليقظة في النظام القضائي، واستعداده لمواجهة السلطة التنفيذية في الحكومة أمرا حيويا.


الحماية الدستورية لحرية الإعلام


كان الاتجاه في السنوات الأخيرة نحو تعزيز دور القانون وسيادة الدستور في الحكومة. ويجري على نحو متزايد، إبدال مفهوم مثل "سيادة البرلمان" بفكرة أن يكون هناك قانون أعلى واحد يحكم الجميع. وقد قامت بريطانيا موطن مفهوم "سيادة البرلمان"، ودستورها غير المكتوب، بإدراج الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في قانونها الداخلي الآن، كنوع من "ميثاق الحقوق". على النقيض من ذلك فإن الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل من الحكم الدستوري. ويقول التعديل الأول الشهير للدستور الأميركي: "إن الكونغرس لا يصدر أي قانون يحد من حرية التعبير أو حرية الصحافة"،  وبعبارة أخرى أن القانون الأعلى هو فوق السلطة التشريعية.
      وبوجه أعم، يفهم الآن أن أقدم الدساتير التي توفر الحماية العامة لحرية التعبير تشمل حرية وسائل الإعلام والحق في حرية الحصول على المعلومات، وهما من أهم الجوانب ذات الصلة بوسائل الإعلام والانتخابات.
   وتمثل المادة 16 الخاصة بحرية التعبير في دستور جنوب أفريقيا (1996) أكثر أساليب التفكير التقدمية الدستورية الحديثة الخاصة بحرية وسائل الإعلام :
(1) لكل شخص الحق في حرية التعبير، ويتضمن هذا الحق (أ) حرية الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى، (ب) حرية الحصول على المعلومات أو الأفكار وحرية نقلها ، (ج) حرية الإبداع الفني، و (د) الحرية الأكاديمية وحرية البحث العلمي.
(2) الحق في البند (1) لا يشمل  (أ) الدعاية للحرب، (ب) التحريض على العنف المباشر، أو (ج) الدعوة إلى الكراهية التي تقوم على أساس العرق أو الأصل العرقي أو النوع الاجتماعي أو الدين، والتي تمثل تحريضا يتسبب في ضرر.
الاستثناءات الواردة في المادة 16 (2) تعكس تلك الموجودة في المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
     عندما تنشأ حماية دستورية قوية لحرية التعبير، يجوز للحكومة أن تقوم بإجراء مراجعة للقوانين السائدة لتحديد ما إذا كانت مطابقة للدستور. أي أنه لا يتعين إلغاؤها أو تعديلها لجعلها تتماشى مع الدستور.
     ولا تتم مثل هذه المراجعة في كثير من الحالات. وبعد ذلك فإن دستورية القوانين الموجودة سيتم اختبارها من خلال القضاء والدعاوي حين تحاول الحكومة تطبيق القوانين التي قد تكون قديمة. وأن وجود سلطة قضائية مستقلة في هذه الظروف، يصبح أمرا هام من أجل فرض الحماية الدستورية للحقوق.
    وقد يتم في معظم الدساتير، تعليق الحق في حرية التعبير أو "حذفه" في ظل ظروف استثنائية معينة. ووفقا للمعايير الدولية، ينبغي أن يكون هذا فقط، عندما تعلن الدولة حالة الطوارئ بشكل قانوني. وينبغي أن يكون تعليق الحقوق فقط لمدة حالة الطوارئ الحقيقية التي تهدد حياة الأمة.


القوانين المتعلقة بوسائل الإعلام


    يوجد في التقاليد القانونية المختلفة أساليب متنوعة تماما لدور القانون الوضعي في ما يتعلق بوسائل الإعلام (أو غير ذلك من جوانب الحياة الوطنية). وتميل البلدان التي تسود فيها تقاليد القانون المدني أو القانوني الاشتراكي أن يكون لها نظام أساسي شامل ينظم وسائل الإعلام. ولا تميل البلدان التي يسود فيها القانون العام إلى ذلك، وهي تفترض أن وسائل الإعلام تخضع للقانون العام في البلاد إلا في مجالات محددة جدا.
     إن وجود مجموعة متنوعة من النظم المختلفة يجعل من الصعب تعميم القوانين النافذة ذات الصلة بوسائل الإعلام. ومع ذلك، فيما يلي قائمة من المبادئ المستمدة من المعايير الدولية المختلفة، التي تشير إلى بعض القوانين التي تسمح بوجود درجة معقولة من الحرية لوسائل الإعلام:
• يملك أي شخص الحرية في إقامة وسائل الإعلام، شريطة أن تلتزم بقوانين الأعمال الأساسية في البلد. ولن يكون هناك أي إجراء من أجل منح التراخيص لوسائل الإعلام المطبوعة. وقد تحتاج وسائل الإعلام الخاصة بالبث إلى ترخيص من هيئة تنظيمية خاضعة للمساءلة العامة وفقا للمعايير المتاحة للجمهور.
• يملك كل شخص الحرية في ممارسة العمل كصحفي. ولا يوجد هناك قانون ينص على التأهيل أو عملية تسجيل.
• سيوفر قانون التشهير وسيلة انتصاف مدنية في حالة وقوع ضرر متعمد للسمعة - ولكن ذلك لن يكون جريمة جنائية. وسيتم تقديم حماية أقل في قانون التشهير لرجال السياسة والشخصيات العامة الأخرى مما هو متوفر للأفراد.
• لن تعاقب قوانين "الفتنة" الصحفيين أو غيرهم على أساس نشر وقائع أو التعبير عن الآراء فقط. سيتم وضع أحكام محددة حول "الأمن القومي"، وسوف تطبق فقط في حالة وجود تهديد حقيقي لحياة الأمة - وليس من أجل حماية السياسيين أو الهيئات الحكومية من الرقابة الشرعية.
• سيكون هناك افتراض بأن المعلومات الرسمية هي ملك الجمهور. وسيتم حمايتها من أجل الحفاظ على مصالح الأمن القومي المشروعة أو لعدد من الأسباب الأخرى المحددة بشكل وثيق. وخلافا لذلك ينبغي أن يكون هناك آليات لضمان وصول الجمهور إلى المعلومات الرسمية.
• يجب أن لا يجبر الصحفيون على الكشف عن مصدر المعلومات السرية، إلا في ظروف محدودة جدا - ومن الناحية العملية، عندما يكون الحفاظ على السرية من شأنه أن يعرقل سير التحقيق الجنائي، وحيث لا تتوفر معلومات من أي مصدر آخر.



القوانين الأخرى التي تؤثر على وسائل الإعلام


تتطلب العديد من القوانين التي أقرها المجلس التشريعي سن لوائح تفصيلية لمنحها المزيد من القوة. فقد يقوم المجلس التشريعي على سبيل المثال، بالموافقة على النظام الأساسي للبث، ولكن ستكون هناك حاجة إلى وضع اللوائح لإجراءات الترخيص على وجه الدقة. وغالبا ما تصدر هذه اللوائح عن الوزير المسؤول. وهذا النوع من الأدوات القانونية ملزم قانونيا في الواقع، ولكنه أدنى من النظام الأساسي الذي أقره المجلس التشريعي. وفي حالة وجود تعارض بينهما، فسوف يطبق النظام الأساسي.
    وهناك نوع آخر من الأدوات القانونية التي تمثل مشكلة أكثر صعوبة. حيث تقوم الحكومات الاستبدادية في كثير من الأحيان بالحكم من خلال إصدار المراسيم. والمرسوم هو قانون أيضا. ورغم أن معظم النظم القانونية تعتبره أدنى من قانون أقره البرلمان، إلا أنه في بعض الأحيان قد يعلن المرسوم نفسه فوق كل قانون آخر، بما في ذلك الدستور. (فقد سن النظام الديكتاتوري العسكري في نيجيريا، على سبيل المثال، العديد من القرارات من هذا النوع.) وفي مثل هذه الظروف الصعبة سيكون من مسؤولية السلطة القضائية تأكيد تفوق القانون القائم على إعلانات الحكام المستبدين.


قضايا قانونية تمس وسائل الإعلام


     أهمية الحالات السابقة في تفسير القانون تختلف وفقا للنظم القانونية المختلفة. وبشكل عام، تعمل نظم القانون العام إلى حد كبير جدا على السوابق القضائية، لأن القانون "الموحد" لا يكتب في أي مكان، ويعتمد الأمر على القضاة في "اكتشافه". ويعتمد القاضي في أية قضية معينة بشكل كبير على القضاة السابقين الذين أخذوا القرارات في حالات مماثلة أو التي تنطوي على مسائل مماثلة. ورغم  أن الأولوية تعطى بطبيعة الحال للحالات الموجودة في بلد القاضي نفسه (ومن المحاكم العليا بصورة أكبر)، إلا أن هذا النهج يتيح للسوابق من بلدان أخرى لها نظام قانوني مماثل أن تؤخذ في الاعتبار أيضا.
     إن البلدان التي تتبع القانون المدني من الناحية التاريخية لا تسير عل هذا النهج. ومع ذلك، فقد وفر تطور القانون الدولي معايير تفسيرية جديدة في كثير من الحالات التي يتعين اتخاذها. وعلى سبيل المثال، يتطلب القانون الاسباني أن يؤخذ بعين الاعتبار تطبيق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عند تفسير الدستور الاسباني. وإن القضايا القانونية في المحاكم الإقليمية لحقوق الإنسان مثل البلدان الأمريكية والأوروبية تعالج بالتغاضي عن التمييز بين القانون العام والمدني، والمقصود هو أن يتم معالجتها بموجب أي من النظامين.
     في الممارسة العملية، توجد في نظم القانون العام مجموعة متزايدة من نظم القانون الأساسي، في حين تعتمد نظم القانون المدني على النهج المتبع في الحالات السابقة - في كل من النظامين بالنسبة لوسائل الإعلام والانتخابات. ويتجه كل من النظامين بدون شك إلى الاقتراب بصورة أكبر.


الأطر التنظيمية القائمة لوسائل الإعلام


    إن الأطر التنظيمية القائمة هي جزء حيوي  من البيئة الإعلامية – ومن شأنها أن تكون ذات أهمية خاصة أثناء الانتخابات. وهي تأتي في جميع الأشكال والأحجام، ويمكن تقسيمها من أجل السهولة إلى ثلاثة أنواع رئيسة هي:
• نظام البث: ويكون موجودا بشكل ما كلما وجد البث. وتكون وظيفته الأساسية هي تخصيص الترددات لمحطات البث. وإلى حد ما، يحدد هذا النظام من يمكن أن يحصل على ترخيص للبث، ومن لا يستطيع. وقد يشمل أيضا وضع شروط على الترخيص لتحديد نوع المحتوى المرخص به للبث. وقد يشمل أيضا آلية لتقديم الشكاوى.
• مجلس الإعلام التطوعي: هذا شكل من أشكال التنظيم الذاتي، وهو شائع بصورة كبيرة بين وسائل الإعلام المطبوعة على وجه الخصوص. ويمكن أن تقوم مجالس الإعلام بوضع مدونات لقواعد السلوك، والنظر في الشكاوى، وتدريب الصحفيين. وهي مع ذلك ليست آلية لمنح التراخيص أو تحديد الصحفيين الذين يجوز لهم ممارسة العمل الصحفي.
• النظم والقوانين الأخرى: تندرج مجموعة كبيرة ومتنوعة من المؤسسات تحت هذا البند. وهي تشمل مجموعة من الهيئات الدستورية التي تهدف إلى ضمان استقلال وسائل الإعلام. وسلطات الترخيص التابعة للدولة، التي تراقب من يستطيع نشر صحيفة أو ممارسة العمل الصحفي.
    وسيكون للجهاز التنظيمي في كثير من الحالات تأثير كبير على استقلال وسائل الإعلام ومهنيتها. ومن غير المرجح أن يتمكن النظام الذي يقع تحت سيطرة حكومية صارمة، من تعزيز التعددية والتنوع بين وسائل الإعلام. ويمكن لنظام تطوعي، أو أي نظام قوي مع ضمانات قانونية أو دستورية مستقلة، أن يعمل على حماية التعددية في وسائل الإعلام، وأن يحد من تدخل الحكومة، ويمكن أن يساعد على تطوير المعايير والمهارات المهنية.
     إن وجود هيئة تنظيمية مستقلة وموثوق بها، يمكن أن يكون هاما في الانتخابات، لأنها يمكن أن تشغل بعض أو جميع المهام المتخصصة المتعلقة بتنظيم وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية.


تنظيم البث


     إن كلمة "التنظيم" هي من الكلمات التي تجعل العديد من الصحفيين والمذيعين في حالة عصبية، والواقع  أنه يوجد في كل بلد من العالم تقريبا، هيئة تقرر من الذي يحق له البث وعلى أي تردد. والسبب الرئيس لوجود مثل هذه الهيئة، هو أن الموجات الهوائية هي مصدر محدود، وإن كيفية توزيعها هي قضية من قضايا السياسة الوطنية- وذلك بعكس نشر الصحيفة مثلا، الذي يمكن تحديده بشكل كبير من قبل الجمهور من خلال ما يختاره للقراءة. وإذا لم يكن هناك تخصيص للترددات القانونية، يستطيع أي شخص يملك جهازا كبيرا وقويا للإرسال، أن يغرق ببساطة مذيعا آخر بموجات ضعيفة عن طريق البث على تردد مجاور. فتنظيم البث بالتالي، عندما يتم بشكل صحيح، لا يعد وسيلة للرقابة، وإنما يتم لضمان سماع مجموعة متنوعة من الأصوات.
      وهناك العديد من الحجج التي تقول بأن في عصر البث الفضائي، والتكنولوجيا الرقمية، والالتقاء بين البث والاتصالات السلكية واللاسلكية، قد جعل المنطق القديم للتنظيم ليس ضروريا. وأصبح يقال الآن، أن هناك من القنوات بما فيه الكفاية للجميع من أجل أن يسمعوا أصواتهم. لكن القسم الأكبر من الجمهور في الواقع لا يزال يستخدم التكنولوجيات القديمة للبث - في كثير من الأحيان يتم استخدام راديو الترانزستور الذي  يعمل بالبطاريات أو جهاز تلفزيون عادي أرضي. وقد تكون تكنولوجيا الأقمار الصناعية متاحة على نطاق أوسع أكثر من ذي قبل، ولكن المجتمعات المحلية، والإذاعات الخاصة الصغيرة (ناهيك عن محطات الإذاعة الوطنية العامة) لا تزال تعتمد على الأساليب القديمة.
      وإن الترددات المتاحة داخل أي بلد ما، يتم تخصيصها بعد التفاوض مع الاتحاد الدولي للاتصالات. وأما الطريقة التي يتم بها توزيعها بعد ذلك على محطات البث داخل البلاد، فهي تختلف اختلافا هائلا. ونموذج للطريقة الحديثة في معالجة هذه القضية يأتي من جنوب أفريقيا، حيث ينص الدستور على وجود هيئة تنظيمية مستقلة. إذ تتحمل هيئة تنظيم الاتصالات في جنوب أفريقيا (هيئة الإذاعة المستقلة سابقا) المسؤولية عن تنظيم البث في ثلاثة قطاعات: القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المحلي. وإنه من غير المعتاد أن يكون للهيئة التنظيمية سلطة على البث العام، ولكنها تتميز في أنها تسمح بوضع سياسة وطنية متماسكة البث. وتتحمل لجنة الاتصالات الفيدرالية في الولايات المتحدة أيضا المسؤولية الشاملة في تخصيص الترددات، ولكن ذلك يتم في ظروف لا يوجد فيها إلا عدد قليل جدا من الإذاعات العامة. وتخضع هيئة الإذاعة الكندية في كندا للمساءلة أمام البرلمان، في حين أن هيئة مستقلة، وهي هيئة الإذاعة والتلفزيون ولجنة الاتصالات السلكية واللاسلكية الكندية، هي المسؤولة عن تنظيم البث الخاص.
     ولقد أصبح من المسلم به الآن عموما، أنه ينبغي تخصيص تراخيص البث من جانب هيئة مستقلة خاضعة للمساءلة علنا، وفقا لمعايير محددة مسبقا. وغالبا ما تتضمن أي هيئة تنظيمية، إجراءات لتقديم الشكاوى، والتي قد تسمح لها بفرض عقوبات على المذيعين الذين يخرقون شروط الترخيص. وتكون العقوبة في الحالات القصوى، رفض تجديد الترخيص بعد انتهائه، أو حتى إلغائه قبل فترة انتهائه.
     كل هذا له صلة بسياق الانتخابات، لأن تنظيم البث يحمل بالفعل بعض المهام التي يجب أن تقوم بها الهيئة الانتخابية المشرفة على وسائل الإعلام. ومن الناحية العملية يفضل أن يقوم تنظيم البث نفسه بهذا الدور. 

مجلس الإعلام التطوعي


يوجد في العديد من البلدان مجلس تطوعي لوسائل الإعلام أو مجلس للصحافة، يتم تشكيله من خلال العاملين في مهنة الإعلام نفسها. وتعمل هذه المجالس كهيئة تنظيمية فقط، بمعنى أنه قد يكون لديها آلية لتقديم الشكاوى من قبل أفراد الجمهور الذين لديهم شكوى حول الطريقة التي تمت بها تغطية قضية معينة من خلال صحيفة أو مذيع. ومن الواضح أن مثل هذه الهيئة التطوعية، لا يمكن أن تقوم بتأدية وظائف مثل منح تراخيص البث.
     وتكمن أهمية مجالس وسائل الإعلام التطوعية في أنها قد تكون وسيلة للتعامل مع المشاكل - مثل شكاوى الجمهور- دون اللجوء إلى القضاء. فالحلول غير الرسمية، مثل نشر اعتذار أو تراجع عن مادة منشورة، قد يكون بديلا لعملية قانونية طويلة ومكلفة. وتعتمد وسائل الإعلام كثيرا على هذا النوع من الآلية كوسيلة لتنظيم قانوني استباقي قد يتداخل مع استقلاليتهم.
     ويجوز أن يكون لمجلس وسائل الإعلام التطوعي دور أوسع. فيمكن على سبيل المثال، أن يقوم المجلس بإجراء تدريب للصحفيين أو صياغة مدونات لقواعد السلوك. وهذه أيضا من الأنشطة التي قد تكون مفيدة لتغطية الانتخابات. وهناك مزايا واضحة في تنظيم التدريب المهني من قبل هيئة لوسائل الإعلام، في حين أن مدونة سلوك تطوعية قد تكون وسيلة مفيدة وغير تصادمية لوضع المعايير المهنية الضرورية للصحافيين الذين يفتقرون إلى الخبرة في تغطية الانتخابات. ومن شأن آلية المجلس الخاصة بالشكاوى عندئذ أن تكون قادرة على معالجة المشاكل إذا لم يرق الصحفيون للمعايير المطلوبة.


التنظيم الدستوري أو القانوني


     توجد في بعض البلدان هيئات قانونية أو دستورية تتولى مسؤولية تنظيم وسائل الإعلام، أو بعض الإعمال الخاصة بها. إنها نوع من التنظيم الذي يعتبر أكثر نمطية مع القانون المدني من نظم القانون العام. وتشمل هذه الأعمال في العادة نظام لتسجيل بعض المنشورات، وتنظيم عملية البث، وأحيانا عمل الصحفيين أيضا. ويعارض الإعلاميون هذا النهج بشكل عام، وخاصة الذين يأخذون بوجهة النظر التي تقول أن العاملين في هذه المهنة نفسها هم المختصون في تقرير من الذي يمكنه الممارسة. إنها مسافة قصيرة بين تسجيل المطبوعات أو الممارسين للعمل الإعلامي وبين الترخيص لهم- مع كل الآثار السلبية التي من شأنها أن تؤثر على استقلال وسائل الإعلام والحق في حرية التعبير.
      ومع ذلك، قد تكلف الهيئات الدستورية في بعض الأحيان بحماية استقلال وسائل الإعلام، بما في ذلك وسائل الإعلام المملوكة للقطاع العام والحكومة القائمة. وهذا، على سبيل المثال، هو دور لجنة الإعلام الوطني في غانا. حيث تقوم هيئة تنظيمية بالقيام بهذا الدور بشكل فاعل، وقد تكون في مكانة مناسبة لكي تساعد في الإشراف على وسائل الإعلام في الانتخابات.


القوانين أو اللوائح التنظيمية لوسائل الإعلام أثناء الانتخابات

لا يوجد في قوانين العديد من البلدان ما يحكم سلوك وسائل الإعلام أثناء الانتخابات، ولا ترى سببا لوجود ذلك. ويرى البعض في وجود قدر من القوانين لتنظيم وسائل الإعلام، خاصة خلال الانتخابات بأنه جزء من عملية الإعداد أو تكافؤ الفرص. ولا يزال البعض الآخر في مكان ما في الوسط، مع نظام التنظيم الذاتي الطوعي، حيث توافق وسائل الإعلام على اعتماد سلسلة من لوائح السلوك الذاتية بسبب الظروف الخاصة بفترة الانتخابات.
      حتى في الديمقراطيات الراسخة، هناك وجهات نظر متباينة على نطاق واسع حول مدى خضوع وسائل الإعلام لتنظيم رسمي في فترات الانتخابات. وتلجأ التقاليد في الولايات المتحدة إلى الحد الأدنى من التنظيم، في حين تميل الدول الأوروبية بصورة أكبر نحو وضع قواعد قابلة للتنفيذ. وأحد الأسباب لوجود هذا الفرق، هو أن أوروبا على عكس الولايات المتحدة، لديها تاريخ طويل من تدخل الدولة في مجال البث المحلي. ومن الآثار المترتبة على ذلك أنه ينبغي استخدام المصادر الهامة للبث وطيف الترددات، بصورة تعكس وجهات نظر مختلف المرشحين إلى حد ما، وليس لصالح الحزب الحاكم بشكل غير عادل. وكما هو الحال في نهجها العام نحو قضايا حرية الإعلام، ترى الولايات المتحدة بصورة عامة أن "سوق الأفكار" يتحقق بسهولة أكبر عن طريق اللجوء إلى السوق الاقتصادية. وبالتالي، فأن التعددية في وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص يفترض أن تضمن أن تجد مجموعة كاملة من وجهات النظر السياسية مكانها وتسمع صوتها.
     ولكن مهما كانت الثقافة السياسية المختلفة فيما يتعلق بوسائل الإعلام والتنظيم، فمن المسلم به عموما، أن وسائل الإعلام تقوم بدور حيوي في إيصال المعلومات إلى جمهور الناخبين. وهذا يجعل وجود عدد قليل جدا من القوانين الانتخابية التي تتعامل إلى حد كبير مع وسائل الإعلام أمرا مستغربا. وربما يشير عدم وجود قوانين أو لوائح رسمية إلى وجود بيئة إعلامية ناضجة، يتوافر فيها التبادل الحر للأفكار السياسية في الصحف وعبر موجات الأثير، وحيث يحق لكل حزب الوصول بصورة عادلة إلى وسائل الإعلام، ليتمكن من نشر أفكاره. أو قد لا يتمكن من ذلك.
     القانون الانتخابي في زيمبابوي على سبيل المثال، لا يذكر وسائل الإعلام على الإطلاق. وكانت الدولة في جميع الانتخابات التي جرت في تاريخ البلاد، تحتكر البث الإذاعي (وهو تحت السيطرة الشديدة للحكومة)، وفي نفس الوقت كانت تحتكر الصحف اليومية أيضا. وقد أتاح غياب أي قواعد محددة لوسائل الإعلام في الانتخابات للحكومة، إضافة إلى عدم  تكافؤ الفرص، أن تقوم "بإزاحة الهدف". فقد كان رفض هيئة إذاعة زيمبابوي على سبيل المثال، وضع إعلانات المعارضة خلال الاستفتاء الذي جري في شباط عام 2000، قد دفع المعارضة إلى استصدار أمر من المحكمة العليا ضد الإذاعة والبث. ونجحت في القيام بذلك، رغم أن ذلك لم يكن لازما. ولهذا قررت هيئة الإذاعة الزيمبابوية في الانتخابات البرلمانية التالية عدم وضع الدعاية السياسية على الإطلاق - حتى يوم الانتخابات، عندما بدأت بث إعلانات للحزب الحاكم، بعد فوات الأوان للرد بالنسبة للأطراف الأخرى. وبموجب قانون الانتخابات (ومن المحتمل ليس وفقا لقانون البث في زيمبابوي) ، كان يحق لهيئة الإذاعة الزيمبابوية القيام بذلك. [1]
   ولهذا فإنه في الحالات التي تكون فيها قطاعات واسعة من وسائل الإعلام، إما مملوكة للقطاع العام أو خاضعة لسيطرة مجموعة واحدة، خاصة من أصحاب المصالح السياسية (وهذا قد يكون في الواقع نفس الشيء)،  ربما يبدو منطقيا في نظر القانون وضع بعض القواعد الأساسية لتغطية الانتخابات. وهذه كثيرا ما تختلف في أحكامها بالنسبة لوسائل الإعلام العامة والمملوكة للقطاع الخاص. والمجالات التي يمكن أن يشملها القانون (أو الأنظمة الفرعية) وهي ما يلي:
• كيف يمكن توزيع الزمان والفضاء للمرشحين والأحزاب السياسية.
•  هل يسمح بالدعاية السياسية مدفوعة الثمن.
• ما هو واجب وسائل الإعلام في نقل مواد تثقيف الناخبين أو مناظرات المرشحين.
• هل هناك  حق في الرد على تحريف الوقائع في وسائل الإعلام.
وإضافة إلى ذلك، يجوز أن تتعامل القوانين مع قضايا أخرى أكثر تحديدا مثل:
• التعتيم أو "فترات التفكير".
• فرض قيود على نقل استطلاعات الرأي.
• سياسات خاصة بالتشهير و"خطب الكراهية"
   وستعمل القوانين أو اللوائح على إنشاء هيئة قانونية تكون مسؤولة عن الإشراف على وسائل الإعلام خلال الانتخابات، أو تقوم بتكليف بعض الهيئات القائمة بهذه المسؤولية، مثل اللجنة الانتخابية أو منظم عملية البث. ويحتمل أن يشمل القانون على آلية سريعة للتعامل مع الشكاوى الخاصة بالتغطية الإعلامية.

[1] مشروع مراقبة وسائل الإعلام في زيمبابوي. انتخابات عام 2000 : الحرب الإعلامية ، هراري، 2000 ، ص. 11.



من يجب أن يشارك في عملية الصياغة؟


     توضع القوانين من قبل السلطة التشريعية، ولهذا فإن الإجابة على هذا السؤال من حيث المبدأ بسيطة. وهي في الواقع أقل من ذلك. أي قانون "ينظم" وسائل الإعلام حساس جدا، حتى عندما يكون الغرض من التنظيم هو ضمان التعددية في وسائل الإعلام، وتوفير المجال بصورة كاملة لوجهات نظر سياسية مختلفة.
    وعلى أية حال، تشمل الممارسة التشريعية الجيدة التشاور، وفيما يلي أصحاب المصلحة الرئيسين الذين يجب استشارتهم في صياغة القوانين واللوائح الخاصة بوسائل الإعلام والانتخابات :
• وسائل الإعلام نفسها- بشكل مباشر، وكذلك من خلال الهيئات المهنية والنقابات.
• الأحزاب السياسية – لأن هذا التنظيم في جزء منه يهدف إلى ضمان فرص وصولها إلى وسائل الإعلام.
• أي هيئة تنظيمية قائمة، سواء كان تنظيم البث الذي يشارك في توزيع الترددات، أو مجلس وسائل الإعلام المسؤول عن وضع وتطبيق المعايير المهنية.
• مسؤولو الانتخابات – إن الكثير من جوانب عمل وسائل الإعلام أثناء الانتخابات يعتمد على علاقة عمل وثيقة مع المسؤولين عن إدارة الانتخابات والاشراف عليها.
• والناخبون – لأنه إذا كانت حاجتهم للمعلومات هي في نهاية المطاف على المحك. فإن التشاور مع"الناخبين" جميعهم يمثل مشكلة بشكل واضح، ويجب أن يكون من الممكن تحديد منظمات تمثلهم، على سبيل المثال، أولئك الذين قد يحتاجون لمعلومات خاصة. وقد تشمل هذه أقليات قومية أو إثنية والنساء والأميين أو المعوقين.



فترة محددة للحملة الانتخابية ؟


إذا كان يوجد عدد من القوانين حول ما يمكن أن تقوم به وسائل الإعلام أو لا تستطيع القيام به أثناء الانتخابات، فمن المرجح أنها تنطبق على فترة الحملة الانتخابية المحددة. وستكون هناك فترة معينة لحملات الدعاية الانتخابية يتم تطبيق القوانين خلالها، وبعدها تتم ممارسة الأمور بصورة عادية.  وهذا يبدو أمرا منطقيا، ولكنه يمكن أن يكون معقدا نوعا ما.
     وهناك مسألة تثقيف الناخبين. فالمعلومات الخاصة بتسجيل الناخبين، تحتاج أن تصل إلى الناخبين عادة في وقت مبكر من الحملة الرسمية. وتهدف القوانين إلى ضمان وصول هذه المعلومات بطريقة دقيقة ونزيهة.
       قد يتأثر الناخبون إلى حد ما بما تعلموه من وسائل الإعلام في فترة سابقة. ولهذا تبدأ فرق مراقبة وسائل الإعلام عملها، في وقت مبكر من فترة الحملة الانتخابية الرسمية.
      وتشير الخبرة السياسية (والتجربة السابقة لانتخابات عام 2000) في الولايات المتحدة إلى أن المرشح الذي يكون متقدما في عيد العمال (في شهر أيلول) يفوز في الانتخابات الرئاسية (في شهر تشرين الثاني). ذلك أن أي شيء يحدث في الشهرين الأخيرين من الحملة الانتخابية (وهي فترة أطول من الفترات المخصصة للحملة الرسمية في معظم البلدان) لن يكون له تأثير كبير. وحسب الطريقة الأمريكية، لا توجد هناك فترة محددة للحملة الانتخابية على الإطلاق، والواقع أنه في كل فترة رئاسية تقريبا يتم القيام بحملة انتخابية بالفعل لمدة تقترب من سنتين. لكن هذه الطريقة لا تناسب معظم البلدان.
      وتمثل إسرائيل نموذجا مختلفا، حيث ينص قانون الانتخابات المتعلق بالتغطية الإعلامية على فترة زمنية مدتها 150 يوما قبل الانتخابات- أي ما يقرب من خمسة أشهر. وخلال 30 يوما من الفترة التي تسبق الانتخابات مباشرة، لا يجوز القيام بحملات انتخابية في دور السينما أو التلفزيون، رغم أن هذه القيود لا تطبق على الراديو.

        وهناك عدد قليل من البلدان التي يتم فيها تحديد الفترات الانتخابية بشكل دقيق،كما هو الحال في استونيا، حيث أن القانون المتعلق بالتزامات المذيعين في الانتخابات، يفصل بوضوح فترة ما قبل الانتخابات وفترة الانتخابات، حيث يتم تقسيم الفترة الأخيرة إلى أربع فترات أخرى، وكل منها لها قوانينها الخاصة بنشر التقارير: فترة تقديم الطلبات، وفترة الحملة الانتخابية، وفترة التصويت، وفترة تحديد نتائج الانتخابات ونشرها.
     لكن تطبيق مثل هذا النظام الصارم يفترض أن يكون هناك موعد محدد للانتخابات. وفي كثير من البلدان، ولا سيما تلك التي لديها نظام انتخابي على أساس النظام البريطاني، يعتمد اختيار موعد الانتخابات على رئيس الحكومة الحالي. وبدلا من ذلك، قد يكون تحديد موعد الانتخابات في معظم النظم، نتيجة حدث مثل التصويت في البرلمان بحجب الثقة عن الحكومة. في مثل هذه الحالات، سيكون من المستحيل تطبيق لوائح على وسائل الإعلام لفترة تمتد إلى ما بعد فترة الحملة المحددة.
       وربما كان الخيار الأفضل هو وجود نظام لتنظيم وسائل الإعلام في فترة الانتخابات، يكون متناسقا تماما مع النظام العام لتنظيم وسائل الإعلام -مع التأكيد على تعددية وسائل الإعلام، وأن تكون نابضة بالحياة والمهنية، وبعيدة عن الرقابة في جميع الأوقات، وليس خلال فترات الحملة فقط.

[1] اكيبا أ .كوهين وغادي ولفسفيلد "التغلب على الشدائد والتنوع: استخدام الدعاية السياسية التلفزيونية في إسرائيل" في: ليندا لي كيد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الدعاية السياسية في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن / ثاوزند أوكس، 1995.


التزامات مختلفة لوسائل الإعلام العامة والخاصة


        ما نشير إليه هنا باسم وسائل الإعلام "المملوكة للقطاع العام" يغطي مجموعة متنوعة وسائل الإعلام: تلك التي تخضع لرقابة حكومية صارمة في محتواها التحريري، وأخرى يتم تمويلها من الأموال التي تجمع من الضرائب ورسوم الترخيص، ولها قوانينها الخاصة وتتمتع  بالاستقلال التام من الحكومة القائمة. وربما يقع معظمها في مكان ما بين هذين النوعين. ولكن ما تشترك فيه وسائل الإعلام جميعها هو أن قانون الانتخابات عادة ما يعامل كل منها بالمثل – وبصورة تختلف عن وسائل الإعلام الخاصة التي تقع عليها التزامات مختلفة.
        إن وسائل الإعلام العامة، بحكم مصدر تمويلها، تمثل مصدرا للناخبين جميعهم. ومن المسلم به عموما أن لا تكون سياستها في تغطيتها الإخبارية حزبية. وكان هذا هو الرأي الوارد من المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية التعبير في تقريره لعام 1999، عندما تحدث عن واجب وسائل الإعلام المملوكة للدولة في التعبير عن مجموعة متنوعة من الآراء، وأن لا تكون جهازا للدعاية لحزب سياسي معين. كما أن لديها التزامات خاصة بتوفير التربية المدنية، إضافة إلى توفير منبر لمختلف الأحزاب السياسية.
     وهذه نقطة أساسية. فاستخدام الموارد العامة من أجل الحملات السياسية الحزبية يحمل نفس الآثار القانونية والأخلاقية، سواء كان المورد مالا أو سيارة أو بناء أو محطة إذاعية. ولهذا السبب توجد قوانين أو أنظمة واضحة في كثير من الأحيان تحمي وسائل الإعلام العامة ضد تدخل الحكومة.
       بينما تكون التزامات وسائل الإعلام الخاصة هي أقل بكثير. ويقوم جوهر بيئة وسائل الإعلام الحرة على أن لا يقال للمذيعين والصحفيين ما يمكن أو لا يمكن قوله أو كتابته. وغالبا ما يفهم إن أفضل ضمانة من أجل نشر مجموعة متنوعة من الأفكار السياسية بحرية وبشكل دقيق، هو أن تتمكن وسائل الإعلام من القيام بوظائفها دون عائق. ولكن هذا لا يعني أن وسائل الإعلام الخاصة ليس لديها التزامات على الإطلاق. فالمعايير الصحفية المهنية تتطلب تقارير دقيقة ومتوازنة، فضلا عن فصل واضح بين الواقع والتعليق عليه.
       إن محطات الإذاعة التي تحصل عادة على التراخيص المخصصة لها من قبل هيئة عامة. غالبا ما تأتي مع هذه الرخصة شروط مرفقة حول ما إذا كان يسمح لها بدعم أي حزب سياسي، ونوع الأخبار التي يسمح لها بتغطيتها، وشروط أخرى، مثل ما إذا كان يجب عليها بث إعلانات الخدمة العامة مثل بث فترات تثقيف الناخبين.
     وبالمثل ، فإن أية قوانين أو لوائح عامة خاصة بنقل الأخبار في وسائل الإعلام، تنطبق على الأرجح على وسائل الإعلام العامة أو الخاصة على قدم المساواة: مثل الأحكام المتعلقة ب "التعتيم" والفترات التي تسبق التصويت أو تغطية استطلاعات الرأي. وبصورة مشابهة، فإن الأحكام القانونية العامة مثل قانون التشهير- رغم أنه قد يجري تعديل تأثيرها بعض الشيء خلال فترة الحملة الانتخابية - لا تزال تنطبق على وسائل الإعلام بالتساوي في كل من القطاعين العام والخاص.


الأحكام التي تؤثر على وسائل الإعلام الخاصة والعامة


     رغم أن نظام اللوائح يميز بين وسائل الإعلام العامة ووسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص، فإن عددا من جوانب القانون أو اللوائح التي تحكم وسائل الإعلام في الانتخابات من المرجح أن تؤثر على كل من القطاعين. وقد تشمل هذه ما يلي:
• إجراءات عاجلة  للاستماع لشكاوى الجمهور أو الأحزاب السياسية ضد وسائل الإعلام.
• أية لوائح تتعلق بنقل استطلاعات الرأي.
• السياسة المتعلقة ب "خطاب الكراهية"، والتشهير ومسؤولية وسائل الإعلام المتعلقة بتصريحات السياسيين والقضايا الأخرى ذات الصلة.
• أي سياسة خاصة بالتعتيم قبل الانتخابات أو خلالها.
• حق الصحفيين في المشاركة في المناسبات الانتخابية.
• اعتماد الصحفيين.
• أحكام لضمان سلامة الصحفيين.
      وقد تقوم السلطة التنظيمية بوضع التزامات مختلفة على وسائل الإعلام الخاصة والعامة، بأمور تتعلق بنقل مواد تثقيف الناخبين أو "الوصول المباشر" لوسائل الإعلام مثلا. وقد جرت العادة على أن تقوم وسائل الإعلام الخاصة بهذه التغطية - رغم أنها غير مجبرة على ذلك- ويجب عليها أن تتوافق مع نفس معايير العدالة والنزاهة الخاصة بوسائل الإعلام العامة.


آلية التنفيذ لوسائل الإعلام واللوائح الانتخابية


     إحدى الجوانب الأكثر أهمية في القانون أو اللوائح الخاصة بوسائل الإعلام في الانتخابات هو تحديد المسؤول عن تنفيذها. وسيكون هناك غالبا اتصال أكبر يوما بعد يوم بين المحررين والسلطة التنظيمية المسؤولة عن وسائل الإعلام خلال الانتخابات، أكثر مما يكون هناك اتصال بالمسؤول عن تنظيم البث مثلا. ومن المرجح أن تكون العلاقة (أو على الأقل ينبغي أن تكون) علاقة تعاون.
وهناك العديد من الأساليب الممكنة التي يمكن اتخاذها :
• قد يتم تكليف هيئة تنظيمية قائمة بالمسؤولية عن قضايا محددة قد تنشأ خلال فترات الانتخابات.
• قد تقوم وسائل الإعلام بإنشاء هيئة تنظيمية خاصة بها، وربما بالتعاون مع الأحزاب السياسية نفسها.
• قد تتحمل هذه المسؤولية الهيئة الانتخابية المشرفة والقائمة، مثل لجنة الانتخابات، وأحيانا من خلال لجنة فرعية متخصصة.
• يمكن تشكيل هيئة متخصصة لتنظيم وسائل الإعلام خلال الانتخابات بصورة خاصة- وهذا حل غير عادي، ولكن تم تبنيه على سبيل المثال، في الانتخابات الديمقراطية الأولى التي جرت في جنوب إفريقيا في عام 1994.
• قد يتم وضع المسؤولية على القضاء.
     هذا العرض هو بلا شك  تخطيط أولي إلى حد ما. ومن الشائع جدا أن يتم تنظيم مختلف جوانب التغطية الانتخابية من قبل هيئات مختلفة. ففي بولندا مثلا، يكون تنظيم البث مجانا من خلال حصص "الوصول المباشر" من مسؤولية اللجنة الانتخابية للدولة، في حين أن مسؤولية  تغطية الحملة تقع على عاتق تنظيم البث المعتاد، المجلس الوطني لهيئة الإذاعة [1]. وميزة هذا النهج هو أنه يفصل بين المناطق التي قد تضطر فيها الجهة المنظمة إلى وضع قواعد صارمة وملزمة في مسائل خاصة بالممارسة المهنية التي من الأفضل أن يترك تحديدها لوسائل الإعلام نفسها. والجانب السلبي في ذلك هو وجود هيئتين رقابيتين مختلفتين تعملان في مجالين على صلة وثيقة يبعضها البعض، مع وجود خطر التعارض أو الازدواجية في عملهما.
     ومهما كان النظام الذي يعتمد، سيكون لوسائل الإعلام (والمتضررين أو أي شخص آخر، مثل الشكوى الفردية) الحق في الاستئناف أمام هيئة مستقلة عليا، وتكون في العادة محكمة قانونية.

[1] كارول ياكوبوفيتش. الحملة الانتخابية في بولندا عام 1993: أسلوب المقاومة الأقل. في: ياشا لانج واندرو بالمر (محرران). الإعلام والانتخابات، دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام: دوسلدورف، 1995.


آلية التنفيذ : الهيئة القائمة لتنظيم وسائل الإعلام


غالبا ما تقوم الهيئة التنظيمية القائمة بالإشراف على جوانب التغطية الإعلامية للانتخابات، سواء من تلقاء نفسها أو بالتعاون مع إدارة الانتخابات نفسها.
     وكان هذا هو النهج المتبع، على سبيل المثال، في انتخابات جنوب إفريقيا في عام 1999. فقد أصدرت هيئة الإذاعة المستقلة- وهي الهيئة المكلفة دستوريا  بتنظيم كل من القطاعين العام والخاص والبث المجتمعي- اللوائح التي تنظم سلسلة من القضايا:
• الدعاية والإعلان والبث الخاص بالانتخابات.
• تنظيم وقت البث الانتخابي.
• صيغة تخصيص وقت بث الانتخابات للأحزاب المختلفة.
• ملاحظات عامة على نوعية التغطية المتوقعة.
ويتضمن المقطع الأخير هذه الملاحظة العامة:
    سيقوم كل مذيع بنقل الأخبار أو برامج الشؤون الجارية فيما يتعلق بالانتخابات بطريقة محايدة وموضوعية، وبطريقة يعامل فيها جميع الأطراف بصورة عادلة.
     وقد قامت الهيئة في ملحق اللوائح، بتحديد مسؤوليات هيئات البث التلفزيوني (والدور الذي تضطلع به هيئة الإذاعة المستقلة):
     لا تتدخل الهيئة في تحرير الأخبار وعمليات البرمجة التي يقوم بها المذيعون. ولا يختلف دور البث خلال الانتخابات عن دور الصحفي العادي خلال الفترات غير الانتخابية. وستبقى الاعتبارات الأخلاقية العادية سارية. ومن السمات المميزة لفترة الانتخابات، واجب القيام بتغطية عادلة للأحزاب السياسية دون التخلي عن الحكم على قيمة الأخبار.
     وتمثل ايطاليا بلدا آخر يتحمل فيه المنظمون لوسائل الإعلام القائمة المسؤولية الرئيسة في الإشراف على التغطية الإعلامية للانتخابات. وتوجد في هذه الحالة، هيئتان منفصلتان: لجنة برلمانية تتحمل المسؤولية عن الإذاعة الرسمية، ومشرف مسؤول عن الإذاعة والتلفزيون والصحافة، وهو مسؤول عن وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص. وتقوم كل من المؤسستين بوضع الأنظمة التي تحكم تغطية وسائل الإعلام في كل من القطاعين في الانتخابات.


آلية التنفيذ: التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام


     يرى الكثيرون في مجال وسائل الإعلام، أن نظام التنظيم الذاتي في الانتخابات يعد حلا مثاليا. وقد يعمل هذا النظام بشكل واضح وبصورة أفضل في الأماكن التي تتواجد فيها وسائل إعلام مستقلة راسخة، لها تقاليد عريقة في الانتخابات الديمقراطية، وتكون الحلول المعتمدة لمشاكل تغطية الانتخابات نتيجة لذلك ذات طبيعة مقدسة نتيجة للممارسة الراسخة.
     ولعل أفضل مثال معروف لهذا النهج هو بريطانيا، حيث يتم تخصيص فترات الوصول المباشر الانتخابية للحزب من قبل لجنة مشتركة من المذيعين وممثلي الأحزاب السياسية. ويبدو هذا الحل غريبا هجينا، حيث أن المتطلبات الخاصة ببث انتخاب الحزب منصوص عليها في القانون. ولهذا يستخدم المذيعون تقسيما تقريبيا لبث "الوصول المباشر" لوسائل الاعلام، كمبدأ توجيهي لتوزيع الوقت الخاص بمختلف الأحزاب في سياق البرامج الإخبارية.
     ويوجد أيضا لدى الدنمارك نظام ذاتي. يحظر القانون الدعاية السياسية المدفوعة، ولكنه لا يقول شيئا عن كيفية تقسيم حصص بث "الوصول المباشر"، أو أي شكل أخر في الممارسة العملية. وقد قامت إذاعة الدنمارك العامة بتخصيص فترات الوصول المباشر بالتساوي بين جميع الأحزاب المرشحة للبرلمان. وتم تعزيز هذا النهج بقرارات من المحقق في الشكاوي والمحكمة العليا، ولكن بشكل تطوعي في الأساس. ويقوم  راديو الدنمارك عادة ببث مناظرة تشارك فيها جميع الأحزاب السياسية. وكان البث التلفزيوني في اليوم الأخير قبل الانتخابات، يخلو من الدعايات الانتخابية. ومع ذلك، فقد أدى ظهور محطات التلفزيون المستقلة إلى بعض التعديل في هذا التقليد: كما أن محطة التلفزيون الثانية الجديدة TV2 بثت برنامجا حواريا قبل الانتخابات، واستبعدت فيه بعض الأحزاب الصغيرة، كما أنها قام بتغطية الانتخابات قبل يوم التصويت أيضا. [1]
       ومع ذلك، لم تكن الديمقراطيات الراسخة فقط هي التي اعتمدت نهجا للتنظيم الذاتي. ففي انتخابات الاستقلال في ناميبيا عام 1989، قامت هيئة إذاعة جنوب غرب أفريقيا التي تسيطر عليها الدولة (كما كان معروفا آنذاك) بدعوة الأحزاب السياسية للانضمام إلى لجنة دائمة للتشاور حول تغطية الانتخابات. وقد وافقت اللجنة على جدول زمني لحصص الوصول مباشر، رغم أنها لم تكن قادرة على معالجة مشكلة التغطية الإخبارية المتحيزة. [2]
     وقد حاولت الإذاعة الحكومية في زيمبابوي وهو بلد آخر في جنوب إفريقيا، اعتماد نهج التنظيم الذاتي في توزيع حصص الوصول المباشر. وقد بدأ ذلك من خلال سلسلة من الإعلانات المثيرة للجدل للغاية للحزب الحاكم في انتخابات عام 1990، والتي شهد العديد من الناس أنها كانت تعبر عن ذوق سيء. وقد أنشأت مؤسسة الإذاعة الزيمبابوية لجنة خاصة قبل انتخابات عام 1995 في محاولة لتجنب تكرار هذه المشكلة. ولكن، كما هو الحال في ناميبيا، لم تكن قادرة على تقديم حل جدي لمشكلة التغطية الإخبارية المتحيزة.
     كما اعتمدت المجر في عام 1990 نهج التنظيم الذاتي. حيث قامت وكالة الأنباء والتلفزيون الوطني، وذلك بالتعاون مع ممثلين عن 12 حزبا سياسيا، والمنتدى المستقل للمحامين، بصياغة مدونة طوعية لقواعد السلوك في الانتخابات. واعتمدت جميع الأحزاب الرئيسة هذه المدونة، جنبا إلى جنب مع معظم وكالات الأنباء الكبرى [3].
     وقد تبنت هيئة الإذاعة والتلفزيون البولندية التي تملكها الدولة، نهجا مشابها لهيئة الإذاعة البريطانية. وذلك بأن يكون تخصيص فترات "الوصول المباشر" للإذاعة من مسؤولية اللجنة الانتخابية الرسمية. ولكن في تغطية أنباء الحملة كانت هيئة الإذاعة والتلفزيون مسؤولة فقط أمام مجلس الإذاعة الوطنية، وهي الهيئة التنظيمية العامة. وقد أصدرت إدارة الإذاعة والتلفزيون البولندي مبادئ توجيهية مفصلة للموظفين، تحتوي على ما يلي :
     ينبغي أن تقوم الإذاعة والتلفزيون البولنديان بتقديم تغطية شاملة للحملة، وتقديم معلومات عن المرشحين. وينبغي أن توفر الأخبار وبرامج الشؤون الجارية معلومات وافية عن الأحزاب والبرامج الانتخابية والمرشحين، بدون أي تحيز لصالح أو ضد أي طرف، ودون دعم وجهة من وجهات النظر السياسية. وينبغي أن يكون المبدأ الرئيس هو المساواة في الوصول، الذي يلزم المشرفين على التحكم بالقنوات ودوائر البرنامج والإدارات الإقليمية، بالحفاظ على سجلات لكمية الوقت المخصص للبث للأحزاب أو المرشحين ومن أجل التأكد من مبدأ المساواة.

[1] لانج ياشا واندرو بالمر (محرران). وسائل الإعلام والانتخابات، دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، دوسلدورف، 1995، ص 9- 38
[2] كارين سوين. الدعاية السياسية في الدنمارك. في:  ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن، ثاوزند أوكس، 1995.
[3] المادة 19، مبادئ توجيهية لبث الانتخابات في الديمقراطيات الانتقالية، لندن، 1994، ص. 38.


آلية التنفيذ : لجنة الانتخابات


      في كثير من الحالات، تقع مسؤولية تنفيذ اللوائح على وسائل الإعلام أثناء الحملات الانتخابية على عاتق الهيئة الرئيسة للإشراف على الانتخابات. وكثيرا ما يتم النظر حسب الاقتضاء، فيما إذا كانت هيئة الانتخابات الرئيسة تتمتع بضمانات كافية للاستقلال، إضافة إلى الخبرة اللازمة للقيام بعمل متخصص في تنظيم وسائل الإعلام.
        وقد كانت اللجنة الوطنية لمراقبة حملة الانتخابات الرئاسية في فرنسا مسؤولة لسنوات عديدة عن تنظيم البث في حملات الانتخابات الرئاسية. ومع ذلك، انتقلت هذه المسؤولية مع ظهور المحطات التلفزيونية المملوكة للقطاع الخاص. فأنشئت لجنة جديدة، وهي اللجنة الوطنية للاتصال والحريات، لضمان استمرار بث مواد الخدمة العامة في مجال البث الخاص، وكان علي هذه الهيئة القيام بتنظيم البث. رغم ذلك، احتفظت اللجنة الوطنية لمراقبة حملة الانتخابات الرئاسية بالمسؤولية عن تنظيم الحملات الانتخابية في وسائل الإعلام المطبوعة. [1]
      وتمثل ملاوي نموذجا إيجابيا جيدا للجنة انتخابية في ظل نظام ديمقراطي جديد، والتي أظهرت الاستقلالية بصورة فعالة، وكانت قادرة على تأمين حصول مختلف الأحزاب السياسية والمرشحين على نصيب عادل من التغطية من المحطة التي تسيطر عليها الحكومة. وكانت قادرة على القيام بذلك ليس من خلال إظهار إرادة سياسية فقط، وإنما أيضا من خلال إنشاء لجنة فرعية متخصصة من وسائل الإعلام لديها تجربة وخبرة في التعامل مع المذيعين.
        وإن استخدام هيئة للإشراف على الانتخابات قد يكون الخيار الأفضل في بلد صغير، حيث يكون العدد الكبير من المؤسسات المتداخلة ليست خيارا جذابا أو فعالا من حيث التكلفة. وفي بربادوس،  كانت لجنة الانتخابات والحدود مثلا، هي الهيئة التي تتحمل المسؤولية الشاملة عن الانتخابات، وهي مسؤولة أيضا عن تنظيم التغطية الإعلامية.
     ولقد أنشأ دستور نيكاراغوا لعام 1987 المجلس الانتخابي الأعلى كفرع مستقل عن الحكومة - مستقل عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. وتشمل مسؤوليته تطبيق قانون وسائل الإعلام أثناء الانتخابات، وإدارة إجراءات تقديم الشكاوى. كما أنشأت دائرة متخصصة من أجل التعامل مع المذيعين، ولا سيما في محاولة للتفاوض على تغيير الممارسات التي تسبب الشكاوي [2].
[1] آن جونستون وجاك جيرستل، "دور البث التلفزيوني في التلفزيون الفرنسي في تشجيع المرشحين"، في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن، ثاوزند أوكس، 1995.
[2] المادة 19، مبادئ توجيهية لإذاعة الانتخابات في الديمقراطيات الانتقالية، لندن، 1994، ص. 38.


آلية التنفيذ : الهيئة المتخصصة


      اختار عدد من الدول إنشاء هيئة متخصصة، تتمثل مسؤوليتها في تنظيم وسائل الإعلام خلال فترات الانتخابات - أي أنها ليست هيئة إدارة الانتخابات العامة، ولا هيئة رقابية عامة لوسائل الإعلام. وقد يستخدم هذا الخيار في معظم الأحيان في الانتخابات الانتقالية، التي من يتوقع أن يكون دور وسائل الإعلام فيها إشكاليا لسبب ما.
     ولهذا، أنشأت جنوب أفريقيا في عام 1994، لجنة مستقلة لوسائل الإعلام، بالإضافة إلى لجنة انتخابية مستقلة تحظى باحترام واسع. وعمل قانون إنشاء لجنة مستقلة لوسائل الإعلام إلى حد ما على ضمان استقلالية اللجنة وقدرتها من خلال عضويتها. وكان رئيس اللجنة قاضيا أو محاميا كبيرا، في حين يجب أن يكون ما لا يقل عن اثنين من المفوضين الأخرى (من أصل سبعة كحد أقصى) من الخبراء في وسائل الإعلام – واحد في الصحافة المطبوعة والآخر في الصحافة المرئية والمسموعة. وكان المفوضون من الأشخاص ذوي المكانة العالية الذين "عندما ينظر إليهم بصورة مجتمعة، يمثلون قطاعا عريضا من سكان الجمهورية". وتم استبعاد فئات مختلفة من هذه اللجنة، بما في ذلك الموظفون في الدولة، والمسؤولون عن مكاتب الأحزاب السياسية، وأصحاب المصالح المالية في وسائل الإعلام. [1] ولكن هذا الحل تم اعتماده لفترة انتخابات واحدة. وفي انتخابات جنوب أفريقيا اللاحقة، وقعت المسؤولية على عاتق مجموعة من اللجنة الانتخابية المستقلة والهيئة المستقلة المشرفة على تنظيم البث.
      وكانت لجنة خبراء الإعلام في البوسنة والهرسك أيضا هيئة متخصصة لتنظيم وسائل الإعلام في الانتخابات. وكما هو الحال في جنوب أفريقيا، كانت موجودة لفترة انتقالية قصيرة فقط. وكانت ترى في جزء من فلسفتها أن المواد التحريضية في وسائل الإعلام في يوغوسلافيا السابقة قد لعبت دورا كبيرا في التحريض على العنف، مما أدى إلى الحرب الأهلية وتفكيك جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية. والسمة التي جعلت لجنة خبراء الإعلام  فريدة من نوعها، أنها كان هيئة دولية، وتعمل في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بدلا من  أن تكون جزءا من أي هيئة في البوسنة وتخضع لها. وقد استمرت لجنة خبراء الإعلام في الوجود لمدة سنتين، اعتبارا من عام 1996 حتى عام 1998.
        ويوجد في الاتحاد الروسي محكمة متخصصة بالمعلومات- الدائرة القضائية للمنازعات في مجال المعلومات. وهي بالمعنى الدقيق للكلمة ليست هيئة تقتصر على التعامل مع وسائل الإعلام وقضايا الانتخابات، لأنها تعمل أيضا خارج فترات الانتخابات. ومع ذلك، فقد تم تأسيسها في عام 1993 على وجه التحديد، نظرا للحاجة إلى إنشاء هيئة لتسوية المنازعات التي ظهرت خلال الحملات الانتخابية.
[1] المواد 4-6 قانون لجنة وسائل الإعلام المستقلة.


آلية التنفيذ : السلطة القضائية


      قد تقع المسؤولية عن إدارة الانتخابات في بعض البلدان على عاتق أحد الفروع المتخصصة للسلطة القضائية. وتوجد في أوروغواي، على سبيل المثال، محكمة انتخابية تدير الانتخابات، يمكنها البت في المنازعات بين الأحزاب، ويمكنها التحقيق في الطعون في نتائج الانتخابات، والنظر أيضا في الشكاوى حول الدعاية الانتخابية في وسائل الإعلام، بما في ذلك محاولات للضغط على وسائل الإعلام لتغطية الحملات بصورة متحيزة.
       هذا نموذج شائع في بلدان أمريكا اللاتينية. في كوستاريكا، على سبيل المثال، يتم إدارة  الانتخابات من قبل المحكمة الانتخابية العليا، التي تتحمل أيضا مسؤولية تنظيم التغطية الإعلامية. والمحكمة هي هيئة دستورية مستقلة تتألف من عدد من القضاة، وتوافق السلطة التشريعية على مواردها المالية، وهي مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية للحكومة. ولم تتم ممارسة سلطتها على وسائل الإعلام دون جدال. ولقد أصدرت المحكمة الانتخابية العليا في عام 1999، تعليمات لقناة تليكتكا 7 التلفزيونية التي يملكها القطاع الخاص، من أجل دعوة جميع المرشحين للرئاسة ال 13  للظهور في برنامج المناظرة الذي نظمته المحطة، بدل دعوة أعلى أربعة مرشحين فقط كما خططت المحطة لذلك. وقد رفضت المحكمة العليا الاستماع لنداء المحطة على أساس أن هذه هي مسألة الانتخابية.
     في معظم الحالات، وبغض النظر عن الآلية المحددة التي تتحمل مسؤولية تنظيم وسائل الإعلام في الانتخابات، سوف يكون هناك الحق في الاستئناف أمام هيئة قضائية ضد قرارات الهيئة التنظيمية. وقد يأتي مثل هذا الطعن من وسائل الإعلام نفسها، أو من حزب سياسي أو قد تكون شكوى فردية. ومثل أي إجراء من هذا القبيل خلال فترة الانتخابات، من المرجح أن تكون هذه عملية سريعة، ذلك أن القرارات القضائية التي تتم دراستها بصورة جيدة، لن تكون لها فائدة كبيرة إذا سلمت بعد انتهاء الانتخابات.


إجراءات الشكاوى حول التغطية الإعلامية


     من أهم العناصر في معظم الهيئات التنظيمية لوسائل الإعلام أثناء فترات الانتخابات وغيرها،  الإجراءات الخاصة  بالشكاوى. هذه هي الوسائل التي يتمكن من خلالها  الجمهور والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام نفسها، من  الفصل في الانتهاكات المزعومة للقانون أو لوائح تغطية الانتخابات. ولما كانت فترة الانتخابات عادة قصيرة، يجب أن تتوجه آليات الشكاوى نحو حل سريع لها. إذا كانت الشكوى مثلا تتعلق بدقة الوقائع التي قد تؤثر على نوايا الناخبين، فلا فائدة كبيرة من تصحيح الخطأ بعد أن تكون الانتخابات قد انتهت.
     وهناك حق دائما في تقديم الشكاوي مهما كانت الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قوانين البلاد – مثل دعوى التشهير المدنية. وينبغي أن يكون هناك مجال دائما لعملية الاستئناف في الشكوى، تسمح لغير الراضين من المشتكين أو وسائل الإعلام بالبحث عن حكم أعلى من محكمة مستقلة. ويجب التأكيد بصفة عامة، على أن يكون الحل للنزاع سريعا وسلميا وبدون تكلفة عالية. ويحتل هذا الأمر أهمية خاصة في الحالة التي يكون فيها العداء بين الطرفين أو المجتمعات كبيرا، ويحتمل أن يكون هناك العديد من القضايا التي تسبب النزاع. فقد استطاعت آلية تقديم الشكاوى في البوسنة والهرسك على سبيل المثال، ولجنة الاستئناف الفرعية للانتخابات، على التعامل بسرعة مع مجموعة كاملة من الشكاوى المحالة إليها من قبل خبراء لجنة الإعلام في انتخابات عام 1998 الرئاسية. وساعد ذلك في تخفيف حدة التوتر بين الطوائف المختلفة، من خلال عدم السماح بتصعيد النزاع بين الأطراف المختلفة ووسائل الإعلام. ويكتسب هذا أهمية خاصة في ضوء الدور الهام الذي قامت به وسائل الإعلام في التحريض على العنف السياسي في يوغوسلافيا السابقة.
      إن أنواع الإجراءات الخاصة بالشكاوى عديدة جدا بعدد أنواع الهيئات الرقابية. وقد لا يكون هناك إجراء واحد. يوجد بريطانيا، على سبيل المثال، سلطة الإذاعة القانونية للشكاوى للتعامل مع وسائل الإعلام الالكترونية، ومجلس تطوعي لشكاوى الصحافة، مسؤول عن وسائل الإعلام المطبوعة. ولا يختص أي منهما بالانتخابات في ولايته. والميزة في وجود هيئة شكاوى انتخابية متخصصة، في أنها ستهتم بضرورة الحل السريع للمنازعات. يتلقى المجلس الانتخابي الأعلى في نيكاراغوا الشكاوى، على سبيل المثال، ويصدر من خلال الدائرة الخاصة بوسائل الإعلام، أحكاما خاصة على وسائل الإعلام ضد النتائج التي يصل اليها. ويقوم بنشر الأحكام فقط إذا لم تلتزم وسائل الإعلام. [2] وفي الجبل الأسود، على النقيض من ذلك، يتعين على وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام نشر أي نتائج من السلطات المختصة "عن أي انتهاك لمبادئ المساواة والموضوعية المتصلة بإعلام المواطنين بالبرامج الانتخابية والمرشحين...".
          ويتميز عدد قليل جدا من نظم الشكاوى بتفاصيلها، مثل النظام الروسي. فالدائرة القضائية للمنازعات حول المعلومات ليست هيئة شكاوى انتخابية متخصصة، على الرغم من أنها قد أقيمت بسبب الحاجة إلى وجود هيئة للتعامل مع النزاعات التي نشأت خلال انتخابات 1993 البرلمانية والاستفتاء على الدستور. وكان يسبقها قبل ذلك محكمة التحكيم بشأن قضايا المعلومات التي أنشئت خصيصا للتعامل مع النزاعات الانتخابية. [2]

[1] المادة 19. مبادئ توجيهية لإذاعة الانتخابات في الديمقراطيات الانتقالية، 1994، ص. 38.
[2] فيكتور موناكوف. " النزاع حول المعلومات المتعلقة بالحملات الانتخابية عبر وسائل الإعلام: تجربة الدائرة القضائية في الحملة الانتخابية في عام 1999، في المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية: وسائل الإعلام والانتخابات الرئاسية في روسيا عام 2000، دار نشر حقوق الإنسان، موسكو، 2000.


التعتيم


      تقوم بعض البلدان بممارسة التعتيم على كل الأخبار المتعلقة بالانتخابات قبل التصويت أو خلاله. ويتم مثل هذا الترتيب بصورة تطوعية عادة. وهذا هو الأفضل دائما تقريبا، لأن البديل سيؤدي إلى تدخل هيئة تنظيمية لمنع التغطية في حالة انتهاك القانون- وستكون النتيجة غير مرضية. ومع ذلك، في مثل هذه الحالات – كما هو الحال في فرنسا بصورة خاصة - حيث توجد فيها "فترة التفكير" التي نص عليها القانون، وستكون على الهيئة الرقابية نتيجة ذلك المسؤولية في تنفيذ ذلك. ويوجد في إسرائيل، على سبيل المثال، حظر واسع على معظم أخبار الحملة، ويطلب من هيئة الإذاعة المستقلة مراقبة احترام ذلك. وإن تنفيذ هذا الحظر يوضح المخاطر الكامنة في مثل هذه القيود: وتميل هيئة الإذاعة المستقلة إلى تفسير القانون وتطبيقه بطريقة صارمة جدا، لتجنب تحمل المسؤولية عن الإخلال به. [1]
      يقسم القانون الإستوني حملته الانتخابية إلى أربع فترات، مع التعتيم على الحملة الانتخابية في ثلاث منها. فترة الترشيح أو تقديم الطلبات، وفترة التصويت، وفترة الفرز وفترة إعلان النتائج، وكلها فترات يتم فيها منع القيام بحملات انتخابية. ويشترط القانون في بربادوس أن لا يكون هناك بث مباشر عشية الانتخابات أو في يوم الانتخابات نفسه.
     وكانت لجنة خبراء الإعلام في البوسنة والهرسك نموذجا لهيئة تنظيم قامت بالتعتيم بصورة قسرية قبل 24 ساعة من فتح مراكز الاقتراع في انتخابات عام 1998 الرئاسية، واستمر ذلك حتى إغلاق مراكز الاقتراع. وقد فعلت ذلك عن طريق إصدار بيانات واضحة في وقت مبكر عن فترة التعتيم، والاعتماد بعد ذلك على النتائج التي توصلت إليها وحدة الرصد في وسائل الإعلام الخاصة بها. وخلصت إلى أن معظم الانتهاكات للتعتيم كانت نتيجة عدم اليقين في تطبيق القواعد. وقد قامت إحدى القنوات التلفزيونية، على سبيل المثال، بث فيلم عن المرشحين في مراكز الاقتراع بذكر أسماء أحزابهم – وهذا شيء لم يكن يسمح لها القيام به. وفي حالة أخرى كان ينظر إليها من قبل لجنة خبراء الإعلام على أنها أكثر خطورة، عندما قامت إحدى المحطات ببث مقابلات مع اثنين من القادة السياسيين، فقامت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بإحالة القضية إلى لجنة الاستئناف الفرعية للانتخابات، وهيئة الشكاوى التي ألغت أسماء تسعة مرشحين للحزب من قائمة الانتخابات. وقالت لجنة خبراء الإعلام نفسها أن معظم البلدان، في معظم الحالات تعتبر هذا النهج قاسيا جدا وغير ضروري، ويتداخل مع حرية وسائل الإعلام [2].

[1] اكيبا أ.كوهين وجادي ولسفيلد. "التغلب على الشدائد والتنوع: فوائد الدعاية السياسية التلفزيونية في إسرائيل. في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية،  منشورات سيج، لندن، ثاوزند أوكس، 1995.
[2] لجنة خبراء وسائط الإعلام، التقرير النهائي: وسائل الإعلام في انتخابات عام 1998، 1998، ص33-34.


تنظيم تغطية استطلاعات الرأي


     إن نشر نتائج استطلاع للرأي هو من الموضوعات التي تثير مشاعر قوية. وتتخذ الديمقراطيات الراسخة مواقف متعارضة تماما بشأن هذه المسألة. فرنسا على سبيل المثال، ما زالت تحظر النشر في الفترة التي تسبق الانتخابات، بينما تعتبر تغطية وسائل الإعلام في الولايات المتحدة لاستطلاعات الرأي جزءا لا يتجزأ من حرية التعبير في الانتخابات. والمشكلة هي أن نتائج استطلاع الرأي - مثل أي شكل من أشكال التعبير الأخرى تقريبا - ليست مجرد انعكاس لآراء الناس، ولكن قد تعمل على تشكيل آراء الآخرين أيضا. وهذا يعني، أنها قد تؤثر في كيفية التصويت، من خلال ما يدركه الناس من استطلاع للرأي... أو ما يفكرون أنهم قد أدركوه.
     لهذا السبب قد تحاول القوانين أو اللوائح الخاصة بالتغطية الإعلامية للانتخابات التحكم ( أو إذا كان من اللازم) في كيفية نشر استطلاعات الرأي. في الجبل الأسود، على سبيل المثال، يحظر على وسائل الإعلام المملوكة ملكية عامة نشر نتائج استطلاعات الرأي، أو أي توقعات أخرى عن نتائج الانتخابات. كما يمنع في يوم الانتخابات، نشر نتائج الانتخابات السابقة.
     ومع ذلك، فإن فرض حظر كامل على تقديم تقرير عن نتائج استطلاع للرأي، سواء كان أو لم يكن مرغوبا فيه، هو نادر من الناحية العملية. وإن الحظر على نشر نتائج استطلاعات الرأي خلال الانتخابات في فرنسا قائم منذ فترة طويلة (وإن لم يكن في أوقات أخرى). وقامت بعض الصحف في الانتخابات التشريعية لعام 1997 بكسر هذه القاعدة. وكان من بينها: "لو باريزيان" و "لاريببليك دي بيرينه".  وأما صحيفة "الليبراسيون" فقد تحايلت على هذا الحظر عن طريق وضع النتائج التي توصل إليها استطلاع للرأي على موقعها على شبكة الإنترنت، والتي ترتبط بصحيفة "تريبيون دي جينيف" في سويسرا. وقامت صحيفة  "فرانس سوار" بعمل نفس الشيء من خلال نشر استطلاع للرأي قبل أن تتم الجولة الثانية من التصويت. [1]
        ويبدو أن هذا حالة واضحة إلى حد ما، عندما يصبح القانون غير فعال في اللحظة التي يصبح ذا سمعة سيئة - على الرغم من حقيقة احترامه لسنوات عديدة. وفي المملكة المتحدة، حيث هناك ممارسة طوعية لعدم نشر استطلاعات الرأي في يوم الانتخابات، ويحظى هذا الأمر باحترام على نطاق واسع.
         ويتوقف الأمر كثيرا مع استطلاعات الرأي، أكثر من غيرها من القضايا الأخرى، على الجانب المهني في كيفية عرض النتائج. ويعتبر موقف الجبل الأسود من فرض حظر شامل على وسائل الإعلام العامة في نشر استطلاعات الرأي موقفا مقبولا، في الحالات التي يتم فيها  نشر تقارير مشوهة يمكن أن تؤثر تأثيرا جوهريا على نتائج الانتخابات. وبصورة عامة يمكن معالجة هذه المشكلة بصورة جيدة من خلال لمسة خفيفة، بتشجيع وسائل الإعلام لوضع معايير خاصة بها لتقديم التقارير. ويوجد لدى هيئة الإذاعة البريطانية على سبيل المثال، مبادئ توجيهية داخلية واضحة بشأن تقديم تقارير استطلاعات الرأي، تم تطبيقها على نحو فعال لسنوات عديدة.
[1] هيلين داربشير. وسائل الإعلام والعملية الانتخابية. في: وسائل الإعلام والديمقراطية، المجلس الأوروبي، ستراسبورغ ، 1998 ، ص. 96.


حول خطاب الكراهية والتشهير


لا  توجد مسألة أكثر صعوبة بالنسبة لأولئك المعنيين بحرية وسائل الإعلام من "خطاب الكراهية". يستخدم هذا المصطلح عادة للإشارة إلى الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية أو غيرها. وتتمثل القضية في جوهرها، في ما هو المدى المناسب أو الحد المقبول للحد من الحق في حرية التعبير، عندما تكون وجهات النظر التي يتم الإعراب عنها تؤيد تحديد حقوق الآخرين أو التعدي عليها.
       وتمثل إحدى المشاكل في أن هذا الخطاب قد يكون مجرد مسألة وجهة نظر. فخطاب كراهية لشخص ما قد يكون الرأي المشروع لشخص آخر. وبالتالي هناك عزوف عام عن فرض قيود على ما يمكن أن يقال.
   وتصبح هذه المعضلة أكثر حدة في ظروف الانتخابات لسببين:
• إن لحظة إجراء انتخابات هي اللحظة التي ينبغي التعبير فيها بالضبط عن مجموعة متنوعة من وجهات النظر السياسية. وإن الحد من التعبير عن بعض هذه الآراء، يحتمل أن يحد ليس فقط من حق حرية التعبير، وإنما أيضا من حقوق المشاركة الديمقراطية.
• ومن ناحية أخرى، إن الجو المشحون إلى حد كبير في الحملة الانتخابية، قد يكون على وجه التحديد لحظة البيانات التحريضية، التي من المرجح أن يكون لها تأثير في تحريض الناس على العنف– وبالتالي المساس بالديمقراطية وبحق الآخرين في حرية التعبير.
      ويصعب التعامل مع هذه القضايا في بلد له تاريخ من العنف الطائفي أو العرقي، حيث من المعروف أن وسائل الإعلام لعبت دورا في تأجيج القتال. وهذا هو السبب، على سبيل المثال، في إعطاء مسألة "خطاب الكراهية" الكثير من الاهتمام في انتخابات البوسنة  عام 1998 – فلقد لعبت وسائل الإعلام لدى جميع الأحزاب دورا كبيرا في التحريض على الحرب التي أدت إلى تفكك جمهورية يوغوسلافيا.
     وإن قضية التشهير مشكلة مماثلة لمشكلة خطاب الكراهية في وجه واحد: هو أنها أحد المجالات التي يمكن أن يتم فيها الحد من حرية التعبير بصورة شرعية، لحماية حقوق الآخرين. إلا أنها لا تحدث نفس الآثار الجماعية في حملة انتخابية. وإن النقاش الحيوي والذي قد يكون مهينا في بعض الأحيان، هو جزء من جوهر الحملة الانتخابية الديمقراطية. وقد حددت التشريعات الدولية والمقارنة بوضوح أن السياسيين - وخاصة في الحكومة - يجب أن يكون لديهم قدرة أكبر على التحمل، وأن يكون لديهم قدر أقل من حماية المواطن العادي وليس أكثر. تكمن المسألة من وجهة نظر وسائل الإعلام في الحملة الانتخابية، بالنسبة للتشابه الواضح بين التشهير والكراهية في من سيكون مسؤولا عن أي بيان غير مشروع: وسائل الإعلام أو الشخص الذي يتم نقل كلماته عبرها.

القانون الدولي والقانون المقارن
       لم يتمكن القانون الدولي ولا تجربة المحاكم الوطنية المختلفة، من تقديم أي إجابة محددة بشأن كيفية تحقيق التوازن بين حرية التعبير وحماية الحقوق الأخرى. ولأن الأمر يتعلق بقضية التوازن، لا يمكن تحديد الجواب إلا من خلال الظروف الوطنية والمحلية، إضافة إلى السياق المحدد.
       وتوفر المعاهدات الدولية أساسا واضحا لتجريم الدعوة إلى الكراهية أو التمييز. وفي الظروف القصوى، كما كان الحال في قضية الراديو والتلفزيون الحر "دي ميل كولين" في رواندا، حيث قامت محطة الإذاعة بالتحريض على الإبادة الجماعية، فقد تمت إدانة الصحفيين أمام محكمة دولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
      ومع ذلك، كان الاتجاه العام في تفسير هذا التوازن في دعم العديد من الأصوات للتصدي لتأثير الخطاب المحرض على الكراهية، بدلا من حظر تلك الأصوات التي تعبر عن وجهات نظر بغيضة أو غير شعبية. وقد أثبتت التجربة أن القوانين التي تحظر خطاب الكراهية قد استخدمت على نطاق واسع أكثر بكثير من الغرض الظاهر أو المقصود. وكان البلد الذي تتوفر فيه أكبر مجموعة من القوانين التي تحظر الدعوة إلى العداء العنصري هي جنوب أفريقيا بلد الفصل العنصري. وكان ضحايا هذه القوانين دائما من السود.
     وكان التطبيق العملي في معظم التشريعات التي تم فيها النظر في هذه المسألة يتجه نحو منع خطاب الكراهية عندما يشكل تحريضا مباشرا على العنف. وقد لا يكون من السهل جدا تحديد هذا المفهوم، لكنه يحتوي على فكرة عدم معاقبة أي شخص في الحملات الانتخابية بمجرد التعبير عن الآراء – إلا إذا كان ذلك يتداخل مع حقوق الآخرين.
مسؤولية وسائل الإعلام
     إن مناقشة دور خطاب الكراهية ووسائل الإعلام في الانتخابات هما في الواقع مسألتين منفصلتين :
•  قيام وسائل الإعلام بنقل تقارير الدعوة إلى الكراهية من قبل رجال السياسية في الحملة الانتخابية؛
•  قيام وسائل الإعلام نفسها بالدعوة بشكل مباشر إلى الكراهية.
     حول هذه القضية السابقة، هنالك توافق دولي في الآراء حول الوقوف بقوة إلى جانب إعفاء وسائل الإعلام من المسؤولية عن نقل تصريحات السياسيين هذه، في غضون فترة زمنية محدودة من الحملة الانتخابية. وهذا يعني أن الصحفي أو المؤسسات الإعلامية لن تكون معرضة لأي دعوى مدنية أو جنائية لنقل التصريحات التي أدلى بها سياسي، وتشكل دعوة إلى الكراهية. ولكن هذا لا يعفي الصحفي من المسؤولية المهنية في تحقيق التوازن بين هذه التصريحات من خلال نقل أصوات أو وقائع مقابلة.
محاولات التنظيم
      عندما تدعو وسائل الإعلام نفسها مباشرة إلى الكراهية - وخاصة في ظروف يمكن أن تشكل تحريضا - من الواضح أنه لا يمكن أن نتوقع أن تكون في حل من المسؤولية. وفي ظل هذه الظروف، سيكون من المتوقع أن تقوم الهيئة التنظيمية بمراقبة تقارير وسائل الإعلام عن كثب. ولكن هذا في حد ذاته يخلق مشاكل عملية وأخلاقية. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن التمييز بين التقرير الضعيف أو غير المسؤول الذي ينقل التصريحات العنيفة والتأييد الواضح لتلك التصريحات؟
   كما هو الحال في أمور كثيرة، إن التمييز بين المحتوي الذي يصدر عن هيئة التحرير والمحتوى الذي لا يصدر عن هيئة التحرير هو أمر هام. إن المحتوى الذي لا يصدر عن هيئة التحرير- وهي مواد مختلفة المصادر والأنواع تصل بصورة مباشرة - هي خارج نطاق سيطرة وسائل الإعلام نفسها، وهي تعد من قبل الأحزاب السياسية. وسيكون للهيئة التنظيمية أن تحدد مدى، ما يمكن اختياره بعد فحص محتوى المواد التي تصل بصورة مباشرة.
حق الرد
       إن منح الحق في الرد للمظلومين أو الذين نقلت أقوالهم بصورة مضللة، ليس خيارا شعبيا بين الصحفيين أو المدافعين عن حرية التعبير. وتقوم حجتهم في ذلك على أنه في البيئة الحرة لوسائل الإعلام تقوم هذه الأمور بالتوازن على مر الزمن. ولكن للأسف، يبدو أنه في حدود الحملة الانتخابية، قد لا يكون هناك من الوقت الكافي لكي تأخذ عملية التوازن الطبيعي مكانها. وبالتالي فإن معظم الضوابط التنظيمية تعمل على توفير المجال من أجل الموازنة أو التصحيح، ولو على أساس طوعي. وإن عملية الموازنة بين الآراء المتضاربة، جنبا إلى جنب مع توفير الفرصة للرد أو تصحيح الأخطاء أو تصوير الواقع بصورة مشوهة، قد يثبت في كثير من الأحيان، أنه أكثر الطرق فعالية لتحييد آثار خطاب الكراهية دون الحاجة إلى اللجوء إلى فرض حظر عليه.


القانون الدولي والقانون المقارن في خطاب الكراهية


     لقد تم تحديد المعايير الدولية بشأن مسألة "خطاب الكراهية" من خلال التوازن في المادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والضمانات السابقة هي:
    الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق الحرية في التماس المعلومات وتلقيها ونقلها، والتماس الأفكار من جميع الأنواع، بصرف النظر عن الحدود...
   تحدد المادة 19 القيود التي يمكن أن ترتبط بهذا الحق، بما في ذلك "احترام حقوق الآخرين أو احترام سمعتهم".
وتنص المادة 20 على ما يلي:
1. تحظر أية دعاية للحرب بموجب القانون.
2. تحظر أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
      وتطلب الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان من الدول أن تعلن أن الدعوة إلى الكراهية لأسباب وطنية أو عرقية أو دينية هي جريمة جنائية. ولا تطلب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب أن يحظر القانون خطاب الكراهية، لكنها تسمح أن يكون الأمر كذلك.
       وتفرض اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، حظرا أوسع نطاقا. فالمادة الرابعة من الاتفاقية تطلب من جميع الدول التي هي طرف في المعاهدة أن تعلن جريمة جنائية "كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، والتحريض على التمييز العنصري... وتوفير كل مساعدة للنشاطات العنصرية"، والمشاركة في "المنظمات، وتنظيم جميع الأنشطة الدعائية الأخرى، التي تشجع وتحرض على التمييز العنصري".
     في قضية ذات صلة بالمشاركة في الانتخابات (وليس بوسائل الإعلام)، أعلنت المفوضية الأوروبية رفض طلب زعيم سياسي يميني هولندي كان قد سجن لمدة أسبوعين، وحذف اسمه من القوائم الانتخابية، لدعوته إلى ترحيل العمال الأجانب من غير البيض. [1] ومع ذلك، في قضية لا تتصل بدور وسائل الإعلام، قبلت اللجنة طلب صحافي دنماركي كان قد أدين لبث مقابلة تلفزيونية مع أعضاء عصابة عنصرية من الشباب البيض. وقد تم تغيير القانون الدانمركي نتيجة لذلك، من أجل إزالة المسؤولية عن الصحفيين، إلا إذا تم  نشر أفكار عنصرية كانت تهدف إلى "التهديد والإهانة أو الحط" [2].
      هذا التمييز يحتل مكانة هامة: فموقف القانون (والسلطات التنظيمية) سيكون مختلفا اعتمادا على ما إذا كانت وسائل الإعلام هي التي تدعو حقا إلى الكراهية أو العنف، أو أنها بكل بساطة تنقل دعوة السياسيين وغيرهم للكراهية أو العنف. وهذه نقطة أساسية، رغم أن هذا لا يجنب الوقوع في مشكلة المناطق الرمادية أو الضبابية.
قرارات المحاكم الدولية
     يعود المبدأ القائل بأن التحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية هو في حد ذاته جريمة ضد الإنسانية، إلى قرارات محاكمات نورمبرغ للقادة النازيين في الأربعينيات من القرن العشرين. أكثر من ذلك بكثير، وجدت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا في الآونة الأخيرة، أن أربعة صحفيين أو مسؤولين تنفيذيين في وسائل الإعلام، إضافة إلى وزير إعلام سابق، مذنبين بتهمة التحريض على الإبادة الجماعية من خلال البرامج الإذاعية أو مقالات في الصحف.
قرارات المحاكم الوطنية
     وقد وجدت المحكمة العليا الإسرائيلية أن حرية التعبير لا تنتهك إلا عندما يكون هناك احتمال وشيك على أن الأقوال سوف تسبب ضررا للنظام العام. وحكمت نتيجة لذلك، أن هيئة الإذاعة قد انتهكت حقوق زعيم حزب سياسي متطرف معادي للعرب، من خلال مراجعة تصريحاته قبل نشرها. [3]
       ويحظر قانون حرية الصحافة في السويد، التعبير بالتهديد أو الازدراء ضد المجموعات العرقية أو الإثنية أو الدينية. ونادرا ما يستخدم القانون، ولكن في عام 1991، تمت محاكمة رئيس تحرير صحيفة لنشره رسالة من قارئ يعبر فيها عن آرائه العنصرية. وكانت حجة هيئة التحرير، انه يجب السماح لمثل هذه الآراء بالظهور، وذلك حتى تتم مناقشتها. وقد برأت هيئة المحلفين رئيس تحرير [4].
        وحكمت محكمة دستورية هنغارية بعدم دستورية حكم من أحكام القانون على التحريض على الكراهية. وقد اعتبره القانون جريمة إهانة أو إذلال للأمة الهنغارية، أو مجموعة من السكان على أساس الدين أو العرق أو صفات مشابهة.
    وقد لاحظت المحكمة:
     إن حرية التعبير عن الأفكار والآراء ، بما في ذلك حرية التعبير عن الأفكار التي لا تحظى بشعبية أو غير تقليدية، هي شرط أساسي لوجود مجتمع حيوي قادر حقا على تطوير نفسه ...
تحمي حرية التعبير الآراء بغض النظر عن قيمة مضمونها وحقيقتها [5].

[1] جليميرفين وآخرون ضد هولندا ،طلب رقم 8348/78 و 8406/78 د ، 4 تقرير المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، 260 (1982).
[2] جيرسيلد ضد الدنمارك طلب رقم  89؟15890، قرار في 8 أيلول 1992.
[3] مئير كهانا وآخرون ضد مجلس إدارة هيئة الإذاعة، المحكمة العليا الإسرائيلية، 41 (3) بي دي 255 (1987).
[4] اكسبرجير هـ-ج . "حرية الصحافة في السويد". في: المادة 19، قانون الصحافة والممارسة، 1993.
[5]) المحكمة الدستورية ، أ. ب. هاتاروزات، رقم 30/1992 (26 أيار)


مسؤولية وسائل الإعلام عن تقارير البيانات غير قانونية


     ذكر المقرر الخاص للأمم المتحدة حول حرية التعبير والرأي، أنه لا ينبغي وضع المسؤولية القانونية على وسائل الإعلام عن التصريحات غير القانونية التي يتم نقلها أثناء الحملات الانتخابية. وقد كانت هذه المسألة مثيرة للجدل في الماضي مع السلطات الدولية الأخرى، مثل السلطة الانتقالية للأمم المتحدة في كمبوديا، والتي كانت تأخذ موقفا مخالفا. وإن الافتراض بأن وسائل الإعلام لن تحاكم في دعوى مدنية أو جنائية نتيجة نقل  كلام السياسيين، يعزز الاتجاه الذي أقرته المحكمة الدستورية الاسبانية وغيرها. ويؤكد هذا النهج حق الجمهور في الحصول على معلومات حول ما يقوله الساسة - حتى لو كانت غير قانونية، ويحتمل أن تحرض على العنف. ويجب التشديد على أن هذا الأمر يختلف عن الوضع الذي تقوم فيه وسائل الإعلام نفسها بالتحريض عمدا على العنف.
      هذا وإن إزالة المسؤولية سيكون له تبعات على التغطية الإخبارية وبرامج الوصول المباشر على حد سواء. وهذا يعني على سبيل المثال، أن الصحيفة أو الإذاعة لا تستطيع رفض بث الوصول المباشر أو المواد الترويحية لحزب على أساس أن ذلك قد يعرض وسيلة الإعلام للمقاضاة. وقد قررت المحكمة الدستورية في ألمانيا، على سبيل المثال، أن ذلك من اختصاص المحاكم لاتخاذ القرار، وليس وسائل الإعلام. وإنه من المعقول وضع وسائل الإعلام في هذا الموقف إذا كانت بالتأكيد ليست مسؤولة. وإذا كانت محتويات بث الوصول مباشر يمكن أن تعرض وسائل الإعلام للمحاكمة، يجب أن يكون لها الحق في رفض هذا البث. بيد أن مثل هذا الموقف لا يعتبر مرضيا، لأنه يفتح المجال بصورة واضحة لإساءة المعاملة، فإن الموقف الذي أيده المقرر الخاص للأمم المتحدة يعد هو الموقف الصحيح.


خطاب الكراهية - عمليات المنظم


هناك طرق عديدة ممكنة لأي هيئة تنظيمية تتصدي لمشكلة خطاب الكراهية.
الموافقة المسبقة على مادة البث المباشر
        يجوز أن تقوم الهيئة التنظيمية بطلب تقديم جميع مواد البث المباشر في وقت مبكر، للتأكد من أنها تتفق مع معايير قانونية أو طوعية معينة متفق عليها في الخطاب السياسي. ويعتمد اتخاذ مثل هذا النهج على الأرجح على ما إذا هناك تاريخ حديث لخطب تحريضية تمثل مشكلة سياسية خطيرة. وإن العيب من حيث المبدأ على مثل هذا النهج أن ينظر إليه باعتباره تدخلا في الخطاب السياسي، وشكلا من أشكال الرقابة المسبقة. وتكمن الصعوبة في الممارسة على أنه يفرض عبئا إضافيا على الهيئة التنظيمية.
مدونات السلوك
     وإن مثل هذا الاحتمال لا يطرح نفسه في ما يتعلق بتغطية الأخبار: فالقانون الدولي والممارسة الدولية ترفض تماما "ضبط النفس المسبق" أو الرقابة السابقة للنشر. وينبغي بالتالي معالجة مشكلة الخطب التحريضية في المقام الأول في المصدر – أي مع الأحزاب السياسية والمرشحين أنفسهم. وستكون أفضل طريقة لتحقيق ذلك، من خلال مدونة لقواعد السلوك المتفق عليها مسبقا بين الأحزاب في وقت مبكر من الحملة الانتخابية. ويكون لهذه المدونة في بعض الأحيان، كما هو الحال في جنوب أفريقيا وكمبوديا، أثر القانون.
الشكاوى
        إن المشاكل الناتجة عن نقل غير مهني أو متحيز لبيانات السياسيين، ينبغي معالجتها في المقام الأول من خلال آلية الشكاوى التي وضعتها الهيئة التنظيمية - سواء كانت هذه هيئة منظمة لوسائل الإعلام أو سلطة الانتخابات. وسوف يكون السماح بالتصحيح للمواد التحريضية من خلال حق الرد أنجع علاج. وهناك أمثلة مفيدة لهذا من البوسنة والمملكة المتحدة.
تعزيز المعايير المهنية
        وأهم التدابير التي يمكن أن تتخذها الهيئة التنظيمية لتشجيع نقل تصريحات متوازنة وغير استفزازية أو مثيرة للجدل، هو ضمان الالتزام بالمعايير المهنية بين وسائل الإعلام. وعند القيام بذلك، يعد التعاون مع الهيئات المهنية الخاصة بالصحفيين، والهيئات النقابية أمرا حيويا. ويجوز للهيئة تنظيمية أيضا أن تشارك في تدريب الصحفيين في نقل الانتخابات.


الحق في الرد على النقد أو البيانات السلبية


إن حق الرد لا يحتل مكانة شعبية في وسائل الإعلام، ولكنه وجد قبولا متزايدا في  المحاكم والهيئات العادية الأخرى دوليا. وعلى الصحفيين أن يقبلوا بهذا الخيار الذي يعتبر أقل سوءا من غيره. ويمكن أن يكون البديل لتحقيق التوازن بين وجهات النظر أن تكون مسؤولا عن تأييد آراء مرشح واحد أو آخر.
      إن أفضل طريقة لتجنب فرض حق الرد، هو ضمان التوازن في التغطية بصورة واضحة. وقد اضطرت وسائل الإعلام الأمريكية غير المنظمة بصورة عامة الامتثال لمبدأ الإنصاف في تغطيتها للانتخابات، التي تضمن حصول جميع الأحزاب الرئيسة على رأي في البرامج الإخبارية والشؤون الجارية. وتلزم محطات الإذاعة بتقديم "فرصة معقولة لمناقشة وجهات النظر المتعارضة". [1] وإن الصيغة مهمة: "معقولة" وليس على قدم المساواة. ولا تقاس التغطية عادة بساعة التوقيت. إن الأمر بكل بساطة هو أن تتمكن جميع الأحزاب في المناظرة من إسماع صوتها.
        ولا يعد هذا النهج العام للعدالة أحيانا كافيا. ويتطلب الهجوم الشخصي وفقا لقانون وسائل الاتصال في الولايات المتحدة إذا تم شن هجوم على الصفات الشخصية أو طبيعة الفرد، إبلاغ الشخص ومنحه فرصة للرد. [2]
     في انتخابات جنوب إفريقيا عام 1994 كان هناك قانون أشمل قليلا من قانون الهجوم الشخصي الأميركي، ولكنه يقوم على نفس المبدأ. فالقاعدة المشتركة في قوانين الانتخابات واللوائح، توفر فرصة معقولة لتحقيق مناظرة متوازنة. وذكر أنه إذا وجه انتقاد ضد حزب سياسي دون أن توفر له الفرصة للرد عليه في ذلك الوقت، أو دون أن تنعكس وجهة نظره، يجب أن يقوم صاحب رخصة البث بإعطاء الحزب فرصة معقولة للرد على الانتقادات .
       إذا  قام المسؤول عن البث في غضون 48 ساعة من بدء عملية التصويت ببث برنامج يتم فيه تعريض حزب سياسي معين لانتقادات، يجب أن يقوم المسؤول عن البث بتوفير الفرصة للحزب للرد على النقد ضمن البرنامج، أو في أقرب وقت ممكن بعد ذلك. وهذه الأحكام تنطبق فقط على التغطية التي تتم تحت سيطرة التحرير في الإذاعة، وليس على بث الحزب للانتخابات أو الإعلانات السياسية. [3]
     ويوجد في البرازيل الحق في تقديم الرد، وينطبق القانون على وجه التحديد عندما يتم تقديم إفادات كاذبة عمدا أثناء البث المباشر. يمكن للحزب المتضرر في هذه الحالة اللجوء إلى القاضي. وإذا نجح في ذلك يفوز صاحب الشكوى بالوقت المناسب لدحض البيانات الكاذبة، ويتم من ثم خصم هذا الوقت من وقت البث المخصص للمعتدي.
[1] روبرت م. ايتمان. "وسائل الإعلام والانتخابات الأميركية: السياسة العامة والممارسة الصحفية"، في: ياشا لانج واندرو بالمر (محرران). وسائل الإعلام والانتخابات: دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، دوسلدورف، 1995.
[2]) المرجع نفسه.
[3] المادة (21) ، قانون لجنة وسائل الإعلام المستقلة، 1994.


حق الصحفيين في الوصول إلى المناسبات الانتخابية


      لا تستطيع وسائل الإعلام تغطية الانتخابات بشكل صحيح، إذا كانت غير قادرة على الوصول إلى أماكن الأحداث ذات الصلة. وهذا واضح بما فيه الكفاية، ولكن للأسف، إن العديد من البلدان التي تقبل على إجراء انتخابات ديمقراطية لأول مرة، قد يكون لديها خبرة قليلة في ثقافة حرية وسائل الإعلام. إن الغرض من القوانين أو الأنظمة الخاصة بوسائل الإعلام في الانتخابات -ووظيفة الهيئة الرقابية - هو خلق بيئة مناسبة لوسائل الإعلام لكي تقوم بعملها بصورة حرة. وإن الحملات الانتخابية ليست أسرارا للدولة، ولا تحتاج إلى صحفيين متخصصين في إجراء التحقيقات لنقلها، بل ينبغي أن تجري تحت نظر الجمهور. وبالتالي فإن هناك حجة من حيث المبدأ بأنه يجب توفير كل الفرص الممكنة للصحفيين من أجل الوصول إلى أماكن الانتخابات. وهناك جانب عملي بالنسبة للهيئة المنظمة للانتخابات، وهي أنه إذا كانت وسائل الإعلام موجودة في جميع الأحداث ذات الصلة بالانتخابات، فأن مثل تلك الاجتماعات الإعلامية والمؤتمرات الصحفية، ستجعل الأمر سهلا بالنسبة للإدارة الانتخابية في نقل رسالتها واهتماماتها للجمهور.
       ومن أجل ضمان الوصول إلى بعض مظاهر عملية الانتخابات – مثل العد على سبيل المثال، سيكون من الضروري بالنسبة للإدارة الانتخابية إقامة شكل من أشكال الاعتماد للصحفيين. إلا أن هذا ليس ضروريا لجميع الأحداث من حيث المبدأ، لأن المسؤولية النهائية عن تحديد من هو صحفي أو لا، تقع على عاتق الهيئات المهنية ذات الصلة، وليس الدولة.
      والمهم أن يكون الوصول بدون تمييز. ولن يكون مقيدا، على سبيل المثال، استبعاد بعض وسائل الإعلام من مسيرات بعض الأحزاب السياسية. وينبغي أن يكون هناك بند صريح في قواعد سلوك الأحزاب، يسمح بحرية الوصول جميع وسائل الإعلام إلى مناسبات الأحزاب العامة. وسيكون الأمر أسوأ، إذا كانت السلطات الانتخابية نفسها تمارس أي تمييز في تحديد وسائل الإعلام التي تقدم لها المواد إعلامية أو الدعوة إلى مؤتمر صحفي.
        إن حق وصول الصحفيين يأتي مباشرة من مبادئ حرية المعلومات التي تحدد دور وسائل الإعلام في ظل الديمقراطية. لا يمكن اعتماد إجراءات للحد من هذا الوصول، سواء عن طريق تطبيقها بطريقة تمييزية أو من خلال جعلها مطلبا عالميا لحضور جميع الأنشطة ذات الصلة بالانتخابات. إلا في ظروف محدودة للغاية، عندما يكون أمن العملية الانتخابية على المحك، فإن مبدأ الاعتماد هو أداة إدارية، وليس وسيلة لتحديد من يستطيع أو لا يستطيع كتابة التقارير عن الانتخابات.
     إن حرية المعلومات تعني من بين أمور أخرى، أن من حق وسائل الإعلام إجراء التحقيقات وتقديم التقارير الحاسمة حول الكفاءة والاستقامة في إدارة الانتخابات. وقد لا يرحب المسؤولون عن الانتخابات بهذا دائما، ولكن ليس لديهم خيار في هذا الشأن. ولا يعد هذا الفحص تدخلا في تنظيم الانتخابات، وإنما يهدف إلى السهولة وتعزيز الكفاءة. ويعتبر هذا الأمر شكلا من أشكال المساءلة العامة، ولكنه مفيد من الناحية العملية للمسؤولين عن الانتخابات من خلال إيصال رسائلهم. فإذا كان المجال متوفرا لوسائل الإعلام للوصول إلى الذين يقومون بتنظيم الانتخابات، فإنهم سيتمكنون من نقل اهتماماتهم بسرعة للجمهور. ويعتبر هذا أسلوبا فعالا وبدون تكلفة لتثقيف الناخبين.


اعتماد الصحفيين


     إن السؤال الخاص بمن هو الذي يمارس العمل الصحفي أو لا يمارسه، سؤال من الأفضل أن يترك لمنظمات الصحفيين - على الرغم من أن العديد من الحكومات، من خلال وزارة الإعلام أو هيئة مماثلة، لديها نظام لاعتماد الصحفيين من قبلها. ومهما كانت مزايا هذه النظم المختلفة، هناك حاجة لنظام اعتماد للصحفيين في الانتخابات. لأنه سوف يكون من حق وسائل الإعلام المشاركة في مناسبات - مثل التصويت في حد ذاته أو فرز الأصوات- وهذه مناسبات لن تكون مفتوحة للأعضاء العاديين من الجمهور.
      إن أفضل نظام لاعتماد الصحفيين في الانتخابات، هو الذي يجري بالاشتراك بين هيئة الإشراف على الانتخابات وهيئة تنظيم وسائل الإعلام (إن وجدت). وينبغي أن يكون الاعتماد متاحا لجميع ممثلي وسائل الإعلام المحلية والوطنية والمنظمات العالمية للأنباء، من خلال تقديم بطاقة تعريف معتمدة. وينبغي على هيئة الاعتماد عدم رفض أوراق الاعتماد لأي ممثل وسيلة إعلام حقيقية.
       ويجب أن يتم الاتفاق على طبيعة وثائق الاعتماد الصادرة من الشرطة أو أية هيئة أخرى مسؤولة عن الأمن في الانتخابات، وكذلك مع موظفي الانتخابات. وتتألف أوراق الاعتماد عادة من بطاقة مغلفة تحمل صورة الصحفي، وتعرف بصورة واضحة بأن حاملها ممثل لوسائل الإعلام. وينبغي أن تكون هذه الترتيبات معروفة للأحزاب السياسية أيضا، لكي يتكفل أعضائها ومؤيدوها. تيسير (وليس إعاقة) ووصول أي شخص يحمل هذه الوثائق.
     وعندما يتم تحديد موعد الانتخابات التقريبي في وقت مبكر، يمكن تنظيم اعتماد معظم الصحفيين المحليين في الوقت المناسب، لتجنب الضغط في اللحظة الأخيرة. وينبغي ألا يكون هناك تحديد لعدد موظفي وسائط الإعلام الذين يحصلون على الاعتماد. كما أن المنظمات الإعلامية غير ملزمة بتحديد عدد الصحفيين المعتمدين، رغم أنه سيكون من المنطقي لمنظمي هذا الحدث، تحديد عدد الأشخاص الذين يسمح لها بالدخول من كل وكالة أنباء لكل حدث أو موقع معين، إذا كان ذلك ضروريا، لضمان وصول أوسع مجموعة من وسائل الإعلام.
     ورغم من أن بطاقة التعريف- دليل واضح للاعتماد –إلا أنه من المفيد بدون شك، في العديد من المناسبات العامة المرتبطة بالانتخابات، ألا تكون كشرط مسبق للحضور، إلا في مناسبتين:
• عندما يكون أمن العملية الانتخابية على المحك - كما في عملية التصويت أو عملية الفرز.
• عندما يتم التحديد لأسباب عملية لوجستية، ولن يتمكن سوى عدد محدود من الصحفيين من الوصول إلي المكان.
     وفي الحالة الأخيرة، فإنه يجب على الصحفيين أنفسهم تنظيم طريقة للاختيار. حيث يتم اختيار من يمثلهم لحضور الحدث، ويشتركون بعد ذلك في المعلومات التي تم جمعها. كما يستطيع المسؤولون عن الانتخابات أيضا إعداد خطة للتناوب، لضمان تواجد بعض الصحفيين بصورة دائمة، والسماح لهم أن يقرروا فيما بينهم من الذي سيستفيد من الفترات الزمنية المختلفة المتاحة لهم.
    وبعبارة أخرى، إن الاعتماد في معظم الأحيان أداة إدارية فقط، وفي بعض الأحيان يكون له بعد أمني. وبشكل عام، إن المبدأ القائل بأن أي شخص يمكن أن يكون لدية الفرصة للوصول إلى العملية الانتخابية العامة، والكتابة أو البث عنها هو مطلب هام.


وسائل الإعلام الأجنبية


     كل ما قيل عن حق الصحفيين في الوصول إلى المناسبات الانتخابية المختلفة، والحصول على بطاقة اعتماد، ينطبق بنفس القوة على وسائل الإعلام الأجنبية الموجودة جميعها. ومن المهم أن نؤكد أن هذه هي مسألة مبدئية. وتحدد المصادر الأساسية للحق في حرية التعبير - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية - هذا الحق بصورة صريحة وهو ينطوي على القدرة على الاتصال وتلقي المعلومات "بغض النظر عن الحدود".
    ويتواجد في كل بلد في معظم الحالات، مراسلون أجانب مقيمون - أو على الأقل معتمدون– على أساس طويل الأجل. ولما كان لهؤلاء الصحفيين نوع من الاعتماد كشرط لإقامتهم في البلاد، فإن اعتمادهم لتغطية الانتخابات لا يمثل مشكلة كبيرة من حيث المبدأ أو الممارسة. وربما يكون هناك مشكلة إذا كانت الانتخابات مسألة ذات اهتمام دولي (كما تميل أن تكون الانتخابات)، عندما يصاحب ذلك وصول أعداد كبيرة من الموظفين ووسائل الإعلام الأجنبية في آخر لحظة، وهي تتوقع أن تكون قادرة على تغطية الانتخابات.
           وتحتاج الترتيبات الدقيقة إلى عملية تنسيق بين الهيئة المسؤولة عادة عن اعتماد وسائل الإعلام الأجنبية ومنظمي الانتخابات. ولأسباب تتعلق بدائرة الهجرة، يحتاج جميع الصحفيين الأجانب إلى الحصول على اعتماد. وكما هو الحال مع موظفي وسائل الإعلام المحلية، لا الحكومة ولا المسؤولين عن الحملة الانتخابية ينبغي أن يكون لديهم أي حرية في تقرير من الذي يستطيع أو لا يستطيع تغطية  الانتخابات. فالاعتماد هو تدبير إداري، وليس وسيلة لمنع الناس من التغطية الصحفية.
      ويشير المنطق السليم إلى الحاجة إلى قدر من التخطيط المسبق، وتقدير عدد الموظفين ووسائل الإعلام الأجنبية المرجح أن ترغب في تغطية الانتخابات. ويجب أن يشمل التخطيط المسبق إضافة إلى قضايا الاعتماد، مرافق أخرى أيضا مثل الهواتف الضرورية والاتصال بالحواسيب من المركز الإعلامي.
        وهناك حاجة إلى قدر من الصبر والتفاهم المتبادلين. فالانتخابات تنظم لصالح الناخبين، وليس لصالح وسائل الإعلام الدولية (وهذه حقيقة بحاجة إلى تذكير في بعض الأحيان). وإن وسائل الإعلام الدولية لا تفيد الناخبين مباشرة من خلال كتابة التحقيقات عن الانتخابات والسياسيين (رغم أن نمو محطات البث الإذاعي الدولية، والصحافة الالكترونية بدأت تغير من ذلك). لكن المساءلة الدولية هي جزء من عملية تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وعلى هذا الأساس، فإن وسائل الإعلام الأجنبية تلعب دورا مماثلا لدور مراقبي الانتخابات الأجانب. ومن ثم فإنه من مصلحة الديمقراطية والعملية الانتخابية نفسها أن يتم السماح لهم وتمكينهم من القيام بعملهم.


تدابير لحماية الصحفيين


عندما تتحول الحملات الانتخابية إلى أعمال عنف، من المحتمل أن يكون الصحفيون في وسط المعركة. ولسوء الحظ، إن الخطر هو في كثير من الأحيان جزء من العمل بالنسبة للصحفي، وتقع على عاتق الحكومات والمسؤولين عن الانتخابات ضمان أن يكون هذا الخطر في حده الأدنى.
       من المرجح أن يكون أي اعتداء جسدي أو تدخل في عمل الصحفي جريمة بموجب القانون العادي للبلد. ومع ذلك، نظرا للأهمية الخاصة لوسائل الإعلام في الانتخابات، قامت بعض البلدان بتحديد جرائم معينة تتعلق بالاعتداءات على الصحفيين خلال فترة الانتخابات. وينص القسم  الثامن من قانون الانتخابات في جنوب إفريقيا على سبيل المثال، على معاقبة الجرائم التي ترتكب ضد العاملين في مجال الإعلام مع غرامات تصل إلى 200000 R (حوالي 30،000 دولار)، والسجن، وتجريدهم من أهلية مواصلة المشاركة في الانتخابات.
    والنتيجة الطبيعية لذلك هو أن القوانين التي تقيد حرية الإعلام، والعمل الآمن للصحافة، ينبغي إلغاؤها في وقت سابق للانتخابات. وجزء من سلامة الصحفيين أن لا يتعرضون لخطر الاعتقال من أجل الأنشطة المهنية العادية التي يقومون بها. ويشمل ذلك، على سبيل المثال، والشرطة أو السلطات القضائية التي ترغم الصحفي على الكشف عن المصادر السرية للمعلومات.
     ومع ذلك، فإن الرسالة التي يتم توصيلها بطريقة واضحة لكل المشاركين في الانتخابات لا تقل أهمية عن ما ينص عليه القانون. ولهذا تقوم المنظمات الصحفية، مثل الاتحاد الدولي للصحفيين، بتقديم توصية إلى الحكومات (والسلطات الانتخابية) من أجل إصدار بيان علني واضح في بداية الحملة الانتخابية، يعلم جميع الأحزاب والهيئات التي تعمل على تنفيذ القانون، بأن وسائل الإعلام تمثل جزءا أساسيا من العملية الديمقراطية – وإن أي شخص يحاول منع الصحفيين من القيام بعملهم، سيتم التعامل معه باستخدام القوة الكاملة للقانون. بطبيعة الحال، لا يأتي الخطر على الصحفيين فقط من إفراط نشطاء الحزب في الحماس - فغالبا ما يتعرضون للخطر من المسؤولين عن تنفيذ القانون، الذين تدربوا على القيام بعملهم بصورة دكتاتورية. ومن هنا تأتي أهمية وجود تعليمات علنية واضحة - مع المتابعة الضرورية. وأن حدوث أي اعتداء سيتم التحقيق فيه بشكل كامل، وتقديم المرتكبين للعدالة.
     وإن مدونات قواعد سلوك الأحزاب السياسية، هي وسيلة تستخدم أحيانا في الحالات التي يمكن أن يحدث فيها العنف. ويجب أن تشتمل هذه أيضا على بيان واضح عن أهمية وسائل الإعلام في العملية الانتخابية، والحاجة إلى الامتناع عن شن أي اعتداء عليها.
     وان الحماية الجسدية للصحفيين تكون أكثر صعوبة، إذ أن وجود الشرطة بشكل مكثف، قد يتداخل مع حرية وسائل الإعلام لجمع المعلومات. ومع ذلك، ينبغي على المسؤولين عن تنفيذ القانون، أن تكون لديهم تعليمات واضحة حول مسؤولية حماية الصحفيين ضد أي اعتداء جسدي عند الضرورة.


أحكام وسائل الإعلام العامة


     يجري تطبيق لوائح مختلفة على وسائل الإعلام الممولة من القطاع الخاص والقطاع العام في معظم الأنظمة. وإضافة إلى الالتزامات الأخلاقية المترتبة على جميع الصحفيين والمذيعين، فإن وسائل الإعلام العامة هي مسؤولة أيضا أمام الناخبين، الذين هم الممولين لها ويملكونها في نهاية المطاف. ويفترض بالتالي - ويستند هذا الافتراض بشكل واضح على القانون الدولي – أن تكون وسائل الإعلام العامة محايدة سياسيا.
     هناك التزامات أخرى يمكن أن ترتبط بوسائل الإعلام العامة وحدها فقط. ولا يوجد في بعض النظم أي مطلب قانوني من وسائل الإعلام الخاصة لكي تقوم بالبث المباشر أو بث إعلانات الأحزاب السياسية خلال الحملة الانتخابية، ولكن توجد لدى وسائل الإعلام العامة مثل هذا الشرط. ويخصص جزء كبير من هذا القسم على المسائل الناتجة عما يلي:
• هل سيكون "الوصول المباشر" من خلال الدعاية السياسية مدفوعة الثمن، أو يكون بث انتخابات الحزب مجانيا؟
• كيف يتم توزيع الوقت بين الأحزاب أو المرشحين؟
• في أي وقت من اليوم سيتم بث حصص "الوصول المباشر"؟
    يتناول هذا الفرع أيضا المدى المناسب للهيئة التنظيمية المسؤولة عن وسائل الإعلام في أوقات الانتخابات لتنظيم المحتوى التحريري لوسائل الإعلام - أي تلك الأجزاء من المواد الإعلامية التي عادة ما تكون تحت سيطرتها التحريرية الخاصة.
      وثمة جانب آخر من المسؤولية يقع على وسائل الإعلام العامة ينبع من التزام الحكومة بتوعية وتثقيف الناخبين بكيفية ممارسة حقوقهم في الانتخابات - تثقيف الناخبين.
    لقد تم تلخيص واجبات وسائل الإعلام العامة بصورة جيدة في سلسلة من المبادئ التوجيهية قامت بوضعها مجموعة "المادة 19"حول حرية التعبير. ولقد نشأت هذه المجموعة في عام 1994 لمعالجة مشكلة ضمان تغطية عادلة في وسائل الإعلام التابعة للدولة، والتي قد لا يكون لديها أي خبرة في نقل الانتخابات بشكل نزيه. ولقد تم توزيع هذه المبادئ التوجيهية وتبنيها على نطاق واسع منذ ذلك الحين.


تخصيص الوقت للمرشحين والأحزاب


يعتقد في كل الأحوال تقريبا، أن وسائل الإعلام العامة عليها واجب نشر أو بث بيانات انتخابية للأحزاب المتنافسة. ومن المسلم به عموما أن وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام، يقع عليها التزام بالسماح للأحزاب والمرشحين بالاتصال مباشرة مع الناخبين.
إضافة لذلك، هناك الكثير من القضايا التي يتم تحديدها:
الإعلان المدفوع أو الوصول الحر، أو مزيج من الاثنين؟
      يجب أن يتم تحديد إذا ما كان الوصول المباشر من قبل الأحزاب السياسية سوف يكون مجانيا أو مدفوع الأجر، أو كما هو الحال غالبا، مزيج من الاثنين. ويتم إتباع قواعد مختلفة بالنسبة للصحافة المطبوعة والصحافة المرئية أو المسموعة. ويسمح أحيانا لجميع الأحزاب بالوصول الحر المباشر، ويصاحب ذلك أيضا إعلانات مدفوعة الأجر.
كيف يتم تقسيم الزمان أو المكان؟
     في نظام للإعلانات المدفوعة الأجر، قد لا يكون هناك مشكلة –يتم تخصيص الوقت بكل بساطه لمن يستطيع الدفع.  (ولهذا السبب يعتبر الكثيرون خيار الإعلانات المدفوعة بأنه خيار غير عادل). ولكن إذا كان الوصول إلى البث المباشر يتم تخصيصه من قبل هيئة تنظيمية، فكيف يتم ذلك؟ ما هي المعايير التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار لتقسيم الوقت المتاح؟ ويجب أن يتم ذلك على أساس من المساواة - بحيث يحصل كل حزب على نفس الوقت - أو بصورة منصفة، حيث يتم تخصيص الوقت لكل الأحزاب وفقا لدرجة الدعم الشعبي التي يتمتع بها كل حزب. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن تحديده؟ فهل ينبغي تخصيص الوقت على أساس الدعم في الانتخابات الماضية (عدد المقاعد حاليا في البرلمان)، أو على أساس استطلاعات الرأي، أو عدد المرشحين - أو بعض المعايير الأخرى أو خليط من كل منها؟ وقد اعتمدت البلدان المختلفة نظما متفاوتة على نطاق واسع.
توقيت الحصص:
هل سيكون هناك قوانين خاصة بالأوقات التي يتم فيها بث الحصص؟ إذا كان يجب أن يحصل الجميع على فرصة للبث في وقت الذروة، فكيف يمكن توزيع الحصص؟ وما هو الترتيب الذي سيسمح به للأحزاب عند البث؟
من يدفع الثمن – ومن يعد البرنامج؟
    هل سيكون الحزب مسؤولا عن إعداد البرنامج، أو سيجري توفير التسهيلات الضرورية من قبل هيئة الإذاعة؟ ومن سيقوم بدفع التكاليف من اجل إعداد هذه الحصص؟
من الذي يقرر ماذا يبث؟
هل لدى أي هيئة تنظيمية رأي في مضمون بث الوصول المباشر أو الدعاية السياسية؟ هل تستطيع الأحزاب أن تقول ما يحلو لها؟ ما هي الحدود؟


تغطية متساوية أو منصفة للبث المباشر؟


      من القرارات الأساسية في تنظيم بث الوصول المباشر من قبل الأحزاب، هو ما إذا كانت الحصص سيتم توزيعها على أساس من المساواة أو الإنصاف.  وتعني المساواة بكل وضوح، أن يحصل كل حزب أو مرشح على نفس الفرصة. ويعني الإنصاف أن يحصل كل شخص على فترة عادلة- أي أن الحزب الذي يحظى بدعم شعبي كبير ينبغي أن يحصل على مزيد من البث أكثر من الحزب الذي لا يحظى بدعم كبير.
الحجة في الحصول على المساواة
     كل شخص يحصل على فرصة لطرح وجهة نظره للناخبين. وسيكون على الناخبين الاختيار، وليس المذيع أو الهيئة الرقابية الانتخابية. هذا نظام بسيط يسهل تطبيقه، ويستطيع أن يفهمه الجميع. هو مناسب جدا بصورة خاصة في الانتخابات الأولى، عندما لا يكون هناك طريقة واضحة لمعرفة كمية الدعم التي يحظى بها كل حزب.
الحجة ضد المساواة
    تعطي المساواة ميزة ضمنية للحزب الحاكم، والذي يملك الفرص الكثيرة الأخرى لنقل سياساته من خلال وسائل الإعلام. وما تقوم به المساواة هو تشجيع أحزاب المعارضة التي لديها أمل ضعيف، على حساب الأحزاب التي تملك إمكانية حقيقية للإطاحة بالحزب الحاكم. وقد تعني المساواة أيضا بكل بساطة أن هناك الكثير من القضايا التي يتم تقديمها للناخبين من أجل استيعابها. ويمكن أن يصاب الناخبون بالملل، وتصبح فترات البث المباشر مضيعة للوقت. مرة أخرى يمكن أن يكون هذا الوضع في صالح الحزب الحاكم.
     وتتمثل الحجة الأخرى ضد المساواة في الحصول على البث التلقائي، في أنه سيشجع المرشحين التافهين الذين يهتمون بالدعاية المجانية فقط.
الحجة ضد الإنصاف  
     إذا تم تخصيص فترات البث المباشر بطريقة عادلة أو منصفة، يضمن هذا وجود الفرصة لجميع الأحزاب للتحدث إلى الناخبين، بما يتناسب تقريبا والتأييد الشعبي لهم. وهذا يعني أن يتمكن الناخبون من الاستماع إلى حجج المتنافسين الرئيسين لمنصب الرئاسة، في حين أن الأحزاب ذات الدعم الضعيف يتوفر لها المجال لتقول ما تريد ولكن بصورة محدودة أكير. 
حجة ضد الإنصاف  
     هذا النظام هو عقبة أمام ظهور أحزاب جديدة، حيث يقوم دائما بناء على الدعم الذي تحققه الأحزاب في الانتخابات السابقة. وماذا لو لم يكن ثمة فترة سابقة؟ كيف يتم تحديد التأييد الشعبي في الانتخابات الديمقراطية الأولى؟ فيمكن بالتالي أن يكون النظام عرضة لإساءة الاستعمال.
وجواب؟
     لا توجد إجابة صحيحة أو خاطئة لهذه المشكلة، كما يمكن ملاحظته في مجموعة متنوعة من الحلول في كل من الديمقراطيات الراسخة والديمقراطيات الجديدة. ولكن المناهج المختلفة يمكن أن تتناسب مع الأنظمة السياسية المختلفة على نحو أفضل. وفيما يلي بعض الاعتبارات الأخرى:
• قد تعمل المساواة على نحو أفضل عندما يكون هناك عدد أقل من الأحزاب أو المرشحين. وعندما يكون هناك عدد كبير جدا، سيكون من الصعب جدا أن يتم قطع "الكعكة" إلى شرائح صغيرة ، أو  صنع  كعكة كبيرة، لأن هذا يؤدي إلى وجود كمية كبيرة من البث في الانتخابات لدرجة لا يمكن متابعتها.
• المساواة قد تعمل على نحو أفضل في "الديمقراطية" الجديدة أو في المرحلة الانتقالية. وربما يتناقض هذا مع النقطة السابقة، لأن الديمقراطيات الجديدة غالبا ما يكون فيها العديد من الأحزاب (والأحزاب الحاكمة في الديمقراطيات الجديدة تشجع هذا). لكن النقطة الأساسية هي عندما لا تكون هناك انتخابات ديمقراطية سابقة، فلن يكون هناك طريقة لقياس حجم التأييد الشعبي لكل حزب.
• وعلى العكس، قد يعمل الإنصاف على نحو أفضل في الديمقراطيات الراسخة، حيث توجد هناك مقاييس واضحة للدعم في الانتخابات الماضية. أو هل يمكن أن تكون دعوة المساواة هي الصحيحة، وهل يعرقل هذا فقط ظهور بدائل سياسية جديدة؟
     ويمكن النظر إلى هذه الاعتبارات كمؤشرات فقط. فالعديد من الديمقراطيات الراسخة –مثل فرنسا وايطاليا والدنمارك - تخصص فتراب البث المباشر في وسائل الإعلام العامة على أساس المساواة (على الأقل في بعض الانتخابات). والعديد من الديمقراطيات الجديدة – مثل جنوب أفريقيا والبرازيل وناميبيا – خصصت الوقت على أساس تناسبي أو منصف.
      وأيا كان النهج المعتمد، فإن نجاحها يعتمد إلى حد كبير على مصداقية الهيئة التنظيمية ونزاهتها في تحديد فتراب البث. هذا هي حجة قوية للغاية بالنسبة للأحزاب السياسية نفسها من أجل المشاركة في وضع اللوائح التي تنظم وسائل الإعلام والانتخابات. فستكون الأحزاب على الأرجح ملتزمة بعملية تم استشارتها فيها وساهمت في تصميمها.
     كل هذه الحجج تنطبق بوضوح في الدرجة الأولى على معايير تخصيص وقت البث – أي برامج البث المباشر التي تتوفر مجانا للأحزاب. وستكون الدعاية السياسية المدفوعة، حيث يسمح لها، على أساس قدرة تحمل الأحزاب في شراء وقت البث المباشر (أو كما يسمح لها في حدود الإنفاق الخاص بالحملة). ولكن قد لا يكون الحال هكذا دائما. وإذا كان هناك حدود للإعلانات مدفوعة الأجر، فإن الاعتبارات الخاصة بالمساواة والإنصاف نفسها يمكن أن تطبق في هذا المجال.


المساواة في الوصول لجميع الأحزاب؟


     خصصت العديد من البلدان وقت البث المباشر على أساس المساواة بين مختلف الأحزاب السياسية أو المرشحين. ورغم ذلك، قد يكون هناك اختلافات في الطريقة التي تطبق فيها هذه الأنظمة. في بعض الأحيان مثلا، قد يكون هناك معيار تأهيل أو وسيلة دعم يجب الوفاء بها قبل تطبيق المساواة.
فرنسا
     إن الصيغة الخاصة بتخصيص وقت البث المباشر في الانتخابات الرئاسية الفرنسية هي المساواة بين جميع المرشحين، الذين يبلغ عددهم في العادة 14 مرشحا تقريبا. وإذا لم يظهر هناك فائز واضح، ستكون هناك جولة ثانية بين المرشحين الرئيسين، ومرة أخرى يتم توزيع فترات البث بالتساوي بينها. [1]
الدنمارك
     تخصص الدنمارك وقتا متساويا لجميع الأحزاب السياسية في الانتخابات النيابية، طالما أنها تفي بمعايير أساسية معينة: أن تكون مسجلة لدى وزارة الداخلية، الأمر الذي يتطلب جمع توقيعات ما يعادل واحد لكل 175 من الأصوات في الانتخابات الأخيرة. [2]
النرويج
      يتم تخصيص الوقت في النرويج على قدم المساواة، ولكن يجب أن تتحقق معايير معينة أيضا. فيجب أن تكون الأحزاب ممثلة في واحدة من البرلمانات السابقة، ولديها منظمة وطنية ومرشحين في غالبية المناطق. أما الأحزاب الصغيرة التي لا تستوفي هذه الشروط ستشارك في برنامج قصير. [3]
إيطاليا
     تقوم الإذاعة الحكومية "راي" بتوفير الوقت بالتساوي لجميع الأحزاب المتنافسة في الانتخابات. ومع ذلك فإن الإذاعات التجارية الخاصة لا يوجد لديها مثل هذا الالتزام. [4]
تشيكوسلوفاكيا
     في الانتخابات الديمقراطية الأولى في تشيكوسلوفاكيا، تم تخصيص نفس وقت البث لجميع الأحزاب - ما مجموعه أربع ساعات خلال فترة الحملة التي استمرت أربعين يوما. وقد تم تقسيم الفترات الزمنية إلى أقسام مختلفة الطول، وتحديد جدول زمني مناسب لها حسب كل القسم. [5]
أرمينيا
      قامت أرمينيا بتوفير أوقات متساوية لجميع الأحزاب، وحددت الفترة الزمنية بخمس دقائق لكل مرشح أو حزب. وقد جنب هذا الناخبين مشكلة المعلومات الإضافية، ولكنه ربما خلق مشكلة معاكسه. فهل كان الوقت كافيا حقا لتقديم المعلومات للناخبين؟
اليابان
    يوجد لدى اليابان نظام من المساواة في فترات البث، ولكن كحد أدنى من التأهيل يجب على كل حزب أن يوفر ما لا يقل عن 12 مرشحا. للحصول على المساواة في وقت البث. ويحصل جميع المرشحين في مجلس الشيوخ على خمس دقائق ونصف من وقت البث مجانا.
هولندا
     هولندا مثل اليابان، لديها نظام معدل من المساواة. تكون جميع الأحزاب من حيث المبدأ على قدم المساواة في وقت البث. ومع ذلك، فإن الهيئة التنظيمية ومفوضية وسائل الإعلام، قد تخصص وقتا إضافيا لأحزاب تخوض الانتخابات بمرشحين في جميع الدوائر الانتخابية. [6]

[1] آن جونستون وجاك جرستل. "دور البث التلفزيوني في تشجيع المرشحين في التلفزيون الفرنسي"، في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران). الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن، ثاوزند أوكس، 1995.
[2] كارين سوين. "الإعلان السياسي في الدنمارك". في:  ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن، ثاوزند أوكس، 1995.
[3].المرجع نفسه. 
[4] جيان بيرو جماليري. الانتخابات الايطالية لعام 1994: وسائل الإعلام والسياسة وتركيز السلطة،  في: ياشا لانج واندرو بالمر (محرران)، وسائل الإعلام والانتخابات:  دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، دوسلدورف، 1995.
[5] مكتبة الكونغرس، مكتبة القانون، تقرير للكونغرس: تمويل الحملات الانتخابية الوطنية في بلدان أجنبية مختارة، واشنطن العاصمة: تموز 1995، رقم LL95 - 4 ، 95-1354 : 58.
[6] كيس برانتس. البقعة الفارغة: الدعاية والإعلان السياسي في هولندا. في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن، ثاوزند أوكس، 1995.


الوصول المنصف أو العادل للأحزاب السياسية؟


     إذا تم رفض طريقة نهج المساواة، فهناك مجموعة واسعة من الأساليب التي يمكن اعتمادها من أجل تحقيق توزيع عادل أو منصف من البث بين الأحزاب أو المرشحين. ويحتمل أن تكون الاعتبارات الرئيسة التي تؤخذ بعين الاعتبار، كما يلي:
• قوة الحزب في الانتخابات السابقة
• عدد المرشحين المتقدمين
     وعادة ما يتم تخصيص الحد الأدنى من الوقت لجميع الأطراف، أو على الأقل لأولئك الذين لديهم عدد محدود من المرشحين. وهذه هي محاولة لمعالجة النقد الذي يقول إن أسلوب "الإنصاف" ليس عادلا جدا للأحزاب الجديدة.
     هذه الحسابات هي أكثر صعوبة في الانتخابات الرئاسية، إذا ما كان المرشح يتقدم للمرة الأولى. وقد تم التغلب على هذا الأمر في البرازيل، من خلال تخصيص وقت البث في الانتخابات الرئاسية على أساس قوة الحزب في البرلمان. ويتم في الجولة الثانية من الانتخابات النهائية، تخصيص وقت متساو.
جنوب أفريقيا
     يتم تخصيص وقت البث على أساس مزيج من المعايير: تخصيص الحد الأدنى لجميع الأطراف، وتخصيص جزء على أساس عدد المرشحين المتقدمين، وجزء على أساس الدعم الذي كان يحظى به الحزب في الماضي. ويقاس عادة هذا الدعم على أساس عدد المقاعد التي كان يحتلها الحزب في الهيئات التشريعية الوطنية والمحلية المنتهية ولايتها. ومع ذلك، تستطيع هيئة الإذاعة المستقلة أن تأخذ في الاعتبار استطلاعات الرأي إذا أرادت ذلك.
اليونان
     حصلت الأحزاب الثلاثة الكبيرة في البرلمان السابق على ما لا يقل عن 38 دقيقة أسبوعيا في البرامج التلفزيونية. وحصلت الأحزاب الصغيرة التي كان لها أعضاء في البرلمان السابق على 8 دقائق أسبوعيا. والأحزاب التي ليس لها تمثيل في البرلمان، ولكن لها قائمة من المرشحين في خمسة وسبعين في المئة من الدوائر الانتخابية، يحق لها خمس دقائق أسبوعيا. إضافة إلى ذلك، يحق لكل حزب من الأحزاب الثلاثة الكبيرة البث خمسة وأربعين دقيقة لمرة واحدة.
إسبانيا
     يحق للأحزاب التي لم تفز بمقاعد في الانتخابات السابقة  10 دقائق من البث. ويحق للأحزاب التي فازت  أقل من خمسة في المائة من الأصوات خمسة عشر دقيقة من البث. ويحق للأحزاب التي فازت بما يصل إلى 20 في المائة من الأصوات 30 دقيقة، وتلك التي حصلت على أكثر من 20 في المئة من الأصوات يحق لها 45 دقيقة من البث. 
المملكة المتحدة
     يجري استعراض صيغة لتخصيص وقت البث من قبل لجنة من المذيعين والأحزاب السياسية في كل انتخابات. وهي كما يلي: جميع الأحزاب التي تقدم 50 مرشحا أو أكثر، يتم تخصيص عملية بث واحدة مجانا.  ويخصص للحزبين الرئيسين وقت للبث بصورة متساوية- ويكون عادة10 دقائق من البث خمس مرات. ويحصل الحزب الرئيس الثالث على حصة أقل قليلا – عادة عشرة دقائق من البث أربع مرات. [1]
إسرائيل
     تحصل جميع الأحزاب المتنافسة في الانتخابات على فترة أساسية لمدة 10 دقائق من البث. وتحصل الأحزاب التي كانت ممثلة في الكنيست المنتهية ولايتها (البرلمان) على ثلاث دقائق إضافية عن كل مقعد كانت تحتله في الكنيست. [2]
تركيا
     تحصل جميع الأحزاب المتنافسة في الانتخابات على عشرة دقائق من البث. ويمكن أن تحصل الأحزاب التي لها تمثيل في البرلمان على عشرة دقائق إضافية. إضافة إلى ذلك، يحق للحزب الحاكم الحصول على 20 دقيقة إضافية، كما يحق لحزب المعارضة الرئيس عشر دقائق إضافية. [3]

[1] براين فينهام. "المملكة المتحدة: الإذاعة المحايدة والصحافة الحزبية"، في: ياشا لانج واندرو بالمر (محرران)، وسائل الإعلام والانتخابات: دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، دوسلدورف، 1995.
[2] مكتبة الكونغرس، مكتبة القانون، تقرير للكونغرس: تمويل حملات الانتخابات الوطنية في دول أجنبية مختارة. واشنطن العاصمة: تموز 1995، رقم LL95 - 4 ، 95-1354 : 58.
[3]) ، مكتبة الكونغرس، مكتبة القانون، تقرير للكونغرس: تمويل حملات الانتخابات الوطنية في دول أجنبية مختارة. واشنطن، العاصمة: تموز 1995، رقم LL95 - 4 ، 95-1354 : 194.


معايير لتخصيص وقت البث المباشر


يصبح تطبيق معايير لتخصيص وقت البث المباشر قضية في المقام الأول عندما يتم تطبيق بعض الاعتبارات المتعلقة بالإنصاف، وليس مجرد تخصيص فترات على قدم المساواة. ومع ذلك، في نظم "المساواة المعدلة"، كما هو الحال في هولندا، يكون لدى الهيئة الرقابية بعض التحفظ حول تخصيص مزيد من الوقت للأحزاب الرئيسة.
       يكون المعيار الأول الذي يؤخذ بعين الاعتبار في أي نظام، هو ما إذا كان هناك خطوة للتأهيل. تتطلب بعض نظم المساواة القائمة (مثل الدنمارك والنرويج واليابان) شكلا من أشكال التأهيل - مثل عدد المقاعد المتنازع عليها أو الحد الأدنى من التواقيع من الجمهور.
      ويجب أن تقرر نظم "الإنصاف" أيضا وجود خطوة نحو التأهل. ويرجح أن تكون خطوات التأهيل في الديمقراطيات الجديدة قليلة جدا. نظرا لصعوبة تقدير مستوى الدعم الشعبي الذي يتمتع به كل حزب. ويتم في جنوب أفريقيا مثلا، تخصيص الحد الأدنى لجميع الأحزاب. وغالبا ما تكون الخطوة نحو التأهيل في الديمقراطيات العريقة أعلى من ذلك. وينبغي أن تعتمد الخطوات نحو التأهيل عادة على عدد المقاعد المتنازع عليها، بدلا من العدد الذي تم الحصول عليه في السابق، لأن هذا الأخير قد يكون عائقا كبيرا لظهور أحزاب جديدة. وبناء على ذلك فإن درجة التأهيل في المملكة المتحدة على سبيل المثال، هي 50 مقعدا من المقاعد المتنازع عليها - ما يقرب من سبعة في المئة من المجموع.
     وبعد أن يتم تحديد الخطوات اللازمة نحو التأهيل، فإن المعيارين الآخرين اللذين يؤخذان بعين الاعتبار عند تخصيص البث المباشر هما:
•  عدد المقاعد التي تتنافس عليها الأحزاب (أو عدد المرشحين المتقدمين)؟
• مدى التأييد الشعبي الكبير الذي تمتعت به في الماضي؟
    ومن أجل الإجابة على السؤال الأول، يتضح على الفور أن ذلك سيتحدد إلى حد كبير وفقا لطبيعة الانتخابات والنظام الانتخابي. فمن المرجح أن يكون توزيع البث في الانتخابات الرئاسية، على سبيل المثال، على قدم المساواة إلى حد كبير، لأنها تستند بشكل عام على المنافسة الفردية أكثر من الفروق الموجودة بين الحزبين. ومن ثم يخصص وقت البث في فرنسا في الانتخابات الرئاسية على أساس المساواة البحتة، رغم أن البرازيل قد فعلت ذلك على أساس مستوى الدعم الموجود في البرلمان للأحزاب والمرشحين.
      وفي الانتخابات البرلمانية، فإن طبيعة النظام الانتخابي تحدد بوضوح مدى أهمية نتائج الأحزاب الصغيرة المحتملة، والتي يمكن أن تكون وسيلة لتحديد الوقت المخصص لها. في النظام الانتخابي -نظام الفائز الأول- الذي يفوز فيه المرشح صاحب أعلى الأصوات، من المرجح أن يكون الحزب الذي يفوز بنسبة 10 في المئة من الأصوات على الصعيد الوطني هامشيا تماما (وربما غير ممثل في البرلمان)، في حين أن هذا الحزب نفسه في نظم التمثيل النسبي يمكن أن يكون لاعبا مهما. وبالتالي فإن تخصيص وقت البث الإذاعي في ظل النظام الأخير من المرجح أن يميل نحو قدر أكبر من المساواة، أو على الأقل تخفيض الخطوات نحو التأهل.
     والغريب أن المملكة المتحدة في النموذج الكلاسيكي لنظام أعلى الأصوات، تبذل جهدا واعيا للتعويض عن عدم المساواة في النظام الانتخابي في مخصصاتها من الزمن. وهكذا فإن الحزب الوطني الثالث، وحزب الديمقراطيين الليبراليين، واللذين يحصلان باستمرار على تمثيل برلماني أقل بكثير من حصتهما من الأصوات الشعبية، يحصلان في الواقع على وقت أعلى نسبيا ليس فقط من عدد مقاعده البرلمانية، وإنما أيضا من عدد الأصوات.
     وأسلوب جديد مثير للاهتمام تم تطويره في ديمقراطية جديدة في جنوب إفريقيا، حيث قامت هيئة تنظيم الانتخابات بوضع النموذج التالي:
• إعطاء جميع الأحزاب مجالا للوصول.
• يخصص الوقت على أساس المقاعد المتنازع عليها والتأييد الشعبي المتوقع.
• الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الانتخابات الوطنية والمحلية تجرى في وقت واحد.



التوقيت وطول حصص البث المباشر


      يحتل توقيت حصص البث المباشر أهمية كبيرة بصورة واضحة. فالبث في الوقت الذي يكون فيه الجميع نائما أو في العمل، لن يكون مفيدا لأحد. وكما هو الحال مع الإعلانات التجارية، يرغب الجميع باستخدام وقت "الذروة".
     كل هذا يبدو واضحا، ولكن ما يثير الدهشة هو إغفاله غالبا. في حملة الاستفتاء في زيمبابوي في عام 2000، حصلت حملة نعم للتصويت (التي تدعمها الحكومة)، على حصص للبث خلال معظم فترة نشرة الأخبار المسائية الرئيسة بصورة مستمرة. وكان على حملة "لا" الذهاب إلى المحكمة للحصول على فرصة لها للبث– رغم ذلك فإن الحكم لم يحدد موعدا لبثها، ولهذا فقد حصلت على وقت أقل فائدة [1].
      وقد لا تكون المسألة متى يتم بث المادة فقط، وإنما ماذا يوجد على القنوات الأخرى. فقد حاول التلفزيون الصربي في الانتخابات الرئاسية لعام 2000، الحد من جمهور فويسلاف كوستونيتشا مرشح حزب المعارضة، عن طريق جدولة البث في نفس الوقت الذي بث فيه مسلسل تلفزيوني شعبي.
      ومع ذلك، يمكن أن تكون هناك مبالغة في هذه المسألة. فقد تم في استفتاء عام 1988 في التشيلي، وضع فترة البث خارج أوقات الذروة عمدا، لإضعاف الحماس السياسي. لكن الجمهور الذي حرم من  النقاش السياسي الفعال لمدة 15 عاما لم يكن بالإمكان ردعه، وشاهد البث بفارغ الصبر. [2]
      وتتمثل النقطة الأساسية في المساواة في الحصول على أفضل الحصص، متى كان ذلك ممكنا. وهناك طريقة شعبية لتحقيق المساواة التامة عن طريق القرعة - وهو النهج الأكثر شيوعا عندما يكون هناك مساواة في مقدار الوقت المخصص أيضا.
     وهناك آلية وجدت القبول في الماضي، وتمثلت في بث الإذاعة الانتخابية الحزبية في جميع القنوات في وقت واحد. وقد تمت التوصية بهذه الطريقة أحيانا، ولكن تم التخلي عنها لصالح الفلسفة التي تقول أن اختيار المشاهد يجب أن يأتي أولا. ومن الناحية العملية، جعل انتشار القنوات التلفزيونية في العديد من البلدان ذلك غير قابل للتنفيذ.
      والمسألة الثانية هي مدة البث. ويوجد اتجاهان متنافسان في هذا المجال.  كان الغرض من القانون واللوائح بصورة تقليدية هو ضمان أن تكون فتراث البث طويلة بما فيه الكفاية لكي يتمكن كل حزب من إيصال رسالته.
        ولكن في عصر الإعلان الذي يتمثل بمقاطع من الصور والصوت، هناك شعور متزايد بأن تحديد فترة البث الانتخابي ب 10 دقائق هو شيء من الماضي. يتم في المملكة المتحدة مثلا، تخصيص خمس فترات لمدة 10 دقائق للأحزاب الرئيسة - ويتم البث في الواقع لمدة خمس دقائق فقط لكل منها. وإذا كانت القواعد تسمح، فإنها لا شك ستأخذ 10 فترات لمدة خمس دقائق، ولكنها لا تستطيع. ولذلك تفضل الأحزاب ضياع نصف الوقت المخصص لها، من اجل عدم صد الناخبين نتيجة البث لفترة زمنية طويلة.
      وهناك اتجاه في الولايات المتحدة لضمان الحد الأدنى لطول الإعلانات السياسية من أجل إجبار السياسيين تقديم النداءات لعقول الناخبين بدلا من عواطفهم.
      ويرى المنظمون أن هناك اتجاهين بديلين. يتمثل الأول في تحديد الفترة الزمنية المتوفرة بدقة- فلنقل فترة بث زمنية من خمس دقائق – ويترك الأمر بعد ذلك للحزب لملئها. وإذا اختار الحزب أن لا يستخدمها، سيفقد الوقت الذي لم يستخدم. ويتمثل الاتجاه الثاني في تخصيص الوقت الكلي ويقوم الحزب بعد ذلك باستخدامه على النحو الذي يراه مناسبا. وتتمثل المشكلة في الاتجاه الثاني في أنه يجعل التخطيط بالنسبة لعملية البث شبه مستحيل.
     وربما يكون التوجه الثالث يمثل حلا وسطا بين الاثنين. حيث يمكن إعطاء الأحزاب وقتا محددا من أجل البث بناء على نظام يتم الاتفاق عليه. ويمكن بعد ذلك تقسم الوقت إلى فترات زمنية مختلفة الطول، مما يسمح للأحزاب مزيج من الفترات الطويلة الكافية لتقديم الحجج بعقلانية من جهة، والرسائل الإعلانية السريعة من جهة أخرى.

[1] مشروع زيمبابوي لرصد وسائل الإعلام. مسألة التوازن ووسائل الإعلام الزيمبابوية والاستفتاء الدستوري، هراري، آذار 2000.
[2] "المادة 19"، مبادئ توجيهية لإذاعة الانتخابات في الديمقراطيات الانتقالية، لندن، 1994، ص 16.


من الذي يدفع للبث المباشر؟


تختلف إذاعة الحزب الانتخابية عن الدعاية السياسية، وعادة ما تكون "مجانية". ويعني ذلك أن الأحزاب نفسها لا تدفع للوقت الذي يتم تخصيصه لها. وهذا يؤدي ذلك إلى سؤالين يحتاجان إلى إجابة:
• من لا يدفع للوقت؟
• من الذي يدفع من أجل إعداد البرنامج نفسه؟
   من الناحية العملية هناك نوعان من الإجابات المحتملة على السؤال الأول: إما أن يقوم المذيع بتوفير الوقت مجانا، أو أن تقوم الحكومة أو السلطة الانتخابية بشراء الوقت من شركة البث. وبالنسبة لهيئات البث العامة، سوف يكون الجواب دائما تقريبا هو الأول. ويفرض الميثاق أو اللوائح التي تنظم هيئة الإذاعة أن تقوم الهيئة بتقديم هذه الخدمة. وقد تكون هناك في بعض الحالات التزامات مشابهة بالخدمة العامة في عقود الترخيص التي تمنح للبث الخاص. ولكن من الشائع في هذه الحالة الأخيرة أن تقوم الهيئة المشرفة بشراء الوقت لصالح الأحزاب. هذا ما يحدث في المكسيك مثلا، حيث يقوم المعهد الانتخابي الفيدرالي بشراء الوقت، وتخصيص 15 دقيقة في الشهر في كل من التلفزيون والإذاعة لكل حزب.
       أما السؤال الثاني الذي يتعلق بمن يدفع تكاليف البرنامج نفسه- فهو أكثر تعقيدا. وقد يكون الجواب عادة هو الحزب، رغم أن هذا في حد ذاته محدد بالقيود القانونية الخاصة بالإنفاق على الحملة. ويمكن أن تكون التكاليف منخفضة نسبيا من خلال الاستعانة بالأشخاص المتعاطفين مع الحزب - ومن أشهرهم مخرجو أفلام هوليود جون شليسنجر وهيو هدسون ومايك نويل، الذين قاموا بإعداد البث في انتخابات الأحزاب الرئيسة في بريطانيا (رغم أن التوفير في أجر المدير كل حالة يعوض على الأرجح ارتفاع تكاليف الإنتاج).
     وإذا كان الحزب يقوم بإعداد البث الانتخابي الخاص به بنفسه، فهذا يعزز بوضوح من مكانة الأحزاب الأكثر ثراء. وقد أدى ذلك إلى أن تقوم هيئة الإذاعة المستقلة في جنوب أفريقيا، بحظر فترات البث التلفزيوني في عام 1999 على أساس أن الأحزاب الصغيرة لا تستطيع أن تقوم بها.
     وإن الحل البديل هو أن تقوم هيئة الإذاعة بوضع مرافق الإنتاج تحت تصرف الأحزاب. وكان هذا هو الأسلوب المتبع في الأيام الأولى من بث الأحزاب السياسية، والتي كانت تعتمد على غرفة تصوير جانبية تحتوي على كاميرا من الطراز القديم. وقد تم إحياء هذا الأسلوب في الديمقراطيات الانتقالية، حيث كانت الأحزاب الجديدة على الأرجح لا تملك الخبرة اللازمة أو التمويل لإنتاج البرامج الإذاعية الخاصة بها.


الوصول المباشر في الاستفتاءات


عند القيام بالاستفتاء، تزول العديد من المسائل المعقدة المتعلقة بتخصيص وقت البث. فالخيار يكون على التوالي بنعم أو لا. ولما كان السؤال لم يطرح من قبل، لن يكون هناك أي شك في الأخذ في الاعتبار برأي الناخبين السابقين بشأن هذه المسألة. يلتقي الإنصاف والمساواة: كلا الجانبين ينبغي أن يكون لديه نفس الوقت لطرح الحجج.
      كان هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه الفريق الفني للأمم المتحدة في استفتاء ملاوي عام 1993 :
      في حالة وسائل الإعلام المملوكة للحكومة، من المعتاد أن يكون الوصول للجانبين المتنافسين على قدم المساواة، سواء من حيث التوقيت وطول فترة البث. [1]
     ولقد كان الأمر بهذه الطريقة أيضا، على سبيل المثال، في استفتاء الشيلي في عام 1988 بشأن استعادة الديمقراطية.
      رغم ذلك، قد تكون الأمور أكثر تعقيدا قليلا. وقد يكون في العادة، أكثر من طرف واحد على كل جانب من المناظرة في الاستفتاء - وأحيانا يمكن أن تكون الأحزاب منقسمة في داخلها بصورة حقيقة. وفي هذه الحالة من لديه الحق في التحدث عن كل جانب؟
      وكان على محكمة اسكتلندية في عام 1979 أن تفصل في مثل هذه القضية في استفتاء على انتقال السلطة السياسية. كان كل من الحزبين الرئيسين في المملكة المتحدة منقسما بشأن هذه المسألة، بوجود أعضاء يقومون بحملة انتخابية على كلا الجانبين في مناظرة الاستفتاء. واصطفت بشكل عام، ثلاثة أحزاب رئيسة في اسكتلندا لصالح النقل ضد حزب واحد. وخلصت المحكمة، رغم ذلك، أن كل من الطرفين لصالح "نعم" وصالح "لا" يجب أن يكون لهما نفس الوقت على قدم المساواة – ولم يكن هناك أثر للدعم الحزبي. [2]
     ومع ذلك ، سوف تنشأ قضايا أكثر تعقيدا إذا كانت مجموعات مختلفة تدعم الاقتراح نفسه في الاستفتاء ولكن من منظور مختلف، وتقوم بحملات مختلفة. في هذه الحالة، يجب استخدام بعض المعايير المستخدمة في التوزيع الطبيعي للانتخابات، لتحديد كم من الوقت يجب أن يخصص لكل مجموعة من أجل البث. ومع ذلك، لن يتأثر مبدأ المساواة الشاملة بين الجانبين.

[1]) تقرير الفريق الفني للأمم المتحدة حول التطبيق الحر والعادل للاستفتاء حول قضية نظام الحزب الواحد أو التعددية الحزبية في ملاوي (15-21 تشرين الثاني 1992)، الفقرة. 27.
[2] ويلسون ضد هيئة الإذاعة المستقلة، 1979 SLT 279.


الدعاية السياسية المدفوعة الثمن


سواء كانت الدولة تسمح بالدعاية السياسية مدفوعة الثمن أم لا في البث، فإن ذلك من المرجح أن يعتمد بشكل كبير على التقاليد السائدة وأسلوبها وملكية وسائل البث، وبالتالي نوع الهيئة التنظيمية التي نشأت في البلاد. 

      قد ينظر البعض إلى الأمر بغرابة، لأن مسألة الإعلانات المدفوعة للأحزاب السياسية أو المرشحين على صفحات الجرائد نادرا ما تثير الجدل. ويكاد يكون مثل هذا التطبيق متشابها في جميع أنحاء العالم: الإعلان مسموح به، ولكنه يخضع لقيود أخرى مثل سقف الإنفاق المتوفر في الحملات الانتخابية يخضع للقيود المفروضة على المحتوى في بعض الأحيان.
       ومع ذلك، يمكن النظر إلى حقيقة أن العديد من البلدان اتبعت مسارا مختلفا فيما يتعلق الدعاية السياسية في الإذاعة والتلفزيون، ويعود ذلك إلى عاملين:
• أولا: إن تكلفة الإعلان في الإذاعة، أو في التلفزيون بصورة خاصة، تكون عادة أكبر بكثير مما هي عليه في وسائل الإعلام المطبوعة.
• ثانيا: تكون الإذاعات إما مملوكة للقطاع العام أو تحصل على حصتها من الترددات اللاسلكية من الهيئة العامة.
     بطبيعة الحال، لا يؤدي أيا من هذه العوامل في حد ذاته بصورة تلقائية إلى فرض حظر على الدعاية السياسية على موجات الأثير. لكنه ربما يفسر السبب في سلوك نهج مختلف.
     وبصفة عامة، كانت الدول ذات التقاليد العريقة في الملكية العامة للإذاعة، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، والدانمرك تميل إلى أن تكون معادية للدعاية السياسية المدفوعة الأجر. أما البلدان التي لها تقاليد قوية في البث التجاري- الولايات المتحدة تمثل نموذجا متطرفا- تميل إلى النظر إلى الدعاية السياسية بأنها طبيعية. ومن الجدير بالذكر أن البلد الأوروبي الذي يسيطر فيه البث التجاري بصورة كبيرة هو فنلندا – وهو أيضا البلد الذي تسمح فيه الدعاية السياسية بدون قيود.
    هذا هو التوجه تقريبا، ولكن هناك استثناءات كثيرة. فتقليد الإذاعة العامة في كندا، على سبيل المثال شبيه بالتقاليد البريطانية، ولكن الإذاعة سلكت نهجا للدعاية السياسية أقرب بكثير إلى جارتها الجنوبية. ولا تتعلق القضية بالضرورة فيما إذا كانت الإذاعة تقبل الإعلانات التجارية. وحافظت هيئة الإذاعة البريطانية دائما على فرض الحظر الصارم على الإعلانات التجارية، ولكن الإذاعة الرسمية في فرنسا سمحت بها منذ الستينيات من القرن الماضي. وكلاهما يحافظ على قدم المساواة في الحظر الصارم على الدعاية السياسية.
     وهناك بطبيعة الحال نمط مشترك لهيئة الإذاعة في توفير فترات بث مباشرة وفقا لمعايير محددة سلفا، في حين تقوم محطات البث الخاصة ببيع الإعلانات للأحزاب والمرشحين، وفقا لمعايير مختلفة في كثير من الأحيان. وهذا هو الحال مثلا في ألمانيا، وكان كذلك أيضا في ايطاليا مباشرة بعد إضفاء الصفة القانونية على البث الإذاعي التجاري الخاص.
الحجة المؤيدة للدعاية السياسية
       تتمثل الحجة لصالح الدعاية السياسية مدفوعة الثمن في حرية التعبير، وهي حجة عرفت ذروتها في الولايات المتحدة. ويفترض بصورة عامة في الولايات المتحدة أن المادة الأولى في الدستور - تمنع الكونغرس من سن قوانين "تحد" حرية التعبير - وتحمي الدعاية المدفوعة الثمن. وفي الواقع، إن الحدود الموجودة حول المساهمة في الحملة كثيرا ما انتقدت باعتبارها انتهاكا للتعديل الأول أو المادة الأولى في الدستور.
     ويتمثل الافتراض الوارد وراء هذه الحجة بأن السماح بإنفاق الأموال على الدعاية يعمل على تحقيق المساواة في المناظرة بين الحزب القائم ومنافسه. وهذا لا يأخذ في الاعتبار مشكلة أن حيازة تمويل وافر للحملات الانتخابية ليس بالضرورة شبيه بحيازة أفكار سياسية جديرة بالاهتمام. ويجوز أن يكون الحزب الذي يمثل تطلعات الفقراء والمحرومين في وضع غير مناسب في ظل نظام من هذا القبيل. إن ذلك يمثل إلى حد كبير أيضا، حجة العالم المتقدم التي لا يمكن أن تنتقل بسهولة إلى البلدان التي يتم إنشاء الثروة فيها في المقام الأول من قبل أصحاب المناصب الرسمية أو من خلال المحسوبية السياسية. إن الحزب الحاكم في كثير من البلدان، هو الحزب الأغنى، ويستطيع استخدام الإعلان إلى حد كبير.
الحجة ضد الدعاية السياسية
     الحجة ضد الدعاية السياسية مدفوعة الثمن هي حجة المساواة: يجب أن تكون جميع الأحزاب أو جميع المرشحين على قدم المساواة، ويتمكنون من الوصول إلى البث المباشر بصورة عادلة بغض النظر عن حالة تمويل حملاتهم الانتخابية. والدول التي تؤيد نظام المساواة في الوصول المباشر تفرض تقريبا على الدوام حظرا على الإعلانات مدفوعة الأجر. وتفعل ذلك دول كثيرة، مثل المملكة المتحدة، والتي تطبق نظام "الإنصاف".
      وهناك حجة أخرى من نوع آخر ضد الإعلانات المدفوعة، وهي أنها تزيد من "تخفيف لهجة" النقاش السياسي. ومن الواضح أن الإعلانات التجارية المدفوعة الأجر هي عموما أقصر بكثير من حيث الطول من فترات "الوصول المباشر" وتميل عموما لبيع مرشح أو حزب (أو التقليل من الخصم) بدلا من تقديم البراهين. وإن الفرق في الطول لافت للنظر: إن متوسط طول فترات الإعلانات المدفوعة في فنلندا هو بين 10-25 ثانية، وفي الولايات المتحدة بين 30-60 ثانية. وفي فرنسا والمملكة المتحدة والدنمارك تتراوح فترات الحصص الحرة المجانية من 5 إلى 10 دقائق.
    واللافت للنظر مع ذلك، هو عدد البلدان التي لديها مزيج من البث المباشر المدفوع وغير المدفوع الأجر. ويكون الاتجاه عادة نحو تخصيص حصة من الوقت الحر المباشر للأحزاب الرئيسة، ويمكن بعد ذلك إضافة الإعلانات المدفوعة إذا كان الحزب يرغب القيام بذلك وقادر عليه.

[1] على سبيل المثال ، نادين ستروسن. "حرية التعبير : قضايا انتخابات جديدة وقرن جديد"، مجلة الدراسات الإعلامية، شتاء 2000 ، http://www.mediastudies.org/nq5.htm.
[2] كريستينا هولتز باشا وليندا لي قايد. "نظرة مقارنة حول الدعاية السياسية: خصائص وسائل الإعلام والنظم السياسية"، في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن، ثاوزند أوكس، 1995.


البلدان التي تسمح بالإعلان السياسي المدفوع الثمن


     إن السمة العامة للنظم التي توجد فيها الدعاية السياسية، هو أن الإعلانات غير محدودة – وتستطيع الأحزاب شراء الإعلانات بقدر ما يمكن أن تتحمل- في حين تقتصر فترات البث المباشر على حصة محددة سلفا.
        وليس هذا هو الحال دائما، فهناك عدد من البلدان التي تعمل بمزيج من الإعلانات المدفوعة والوصول الحر المباشر لوسائل الإعلام، وهي تحد من الحصة السابقة بما يتناسب مع الحصة الأخيرة. ويوجد لدى كندا نظام يتم فيه تعيين الحد الأقصى لمقدار وقت الإعلان الذي يستطيع كل حزب أن يقوم بشرائه، على أساس أن يتم بشكل وثيق مع النظم الأخرى الخاصة بتخصيص وقت الوصول الحر المباشر.
     وإنه من غير العادي نسبيا أن نجد نظاما يتسم بوجود الدعاية السياسية مدفوعة الثمن بدون توفير إمكانية "الوصول الحر المباشر". وكانت فنلندا على سبيل المثال لسنوات عديدة، هي الدولة الوحيدة تقريبا في أوروبا في استخدام الدعاية السياسية المدفوعة فقط، وكانت أبرز الأمثلة الأخرى التي يمكن العثور عليها في الأمريكتين.
      ولا تسمح فنزويلا مثلا، بالدعاية السياسية على قناتي البث الحكوميتين، ولكن تسمح بقدر غير محدود من الإعلانات على القنوات التجارية الخاصة. وتبدو الأحزاب السياسية عموما على استعداد للدفع بنفس معدلات المعلنين الآخرين. هناك دعم من الدولة للإنفاق على الدعاية. ويخول القانون الانتخابي المجلس الانتخابي الأعلى للمساهمة في حملات إعلانية للطرفين. والطريقة التي تم بها العمل بشكل عام هو أنه بعد انتخاب المجلس الانتخابي الأعلى يقوم المجلس بتقديم منح للأحزاب التي  حصلت على ما لا يقل عن 10 في المئة من الأصوات في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
     وهناك سمة استثنائية للنظام الفنزويلي، حيث يسمح للإدارة الحالية بشراء الإعلانات، في حين يجب أن لا يسمح لإعلانات الإدارة  بموجب القانون الدعاية للحزب الحاكم . ولكن الإعلانات التجارية للحكومة والحزب الحاكم كان يتم بثها الواحدة بعد الأخرى مما يؤدي إلى خلق حجج قوية لصالح الحكم الحالي. وفي عام 1978، أنفقت الحكومة على الدعاية التلفزيونية ما يقرب ما أنفقه كل من الحزبين السياسيين الرئيسين. ويوجد لدى فنزويلا مستوى عال جدا من الإنفاق على الدعاية السياسية -ويصل وفقا لبعض التقديرات إلى أعلى معدل للفرد في العالم. [1]
    وتعتبر الولايات المتحدة أفضل مثال معروف دوليا لنظام الدعاية السياسية مدفوعة الثمن. لكن بعكس الانطباعات الأولى، فإن نظام الولايات المتحدة أبعد ما يكون عن التنظيم. وإن التشريعات الخاصة بتمويل الحملات الانتخابية لها تأثير خاص على الإعلانات التلفزيونية، التي تمثل العنصر الأكبر في ميزانية الحملة.
    ولكن لا يمثل ذلك بأي وسيلة ممكنة المدى الكامل للتنظيم. ويتطلب قانون الاتصالات الاتحادي لعام 1934 بصيغته المعدلة من المذيعين بيع وقت متساوي لجميع المرشحين للمناصب الفدرالية. ويجب أن تكون متوفرة عند أدنى معدل للمعلنين غير السياسيين. ويعني تكافؤ الفرص أن المحطات التي تبيع وقت لمرشح واحد يجب أن تعطي الفرصة للآخرين. [2] وهذه هي المبادئ الهامة التي تضمن عدم احتكار الدعاية السياسية من قبل أولئك الذين يملكون قدرا كبيرا من القدرة على المواجهة. وقد تم الاحتذاء بها في لوائح الدعاية السياسية في جميع أنحاء العالم.
• يتم تقديم الإعلان بأدنى قدر من التكاليف.
• إذا تم تقديم مساحات إعلانية لمرشح واحد، يجب أن يتم تقديمها للجميع أيضا.

[1] هوارد ر. بينيمان وأوستن راني. تنظيم الدعاية السياسية المتلفزة في ست ديمقراطيات مختارة، لجنة لدراسة الناخبين الأميركيين، بدون تاريخ
[2] روبرت م انتمان. "وسائل الإعلام والانتخابات الأميركية: السياسة العامة والممارسة الصحفية".  في: ياشا لانج واندرو بالمر (محرران). وسائل الإعلام والانتخابات: دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، دوسلدورف، 1995


نظام مختلط من الدعاية والإعلان والوصول الحر


     توفر العديد من البلدان مزيجا من فترات بث "الوصول المباشر" والإعلانات المدفوعة. وقد يكون هذا حلا وسطا فعالا بين "حرية التعبير" والحجة التي لا تقبل بحظر الدعاية، وحجة "المساواة في الفرص" التي تقول بأن جميع الأحزاب أو المرشحين يجب أن يكون لهم صوت.
   يوجد لدى بربادوس، على سبيل المثال، مثل هذا النظام المختلط. يسمح للأحزاب والمرشحين المستقلين بشراء الإعلانات الإذاعية والتلفزيونية إضافة إلى الفترة المخصصة لهم من حرية البث. ولكنها يمكن أن تشتري فقط فترات تصل إلى عدد محدد سلفا، يحسب على أساس عدد المرشحين في الميدان. وإن النظام المتبع لتحديد هذا الحد يختلف في الحقيقة عن النظام المستخدم لتخصيص فترات البث الحرة، ولكن له نفس التأثير. كما أن هناك حدا زمنيا لكل إعلان (30 ثانية في الإذاعة و60 ثانية على شاشة التلفزيون).
      تقوم لوائح وسائل الإعلام الرسمية في الانتخابات في الجبل الأسود بتقديم مزيج من الإعلانات المدفوعة والمجانية. ويحق لكل قائمة انتخابية ما مجموعه خمس دقائق من وقت الوصول المباشر، تكون دقيقتان منها حرة، وتبث في أوقات تحددها اللائحة التنفيذية. ويتم شراء الدقائق الثلاث المتبقية بأسعار السوق، ويتم تحديد وقت البث بالترتيب بين محطة البث والقائمة الانتخابية. وهذا يعني افتراضا تطبيق معدلات مختلفة (كما تطبق على المعلنين التجاريين) وهذا يعتمد على وقت بث الإعلان السياسي.
     كما أن النظام الكندي هو أيضا نظام مختلط في الواقع، حيث يتم بين الانتخابات توزيع البث الحر للأحزاب السياسية: 60 في المائة لأحزاب المعارضة و40 في المائة للحزب الحاكم. ويتم عادة التوزيع الدقيق لهذه الفترات الإذاعية من قبل الأحزاب نفسها (رغم من أن هيئة الإذاعة الكندية ستقوم بتخصيص الوقت إذا لم تتوصل الأحزاب إلى اتفاق). إضافة إلى هذه الفترات الإذاعية من الأوقات المجانية، هناك بين الحين والآخر فترات بث للوزراء أو رئيس الوزراء. وهناك حق الرد للمعارضة على هذه الفترات، ولكن ليس على الوزراء. ولكن في فترات الانتخابات، يستبدل هذا النظام بنظام الإعلانات السياسية المدفوعة. ويتوفر هناك مقدار محدد من الوقت متاح للإعلان، والذي يتم تخصيصه للأحزاب وفقا للصيغة التي يتفقون عليها فيما بينهم. ثم يسمح بعد ذلك بشراء الوقت المخصص للدعاية حتى الحد المخصص لهم. [1]
[1] هوارد ر. بينمان وأوستن راني. "تنظيم الدعاية السياسية المتلفزة في ستة ديمقراطيات مختارة"، لجنة لدراسة الناخبين الأميركيين، بدون تاريخ.


الإعلانات السياسية والحملة الانتخابية وحدود الإنفاق


     إن الحد من الإنفاق على الحملة الانتخابية هو شكل غير مباشر لتنظيم الدعاية السياسية المدفوعة الثمن في الكثير من البلدان. هذه الحدود تطبق على نطاق واسع، ولما كان الإعلان التلفزيوني عادة أكبر بند في ميزانية الحملة، فهنا يظهر التأثير الأكبر. في كندا على سبيل المثال، يعني الحد من الإنفاق، أن الأحزاب لا يمكنها أبدا من استخدام نصيبها من الوقت المخصص للإعلان. ويتم إيضاح هذه الحدود أحيانا عن طريق القانون. في انتخابات عام 1994 في جنوب إفريقيا على سبيل المثال، تم التأكيد على أن الدعاية السياسية تخضع لجميع القيود القانونية الخاصة بالإنفاق على الحملة.
     وتشير التقديرات إلى أن أعلى نصيب للفرد من الإنفاق على الدعاية السياسية في العالم هو في فنزويلا، ولذلك ليس من المستغرب أن لا يكون هناك حدود على الإنفاق. وينظر إلى الولايات المتحدة عادة باعتبارها مركز الدعاية السياسية، ولديها نظام معقد نوعا ما لتنظيم تمويل الحملات الانتخابية، وخاصة في الانتخابات الرئاسية. وقد جعل قانون الحملة الانتخابية الفدرالي الذي وضع في عام 1971 (المعدل في عام 1974 و 1976) التمويل الفدرالي على قدم المساواة في الانتخابات الرئاسية إضافة إلى دعم فدرالي للانتخابات التمهيدية. كما حدد سقف ما يمكن للمرشح إنفاقه على الإعلانات التلفزيونية، رغم إزالة هذا التحديد عندما تم تعديل القانون. وفي قضية هامة في عام 1976 بين باكلي و فاليو- أيدت المحكمة العليا مبدأ التمويل العام، ولكن ألغت القيود على الإنفاق من جانب "لجان العمل السياسي" إذا كانت هذه مستقلة عن الحملات الرئاسية نفسها. وقررت المحكمة أيضا عدم وجود أي قيود على الإنفاق من قبل الأفراد [1].
     وقد أدى ذلك إلى وجود وسائل يمكن من خلالها أن تتجاوز الحملة الرئاسية القيود المفروضة. ويمكن للجهات المانحة تقديم الأموال للأحزاب أو لجان العمل السياسي وليس إلى المرشحين أنفسهم. وهذا يعني أيضا أن الأفراد الأثرياء مثل المستقل روس بيرو في عام 1992، يمكن أن يخوض الانتخابات من دون أي سقف للإنفاق على الإطلاق.
     ويجب على جميع الإعلانات السياسية في الولايات المتحدة أن تنوه إلى من يقوم بالدفع. [2]
     واليابان هي بلد آخر تميز بين الأحزاب والمرشحين في السيطرة على الإنفاق في الحملة. فلا يسمح للمرشحين أنفسهم بشراء وقت البث. لكن الأحزاب، من ناحية أخرى، يمكن أن تقوم بشراء الوقت المخصص للدعاية، شريطة أن تقوم إعلاناتها بالدعوة إلى تقديم الدعم للحزب، وليس لمرشح معين.
       ويمكن استخدام الرقابة على تمويل الحملات الانتخابية كوسيلة لإعطاء الفرصة للأحزاب الأكثر فقرا في بيئة من الإعلانات المدفوعة. في الانتخابات البرلمانية الأولى في منغوليا على سبيل المثال، تم تخصيص نفس المقدار من الوقت الحر والوقت المدفوع لكل حزب. وتقوم الحكومة بدعم الوقت المدفوع للأحزاب ألصغيرة.
     ويقترح في بعض الأحيان أن يستخدم خيار "الإضافة" من أجل المساواة في الإنفاق في الحملة- كوسيلة لفرض حدود على الإنفاق ولكن ليس بطريقة غير معقولة. والفكرة هي أن يتم تعيين حدود الإنفاق. وإذا تجاوزها أحد الأحزاب، ستحصل بقية الأحزاب على إضافة من الأموال العامة.

[1] هوارد ر. بينيمان وأوستن جاك. "تنظيم الدعاية السياسية المتلفزة في ست ديمقراطيات مختارة"، لجنة لدراسة الناخبين الأميركيين. بدون تاريخ
[2] روبرت م. انتمان. "وسائل الإعلام والانتخابات الأميركية: السياسة العامة والممارسة الصحفية"، في: ياشا لانج واندرو بالمر (محرران). وسائل الإعلام والانتخابات: دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، دوسلدورف، 1995.


تنظيم المحتوى لمواد "الوصول المباشر"؟


    إن السؤال المطروح هو ما إذا كان ينبغي على الهيئة الرقابية بأي حال من الأحوال، محاولة السيطرة على شكل أو مضمون برامج الوصول مباشر، وهل يجب أن يكون البث الحزبي الانتخابي مجانا أو دعاية سياسية مدفوعة الثمن؟ هناك شعور قوي ضد أي تنظيم من هذا القبيل، نظرا لعداء القانون الدولي الكامل لأي رقابة مسبقة من أي نوع. والأسباب التي تدعو إلى وجود نوع من القوانين تنقسم إلى فئتين:
• تنظيم الشكل:- غالبا من أجل ضمان وصول الرسالة السياسية الجادة.
• تنظيم المحتوى:- من أجل منع بث مواد غير لائقة أو غير قانونية.
ويتعلق السبب الثاني بشكل واضح بمسألة السياسة التي تعتمد في قضايا "خطاب الكراهية". وتتصل أيضا بقضية مدى وقوع وسائل الإعلام نفسها تحت طائلة القانون نتيجة لمضمون الرسائل السياسية التي تقوم ببثها. وغالبا ما تكون وسائل الإعلام هي نفسها التي تعلن جهارا ميلها لصالح فرض قيود على محتوى البث السياسي، خشية أن تخضع لإجراءات قانونية نتيجة لذلك. إنها تحبذ نظاما كما هو الحال في إسرائيل، حيث تتم الموافقة على بث الحزب من قبل لجنة انتخابية بصورة مسبقة.
       ولقد قامت لجنة وسائل الإعلام المستقلة في جنوب أفريقيا في عام 1994 بمعالجة هذه المسألة بطريقة مختلفة قليلا. فقد نص القانون القائم على أن بث مواد انتخابات الحزب ينبغي أن لا تحتوي على مواد يمكن إلى حد ما أن تعرض المرخص له بالبث للمسؤولية القانونية. وبعبارة أخرى، تقع المسؤولية على الأحزاب لضمان امتثال موادها للقانون، رغم أن الإذاعة يمكن أن تتحمل المسؤولية في حالة بث مواد غير قانونية. [1]
هذا وإن قانون بربادوس (والذي يشبه القوانين في العديد من الدول) يضع عددا من المحظورات المحددة:
• أي مسألة مخالفة لقوانين بربادوس
• أي تعليق أو أي إساءة للعرق أو العقيدة أو الدين
• أي عمل فاحش أو غير لائق أو عملية تدنيس
• أي عمل خبيث أو تشهير فاضح .
     وثالث هذه المحظورات يفتح مجالا محفوفا بالمخاطر بشكل خاص. إن محاولات وضع القوانين اعتمادا على "الذوق الجيد"، كما هو معروف صعبة، وتتميز إلى درجة كبيرة بطابعها الثقافي الكبير والمحدد، فعدد قليل من البلدان، على سبيل المثال، يرون في الطريقة الفنلندية لبث الوصول المباشر أسلوبا مناسبا، حيث تمنع منعا باتا الرسائل السلبية في الحملة – ورغم ذلك يظهر ممثلو الأحزاب على الشاشة عراة ضمن تقاليد الساونا الفنلندية. [2]
    ومن الواضح أن التمييز بين النظم الخاصة بالشكل والنظم الخاصة بالمضمون هو تمييز مصطنع قليلا. وتقترح بعض البلدان حدا أدنى لطول البث السياسي من أجل ضمان وجود حجة وجيهة، وليس مجرد نقل رسالة دعاية. ويفرض البعض الآخر حدا أقصى:  فلقد وضعت بربادوس  على سبيل المثال، الحد الأقصى للإعلان بمقدار 60 ثانية.
     ويوجد لدى فنزويلا، نظام للدعاية السياسية غير متجانس للغاية في معظم جوانبه. ومع ذلك، فإن المجلس الانتخابي الأعلى لديه السلطة لإصدار أمر بسحب إعلان لا يتناسب و"حسن الذوق"، أو يشوه بشكل كبير موقف الخصم. كما يحظر المجلس الأعلى أيضا استخدام الدعاية اللاواعية أو غيرها من "وسائل الإقناع النفسية الخفية" في الإعلانات التلفزيونية السياسية. (وأدى هذا بدوره إلى فرض حظر شامل على الإعلانات اللاشعورية في فنزويلا.) [3]
     ويوجد لدى فرنسا، التي تملك درجة كبيرة من التنظيم في هذه المسائل أكبر بكثير من الديمقراطيات المتقدمة، مجموعة من القيود الرسمية المختلفة التي تهدف إلى التأثير على نوعية الرسالة المرسلة. في الانتخابات  الرئاسية لعام 1988، على سبيل المثال، كانت واحدة فقط من فترات البث المخصص لكل مرشح يمكن تصويرها خارج استوديو التلفزيون، وفقط 40 في المئة من كل البث يمكن أن يحتوي على لقطات فيلمية من الأرشيف. وكان الهدف من هذه القيود ضمان وجود عناصر هامة في الرسالة السياسية التي يقدمها المرشح عبر الكاميرا. كما اشترطت اللوائح على المرشحين عدم استخدام لقطات أرشيفية في البث دون الحصول على موافقة أولئك الذين يظهرون فيها –وهذا يمثل بشكل واضح وسيلة لمنع الهجوم الشخصي على المعارضين. [4]
     وتحذو بعض البلدان حذو فنلندا، وتضع حظرا صريحا على الهجوم الشخصي (كما تحظر فنلندا الإعلان عن المنتج خلال البث السياسي.) [5] وفي كوستاريكا تستطيع المحكمة العليا للانتخابات أن تأمر بوقف الإعلانات السياسية السلبية عن البث، إذا كانت تحتوي على هجوم شخصي أو مادة تحتاج إلى التحقق منها. في حالة واحدة من هذا النوع في عام 1990 أشارت إحدى الإعلانات إلي أن شهادة القانون التي يحملها المرشح الحالي تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة. وقد أوقفت المحكمة بث الإعلان بعد عرض واحد.
     ونجد لدى الفرنسيين المزيد من اللوائح التي ترتبط بالمضمون، وتهدف بصورة خاصة إلى الحد من تحقيق الفوائد لصاحب المنصب الحالي. فمثلا لم يسمح لمرشحي الرئاسة في عام 1988 استخدام العلم أو النشيد الوطني، أو إظهار الأماكن التي يقومون فيها بواجباتهم الرسمية - وبعبارة أخرى، يجب على الرئيس أن يقوم بالبث من الاستوديو مثل خصومه وليس من قصر الاليزيه. [6]
     وربما لا يوجد بلد أزعجته هذه المسائل أكثر من ألمانيا، بسبب تاريخ خطاب الكراهية فيها والسياسة المتطرفة، وقيودها الدستورية الصارمة على أنواع معينة من الدعوة السياسية. رغم ذلك، فإنه يسمح إرسال أنواع معينة من البيانات الكاذبة في الدعاية السياسية. وذكرت المحكمة الدستورية الاتحادية أن هذه ليست سببا كافيا لرفض الدعاية السياسية. [7]
 وقد قامت بعض محطات البث بمحاولة رفض المواد من بعض الأحزاب وخاصة من النازيين الجدد. وقد دعمت المحكمة الدستورية الاتحادية جزئيا مثل هذا النهج:
   "ليس في مقدور محطة البث حرمان حصة بث للانتخابات بسبب أن المحتويات غير دستورية، لأن قرار الحكم في دستورية حزب والإعلانات الخاصة به، هي من اختصاصات المحكمة الدستورية الاتحادية. ويحق للمحطة أن تتوقع أن يقوم الحزب باستخدام البث المخصص له للحملة بصورة قانونية، ما دام لم يجر أي خرق له صلة واضحة بالقانون الجنائي. ويحق بالتالي للمحطة مراقبة محتوى فترات البث - وفي الحالة التي يتم فيها خرق القانون - يحق لها رفض البث. " [8]


[1] المادة 29، قانون لجنة وسائل الإعلام المستقلة، 1994.
[2] توم مورينغ. "استثناء أوروبا الشمالية: الدعاية والإعلان السياسي على شاشة التلفزيون في فنلندا"، في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن / ثاوزند أوكس، 1995.
[3]) ، هوارد ر. بنيمان  وأوستن راني. "تنظيم الدعاية السياسية المتلفزة في ست ديمقراطيات مختارة"، لجنة لدراسة الناخبين الأميركيين، بدون تاريخ
[4] آن جونستون وجاك كيرستل. "دور البث التلفزيوني في تشجيع المرشحين الفرنسيين"، في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن: ثاوزند أوكس، 1995.
[5] توم مورينغ. "استثناء أوروبا الشمالية: الدعاية والإعلان السياسي على شاشة التلفزيون في فنلندا"، في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران) ، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن: ثاوزند أوكس، 1995.
[6] آن جونستون وجاك كيرستل. "دور البث التلفزيوني في تشجيع المرشحين الفرنسيين"، في: ليندا لي قايد وكريستينا هولتز باشا (محرران)، الإعلان السياسي في الديمقراطيات الغربية، منشورات سيج، لندن: ثاوزند أوكس، 1995.
[7]) هيلموت دروك. "المانيا: المساواة في إطار الدستور"، في: ياشا لانج واندرو بالمر (محرران)، وسائل الإعلام والانتخابات. دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، دوسلدورف، 1995.
[8] ذكر في المرجع نفسه.


واجب الحكومة في تقديم المعلومات للناخبين


    تعترف القوانين والمعايير الدولية على نحو متزايد بواجب الحكومات ووسائل الإعلام الممولة من القطاع العام في تثقيف الناخبين، وإعلامهم بكل الجوانب الأساسية للعملية الانتخابية.
وقد تشمل هذه عادة:
• كيف ومتى وأين يتم تسجيل الناخبين؟
• كيف ومتى  وأين يمكن مراجعة قائمة الناخبين؟
• كيفية تقديم شكوى حول قائمة الناخبين أو أي جانب آخر من الانتخابات.
• لماذا تجري الانتخابات- ومن الذي سيجري انتخابه؟
• ما هي حدود الدوائر الانتخابية؟
• أين ومتى يتم التصويت؟
• كيف يتم تسجيل الاقتراع حتى يعتبر التصويت صالحا؟
• إن عملية التصويت سرية.
     ومن الضروري أن يتوفر لدى جميع الناخبين المعلومات الأساسية التي يحتاجون إليها  لممارسة حقوقهم الديمقراطية. ومن واجب الحكومات ضمان المشاركة في انتخابات ديمقراطية "دون تمييز". وهذا يعني أنها يجب أن تبذل جهدا خاصا  لإبلاغ المجموعات التي تكون في ظروف غير مناسبة، لممارسة حقوقها الديمقراطية. وقد تتضمن هذه المجموعات :
• النساء
• الأقليات العرقية والوطنية أو الإثنية
• الفقراء ، وخاصة أولئك الذين يعانون من الأمية
• المعوقون
      ومن أقوى الحجج المؤيدة للملكية العامة لقطاعات وسائل الإعلام، هو أن ذلك يعطي السلطات الرسمية وسيلة لتنفيذ برامج تعليمية، وتقديم المعلومات للناخبين. إن تزويد الناخب بالمعلومات وتثقيفه والتربية المدنية هي من بين الأمثلة الأكثر أهمية الدور الذي تقوم به الخدمة العامة. وتقوم محطات الإذاعة الوطنية، التي تكون في متناول الأميين، والذين يتعرضون للحرمان نسبيا، بدور هام خاصة في هذا المجال.
 تصبح هنا واجبات وسائل الإعلام المملوكة ملكية عامة والتي يجب أن تتصرف بنزاهة، ذات أهمية خاصة. ومن المبادئ الأساسية التي يقوم عليها تثقيف الناخبين، أن تكون المعلومات التي يتم تقديمها محايدة وليس لصالح أي من المشاركين في الانتخابات.


التغطية الإخبارية المتوازنة


ينص القانون الدولي على التزام وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام بنقل العملية الانتخابية. وفي كثير من البلدان، يتم تحديد هذا الالتزام في تشريعات محددة، مثل القانون المتعلق بالإذاعة أو القانون الانتخابي نفسه. وفي أماكن أخرى، قد يكون هناك التزام عام بالتوازن والإنصاف منصوص عليه في التشريعات التي تنظم وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام، ويترك تحقيق هذا الالتزام في الممارسة العملية، للتنظيم الذاتي الطوعي.
      وإن هيئة الإذاعة البريطانية، التي تطبق قانون "ساعة التوقيت" هي مثال على هذا النهج الأخير. حيث تحتفظ الإذاعة بسجل من الوقت المخصص لمختلف الأحزاب السياسية في نشرات الأخبار، بهدف الحفاظ على التوازن وفقا للتوزيع النسبي للوقت من أجل بث انتخابات الحزب. وإن مبدأ حفظ السجل مهم: لأن المسؤول في الإذاعة العامة (أو غيره في هذا الشأن) يجب أن يعرف بالضبط مقدار ما تم بثه، لكي يكون قادرا على الإجابة على أية شكاوى لاحقة.
      وتمثل اثنتين من الديمقراطيات الانتقالية نموذجا للبلدان التي اتخذت نهجا أكثر تنظيما نحو الإذاعة الرسمية. والأساس المنطقي لذلك هو أن الإذاعة الرسمية في ظل الديمقراطية الجديدة، يكون لها خبرة قليلة في العمل بشكل مستقل عن الحكومة، وتحتاج إلى المزيد من القواعد المحددة بصورة واضحة لتمكينها من نقل الأخبار على نحو متوازن.
ملاوي
      قامت اللجنة الانتخابية في ملاوي في عام 1994 بوضع مبادئ توجيهية مفصلة جدا، تناولت من جملة أمور أخرى، تغطية الأخبار التي يتم تمويلها من قبل القطاع العام (والتي تسيطر عليها الحكومة). وكان المطلوب أن تقوم هيئة الإذاعة في ملاوي بتقديم تقارير عادلة ومتوازنة، عن الحملات والسياسات والاجتماعات والمسيرات والمؤتمرات الصحفية من جميع الأحزاب السياسية المسجلة خلال فترة الحملة الانتخابية وبعدها، وتقديم أخبار العملية الانتخابية حتى انتهاء الانتخابات.
     وشمل مبدأ التوازن في المبادئ التوجيهية، البرامج الانتخابية الخاصة مثل المناظرات والاتصالات الهاتفية. وقامت بتحديد أحكام تفصيلية للغاية لتنسيق وتنظيم هذه البرامج الخاصة.
     ولقد فرضت هذه المبادئ التوجيهية التزاما على هيئة الإذاعة في ملاوي، بضمان أن لا تقوم الأحزاب باستخدام برامج أخرى للحملة. (وقد حدث هذا في الواقع في بعض الأحيان - على سبيل المثال، عندما استخدمت مباريات كرة القدم كمناسبة للغناء في مدح الرئيس الحالي).
وتحتوي المبادئ التوجيهية على أمر قضائي صارم لموظفي الإذاعة الرسمية:
   "يجب على الموظفين في هيئة الإذاعة في ملاوي، والمذيعين في الإذاعة الرسمية، عدم بث آرائهم السياسية الخاصة. ويجب أن تكون أي تعليقات أو تقييمات محددة تحديدا واضحا على نحو متوازن بعناية لتجنب التحيز."
الجبل الأسود
    وبالمثل، وافقت الجمعية العامة في الجبل الأسود في عام 1998 على قرار  بشأن دور وسائل الإعلام الرسمية في الحملات الانتخابية الذي حدد التزاما عاما على موظفي وسائل الإعلام الرسمية:
      يلتزم كل محرر أو مقدم للبرامج السياسية والأخبار والبرامج الخاصة أو الأعمدة في وسائل الإعلام الرسمية التي أسستها جمهورية الجبل الأسود، بتقديم جميع الذين قدموا قوائم الانتخابات ومرشحيهم خلال الحملة الانتخابية، على نحو مستقل وموضوعي لضمان النزاهة فيما يتعلق بجميع المجالات السياسية والاجتماعية  والإثنية/ ثقافية وغيرها من البرامج التي تحتوي عليها.
     لكن القرار يذهب إلى أبعد من الالتزام العام، من خلال تقديم وصف تفصيلي عن كيفية تحقيق هذه الموضوعية، إضافة إلى تحديد معايير لبرامج المناظرات الخاصة وتقارير استطلاعات الرأي. ويزيل القرار بعض برامج الاستضافة وحلقات النقاش من الجدول العادي، ويلزم وسائل الإعلام الرسمية بالتقيد بمبادئ المهنية والأخلاق الصحفية والامتناع عن دعوة / استضافة قادة أو أعضاء معروفين من الأحزاب في برامجها العادية الخاصة.
    كما ينص القرار بصورة مفصلة على عدد التقارير التي يجب نقلها في التلفزيون والإذاعة والصحف الرسمية، على سبيل المثال :
    "يتعين على شبكة تلفزيون الجبل الأسود، ومحطة راديو الجبل الأسود توفير  5 لقطات و/ أو تسجيلات صوتية على التوالي، مع مقتطفات من كلمات المشاركين في المسيرات الانتخابية لقائمة المتقدمين للانتخابات، ويمكن زيادة ذلك بلقطة واحدة و/ أو تسجيل صوتي لكل حزب مرة  كلما عقد تجمع انتخابي رابع."
وهلم جرا.
     هذا النوع من اللوائح التنظيمية المفصلة للمحتوي يثير معضلة حقيقية. ولكن هذه اللوائح نشأت بسبب وجود تاريخ من الانحياز في نقل التقارير بصورة غير مهنية من قبل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة والحكومة. من ناحية أخرى، فإن الدافع نحو لوائح تنظيمية مبسطه للمحتوى هو في حد ذاته جزء من آثار الدكتاتورية السياسية. إلى أي مدى ينبغي أن تفرض السلطات التنظيمية كيفية نقل  الأخبار من قبل وسائل الإعلام الرسمية الممولة من القطاع العام، - وإلى أي مدى يمكن أن تتعلم وسائل الإعلام بشكل أفضل من الأخطاء الخاصة بها،- هذه مسائل لا يمكن التكهن بعواقبها، ويجب على كل ديمقراطية جديدة أن تجد الإجابة الخاصة بها.


أحكام وسائل الإعلام الخاصة


     تقوم معظم البلدان بالتمييز بصورة واضحة في قوانينها التنظيمية بين وسائل الإعلام الخاصة والمملوكة للقطاع العام، وخاصة الالتزامات التي وضعت عليها في فترة الانتخابات.
    وهناك عدد من الخيارات المختلفة، فضلا عن مجموعة متنوعة من مختلف القضايا التي ينبغي معالجتها.
نظام خاص بوسائل الإعلام الخاصة
     إن أحد الاتجاهات هو أن تعمل وسائل الإعلام الخاصة في الانتخابات وفقا لقواعد مختلفة تماما. وينطبق هذا في أغلب الأحيان في مجال البث الإذاعي المباشر أو الدعاية السياسية. عندما قامت ايطاليا مثلا بإدخال البث الخاص لأول مرة، واصلت الإذاعة الرسمية "راي"، النظام القائم على  البث الحر المباشر، في حين سمح لمحطات البث الخاصة بنشر الإعلانات المدفوعة. وعملت هذه الوسائل في إطار تنظيم يختلف عن وسائل الإعلام الرسمية.
      وتعمل فنزويلا على نحو مماثل، حيث لا تقوم وسائل الإعلام العامة ببث الإعلانات المدفوعة. في حين تقوم وسائل الإعلام الخاصة بذلك. وبالمثل، في نظام مختلف تماما، كما هو الحال في نظام الإذاعة الاسكندينافية الذي تهيمن عليه الدولة، تقوم وسائل الإعلام الخاصة على قواعد مختلفة في بث الوصول المباشر.
الالتزامات بالخدمة العامة في بعض المناطق
       وهناك أسلوب آخر مشترك يتمثل في فرض بعض الالتزامات بالخدمة العامة على وسائل إعلام البث الخاصة، باعتبارها من شروط ترخيص البث. هذا هو النظام الذي يعمل مثلا في المملكة المتحدة. وهكذا يتم تطبيق نظام بث برامج الوصول المباشر الذي بدأ في الإذاعات الرسمية، على الإذاعات الخاصة دون تعديل. ويتم تطبيق هذه الالتزامات في المملكة المتحدة على القنوات التجارية الأرضية القديمة، وليس على تلفزيون "الكيبل" أو الخطوط الأرضية وتلفزيون الأقمار الصناعية.
الخيار في تحمل التزامات الخدمة العامة
     وهناك أيضا خيار شعبي آخر، وهو الذي لا يفرض أي التزامات للخدمة العامة على وسائل الإعلام الخاصة. ومع ذلك، إذا اختار المذيعون في المحطات الخاصة توفير حصص بث للوصول المباشر، والدعاية السياسية مدفوعة الثمن أو حصص لتثقيف الناخبين، يجب عليهم القيام بذلك على قدم المساواة مع وسائل الإعلام العامة
دور المنظم
     مهما كانت الخيارات التي يتم اتخاذها، هناك دور للهيئة الرقابية فيما يتعلق بأي مواد غير تحريرية تديرها وسائل الإعلام الخاصة: وقد تكون هذه إعلانات، وحصص الوصول المباشر، وتثقيف الناخبين وغيرها. وسوف يكون المنظم إما مسؤولا عن الإشراف على الامتثال إلى أي قواعد خاصة تؤثر على وسائل الإعلام الخاصة -إذا ما اتبع الخيار الأول - أو الامتثال للقواعد العامة التي تحكم وسائل الإعلام (الخيارات الثانية أو الثالثة). ولا توجد نفس الأسس لتنظيم المحتوى في وسائل الإعلام الخاصة كما هو الحال في القطاع العام. وبالتالي فإن المنظم لن يتدخل مع وسائل الإعلام الخاص لضمان التغطية الإخبارية المتوازنة. ومع ذلك، فإن وسائل الإعلام الخاصة من المحتمل أن تكون مضطرة إلى الالتزام بالسياسات نفسها بالنسبة لخطاب الكراهية والتشهير، فضلا عن كونها تخضع لإجراءات تقديم الشكاوى.
     من حيث المبدأ، إن التعددية في الأفكار ووجهات النظر السياسية، يمكن المحافظة عليها بأفضل صورة، بعدم وضع القيود على وسائل الإعلام الخاصة، بحيث تكون قادرة على القيام بعملها دون أي تدخل. وتكون المسؤولية الأولى للهيئة التنظيمية هي تسهيل ذلك. وعندما تتصرف وسائل الإعلام الخاصة بطريقة يظهر فيها التحيز، وتعيق تدفق المعلومات للناخبين، سيكون المنظم مخولا بالتدخل. وسينطبق هذا دائما تقريبا على المواد غير التحريرية ولا يطبق على المواد التحريرية من حيث المحتوى.


لماذا يعتبر الاتصال هاما


     تتمثل العقبة الكبرى الوحيدة أمام التعاون الفعال بين مدراء الحملات الانتخابية ووسائل الإعلام في ثقافة عدم الثقة - والعداء الصريح أحيانا - من كلا الطرفين.
     يتمثل أحد جوانب عدم الثقة والعداء في انقطاع وسائل الاتصال. إن قلة التواصل بين الإدارة الانتخابية ووسائل الإعلام يمثل مشكلة خطيرة. إنها عقبة في طريق تحقيق العديد من الأهداف التي نوقشت في هذا المجال.  وإن فشل سبل الاتصال يجعل تحقيق سياسة الإدارة الانتخابية ودورها التنظيمي أكثر صعوبة. وسيخلق ذلك أيضا عقبات خطيرة أمام نقل وسائل الإعلام للمعلومات عن العملية الانتخابية بصورة دقيقة. ولن يؤدي الفشل في نقل التقارير الإعلامية بصورة غير دقيقة إلى فراغ – وإنما سيؤدي إلى نشر تقارير غير دقيقة.
     إلا أن الأمر الأكثر خطورة من انهيار التواصل بين الإدارة الانتخابية ووسائل الإعلام، هو الأثر على قدرة الإدارة الانتخابية على التواصل مع الناخبين. ولا تشكل العلاقات الإعلامية على أهميتها، سوى جزء من إستراتيجية الاتصال بشكل عام. ومن شأن العمل الإعلامي في الإدارة الانتخابية أن يكون أكثر فعالية إذا تم وضعه بشكل واضح في إطار نهج مدروس للاتصال.
     وتعمل العديد من هيئات إدارة الانتخابات على التقليل جدا من أهمية الاتصال. وهي تعمل على افتراض أن كل ما هو مطلوب منها هو العمل بطريقة فعالة ومهنية. رغم ذلك فإن الفعالية والمهنية الخاصة بها يمكن أن لا تؤخذ بعين الاعتبار من قبل الجمهور أو الأحزاب السياسية أو وسائل الإعلام. ويجب أن تقوم الهيئات التنظيمية للانتخابات بوضع استراتيجيات واكتساب المهارات اللازمة من أجل نشر ما تقوم به، وكيف يمكن نشره لجمهور أوسع.
     وسوف يؤدي تحسين وسائل الاتصال إلى خلق صورة أفضل للإدارة الانتخابية لدى الجمهور، وستظهر فوائد واضحة في مختلف جوانب عملها. ومع ذلك، هناك سببان مبدئيان أيضا لماذا يجب أن تلتزم هيئات الإدارة الانتخابية بالتواصل:
• يحق للناخبين الحصول على معلومات حول الكيفية التي يتم بها ممارسة حقهم في التصويت. ويشمل هذا معلومات حول عمل الإدارة الانتخابية.
• تكون الإدارة الانتخابية مسؤولة أمام جميع أصحاب المصلحة في العملية الانتخابية، بما في ذلك الناخبين والمرشحين أو الأحزاب السياسية. وتؤدي المساءلة إلى الالتزام بالشفافية في أعمالها.
وضع خطة للاتصال
     عند التخطيط لوسائل الاتصال يجب القيام بذلك دائما بترتيب عكسي، أي البدء باستخدام تقنيات معروفة مثل النشرات الصحفية والمؤتمرات الصحفية وغيرها، وليس بالأهداف العامة والرسائل والجمهور. هذا المجال جذاب ولكنه خطير. وتقوم المنظمات (وليس هيئات التنظيم الانتخابية فقط) باستخدام ما هو مألوف وسهل بالنسبة لها. وقد لا يكون هذا بالضرورة أفضل الوسائل لإيصال الرسائل إلى الجمهور المطلوب.
     هناك، بطبيعة الحال، أساليب مختلفة لتنظيم الاتصال. وإن الأساليب التي وضعت من قبل معهد وسائل الإعلام والسياسة والمجتمع المدني هي جيدة بصورة خاصة.  ولكن كل الأساليب الفعالة، يحتمل أن تشترك في الخطوات التالية (حسب الترتيب التالي تقريبا):
• تحليل نقاط القوة والضعف الخاصة بك.
• تحديد رسالتك.
• تحديد جمهورك.
• وضع إستراتيجية لوسائل الإعلام.
• تطوير تقنيات العلاقات الإعلامية.



تحليل جوانب الضعف والقوة الخاصة بك

     تستند خطة ذات مصداقية وفعالية في الاتصالات على تقييم واقعي لنقاط القوة والضعف في هيئة إدارة الانتخابات.
    وستشمل نقاط القوة والضعف على سمات وموارد الإدارة الانتخابية نفسها. وهل هي ممولة تمويلا جيدا؟ وهل يوجد لديها مكتب صحفي يملك الخبرة والمهارة ؟
     ومن الأمور الهامة، هو مقدار الأهمية التي ينظر بها العالم الخارجي  لهيئة الإدارة الانتخابية. هل  توجد لديها صورة جيدة لدى الجمهور؟ وهل يثق بها الجمهور؟ أو وسائل الإعلام؟ وهل ينظر إليها على أنها مهنية مختصة؟ هل ينظر إليها على أنها مستقلة عن الحكومة الحالية؟ هذه كلها أسئلة مهمة ينبغي أن تكون الإجابة عنها بصدق. وإذا كانت هناك تصورات سلبية عن هذه الإدارة الانتخابية فهي بحاجة إلى معالجة. وأي خطة اتصال ينبغي أن تشتمل على إستراتيجية لتبديد انعدام الثقة.
انظر أيضا : النموذج  في جدول نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات
وهناك تقنية تستخدم عادة في التخطيط (وليس لمجرد الاتصال) وهي تحليل العناصر التالية:
• نقاط القوة
• نقاط الضعف
• الفرص
• التهديدات



تحديد رسالتك

     ينصح الأشخاص الذين يقومون بتخطيط إستراتيجية للاتصال بالقيام بتحديد رسالة بسيطة وواضحة، ويمكن اختصارها بعبارة أو شعار واحد. وتنجح في تحقيق ذلك العديد من المنظمات والشركات التي تسعى لبيع منتجاتها، وجماعات الضغط التي تسعى لتغيير السياسات.
    ويوجد لدى مدراء الحملات الانتخابية على النقيض من ذلك، عدد كبير من الرسائل المختلفة التي يحتاجون لتقديمها إلى جماهير مختلفة في مراحل مختلفة من الحملة الانتخابية.
     وفيما يلي لائحة حقيقية من الرسائل التي وضعتها لجنة انتخابية أفريقية في سياق التخطيط في مجال الاتصال:
• لا تعرض صوتك للبيع.
• المكان الذي تسجل فيه، هو المكان الذي تصوت فيه.
• من يحق له التصويت؟
• البطاقة ليست للبيع / لا للرشوة.
• التصويت سري.
• لا تسجل أكثر من مرة.
• احترم وجهة نظر الآخر.
• شجع النساء على التصويت.
• متى تصوت؟
• أين تصوت؟
• كيف تصوت؟
• هل سجلت؟
•مواعيد الترشيح. 
• حملة هادئة.
• مارس حقك في التصويت.
• ما هي النتائج؟
     ومن الواضح أن هذه الرسائل رغم أهمية كل منها، إلا أنها موجهة إلى جماهير مختلفة، وتكتسب أهمية مختلفة في مراحل مختلفة من العملية الانتخابية. على سبيل المثال، إن رسالة "لا تسجل أكثر من مرة" تهدف الوصول إلى أولئك الذين يحق لهم التصويت، وخاصة في الفترة التي يتم فيها التسجيل. "أين تصوت" رسالة تستهدف نفس الجمهور، ولكن في فترة محددة مباشرة قبل يوم الاقتراع. وتستهدف رسالة "مواعيد الترشيح" في المقام الأول المرشحين المحتملين، وخاصة في الفترة التي تسبق إغلاق باب الترشيح. ورسالة "ماذا كانت النتائج؟" تستهدف الجميع، ولكن في فترة محددة ما بعد فرز الأصوات.
        لأغراض عملية، يكون من المفيد عادة تقسيم الجمهور المستهدف. وبالتالي، على الرغم من أن عبارة "هل سجلت؟" قد تكون رسالة ذات أهمية عامة، إلا أن الإدارة الانتخابية تريد استهداف الناخبين الذين يمارسون الانتخاب لأول مرة، أو الناخبين ذوي الإعاقة أو غيرهم ممن قد لا يعرفون كيفية التسجيل، أو ليس لديهم القدرة على القيام بذلك.

قد يكون من المفيد إعداد جدول بسيط لتحديد العلاقة بين كل رسالة وجمهورها وتوقيتها.

لحصول على مثال للمخطط ، أضغط here



تحديد جمهورك


     إن تحديد الجمهور هو خطوة أساسية في وضع خطة الاتصال.
     وقد يبدو هذا واضحا جدا لهيئة إدارة الانتخابات، وليس في حاجة إلى عمل: الجمهور هو جمهور الناخبين بطبيعة الحال. ومع ذلك، هناك ثلاثة أسباب تشير إلى أن تحديد الجمهور أمر لا غنى عنه:
• لا تتبع العديد من هيئات الإدارة الانتخابية من الناحية العملية تفاصيل إستراتيجيتها الاتصالية في الاتصال مع جمهورها. وبدلا من ذلك تتبع أسهل الطرق لإيصال رسالتها عبر وسائل الإعلام، دون النظر عما إذا كانت حقا تصل إلى الناس الذين يحب التحدث إليهم.
• لا تميل العديد من هيئات الإدارة الانتخابية أيضا إلى الحديث إلى جمهورها الأساسي، وإنما إلى جماهير أخرى كثيرة - الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام نفسها- وهذه لها متطلبات عديدة يسهل الوصول إليها غالبا.
الجمهور ليس كتلة واحدة غير متمايزة. ويساعد تقسيمه إلى مجموعات هيئة الإدارة الانتخابية في وضع الرسائل المختلفة التي تحتاج إليها هذه المجموعات المختلفة، وتحديد وسائل الإعلام المختلفة التي ينبغي استخدامها.
     وبصفة عامة، إن تحديد الجمهور ليس أمرا صعبا. وإذا كانت الإدارة الانتخابية ترغب في توصيل المعلومات للناخبين جميعهم، وفي مراحل مختلفة خلال العملية الانتخابية، فسوف تختلف الرسائل، ووسائل الاتصال التي تنقلها، وهذا شيء يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في وقت لاحق في مرحلة التخطيط.
    ومع ذلك، سيكون من المفيد أن يتم تقسيم هذا الجمهور الأولي إلى عدد من الفئات الفرعية. ويتم تحديد هذه الفئات لأنها تتطلب إما رسائل مختلفة أو يمكن الوصول إليها من خلال وسائل إعلام مختلفة عن وسائل الجمهور الانتخابي الرئيس. ومن أمثلة فئات الجمهور الفرعية المهمة ما يلي:
• الناخبون خارج البلاد.
• الناخبون المعاقون.
• الناخبون الأميون.
• الناخبون لأول مرة.
• أفراد الأقليات اللغوية.
    يتضح في كل من هذه الأمثلة أنه من المرجح أن تكون هناك رسالة متميزة، ووسيلة مختلفة لاستخدامها مع كل فئة. ومن هنا، سيحتاج الناخبون في الخارج مثلا إلى معلومات حول طريقة الإدلاء بأصواتهم بالبريد أو بالوكالة. ولا يمكن الوصول إليهم من خلال وسائل الإعلام الوطنية في بلادهم، ولهذا يجب توفير قنوات اتصال أخرى. وقد يحتاج الناخبون لأول مرة إلى معلومات مفصلة حول عملية التسجيل من أجل التصويت، إضافة إلى معرفة آليات التصويت. ومن المرجح أن يتم الوصول إليهم على نحو أكثر فعالية من خلال وسائل الإعلام التي تستهدف الشباب. وهلم جرا.
     وثمة مثال واضح لجمهور ثانوي مهم يتمثل بالمرشحين والأحزاب السياسية. كما أن وسائل الإعلام هي نفسها تعتبر جمهورا ثانويا بالنسبة للإدارة الانتخابية، سواء لأنها وسيلة لإيصال الرسائل إلى الجمهور الأولي ولأن هناك رسائل معينة قد ترغب الإدارة الانتخابية في إيصالها لها.


وضع إستراتيجية إعلامية

عندما تقوم هيئة إدارة الانتخابات بتحديد جمهورها الأولي والثانوي، إضافة إلى الرسائل التي ترغب في إيصالها إليهم، تكون عندها  على استعداد لوضع إستراتيجية للعمل في وسائل إعلامها.
إن الإستراتيجية شيء محدد وواضح. ويتم تحديدها من خلال مصادر القوة والضعف التي تمتلكها الإدارة الانتخابية، إضافة إلى خصائص معينة ترتبط بوسائل الإعلام والبيئة التي تجري فيها الانتخابات. وتختلف الإستراتيجية الإعلامية لهيئة الإدارة الانتخابية اختلافا كبيرا اعتمادا على ما إذا كان هناك تاريخ طويل من الانتخابات الديمقراطية مثلا. وسوف تتأثر بدرجة الثقة العامة في الإدارة الانتخابية نفسها وعما إذا كان إدارتها للانتخابات يمكن أن تكون موضوعا للنقد.
    ولقد قامت إحدى إدارات الانتخابات بتحليل مصادر "القوة والضعف والفرص والتهديد". وهي لجنة انتخابية تنقصها الموارد في بلد فقير. وكانت نتائج التحليل كما يلي:
    وربما يكون هذا هو ما يجري في العديد من هيئات الإدارة الانتخابية في ظروف مشابهة: تكمن مظاهر قوتها في الصفات التي تتوفر لدى موظفيها، وكانت نقاط الضعف تتمثل في نقص الموارد. وقد استفادت من جميع فرص وإمكانيات التعاون مع المعلمين ووسائل الإعلام الوطنية والممولين الأجانب. وتمثلت التهديدات في ارتفاع تكلفة الإعلان وتدخل الحكومة في عمل اللجنة.
     وقد طورت هذه الإدارة الانتخابية إستراتيجية  تفاعلية في حدود الإمكان. وهذا يعني أن الإدارة الانتخابية تسعى جاهدة لنقل رسالتها في الوقت الذي حددته وعبر وسائل الإعلام التي اختارتها، وليس نتيجة رد فعل على أحداث خارجية أو استفسارات وسائل الإعلام. وكان ينظر إليها على أنها أفضل وسيلة لنقل الرسائل التي تم اختيارها، لا بل كانت أيضا أكثر فعالية من حيث التكلفة، لأنها كانت تسمح بإعداد المواد الإعلامية مسبقا. ومن شأن هذه المواد أن يتم إعدادها إلى حد كبير في مرافق الإنتاج الخاص- انظر إلى عمود الفرص- خلال فترات الهدوء في الدورة الانتخابية. ومن شأن ذلك أن يتيح للجنة استخدام العدد الصغير من موظفيها بفعالية كبيرة: بإعداد المواد التفاعلية خلال فترات انخفاض اهتمام وسائل الإعلام، وتكون متوفرة للرد على استفسارات وسائل الإعلام خلال فترات الضغط.
   وقد استفادت هذه الإستراتيجية من مظاهر القوة والفرص المتاحة للإدارة الانتخابية. ومع ذلك، فهي لم تفرض من قبل هذه المظاهر. لقد كانت موجهة نحو نقل الرسائل التي اختارتها لجمهور محددة بعناية. وكان القسم الأكبر من الناخبين في هذه الحالة لا يقرأ الصحف، ولا قدرة لديه على امتلاك جهاز التلفزيون. ومن هنا كان العرض المقدم بكتابة المقالات في الصحف أقل أهمية من الناحية الإستراتيجية من استخدام مرافق الإنتاج الإذاعي.
     ويجب أن لا يتم الخلط بين الإستراتيجية ومختلف التقنيات والأساليب التي قد تستخدمها الإدارة الانتخابية من أجل إيصال رسالتها. وإن أفضل نقطة في عملية التخطيط للإدارة الانتخابية ليست بتحديد عدد النشرات الإخبارية التي ستقوم بإصدارها أو من الذي سيتحدث في المؤتمرات الصحفية. هذه المسائل يمكن حلها بعد أن يتم تحديد الإستراتيجية.
وخلاصة القول، إن الإدارة الانتخابية التي تعمل على وضع إستراتيجية لوسائل الإعلام، ربما تحتاج إلى الإجابة على الأسئلة التالية:
• هل الإستراتيجية تفاعلية أو رد فعل؟
• هل تبدو رفيعة المستوى أو ضعيفة؟
• هل هي محلية أو وطنية؟
• ما هي الفرص الكبيرة للاتصال ؟
• ما هي العوائق الرئيسة للاتصال؟
• ما هي النقاط القوية المتاحة للاتصال في الإدارة الانتخابية؟
• ما هي المنظمات الأخرى التي يمكن أن تتعاون مع الإدارة الانتخابية (المنظمات غير الحكومية والجماعات المحلية وغيرها)؟
• من هو الجمهور الأولي ومن هو الجمهور الثانوي ؟
• ما هي الرسائل الرئيسة التي ينبغي نقلها للجمهور؟
• ما هي وسائل الإعلام الأكثر فعالية من أجل الوصول إلى الجمهور الأولي؟
• هل لجأت هيئة إدارة الانتخابات إلى استخدام الإعلانات المدفوعة في الجرائد أو الإذاعة و/ أو التلفزيون ؟ وهل تستطيع أن تفعل ذلك؟
• من الذي سينتقد على الأرجح طريقة إدارة الهيئة الانتخابية للانتخابات؟
• ما هي رسائلها الرئيسة ؟

تطوير أساليب العلاقات الإعلامية


     إن تقنيات العلاقات الإعلامية التي يمكن أن تستخدمها هيئة الإدارة الانتخابية معروفة بصورة جيدة: ملخصات إعلامية، ونشرات صحفية، وحزم الملخصات والمواقع، وهلم جرا. ومن الأهمية بمكان أن يتم التأكيد على ثلاث نقاط حول تطوير هذه التقنيات واستخدامها:
• أولا: تخضع تقنيات العلاقات الإعلامية لإستراتيجية الاتصال التي قامت الإدارة الانتخابية بوضعها. وقد تم تطوير هذه الإستراتيجية لكي تتناسب وطبيعة الرسائل التي يجب إرسالها وطبيعة الجماهير التي سوف تتلقاها. ويمكن أن تتعرض هذه الإستراتيجية للفشل بصورة جدية، إذا تم اختيار تقنيات غير ملائمة.
• ثانيا: في الوقت الذي يجب أن تتوفر فيه لهيئة الإدارة الانتخابية القدرة على الاستجابة بسرعة للأحداث، يجب أن تكون معظم تقنيات العلاقات الإعلامية معدة مسبقا ومخططة بعناية.
• ثالثا: كلما كان ذلك ممكنا، يجب أن تشرف على إدارة العلاقات الإعلامية دائرة متخصصة (أو، إذا تعذر ذلك،  موظف متخصص في وسائل الإعلام، ويفضل مع خبرة في العمل كصحفي).
     لا يوجد وقت محدد تقوم فيه الإدارة الانتخابية بوقف علاقاتها مع وسائل الإعلام تماما، ولكن يكون ضغط وسائل الإعلام خارج فترة الانتخابات بصورة أقل. مما يوفر للإدارة الانتخابية الفرصة لتطوير قدراتها في المجالات الإعلامية. ستخصص هذه الفترة مثلا، من أجل إعداد موقع على شبكة الإنترنت إضافة إلى إنتاج مواد تثقيف الناخبين، لنشرها من خلال وسائل  الإعلام الجماهيرية، أو إعداد معلومات أساسية حول قضايا مثل النظام الانتخابي أو نتائج الانتخابات السابقة، لكي تضاف إلى حزم إحاطة وسائل الإعلام.
      وهذا أيضا هو الوقت المناسب لتنفيذ المهام التحضيرية الأساسية، مثل إعداد قوائم الاتصال بالمؤسسات الإعلامية ورؤساء التحرير والصحفيين إضافة إلى المسؤولية الخاصة بتغطية الانتخابات. وسيكون لدى كل من  وسائل البث برامج مختلفة تهتم جميعها بتغطية الانتخابات. وتحتاج كل منها إلى إعداد قوائم منفصلة خاصة بها:
     وستتم دراسة التقنيات المختلفة المتاحة لهيئة إدارة الانتخابات في الصفحات التالية، كما يلي:
• الملخصات الإخبارية.
•  المواد السمعية والبصرية المسجلة مسبقا.
• المواقع الالكترونية.
• إحاطة وسائل الإعلام.
• النشرات الصحفية.
• مركز وسائل الإعلام.



الملخصات الإخبارية


     إن إعداد مجموعة الملخصات الإخبارية والمعلومات الأساسية لوسائل الإعلام، يمكن أن يكون عاملا يساعد في توفير الوقت بصورة كبيرة، فضلا عن ضمان أن تكون هذه التقارير دقيقة. ويحتاج الصحفيون إلى معرفة كم هائل من المعلومات العامة: عدد الناخبين المسجلين (لكل دائرة انتخابية، إذا كان ذلك ممكنا)، وأسماء المرشحين والمناصب التي يجري التنافس عليها، ونتائج الانتخابات الأخيرة، وعدد حصص البث وتوقيتها، وهلم جرا. وقد يحتاج الصحفيون الأجانب إلى معلومات أولية بصورة أكبر حول الجوانب السياسية والمؤسسية والديمغرافية. إضافة إلى ذلك، يرغب جميع الصحفيين في معرفة ما هي التسهيلات العادية الموجودة تحت تصرفهم: مركز وسائل الإعلام، وملخصات إخبارية، ومرافق للفرز، وهلم جرا.
        ويمكن إعداد الكثير من هذه المعلومات في وقت مبكر من الحملة. ويمكن أن تتوفر بسهولة لدى  سلطة انتخابية جيدة التنظيم، ويمكن أن يقوم بإعدادها وتنظيمها أحد العاملين في مجال الإعلام، دون  بذل جهد كبير أو نفقات طائلة. وقد تتجمع كمية كبيرة من المواد مع المعلومات التي يتم توفيرها للآخرين، مثل مراقبي الانتخابات.
وفيما يلي قائمة مرجعية نموذجية من المواد التي يمكن إدراجها في الحزمة الإعلامية: 
• الجدول الزمني للانتخابات.
• قائمة المرشحين.
• معلومات أساسية عن هيئة الإدارة الانتخابية (مقدمة تاريخية، الأهداف ولمحة عن الأعضاء)
• الناخبون المسجلون: على الصعيد الوطني، والدائرة الانتخابية أو التقسيم الانتخابي (إذا كان ذلك موجودا).
• قائمة الدوائر الانتخابية أو الأقسام (إذا كانت موجودة) ومواقع الاقتراع.
• نتائج الانتخابات السابقة.
• قائمة أعضاء المجلس التشريعي (عند الاقتضاء).
• إجراءات التسجيل.
• إجراءات التصويت.
• ملخص القانون الانتخابي واللوائح والإجراءات ذات الصلة.
نماذج من المواد الانتخابية.
•  مدونة قواعد السلوك الأحزاب.
• مدونة قواعد سلوك الصحفيين.
• المواد التعليمية التي تعدها الإدارة الانتخابية للناخبين.
• الأسئلة التي يتم الاستفسار عنها غالبا.
• عناوين الاتصال.
• الجدول الزمني لتقديم الملخصات الإعلامية وغيرها من المعلومات عن المركز الإعلامي.



المواد السمعية والبصرية المسجلة مسبقا


      كثيرا ما تفشل هيئة إدارة الانتخابات في تحقيق أفضل فائدة من الفرص الإعلامية المتاحة لها بسبب عدم التحضير المسبق. وغالبا ما تقوم هيئة الإدارة الانتخابية برد الفعل بدل أن تكون مبادرة بالفعل، ولا سيما من خلال وسائل الإعلام الإلكترونية. وتجرى المقابلات مع المسؤولين في البرامج الإخبارية، وكثيرا ما يفشلون في إيصال رسائلهم إلى الناخبين، بسبب عدم توفر المهارات الخاصة بإجراء المقابلات، أو نتيجة التضارب بين جدول أعمال كل من المذيع والضيف. وسيكون إعداد المواد السمعية والبصرية في وقت مبكر في كثير من الأحيان، وسيلة لضمان وصول رسالة إدارة الانتخابات بالطريقة التي تختارها تماما.
    وقد يتم توفير فترات خاصة لإدارة الانتخابات من أجل تقديم المعلومات للناخب من خلال الإذاعات الرسمية (أو في بعض الأحيان من خلال محطات البث الخاصة حسب شروط الترخيص). وقد تلجأ إدارة الانتخابات إلى شراء وقت البث من المذيعين (أو إقناعهم بالتبرع به مجانا). وفي الدول التي يكون فيها البث ضعيفا، ولا يتوفر ما يكفي من المواد لبثها ، قد تتمكن إدارة الانتخابات بسهولة من الحصول على إمكانية بث المواد الخاصة بها مجانا، لا سيما إذا كانت جذابة وخلاقة ومسلية.
وتتمثل مزايا تسجيل المواد الانتخابية مسبقا على النحو التالي :
• تستطيع إدارة الانتخابات أن تحدد رسالتها بدقة وتقوم بصياغتها بالكلمات المناسبة لها.
• تستطيع إدارة الانتخابات توفير المواد للمذيعين مسبقا.
• تستطيع إدارة الانتخابات استخدام تقنيات مبتكرة لنقل رسالتها.
    وتكون المواد المسجلة مسبقا على الأرجح، خاصة بتقديم المعلومات الأساسية للناخبين، ولوسائل الإعلام. ولكن حقيقة أن هذه المعلومات بسيطة وأساسية لا تستبعد استخدام وسائل مبتكرة لنقلها. ومن الوسائل الشعبية والفعالة، استخدام المسلسلات أو الأغاني لإيصال الرسائل -وسيكون البث في هذه الحالة ممتعا في حد ذاته، إضافة إلى احتوائه على مضمون جاد.
       فقد أذيعت في سيراليون مثلا، أغنية تسمى أتوندا أيوندا ( مفقود وموجود) تناولت مختلف القضايا المتعلقة ببناء السلام بعد الحرب الأهلية الطويلة في البلاد. وكان جزء من هذه الأغنية يركز على تثقيف الناخبين. ويتمثل جزء من هذا النوع المركز على تثقيف الناخبين في حلقة إذاعية تتناول موضوع وضع بطاقات هوية الناخبين في غير موضعها، أو تدخل زعماء القبائل في العملية الانتخابية، أو عملية التصويت، والحملات السياسية غير العنيفة.
     وبصورة مماثلة جرى في الانتخابات الانتقالية التي جرت في تنزانيا في عام 1995، بث مسلسل درامي كجزء من برنامج "منازي موجا" الإذاعي والتي تم من خلاله تعريف الناخبين بالقضايا السياسية والانتخابية. وكانت هناك أيضا قصص على لسان الحيوان، تقول واحدة منها: "إن أسدا كبير السن وبدون أسنان، كان لا يدرك لماذا يجب عليه أن يخوض الانتخابات: فقد كان طوال حياته زعيما، ولكن لبؤة واثقة من نفسها قامت بالإطاحة به، فهي التي تقوم بكل أعمال بالصيد".


توفير المعلومات على موقع سلطة الانتخابات الالكتروني


       تساعد الإنترنت السلطات الانتخابية في القيام بالعديد من الأعمال التي اعتادت القيام بها للاتصال بوسائل الإعلام، بطريقة أكثر سرعة وبكفاءة عالية وتكلفة قليلة. وإن إمكانية الاستفادة من الانترنت يتم في العادة تضخيمها، ولكن الفائدة المرجوة منها في إدارة وسائل الإعلام في الانتخابات، واضحة تماما.
      تستطيع سلطة الانتخابات من خلال البريد الإلكتروني توزيع النشرات الصحفية والبيانات وغيرها من المواد، بتكاليف منخفضة جدا وجهد قليل نسبيا بالنسبة لموظفيها. وتستطيع السلطة الانتخابية من خلال إقامة موقع على شبكة الإنترنت، تقديم مجموعة من المواد الإخبارية الموجزة بصورة رقمية على الانترنت. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يتم تحديث هذه المواد باستمرار عن طريق إضافة مواد جديدة كلما توفرت مثل هذه المواد. كما يمكن في نفس الوقت، أن تعمل على تقديم النتائج من خلال هذا الموقع على شبكة الإنترنت.
     وعندما تقوم سلطة الانتخابات بإعداد مواد خاصة من أجل بثها، مثل المواد الخاصة بتثقيف الناخبين، يمكن أن توضع على الموقع لتكون تحت تصرف الجمهور بشكلها الرقمي.  ومع ذلك، كل ما هو متاح  بصورة رقمية على الانترنت يمكن أن يكون متاحا أيضا بشكل مطبوع.
     ويمكن استخدام مجموعة هائلة من التقنيات من أجل جعل المواد المتوفرة على الموقع مثيرة للاهتمام وسهلة الوصول، من خلال استخدام المسابقات والألعاب.
    اضغط هنا لمشاهدة مثال جيد لموقع خاص بالانتخابات على شبكة الانترنت، يتم الحفاظ عليه بصورة جيدة وبشكل مثير للاهتمام وتديره إحدى الإذاعات العامة. انقر هنا لمشاهدة مثال جيد لموقع إدارة انتخابات.


الملخصات الإخبارية لوسائل الإعلام


       المؤتمر الصحفي هو وسيلة لنقل مزيد من المعلومات، أكثر مما يمكن أن يتم عرضه في بيان صحفي واحد. بل هو أيضا وسيلة من أجل لقاء  كبار المسؤولين في إدارة الانتخابات مع الجمهور (في شكل وسائل الإعلام) لشرح العملية الانتخابية.
     إن دور البث يشبه بطبيعة الحال المؤتمرات الصحفية، فالنشرة الصحفية تعطي فقط "نسخة بيضاء"- أي قصة  بدون صوت أو صورة. وفى المؤتمر الصحفي، يستطيع المذيعون تسجيل الصوت والصورة. وإذا كان المركز الإعلامي مجهزا بطريقة جيدة، فإن هذا سيجعل المتطلبات العملية للمذيعين أكثر سهولة. وإلا يجب على  منظمي المؤتمر الصحفي التحضير لاحتياجات طواقم التلفزيون والسينما، والصحافة الإذاعية والمصورين.
       يكون الشكل المعتاد للمؤتمرات الصحفية بأن يدلي ممثل سلطة الانتخابات ببيان، ويتم بعد ذلك فتح المجال لأسئلة الصحفيين. وينبغي أن يرأس المؤتمر الصحفي شخص آخر غير الشخص المسؤول الذي يلقي البيان. ويساعد ذلك على تحديد الوقت بصورة واضحة للمؤتمر (البدء على الوقت المحدد بدقة- لأن للصحفيين مواعيد محددة). وينبغي لرئيس المؤتمر أن يوفر الفرصة لطرح الأسئلة من قبل الصحفيين الذين يمثلون مختلف وسائل الإعلام، ويمثلون وجهات نظر سياسية مختلفة. وسوف يصر الصحفيون العاملون في الإذاعة على وجود فرصة لطرح أسئلتهم (لأنهم سيقومون ببثها)، وهذا شيء معقول، ولكن ينبغي أن لا يسمح لأحد بأخذ مجال في طرح الأسئلة أكثر من غيره. وإن وجود إدارة متوازنة للمؤتمر تأخذ بعين الاعتبار جميع الظروف،يخلق الثقة بين وسائل الإعلام وسلطة الانتخابات التي تعقد المؤتمر.
     وأما تقديم الملخصات أو الإحاطات الإخبارية فهو شيء مختلف إلى حد ما. وهذا لا يكون عادة من أجل البث، ويكون خارج نطاق التوثيق تماما. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الشخص الذي يقوم بإحاطة وسائل الإعلام بالمعلومات، يجب أن يكون بدون تعريف. والإحاطات الموجزة للسياسيين تكون خارج نطاق التسجيل دائما. ونادرا ما يكون ممكنا وجود ظرف يتمكن من خلاله مسؤول انتخابي القيام بمثل هذه الإحاطات. وعندما يتم تقديم الإحاطات المفصلة يجب توجيه الدعوة لجميع وسائل الإعلام  بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الملكية.


النشرة الصحفية


      إن النشرة الصحفية هي أسلوب تقني قديم بامتياز، ولكن نادرا ما يمكن أجراء أي تحسين عليه، حتى في عصر الانترنت. وفي الواقع، إن شبكة الإنترنت (سواء من خلال موقع على شبكة الإنترنت أو قوائم البريد الإلكتروني) لا تعدو في كثير من الأحيان أن تكون أكثر من وسيلة متطورة لتوزيع نشرة صحفية من الطراز القديم.
      وتعود أهمية النشرة الصحفية من وجهة نظر سلطة الانتخابات، إلى أن لها سيطرة على ما يجري توزيعه على وسائل الإعلام، وبالتالي يمكن التأكد من دقة المعلومات الواردة فيها. وبالنسبة لوسائل الإعلام، بطبيعة الحال، فإن ذلك يعني أن المعلومات موثوق بها، ولا يوجد أي عذر لديهم لنقلها بصورة مغلوطة.
       وتعتبر النشرات الصحفية وسيلة مناسبة من أجل نقل المعلومات مثل البيانات الإحصائية والبيانات الحرفية، أو قوائم المرشحين - وهي المعلومات التي يصعب نقلها في أي وسيلة أخرى، وعندما يكون هناك خطر في الوقوع في أخطاء فيما إذا نقلت المعلومات بصورة شفوية.
        يمكن توزيع النشرات الصحفية عن طريق مجموعة متنوعة من الوسائل: تسليم باليد، أو باالفاكس، أو بالبريد أو يمكن وضعها على لوحة الإعلانات في مركز وسائل الإعلام، وكذلك عن طريق البريد الإلكتروني. ويمكن أن توزع غالبا في المؤتمرات الصحفية كوسيلة لضمان أن يتم تسجيل المعلومات بصورة مفصلة ودقيقة.
         وثمة توازن دقيق في أسلوب كتابة النشرة الصحفية. فطول النشرة الصحفية قد يؤدي إلى فقدان اهتمام وسائل الإعلام بمحتوياتها. كما أن قصرها قد يؤدي يعرض المسؤول الإعلامي للإجابة عن العديد من الأسئلة. وسوف تكون عملية التوازن في كتابة المعلومات التي تحتوي عليها النشرة الصحفية خاضعة لتقدير المسؤول الإعلامي.  
كتابة النشرة الصحفية
     لهذا السبب يجب أن يتوفر لدى إدارة الانتخابات شخص مسؤول عن العلاقات مع وسائل  الإعلام، ويجب أن يكون من الذين حصلوا على تدريب في مجال الصحافة. وأسلوب كتابة النشرة الصحفية في الأساس هو نفسه الأسلوب المتبع في كتابة القصة الإخبارية في إحدى الصحف. ويتم تدريب الصحفيين في معظم البلدان على كتابة القصص بأسلوب قالب الهرم المقلوب. بدءا بفقرة افتتاحية تقدم جوهر الموضوع والحقائق الأساسية في القصة، والتي يتم تطويرها بعد ذلك بالتفصيل في الفقرات اللاحقة. وإضافة إلى أن الكاتب يوضح للقارئ منذ البداية ماهية القصة (أو موضوع النشرة الصحفية) يجب عليه أن يقوم بكتابها بطريقة تسمح من اختصار أجراء منها ابتدأ من الأسفل إلى الأعلى، دون أن يؤثر ذلك على جوهر الموضوع. وهذه هي الطريقة التي يتم بها كتابة النشرة الصحفية.
        وينبغي أن تكتب النشرة الصحفية مثل أي قصة إخبارية جيدة بلغة واضحة، وليس بلغة مبتذلة. ولا يوجد لدى الصحفي العادي بالضرورة اهتمام بالقراءة يمتد لفترة أطول من قارئ الصحيفة العادي، ولهذا فإنه ليس من الجيد أن نفترض أن القراء سيقومون بقراءة النشرة الصحفية كلها مهما حدث.
      وإن السبب الرئيس لكتابة النشرة الصحفية مثل كتابة قصة جديدة، هو أن تكون وثيقة مكتوبة. وهناك أمل أيضا في أن يتم استخدامها مباشرة في الصحيفة. لهذا السبب، حاول أن تكون النشرة قصيرة (واترك مسافات واسعة بين السطور لكي يكون هناك مجال لنائب رئيس التحرير إضافة الملاحظات). وفي البلدان الأكثر فقرا، حيث يتسابق المحررون في كثير من الأحيان لملء صفحات جرائدهم، وسيشعرون بالامتنان لوجود مادة مكتوبة بصورة جيدة مثل النشرة الصحفية.
   وأخيرا ، تأكد من أن النشرة قد دققت بعناية من جانب واحد أو أكثر من كبار الموظفين المسؤولين للتأكد من أنها سليمة تماما في كل تفاصيلها.


المركز الإعلامي


     يعتمد وجود مركز إعلامي، تتوفر فيه كل التسهيلات اللازمة من الناحية العملية، على الموارد المتاحة للسلطات الانتخابية. وليس هناك من شك، بأن نوعية التغطية الإعلامية سوف تكون أفضل، لو توفر التمويل لمثل هذا المركز. هذا وإن وجود وسائل الإعلام في مركز واحد، يجعل العديد من الوظائف الأساسية للإدارة الإعلامية – النشرات الصحفية، المؤتمرات الصحفية،  وجلسات الإحاطة أو الملخصات الإخبارية، الخ- أكثر بساطة. وتكون الجهات المانحة في بعض الأحيان على استعداد لتوفير التمويل لمركز إعلامي متواضع،  خاصة إذا تم النظر إليه على أنه يساعد في بناء القدرة الذاتية للإدارة الانتخابية على المدى الطويل. وإن مثل هذا المركز يتجاوز بكل بساطة قدرات السلطات الانتخابية.
ويشمل المركز الإعلامي بعض أو كل ما يلي:
• أجهزة الهاتف والفاكس والاتصال عن طريق الانترنت.
• أجهزة الكمبيوتر لاستخدام وسائل الإعلام، وترتبط هذه الأجهزة أيضا بقسم نتائج الانتخابات.
• شاشات مراقبة تلفزيونية.
• مصدر تغذية للمواد السمعية والبصرية بحيث لا يضطر الصحفيون للعراك من أجل وضع مايكروفونات الصوت على منصة المتحدث أو للحصول على مكان لوضع أجهزة التصوير.
• أستوديو للراديو والتلفزيون لإجراء المقابلات.
    وحيث أن المساحة المتوفرة محدودة، فمن المناسب إعداد حصص زمنية محددة، وإتباع إجراءات يتم فيها التسجيل لاستخدام هذه الحصص، لضمان أن يتوفر المجال لجميع الصحفيين استخدام بعض هذه المرافق.
    في الدول الكبرى أو تلك التي تسير على أنظمة سياسية اتحادية، لن يكون مركز إعلامي واحد كافيا. وفي الهند على سبيل المثال، تطلب لجنة الانتخابات أن يكون هناك غرفة لوسائل الإعلام في كل مركز من مراكز الفرز، وكذلك وجود مركز إعلامي يشتمل على جميع التسهيلات في كل ولاية.
     ومن المفيد أيضا أن يبدأ المركز الإعلامي بالعمل قبل أسبوع أو نحو ذلك من الانتخابات حتى يتمكن الصحفيون من الإطلاع على المرافق، وإعداد الجداول الزمنية لجلسات الإحاطة الإعلامية قبل يوم الانتخابات. وإن الاتصال مع مزودي الخدمات (شركة الهاتف على سبيل المثال) ينبغي أن يتم في وقت مبكر، للتأكد من أن المركز سيعمل في الوقت المحدد. ومن الأفضل الحفاظ على المركز عاملا حتى إعلان النتائج الرسمية النهائية على الأقل.


توقيت العمل مع وسائل الإعلام


     إن عملية تنظيم وسائل الاتصال من قبل الإدارة الانتخابية (وكذلك أية مسؤولية تنظيمية لها علاقة بوسائل الإعلام) غالبا ما تمر في مراحل مختلفة ومتعددة، هي:
• ما قبل الانتخابات: وهي فترة تحضيرية، وتعتمد اعتمادا كاملا  على الطريقة التي يعمل بها النظام الانتخابي، وقد تشمل بصورة عامة تثقيف الناخبين، وتسجيل الناخبين والأحزاب، وترسيم الحدود، وتسمية المرشحين. وستكون الإدارة الانتخابية بحاجة إلى التواصل مع الجمهور، من خلال وسائل الإعلام، بشأن جميع هذه المسائل.
• الحملة الانتخابية: وستكون هذه الفترة مليئة بالعمل، وتشمل عملية الإعداد للتصويت نفسه، إلى جانب مجموعة متنوعة من القضايا المرتبطة بالحملة الانتخابية. وإذا كانت الإدارة الانتخابية تتحمل مسؤولية تنظيم وسائل الإعلام، فستكون هذه أيضا في المقدمة.
• يوم الانتخاب: مباشرة قبل التصويت وخلال أيام التصويت، تكون الإدارة الانتخابية بحاجة إلى إرسال مجموعة متنوعة من الرسائل حول كيفية التصويت والمكان الذي يتم فيه التصويت.  إضافة إلى معلومات حول التقديم في عملية الانتخاب.  وتحتاج أيضا للتأكد من أن وسائل الإعلام تدرك بشكل واضح الحقوق الخاصة بالوصول إلى أماكن التصويت، والحدود المفروضة على ذلك.
• العد: على الإدارة الانتخابية أن تكون مسؤولة عن نقل المعلومات بصورة منتظمة ودقيقة عن عملية فرز الأصوات، فضلا عن تنظيم وصول وسائل الإعلام إلى مراكز العد.
• مرحلة ما بعد الانتخابات: قد تفرز فترة ما بعد الانتخابات عددا من القضايا التي تتطلب من الإدارة الانتخابية التواصل مع الجمهور. ويكون هذا متوقعا مثلا، إذا كان هناك خلاف حول نزاهة العملية الانتخابية أو طعن في نتائجها. وفي معظم الأحيان، إن مجرد نشر النتائج قد يكون عملية طويلة ومهلكة.
     ويمكن القيام بالعديد من التحضيرات الخاصة بعملية الاتصال في وقت مبكر. وحتى عندما لا يمكن التنبؤ بمضمون دقيق لمواد وسائل الإعلام، ويمكن أن تدرج برامج الاتصال في إطار خطة شاملة يمكن أن توضع في مرحلة مبكرة جدا من العملية الانتخابية. وسوف يسمح ذلك للعملية برمتها أن تجري بصورة سلسة إلى حد كبير. وخير مثال على ذلك، تحديد الوقت الدقيق الذي سيتم فيه توزيع النشرات الصحفية، أو الوقت الذي يتم فيه تقديم الإحاطات الإعلامية. 

قضايا ما قبل الحملة


      يفترض مفهوم "قضايا ما قبل الحملة" بطبيعة الحال وجود فترة محددة للحملة الانتخابية. بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، لا تفرض على نحو فعال حدودا ثابتة لوقت الحملة الانتخابية. وبطبيعة الحال، قد تكون هناك فروق قليلة بين النظم المختلفة للانتخابات: الرئاسية والتشريعية والمحلية أو الإقليمية - وحتى فوق الوطنية (دولية)كما هو الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
     ولكن في ظل أي نظام انتخابي، هناك مجموعة من القضايا التي تتعلق بالانتخابات ووسائل الإعلام، والتي تجري أساسا خارج الفترات الانتخابية. ويأتي في مقدمتها:
•  تثقيف الناخبين.
• مناقشة للنظام الانتخابي.
     وفي التغطية الإعلامية، يتم الربط بصورة واحدة بين هاتين القضيتين. وإن تنظيم مناظرة شاملة حول كيفية عمل النظام الانتخابي، لا يمكن أن تتم إلا في سياق عملية التثقيف العامة لكيفية عمل النظام فقط.
     وأن مضمون حملة تثقيف الناخبين ليس محور هذا المجال، ورغم ذلك، من المرجح أن تركز حملة تثقيف الناخبين على عدد من القضايا، اعتمادا على النظام الانتخابي والسياق السياسي، وهي كما يلي:
• تكوين الإدارة الانتخابية ونزاهتها.
• من هو مؤهل للتصويت؟
• ما هي أهمية أن تكون على قائمة الناخبين؟
• كيفية التسجيل للتصويت.
• أين ومتى يتم التسجيل للتصويت؟
• كيف يتم تقسيم الدوائر الانتخابية؟
     وهناك سؤال آخر يحتل أهمية كبيرة، وهو ما هو النظام الذي يمكن أن يتبع لضمان تغطية عادلة، ووصول الأحزاب السياسية إلى وسائل الإعلام بصورة متساوية خارج فترات الحملة الانتخابية. وإن العديد من الدول لديها أنظمة توفر للأحزاب السياسية فرصة منتظمة لتقديم وجهات نظرها للناخبين في برامج الوصول المباشر. وتنطبق العديد من الاعتبارات ذاتها عند وضع أنظمة كالتي تستخدم في تخصيص فترات الوصول المباشر خلال الانتخابات. وهذه  بطبيعة الحال، ستكون من المسائل الخاصة بالمشرعين ومنظمي البث، أكثر من مسؤولي الانتخابات. لكن لها تأثير هام على توفير ظروف سهلة عندما تأتي جولة الانتخابات.
    وهناك مسألة أساسية أخرى - للمشرعين ومنظمي البث - وهو مدى استقلال وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام عن الحكومة القائمة والحزب الحاكم. وإن فرصة الوصول المباشر خلال الحملة الانتخابية مفيدة إلى حد ما، ولكن إذا كان المضمون العام للإذاعة خارج فترات الحملات منحازا بقوة، فأنه من الصعب اعتبار أن الظروف أمام جولة الانتخاب سهلة وميسرة.


قضايا الحملة


    يكون بدء الحملة الانتخابية بالنسبة لوسائل الإعلام نفسها عندما تنطلق تغطية الانتخابات. وعلى العكس من ذلك يعتمد حسن سير العملية التنظيمية إلى حد كبير جدا على النظام الذي تم وضعه قبل الانتخابات. ويجب أن تكون الإجابة على الأسئلة الأساسية المرتبطة بهذه المرحلة قد تمت بالفعل.  وأن تفهم وسائل الإعلام والأحزاب السياسية بشكل واضح الدور الذي يجب أن تقوم به، والمسؤوليات التي تقع علي عاتقها:
• ما هي القوانين أو اللوائح التي تحكم التغطية الإعلامية للحملة؟
• من هو المسؤول عن تنفيذ هذه التدابير؟
• ما هي القواعد التي تحكم وصول البث المباشر؟
• ما هي القواعد التي تحكم الدعاية السياسية مدفوعة الثمن؟
• ما هي السياسات الخاصة بخطاب الكراهية والتشهير، وأية أحكام أخرى بشأن قضايا مثل التعتيم على الأخبار واستطلاعات الرأي؟
• ما هي الآلية المتبعة لمعالجة الشكاوي التي تأتي من أي فرد من الجمهور أو حزب سياسي أو وسائل الإعلام نفسها ؟
     عند الوصول إلى هذه النقطة يمكن البدء في عملية اعتماد الصحفيين.
     ولا بد من التأكيد أيضا على ضرورة تحديد هذه القضايا في وقت مبكر من الحملة. وإن تحديد السياسة الخاصة بهذه المسائل الهامة من خلال لجنة مؤقتة، يقلل من سلطة الهيئة الرقابية بالنسبة لوسائل الإعلام وتخلق الانطباع بأن بعض وسائل الإعلام لا تتلقى معاملة متساوية.


دور هيئة التنظيم - مراقبة سير العملية الانتخابية


     إن الوظيفة المركزية لهيئة التنظيم أو الإشراف، بعد إن تبدأ الحملة الانتخابية، هو التأكد من أن اللوائح أو الاتفاقيات التي وضعت في فترة سابقة قد تم الامتثال لها: بأن يكون وقت الوصول المباشر قد تم توزيعه وفقا للقواعد، وأن تكون عملية تثقيف الناخبين نزيهة وتلبي المعايير المطلوبة، وأن تلتزم الأحزاب ووسائل الإعلام بالممارسة المتفق عليها بشأن خطاب التحريض على الكراهية.
     والأمر الذي في غاية الأهمية، هو أن تكون هيئة التنظيم أيضا على معرفة بأي تدخل في حرية وسائل الإعلام في تغطية الحملة الانتخابية بحرية، سواء من الدولة أو من أي حزب سياسي. وتحتاج إلى نقل المعلومات عن أي تدخل من هذا القبيل إلى السلطات الحكومية المختصة، إضافة إلى إصدار إدانة علنية واضحة من طرفها. هذه هي واحدة من أكثر الوسائل العملية التي تقوم الهيئة التنظيمية من خلالها بدور الوسيط والمحافظ على حرية وسائل الإعلام في العملية الانتخابية.
       كما يأتي خلال هذه العملية دور معالجة الشكاوى. ومن الأهمية بمكان أن تكون الآلية القائمة قادرة على تلقي الشكاوي والاستماع إليها والتحقيق فيها، وحلها بسرعة خلال فترة الانتخابات – وإن الحلول طويلة الأجل والتي تتم بعد الانتخابات لا ترضي أحدا.
     ومع ذلك، من أجل معالجة الشكاوى –إضافة إلى كل الوظائف الأخرى –تحتاج الهيئة التنظيمية إلى أن تكون لديها القدرة على رصد التغطية الإعلامية للانتخابات. وهذا من شأنه ليس فقط الاستجابة السريعة للشكاوى المرتبطة بمراقبتها الخاصة للتغطية الإعلامية، ولكن يمكنها أيضا المبادرة بالعمل من طرفها إذا قامت الأحزاب أو وسائل الإعلام بمخالفة القوانين أو اللوائح.
     في الكثير من الحالات، لا تتمكن الهيئات التنظيمية بكل بساطة من القيام بمهمة الرصد هذه، الأمر الذي يضعها في وضع غير مناسب بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بتقييم الشكاوى– كما يجعلها أيضا غير قادرة على الشروع بالعمل مثلا، إذا لم يتم بث حصص الوصول المباشر كما يجب. وإن وجود وحدة من أجل الرصد تحتاج بدون شك إلى تكاليف مرتفعة وخاصة أجور العاملين، حيث أن الرصد يحتاج إلى عمل مكثف. وبلغت ميزانية مشروع هام لرصد وسائل الإعلام غير الحكومية لفترة تستغرق ثلاثة أشهر في بلد أفريقي في أواخر عام 2000 حوالي 250،000 دولار أمريكي.
       والبديل الشائع في الديمقراطيات الراسخة هو الطلب من وسائل الإعلام تقديم نسخة من جميع المواد ذات الصلة إلى الهيئة التنظيمية. وعلى افتراض أن الامتثال لمثل هذا الاتفاق قد تم، فهذا يلبي الحاجة إلى وجود المواد في متناول اليد لتقييم الشكاوى، ولكنه لا يسمح للهيئة باتخاذ إجراءات خاصة بها، ما لم يكن لديها من الموظفين لتقييم جميع المواد المقدمة.
     وإن البديل الثالث الذي أصبح شائعا على نحو متزايد، هو أن تعمل الهيئة التنظيمية جنبا إلى جنب مع أجهزة الرصد لوسائل الإعلام غير الحكومية. ويمكن أن يكون هذا التعاون فضفاضا وغير رسمي أو أن يكون موضع اتفاقية مفصلة. ولقد تم في جنوب أفريقيا في عام 1999، على سبيل المثال، التعاقد رسميا بين مشروع الرصد لوسائل الإعلام غير الحكومية للعمل مع هيئة الإذاعة المستقلة. وفي أغلب الأحيان، يقوم المراقبون من المنظمات غير الحكومية بتقديم نتائج رصدهم إلى الهيئة التنظيمية، والتي تقرر بدورها إذا ما كان الأمر يحتاج إلى المزيد من المتابعة.


دور المنظمات غير الحكومية


     على نحو متزايد تعمل الهيئات الرقابية الانتخابية بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية من أنواع مختلفة. ويعكس مثل هذا التعاون بصورة عملية، الفكرة التي ترى ضرورة وجود مجتمع مدني نشط من أجل حماية الديمقراطية. وهناك ثلاثة مجالات رئيسة من المرجح أن يتم فيها هذا التعاون فيما يتعلق بالتغطية الإعلامية للانتخابات. 
تدريب الصحفيين
      إن الهيئة التنظيمية نفسها في كثير من الأحيان لا تملك القدرة على تنظيم دورات تدريبية للصحفيين في الانتخابات لتزويدهم بالمهارات الخاصة بكتابة التقارير، إلا أنه من مصلحتها إلى حد كبير، أن يتم اكتساب هذه المهارات. ويمكن في مثل هذه الظروف، أن تعمل بالتعاون مع مؤسسات التدريب في مجال الصحافة - ومع المؤسسات الإعلامية نفسها، التي يتوفر لديها برامج خاصة بالتدريب. ولقد قامت لجنة الانتخابات الوطنية التنزانية في عام 2000 إلى أبعد من ذلك، وذلك بالتعاقد مع هيئة الإذاعة البريطانية لتوفير التدريب للصحفيين. 

رصد وسائل الإعلام

     وقد اكتسبت المنظمات غير الحكومية الدولية مثل "المادة 19"، و"المعهد الأوروبي للإعلام" خبرة كبيرة في مجال رصد وسائل الإعلام. وقد عملت المنظمات غير الحكومية المحلية في عدد من الانتخابات الوطنية، بالاشتراك مع مجموعات دولية، واكتسبت المهارات نفسها التي سمحت لها بالرصد. وبالتالي، اعتمدت لجنة ملاوي الانتخابية في عام 1994 اعتمادا كبيرا في عملها الإعلامي، على نتائج مشروع رصد غير حكومي محلي أطلقته مجموعة حرية التعبير لناشطين محليين بالتعاون مع "المادة 19". وقد تعاقدت هيئة الإذاعة المستقلة في جنوب أفريقيا في عام 1994، مع مشروع منظمة غير حكومية لرصد وسائل الإعلام للعمل معها. 

رصد حرية وسائل الإعلام

        تقوم المجموعات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، إضافة إلى الهيئات المهنية لوسائل الإعلام، والنقابات العمالية الصحفيين، بمراقبة مدى احترام حرية وسائل الإعلام بصورة عامة. ويمكن للهيئة التنظيمية من خلال تطوير علاقة عمل، وتبادل للمعلومات مع هذه الجماعات، تفويض سلطتها من أجل إدانة انتهاكات حرية وسائل الإعلام. ويمكن أيضا استخدام سلطتها على الحكومة والأحزاب السياسية لمنع مثل هذه الحوادث أو مساءلة مرتكبيها. 


رصد ومراقبة وسائل الإعلام


      يتزايد الاعتراف بمراقبة المواد الإعلامية بوصفها جزءا أساسيا من إدارة الانتخابات. إذا كان من الضروري تعزيز الأنظمة التي تحكم سلوك وسائل الإعلام ، فإنه من الضروري أن تعرف الهيئة المسؤولة ما تقوم به وسائل الإعلام. وهذا ينطبق سواء  كان هذا الجسم هو هيئة إدارة الانتخابات أو تنظيم آخر لوسائل الإعلام.
     ويوجد لرصد وسائل الإعلام أيضا وظيفة ثانوية: فهو وسيلة لتحديد مدى نجاح الإدارة الانتخابية في نقل رسائلها من خلال وسائل الإعلام.
     ويمكن أن تختلف عملية الرصد الفعلية من حيث النطاق والتعقيد، ويمكن تنفيذها من خلال عدد من الطرق: من خلال وحدة الرصد داخل الإدارة الانتخابية أو الهيئة التنظيمية، ومن خلال التعاقد مع إحدى المنظمات غير الحكومية، أو من خلال هيئة أكاديمية، أو عن طريق شركة تجارية .
وتشمل القضايا التي يمكن أن يعالجها الرصد ما يلي:
• هل امتثلت وسائل الإعلام مع تخصيص وقت الوصول المباشر للأحزاب؟
• هل تم توقيت حصص الوصول المباشر بصورة عادلة؟
• الطريقة التي تم بها نقل العبارات النارية أو عبارات التشهير من قبل المرشحين؛
• هل امتثلت وسائل الإعلام لأية أحكام من جانب الهيئات التنظيمية (على سبيل المثال طلب حق الرد أو التصحيح)؟



تقارير يوم الانتخابات

        بمجرد فتح صناديق الاقتراع، يختلف دور وسائل الإعلام عما كان عليه خلال الحملة الانتخابية، وهناك قواعد محددة لتنظيم هذا التحول. وقد يكون التحول قد حدث في الواقع في وقت سابق، مع الحظر المفروض على تقارير الحملة السياسية، واستطلاع الرأي، وبث الوصول المباشر، أو الإعلانات،  أو كل هذه معا.
     وفي العديد من الدول، سواء بحكم القانون أو العرف، توجد فترة لا يتم فيها نقل أية أخبار عن الانتخابات من خلال وسائل الإعلام. ومن الشائع جدا أن يكون الأمر كذلك في اللحظة التي يبدأ فيها التصويت. ويتوازى هذا مع الحظر المعتادة على الحملات الانتخابية في المناطق القريبة من مراكز اقتراع. ويتم الامتناع عرفا أو بصورة تطوعية في المملكة المتحدة على سبيل المثال، عن نقل أخبار الحملة الانتخابية في يوم الاقتراع نفسه، وتقوم العديد من دول الكومنولث بالعمل نفسه.
    ولعل المثل الأكثر شهرة يتمثل ب "فترة التفكير" التي يتم تحديدها بصورة إجبارية في فرنسا، والتي كانت حتى عام 2002 تستمر لمدة سبعة أيام. وتعتبر ايطاليا والسويد من الدول الأخرى التي يتم التعتيم فيها على الأخبار بصورة قانونية، وفي كلتا الحالتين ليوم واحد قبل الاقتراع. ويوجد في الدنمارك  تعتيم ليوم واحد قبل يوم الاقتراع، ولكنه في هذه الحالة يعتبر تقليدا وليس ملزم قانونيا.
      وتعتبر إسرائيل بدون شك، البلد الأكثر شمولا بالتعتيم، إذ يحظر فيها التلفزيون (وليس الراديو) الحملات السياسية ما لا يقل عن 30 يوما قبل الانتخابات.
     القضايا التي يطرحها فرض الحظر على تقديم التقارير خلال فترة الاقتراع أصبحت أكثر تعقيدا نسبيا، تبعا لطول فترة التصويت، إضافة إلى مساحة الدولة. وفي الحالة الأخيرة، إذا كان الناخبون يدلون بأصواتهم عبر مناطق زمنية مختلفة، يخلق ذلك مسائل معقدة، ذلك أن النتائج في منطقة معينة يمكن أن تصبح متاحة قبل انتهاء التصويت في مكان آخر.
هناك اثنتين من القضايا المطروحة أساسا:
• الحفاظ على نزاهة العملية الانتخابية والأمنية للتصويت.
• ضمان أن نشر المعلومات في الوقت غير المناسب، لا يؤثر في نهاية الأمر على التصويت بأي وسيلة.
وأول هذه القضايا أكثر وضوحا من الثانية. فليس من الصعب عادة تحقيق التوازن بين السماح لوسائل الإعلام الوصول من أجل كتابة التقارير عن عملية التصويت، وضمان عدم الإخلال بسرية وأمن الناخبين.
ومع ذلك، فإن ضمان أقصى قدر من الشفافية وتدفق المعلومات دون التدخل في هذه العملية هو أكثر صعوبة، وقد اتبعت أساليب متنوعة كثيرة في هذا المجال.

وصول وسائل الإعلام إلى مراكز الاقتراع


     إن مسألة وصول وسائل الإعلام إلى مراكز الاقتراع نفسها يمكن أن تكون أحيانا سببا في شي من التوتر الذي لا ضرورة له.
     وإن ما تطلبه وسائل الإعلام في معظم الأوقات، هو الوصول إلى حد ما بصورة عادلة- من أجل أخذ صورة أو لقطة فلمية لطوابير الأشخاص المقبلين على الانتخاب، والذين يقومون بالإدلاء بأصواتهم وهلم جرا. ويتم توفير فرصة الوصول للصحفيين، في حين لا تمنح هذه الفرصة لعامة الناس. وفي بعض الأحيان يتم استبعاد غير الناخبين من مراكز الاقتراع تماما - لتجنب محاولة التخويف في آخر لحظة – ويتم السماح للصحفيين والمراقبين الذين يبرزون بطاقتهم الصحفية بالبقاء. ورغم ذلك، يجب أن يكون واضحا بصورة جيدة لوسائل الإعلام، أنه رغم هذا الامتياز، فإنهم يخضعون للقيود القانونية مثل بقية الأشخاص. ولذلك لا يمكن أن يقوموا داخل مراكز الاقتراع (أو في أي مكان آخر في هذا الشأن) بأي شيء يمكن أن يشكل تهديدا أو تأثيرا على العملية الانتخابية. وينبغي أيضا أن يكون واضحا أن وصول الصحفيين إلى مراكز الاقتراع سيكون تحت رقابة صارمة، وبموافقة من الموظف المسؤول في لجنة الانتخابات.
     وإنه من الضروري التأكد من إبلاغ المسؤولين بصورة مسبقة بالسياسة الخاصة بوصول وسائل الإعلام إلى مراكز الاقتراع، وإلى وسائل الإعلام نفسها.
وأصدر المعهد الانتخابي لجنوب أفريقيا (http://www.eisa.org.za) في انتخابات عام 1999 في جنوب أفريقيا، قائمة مفيدة لوسائل الإعلام، حول "ما يجب أن تفعل أو أن لا تفعل".
ويستطيع العاملون في وسائل الإعلام أن يفعلوا ما يلي:
• إظهار بطاقاتهم الصحفية لرئيس الجلسة في محطات الاقتراع والفرز.
• التقاط الصور وإجراء المقابلات بموافقة المسؤول في المركز.
• المشاركة في التسجيل في "قائمة المصادر"، حيث يتم تسجيل عدد كبير من الصحفيين الذين يريدون الحصول على صورة أو إجراء مقابلة مع شخصية، ويتم اختيار عدد قليل منهم.
كما تشير المبادئ التوجيهية أيضا إلى عدم رغبة الناخبين في التقاط صورهم أو إجراء المقابلات معهم في بعض المناطق الحساسة.
ولا يستطيع العاملون في وسائل الإعلام أن يفعلوا:
• تقويض سرية الاقتراع ونظام الانتخاب.
• نشر معلومات كاذبة بقصد تعطيل أو منع الانتخابات.
• نشر المعلومات التي تسبب العداء أو الخوف للتأثير على نتيجة الانتخابات.
• نشر المعلومات التي قد تؤثر على سير أو نتيجة الانتخابات.
• نشر نتائج استطلاع أثناء ساعات التصويت.
وقد أشارت المبادئ التوجيهية للمعهد الانتخابي في جنوب أفريقيا أيضا،  إلى أن هناك عددا من المحظورات العامة التي تنطبق أيضا على العاملين في مجال الإعلام، وهي:
• التدخل في عمل اللجنة الانتخابية المستقلة وحيادها.
• إجبار أي شخص أو إقناعه بالتسجيل أو عدم التسجيل للتصويت.
• إجبار أي شخص لدعم أي حزب سياسي أو مرشح أو العكس.
• المشاركة في نشاط سياسي غير مشروع.
• الادعاء بتمثيل مرشح أو حزب سياسي.
• الإدعاء بالاشتراك في اللجنة الانتخابية المستقلة.
• تقديم معلومات عن التصويت وفرز الأصوات، أو كسر ختم صناديق الاقتراع التي تحتوي على مواد التصويت أو فتحها. [1] 
 [1] ريمون لوو. دليل وسائل الإعلام والقانون الانتخابي، المعهد الانتخابي لجنوب أفريقيا، جوهانسبرغ ، 1999. 

نقل أخبار التصويت


     هناك مسألة منفصلة تتعلق بالكيفية التي يتم بها نقل أخبار التصويت بينما ما يزال جاريا. ومن الممارسات الجيدة عموما هي وقف جميع برامج "الوصول المباشر" ووقف بث إعلانات الانتخابات الحزبية قبل بدء التصويت الفعلي. ويكمن الخطر في غير ذلك أن تكون الإعلانات من الناحية التكتيكية تستند إلى تقييمات سابقة حول كيفية تقدم التصويت. وسيكون هذا غير عادل، ولن يوفر أي إمكانية للرد.
    وتقوم بعض القوانين الانتخابية أو المبادئ التوجيهية بوضع قيود محددة على التغطية الإخبارية أيضا، على أساس أن تغطية قضايا الحملة في وقت متأخر، يمكن أن يكون لها تأثير غير مرغوب فيه. وغالبا ما يكون هناك حظر طوعي أو قانوني، على نشر نتائج استطلاعات الرأي بصورة خاصة.
     وتحظر اللوائح الانتخابية في الجبل الأسود وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام من نشر نتائج الانتخابات السابقة، أو "أي تكهنات من أي نوع حول نتائج الانتخابات، قبل أن يتم إغلاق مراكز الاقتراع يوم الانتخاب".
      وهناك بطبيعة الحال، مجموعة متنوعة من العوامل التي قد تؤثر على التصويت كلما تقدمت العملية نفسها. فنسبة إقبال الناخبين مسألة هامة، لأن نسبة الإقبال المرتفعة أو المنخفضة يمكن أن تؤثر عموما لصالح هذا الطرف أو ذاك. وقد يكون نقل التقارير عن الإقبال في بعض الأحيان موضع بعض القيود.
      ويمكن في الواقع حل هذه القضايا عن طريق الممارسة المهنية، والتنظيم الذاتي المعقول. وتقدم هيئة الإذاعة البريطانية هذه المبادئ التوجيهية للعاملين على تغطية يوم الانتخابات:
     عند نقل أخبار يوم الاقتراع في جميع الانتخابات، تجنب الإشارة إلى القضايا الانتخابية حتى انتهاء التصويت، واقتصر على نقل أخبار واقعية عن الانتخابات. ويمكن أن تدرج استطلاعات الرأي العام والمقالات النقدية في الصحف الصباحية.. وكذلك العديد من بيانات الأخبار الهامة للأحزاب، شرط أن نضمن أن يتم بث بيانات الأحزاب المعارضة أيضا.


تعزيز التغطية المهنية للنتائج


     إن عملية تقديم التقارير عن نتائج التصويت من حيث المبدأ هي الجزء الأقل تعقيدا في الانتخابات برمتها.   ورغم ذلك، فمن اللافت للنظر كيف يتم القيام بها غالبا بصورة ضعيفة جدا. وفي الاستفتاء الذي جرى في زيمبابوي عام 2000، لم تتمكن صحيفة أو محطة إذاعة واحدة من تقديم تقرير عن النتائج الصحيحة كما صدرت عن مكتب المسجل العام! [1] 
     ويقع جزء كبير من المشكلة على عاتق وسائل الإعلام نفسها - فإذا كانت لا تستطيع نقل عمود من الأرقام بشكل صحيح، فليس هناك الكثير مما يمكن أن يفعله المسؤولون عن الانتخابات حيال ذلك. ولكن هناك الكثير الذي يمكن القيام به لتعزيز نقل نتائج دقيقة ومهنية. 
     وإن وجود مركز لوسائل الإعلام يسهل بشكل كبير عملية الوصول إلى النتائج. وتختلف آليات الفرز اختلافا كبيرا بين النظم المركزية واللامركزية. ولكن النقطة الهامة بالنسبة للتغطية الإعلامية، هي ما إذا كانت النتائج التي يعلن عنها مركزية أو محلية. فإذا كان الإعلان محليا، فإن التغطية الإعلامية من المرجح أيضا أن تكون لا مركزية. وفي كلتا الحالتين، يجب إحاطة وسائل الإعلام شفويا أو كتابيا، في أقرب وقت ممكن عن عملية الفرز: أين سوف تجري ، وكيف سوف تتم، و كم من الوقت تقريبا سوف تستغرق وأين / ومتى / وكيف سيتم الإعلان عن النتائج. 

     وعندما يقوم النظام المحلي بالإعلان عن النتائج، كما هو الحال في المملكة المتحدة، فإن مجموعة ضخمة من وسائل الإعلام تعمل على التنبؤ بالنتائج النهائية اعتمادا على النتائج المتوفرة. شريطة أن يتم الإعلان عن أي نتائج أو توقعات قبل نهاية التصويت، وهذا في حد ذاته متعة غير مؤذية أساسا (رغم أنه يقوم على إحصائيات هامة وجادة). وإن أسوأ ما يمكن أن يقال عنها، أنها تنظر إلى الانتخابات كما تنظر إلى سباق الخيل وليس كعملية خيار ديمقراطي. 

     إن الأمر الذي يحتل أهمية خاصة،  بعد ظهور النتائج بشكل تدريجي- وينطبق هذا بصفة خاصة على نظام الدوائر الانتخابية التي يتم فيها الفوز بأغلى الأصوات- أن يتم نشر النتائج بسرعة وبدقة. وهذا يحعل عملية التدقيق العام في عملية الفرز سهلة، ويقلل من إمكانية التلاعب بالعد. ولذلك ستكون وظيفة وسائل الإعلام هامة جدا. 

     وهناك مظهر آخر مختلف لنقل النتائج، وهو تغطية وسائل الإعلام للنتائج المتوقعة في شكل استطلاعات الخروج من مركز الاقتراع والعد السريع. 

[1] مشروع زيمبابوي لرصد وسائل الإعلام. مسألة التوازن: وسائل الإعلام الزيمبابوية والاستفتاء حول الدستور. هراري، آذار 2000. 



استطلاعات خروج الناخبين من مركز الاقتراع

لقد تم تطوير استطلاعات الرأي نظرا لتعطش وسائل الإعلام للحصول على معلومات آخر لحظة في يوم الاقتراع. وهي دراسة استقصائية للناس الذين صوتوا للتو بعد خروجهم من مركز الاقتراع. وجزء أساسي من استطلاع الرأي عند الخروج من مركز الاقتراع هو أن يقول الذين شملهم الاستطلاع كيف صوتوا. وهذا ما يسمح بالتنبؤ بالنتيجة الإجمالية. وتكون المعلومات التي يتم جمعها في استطلاعات الرأي في كثير من الأحيان معقدة. وتسمح المعلومات التفصيلية الديموغرافية حول الجنس والعمر والعرق والدخل، على سبيل المثال، بالتنبؤ بصورة أكثر دقة. ويعمل القائمون على استطلاعات الخارجين من مركز الاقتراع في بعض الأحيان بجمع معلومات إضافية حول السبب الذي دفع الناخب للقيام بهذا الاختيار. وإن المزالق المحتملة في هذه الاستطلاعات واضحة: تقديم معلومات مضللة من قبل الناخبين، أو رفض المشاركة في الاستطلاع، أو أخذ عينات غير تمثيلية، وهلم جرا. ورغم ذلك، فإن استطلاعات الخارجين من مركز الاقتراع التي يتم بنائها بشكل جيد، تكون عادة وسيلة دقيقة للغاية للتنبؤ بالنتيجة. ولهذا تحتل شعبية في وسائل الإعلام. وعند نقل استطلاعات خروج الناخبين من مركز الاقتراع، تنطبق جميع الاعتبارات ذاتها التي تطبق في استطلاعات الرأي. وينبغي نقل استطلاعات الرأي التي تديرها منظمات ذات سمعة طيبة. ويجب أن تتضمن التقارير معلومات حول مكان الاقتراع وحجم العينة، وهامش الخطأ. ولما كانت استطلاعات الخروج من مركز الاقتراع ليست قادرة على التنبؤ بالمعنى الدقيق للكلمة، هناك نقاط مختلفة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار :
 • هل يؤثر نقل استطلاعات الخارجين من مركز الاقتراع على أولئك الذين لم يصوتوا؟ ويمثل هذا الأمر مصدر قلق كبير في البلدان التي يجري فيها التصويت عبر مناطق زمنية مختلفة.
 • ما هي الاستنتاجات التي ينبغي استخلاصها، إذا كانت نتيجة الانتخابات الفعلية لا تتطابق مع نتائج الاستطلاع؟ فقد استنتج بعض المعلقين المؤثرين أنه ينبغي عدم نقل استطلاعات الخارجين من مركز الاقتراع على الإطلاق. وهناك ثلاثة أمثلة لتوضيح قضايا ترتبط فيما إذا كان ينبغي نقل نتائج استطلاع الخارجين من مراكز الاقتراع وكيف.
 • تكمن المشكلة الأولى مع استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع فيما إذا كان الناس سوف يقولون صراحة كيف قاموا بالتصويت. ويمكن أن يكون هذا على الأرجح مسألة خاصة في الديمقراطيات الانتقالية، أو في الحالات التي ينتشر فيها الترهيب على نطاق واسع. وينبغي أن يتم التأكيد عند تثقيف الناخبين على أن عملية الانتخاب سرية. في انتخابات زيمبابوي لعام 2000، قامت مؤسسة هيلين سوزمان وهي منظمة في جنوب أفريقيا، بتصميم استبانة معقدة للاستطلاع، تأخذ في الاعتبار خطر أن لا يذكر الناس بصدق كيف صوتوا. لكن واحدة من نتائج هذا التعقيد أن النتائج لم يتم الإفراج عنها حتى وقت لاحق. وإن الغرض الرئيس في النهاية، هو تقديم بعض الأدلة على الكيفية التي يمكن أن يؤثر فيها التخويف على النتيجة.
 • في الاستفتاء في فنزويلا عام 2004، كان هناك تفاوت كبير بين توقعات استطلاع الخارجين من مركز الاقتراع - الذي توقع بفوز كبير للمعارضة - والنتيجة الفعلية، التي كانت فوز الحكومة بهامش يمثل نفس النسبة تقريبا. وقد اتخذ منتقدو الحكومة هذا كدليل على أن النتيجة كانت مزورة. وقال مؤيدو الحكومة أن الشركة التي نفذت الاستطلاع قد كلفت من قبل المعارضة، وأنها قد استخدمت منهجية منحازة من أجل التشكيك في النتائج الرسمية.
 • وقد تنبأت استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في العام 2004، بفوز المرشح الديمقراطي جون كيري بفارق ضئيل، ولكنه لم ينجح في نهاية المطاف. ولم تر وسائل الإعلام الرئيسة في ذلك دليلا على حدوث مخالفات في التصويت، ولكنها تساءلت عن سبب وقوع خطأ في استطلاعات الخارجين من مركز الاقتراع. ولقد قامت واحدة من الشركات التلفزيونية الراعية للاستطلاعات، سي إن إن ، بتعديل توقعات الاستطلاع على موقعها على الإنترنت عندما بات واضحا ما هي النتيجة الفعلية. وكان العامل الأول في جذب استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع إلى وسائل الإعلام، هو الحصول على إحساس أولي بنتائج الانتخابات في وقت مبكر، وقبل النتائج الفعلية المتاحة. وغالبا ما تتمكن صحف الصباح من الاستفادة من هذه النتائج، وغالبا ما تكون المواعيد النهائية لطباعتها قبل ظهور أي نتائج هامة. ومع ذلك، تظهر هذه الأمثلة الثلاثة كيف إن استطلاعات الرأي قد اكتسب أهمية إضافية، مما يتيح لوسائل الإعلام استكشاف ما إذا كان التناقض بين استطلاعات الرأي والنتائج الفعلية هو من أعراض المشاكل في العملية الانتخابية. وقد استطاعت استطلاعات الرأي التي تم تصميمها بصورة جيدة أن تقدم مؤشرا جيدا على سوء الممارسة الانتخابية في زيمبابوي. وإن التناقضات بين استطلاعات الرأي والنتائج لها دلالتها، إلا أنها لا تثبت وجود تزوير أو سوء تصرف. وكما هو الحال في فنزويلا، سوف تكون هناك حاجة إلى إجراء مزيد من التحقيقات لتحديد سبب عدم التوافق. وسيكون الأمر مثيرا للقلق، إذا لم تحاول وسائل الإعلام الكشف عن هذه التناقضات وتفسيرها، كما جرى في الولايات المتحدة في عام 2004، حيث يعتبر التغيير في نتائج الاستطلاع عملا غير أخلاقي حقا.

تقارير العد السريع

إن العد غير الرسمي السريع هو آلية موازية للفرز، ومن المهم أن نميز بينه وبين استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع. فالعد السريع هو الفرز الجزئي للنتائج الفعلية (في حين أن استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع هي مجرد عينة من استطلاع للرأي)، ويستخدم لتوقع النتيجة الفعلية الكاملة. وغالبا ما يستخدم العد السريع كوسيلة لإحباط أي تلاعب في النتائج. وبالنسبة لوسائل الإعلام، بطبيعة الحال، فإن الاهتمام بالعد السريع مماثل للاهتمام باستطلاع الخروج من حيث أنه يمكنها من نشر قصة النتائج في وقت مبكر. والقاسم المشترك مع استطلاعات الرأي، هو الحاجة إلى أن تقوم وسائل الإعلام بنقل ماذا يقيس العدد في الواقع على وجه الدقة - وبعبارة أخرى، ما هو النموذج الذي تم الاعتماد عليه ودرجة الدقة التي يمكن أن نتوقعها.

تقارير ما بعد الانتخابات


      إن اهتمام وسائل الإعلام في الانتخابات لا يتوقف مع الإعلان عن النتيجة. فالانتخابات بالنسبة لها،  قصة مستمرة، تقود إلى الاحتفاء بالذين انتخبوا حديثا، وباختيار حكومة جديدة، وهلم جرا.
   وبالنسبة لسلطة الانتخاب، فإن اللوائح الخاصة بوسائل الإعلام تنتهي بالإعلان عن النتيجة. ولكن هناك جانب واحد تستمر مشاركة وسائل الإعلام فيه: وهو إذا كانت هناك تحديات للنتائج، فسيكون ذلك قصة مهمة ستقوم وسائل الإعلام بتغطيتها بدون شك. وينبغي لها أن تفعل ذلك وفقا للمعايير المهنية المعتادة التي تحكم تقارير إجراءات المحكمة.
     وسيكون هناك تطور مهم أيضا، إذا شكل  سلوك وسائل الإعلام في حد ذاته نوعا من التحدي للنتائج. وقد أصبح الحال بهذه الصورة على نحو متزايد، فعلى سبيل المثال، أصبح الاهتمام المتزايد بدور الإعلام في الانتخابات بعد انتخابات كينيا عام 1997 يعني أن خللا خطيرا قد حدث، ويمكن أن يؤخذ كدليل على أن الانتخابات غير عادلة.
     ويمكن استخدام نتائج مشاريع رصد وسائل الإعلام كأدلة، وقد تتعرض أساليب تنظيم الهيئة المشرفة للتمحيص. وسوف تحدد نتائج الرصد ما إذا كانت التغطية غير متوازنة أو منحازة، ولكن هذا في حد ذاته لن يكون كافيا لإثبات مخالفات في سير الانتخابات. ومن أجل إثبات ذلك، تحتاج المحكمة على الأرجح أن تكون مقتنعة بأن الحكومة تدخلت مباشرة (وربما بصورة دائمة) مع موافقة وسائل الإعلام، أو أن الهيئة التنظيمية فشلت في تنفيذ القواعد التي تضمن وصول الأحزاب إلى وسائل الإعلام والقيام بتغطية إخبارية متوازنة.


رصد وسائل الإعلام من قبل هيئات إدارة الانتخابات

       إن رصد وسائل الإعلام بطريقة ما، هو شرط مسبق لتنظيم وسائل الإعلام خلال الانتخابات، وتطوير أفضل الممارسات. وبدون صورة جادة ومنهجية لما تنتجه وسائل الإعلام في الواقع، لا يمكن أن يكون أي نقاش حول المعايير أو السياسات أكثر من كلام.  
    ورغم الأهمية الواضحة لرصد وسائل الإعلام، إلا أنها أصبحت في الآونة الأخيرة من الممارسات المعتادة في إدارة الانتخابات. 
من الذي يراقب وسائل الإعلام؟ 

ثلاث مجموعات رئيسة تقوم برصد وسائل الإعلام أثناء الانتخابات: 

• الإدارة الانتخابية. 

• البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات. 

• المنظمات غير الحكومية والهيئات المدنية الأخرى. 


Talk show on the EP election_2009-03-25
     ويختلف الغرض في كل حالة بعض الشيء، فيقوم المسؤولون عن الانتخابات بمراقبة وسائل الإعلام عادة من أجل تحديد ما إذا كانت قد التزمت بالأنظمة أو القوانين التي تحكم سلوك وسائل الإعلام خلال فترة الانتخابات. إذا كان لهيئة إدارة الانتخابات وظيفة تنظيمية مباشرة، فسوف تستخدم نتائج الرصد للتأكد من أن وسائل الإعلام تتماشى مع المعايير المطلوبة.
     ويهتم المراقبون الدوليون أيضا بامتثال وسائل الإعلام للقواعد والقوانين المحلية. ومع ذلك، فإنهم يهتمون أيضا على نطاق أوسع بمراقبة المساهمة التي تقدمها وسائل الإعلام لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. كما أنهم، بطبيعة الحال، لا يملكون صلاحيات التنفيذ، وسوف يحتفظون عادة بنتائج الرصد إلى ما بعد انتهاء الانتخابات. وإن قيمة رصد وسائط الإعلام من قبل البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات، أنه يضع مسألة التغطية الإعلامية العادلة في إجراء تقييم شامل حول ما إذا كانت الانتخابات قد تمت بصورة عادلة.
      وسوف يكون لدى المنظمات غير الحكومية وغيرها من جماعات المجتمع المدني المزيد من الحرية في الطريقة التي يمكن من خلالها رصد تغطية الانتخابات. ويمكن وضع منهجيات أكثر تنوعا لتحديد أنواع مختلفة من التحيز في وسائل الإعلام. (في حين سيكون دور هيئة الإدارة الانتخابية والمراقبون الدوليون، على النقيض من ذلك، مقصورا على تحليل بسيط لتوزيع الوقت للأحزاب والمرشحين.) ويمكن للمراقبين من المجتمع المدني، على خلاف المراقبين الدوليين، تقديم النتائج التي توصلوا إليها للجمهور متى شاءوا، ولا يتم وضع القيود عليهم حتى يتم إجراء الانتخابات. ويمكنهم تقديم النتائج التي توصلوا إليها مباشرة إلى وسائل الإعلام. وهذا يعني أن مراقبة المجتمع المدني لوسائل الإعلام في كثير من الأحيان يمكن أن تكون وسيلة لرفع مستوى الصحافة، في حين أن الحملة الانتخابية لا تزال جارية.
      إن الجهود التي تبذلها جماعات الرصد المختلفة يمكن أن تكون متكاملة ومنسقة معا. ويمكن في بعض الحالات، كما هو الحال في أول انتخابات متعدد الأحزاب في مالاوي في عام 1994، أن تستفيد هيئة إدارة الانتخابات من رصد المجتمع المدني لوسائل الإعلام  وأن تستخدم صلاحياتها لكي تقوم وسائل الإعلام بتغطية أكثر عدلا. وفي حالات أخرى، كما هو الحال في جنوب أفريقيا في عام 1999، قامت الإدارة الانتخابية بتوظيف مجموعة رصد غير حكومية لكي تكون عيون وآذان الهيئة.
      وبالمثل، في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية عام 2004 كان هناك رصد من المجموعات الدولية والمحلية لحقوق الإنسان، ومنظمات حرية وسائل الإعلام. وكانت الجماعات المحلية قادرة على نشر نتائجها بشكل منتظم (حول مجموعة واسعة من القضايا)، مع استنتاجات تم تعزيزها باستنتاجات  المراقبين الدوليين.
ماذا يفعل مراقبو وسائل الإعلام؟
    تعود الأصول الفكرية لرصد وسائل الإعلام إلى التطور في الدراسات الأكاديمية الإعلامية، مثل عمل "الفريق الإعلامي غلاسكو". إن التحليل الأكاديمي لوسائل الإعلام، والذي يستهدف في المقام الأول وسائل الإعلام المتطورة للمجتمعات الصناعية المتقدمة، يميل إلى التركيز إلى حد كبير على ما تسميه "تحليل الخطاب". ويتركز الاهتمام الرئيس على الرسائل الخفية التي تنقلها اللغة المحددة – أو اللغة المرئية في التلفزيون، وتأثيرها الخفي أو المموه على فهم المشاهد أو تفسيره للموضوع. إن تحليل الخطاب هو بالتأكيد عنصر من عناصر رصد وسائل الإعلام في الانتخابات. وغالبا ما يكون التركيز على اثنين من المعايير الأخرى الأسهل في التحديد ومن ثم القياس، وهي التي يشار إليها عادة ب "التحليل الكمي" و"التحليل النوعي". الأول هو أبسط، وأقل إثارة للجدل، وغالبا ما يحدث أكبر قدر من التأثير. وينطوي بكل بساطة على عد ثم قياس طرق تغطية الانتخابات في وسائل الإعلام- وعدد وطول المواد المخصصة لمختلف الأحزاب، وطول الأعمدة الصحفية بالسنتيمتر والتوقيت وعدد برامج الوصول المباشر وغير ذلك. ويكون مقدار ما يتلقاه كل حزب أو مرشح من تغطية، هو المعيار الأول الذي سينظر إليه في تقييم الادعاءات بالتحيز.
      كما أن "التحليل النوعي"، كما يوحي بذلك الاسم، هو النهج الذي يقيس نوعية التغطية التي تحصل عليها الأحزاب والمرشحين. وينطبق هذا في المقام الأول على التغطية الإخبارية، رغم أنه ينبغي أن يطبق أيضا على تثقيف الناخبين. وسوف ينظر التحليل النوعي إلى اللغة المستخدمة والرسالة المنقولة- وليس الرسالة الخفية لتحليل الخطاب- واستخدام هذه من أجل "تأهيل" القياس الكمي. وقد لا يكون من المفيد جدا أن أقول إن الحزب س قد تلقى نسبة مئوية معينة من التغطية الإخبارية، إذا كان جزء كبير منها متحيز في مضمونه. حتما إن قياس التحيز هو أكثر موضوعية من مجرد عد الدقائق والثواني أو طول العمود بالسنتمتر في تغطية كل مرشح. وهناك طرق للحد من التحيز المحتمل من جانب المراقب، ومنها عد مصادر القصة وتحديد صفاتها.
    لقد أصبح رصد وسائل الإعلام سمة مشتركة في الانتخابات منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكان هناك تقارب في المناهج بين المجموعات التي تقوم برصد وسائل الإعلام بصورة منتظمة، سواء من خلال الشراكة مع المنظمات غير الحكومية الوطنية، أو مع فرق المراقبة الحكومية الدولية أو بالإنابة عن هيئة الإدارة الانتخابية.  وقد قامت منظمات غير حكومية دولية مثل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، إلى جانب المنظمات الوطنية مثل هيئة المراقبة "دي بافيا" (إيطاليا)، ومراقبة وسائل الإعلام "ميمو 98" (سلوفاكيا)، ومشروع رصد وسائل الإعلام (جنوب أفريقيا)، والمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية (الولايات المتحدة) بتطوير منهجيات رصد سهلة وفعالة ودقيقة بصورة مدهشة، وتدريب مجموعة كبيرة من الناس على استخدامها.
Creative Commons License Image:

رصد وسائل الإعلام من قبل هيئات إدارة الانتخابات


قد تقوم هيئات الإدارة الانتخابية برصد التغطية الإعلامية لعدد من الأسباب:
• من أجل تحديد ما إذا كانت القوانين أو اللوائح الخاصة بالوصول إلى وسائل الإعلام يجري احترامها- مثل توزيع حصص الوصول الحر المباشر وتوقيتها أو الإعلانات، واحترام "فترة التفكير"، والأنظمة الخاصة بمحتوى الإعلان والوصول المباشر وغيرها.
• للقيام بدراسة شاملة حول ما إذا  كانت الأحزاب السياسية والمرشحون يحصلون على فرص للوصول إلى مراكز الاقتراع وتغطية عادلة للأخبار مثلا.
• لتحديد القضايا المستجدة المتعلقة بإدارة الانتخابات أو أي سلوك لحملة الانتخابات ترى الإدارة الانتخابية أنه بحاجة إلى علاج.
• لمعرفة الكيفية التي يجري بها نقل الأنشطة التي تضطلع بها الإدارة الانتخابية نفسها.
     ويستلزم الهدف الأول والثاني من هذه الأهداف جمع بيانات كمية واسعة - مشروع مراقبة لوسائل الإعلام على نطاق واسع. ويمكن تحقيق الاثنين الآخرين من خلال استعراض المزيد من التغطية الإعلامية بصورة عرضية وغير منتظمة، بشكل يمكن أن تقوم به الإدارة الانتخابية بصورة روتينية.
     ولما كانت تجربة رصد وسائل الإعلام تزداد نموا، وأصبحت منهجياتها تنتشر على نطاق أوسع، فقد أصبح من الشائع أن تقوم هيئة إدارة الانتخابات (أو غيرها من الهيئات التنظيمية) بالتعاقد مع خبراء من خارج الهيئة لمراقبة وسائل الإعلام، مثل أقسام الدراسات الإعلامية الجامعية أو غيرها من دوائر  دراسات العلوم الاجتماعية أو المنظمات غير الحكومية. ويمكن ملاحظة هذا التحول، على سبيل المثال، في جنوب أفريقيا في عام 1994، حيث كان رصد وسائل الإعلام من مسؤولية هيئة تنظيمية متخصصة، وهي لجنة وسائل الإعلام المستقلة، التي أنشئت خصيصا لفترة الحملة الانتخابية. وفي الانتخابات التالية في عام 1999، تعاقدت الهيئة المشرفة على البث مع مشروع لرصد وسائل الإعلام غير حكومي للقيام بالرصد نيابة عنها.
     إن الفائدة من التعاقد مع الخبرات الخارجية، في أنها تقلل بصورة واضحة من العبء الإداري على الإدارة الانتخابية، في وقت تكون فيه الضغوط الأخرى في أقصى ذروتها. ولكن ذلك يؤدي إلى اثنين من الجوانب السلبية المحتملة، والتي ستكون متفاوتة الأهمية تبعا للظروف الأخرى.
    يتمثل الجانب الأول المحتمل في أن وسائل الإعلام والأحزاب السياسية، قد لا تنظر إلى نتائج الرصد الذي يتم من خلال التعاقد مع مؤسسات خارجية، بأنها تمثل فعليا رؤية إدارة الانتخابات. وإذا كانت الإدارة الانتخابية بحاجة إلى العمل وفقا لها، فإنه يمكن اعتبار هذه النتائج كأساس للتفاوض بدلا من أن تفرض بصورة نهائية. وقد استنتجت بعض هيئات إدارة الانتخابات أن إنشاء وحدة رصد خاصة بوسائل الإعلام لفترة الانتخابات هو الخيار الأفضل.
     ويتمثل الجانب الثاني المحتمل في أن الإدارة الانتخابية لن تطور خبرتها الخاصة في قضايا الإعلام. وبالنظر إلى أن العديد من الإدارات الانتخابية تميل إلى أن تكون مغلقة ومحافظة في تعاملها مع وسائل الإعلام، فإن توفير المعرفة بوسائل الإعلام بين موظفي المؤسسة قد يكون أكبر فائدة.  نظرا لأن الانتخابات حدث يتكرر- وبالتالي فإن تطوير الخبرات في داخل المؤسسة قد يكون أكثر فعالية من حيث التكلفة على المدى الطويل.


رصد وسائل الإعلام من قبل البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات


    لقد أصبح رصد وسائل الإعلام منذ أواخر التسعينيات عنصرا شائعا لدى بعثات المراقبة الدولية للانتخابات. وهذا اعتراف بأهمية الوصول العادل لوسائل الإعلام، باعتباره المعيار في تقييم القبول العام لعملية الانتخابات.
وتقوم بعض المنظمات مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والاتحاد الأوروبي، بإضافة فريق إعلامي دائما إلى بعثات مراقبة الانتخابات الخاصة بها. في حين لا تضم بعثات مراقبة الانتخابات الحكومية الدولية الأخرى، مثل دول الكومنولث، فريقا لرصد وسائل الإعلام خاص بها، بل تعتمد بشكل متزايد على نتائج الآخرين في رصد وسائل الإعلام. ولقد قامت بعض هيئات الكومنولث مثل نقابة الصحفيين في الكومنولث برصد وسائل الإعلام، بشكل منفصل تماما عن بعثات مراقبة الانتخابات التي تنظمها الأمانة العامة للكومنولث.
     ويجب وصف العمل الإعلامي الذي تضطلع به بعثات مراقبة الانتخابات الدولية، بأنه تحليل لوسائل الإعلام بدلا من رصدها. وقد قامت منظمات مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بإعداد منهجية دقيقة، حيث يقوم عضو في فريق المراقبة الأساسي بمسؤولة وضع تحليل شامل للمشهد الإعلامي وتأثيره المحتمل على الانتخابات. وهذا الفهم العام لبيئة وسائل الإعلام - الملكية والقوانين وتاريخ القيود التي كانت مفروضة على نشاط وسائل الإعلام - يعد أمرا حيويا في تفسير البيانات الكمية التي جمعت في سياق الرصد.
    ويقوم المحلل الإعلامي  في الفريق الرئيس بمسؤولية تدريب فريق من المراقبين. ويكون هؤلاء بالضرورة من رعايا البلد المعني، وذلك بسبب توفر المهارات اللغوية اللازمة لديهم، وفهم المشهد السياسي المحلي. وسيتم التركيز في الرصد دائما بصورة كبيرة على البيانات الكمية، وعلى رأسها مسألة تخصيص الوقت والمجال لمختلف الأحزاب والمرشحين.
      وتختلف عملية الرصد التي تجري من قبل بعثات مراقبة الانتخابات الدولية عن الرصد من قبل المنظمات المحلية في ناحيتين هامتين.
• يهدف الرصد المحلي سواء كان عن طريق المنظمات غير الحكومية أو من قبل هيئة إدارة الانتخابات نفسها، إلى التدخل بصورة بناءة في العملية الانتخابية. فإذا كانت التغطية الإعلامية غير عادلة، يكون الهدف من الرصد هو الإشارة إلى ذلك قبل الانتخابات، ومحاولة المطالبة باتخاذ إجراءات تصحيحية. أما المراقبون الدوليون لا يستطيعون التدخل في العملية الانتخابية، ولن يقدم الجزء الأكبر منهم، نتائج رصد بصورة مفصلة إلا  بعد انتهاء الانتخابات. وتقوم منظمة الأمن والتعاون بنشر بيانات بصورة ملخصة عن رصدها لوسائل الإعلام في تقرير مؤقت، ولا تقوم بنشر الاستنتاجات الكاملة إلا في وقت لاحق.
• تحصر المراقبة الدولية عملها في قراءة محدودة إلى حد ما للمعايير الدولية أو الإقليمية حول وصول الأحزاب السياسية والمرشحين إلى وسائل الإعلام. ويمكن أن يقوم الرصد المحلي، ولا سيما من جانب المنظمات غير الحكومية، بالتركيز على مجموعة واسعة من المؤشرات النوعية والكمية التي تتناول  مسائل مثل المساواة والنوع الاجتماعي وعدم التوازن العرقي، أو إلى أي مدى تعكس وسائل الإعلام برامج الحملة لمختلف المرشحين.
        ويهدف دمج تحليل وسائل الإعلام في عمل بعثات مراقبة الانتخابات الدولية إلى وضع تقييم أكثر شمولية حول صحة الانتخابات. أما بالنسبة لكل من وسائل الإعلام ومديري الانتخابات داخل البلاد، فإن نتائج رصد وسائل الإعلام الدولية يمكن استخدامها للمقارنة مع استنتاجات الرصد المحلي، كما أنها تزودنا بالمعايير التي يمكن الاستفادة منها في التغطية الإعلامية للانتخابات المقبلة.
    ويمكن أن يستفيد المراقبون لوسائل الإعلام المحلية أيضا من المنهجيات المستخدمة لرصد وسائل الإعلام في بعثات مراقبة الانتخابات الدولية. وقد وضعت منظمة الأمن والتعاون دليلا للمراقبين لوسائل الإعلام، يحتوي على وصف للمعايير الدولية والإقليمية التي تدعم عملها، وتقنيات تحليل وسائل الإعلام وأسس منهجية لرصد وسائل إعلامها.


رصد وسائل الإعلام من قبل المنظمات غير الحكومية


يوجد لدى المنظمات غير الحكومية مجموعة واسعة من الأسباب لرصد التغطية الإعلامية للانتخابات. ومن المحتمل أن يكون الهدف الرئيس هو نفس هدف هيئة إدارة الانتخابات أو بعثة المراقبة الدولية: أي ضمان أن تكون التغطية الإخبارية عادلة ومهنية، وأن تتمكن مختلف الأحزاب والمرشحين من الوصول إلى وسائل الإعلام.
     يعد هذا هو الهدف الرئيس، وقد يكون هدف المنظمات غير الحكومية (أو غيرها من المراقبين غير الحكوميين) أكثر تعقيدا. فقد تكون معنية مثلا بمضمون التغطية الانتخابية، والموضوعات التي تغطيها وسائل الإعلام، إلى أي مدى تعكس وسائل الإعلام البرامج الخاصة بالأحزاب أو المرشحين؟ هل يتم عرض المناظرات الانتخابية بطريقة مهنية ونزيهة، أو أن وسائل الإعلام تلهب المشاعر الحزبية باللغة التي تستخدمها أو أسلوب تغطيتها؟
      ) ماوم وسائل الإعلام حقا بتلبية احتياجات الناخبين في مجال توفير المعلومات (السؤال واضح، لكنه يطرح نفسه تكرارا؟)  ما هي مواقف الأحزاب والمرشحين الذين يتم تقييمهم من وجهة نظر الناخبين - أنظر:  التقرير عن صوت الناخب - وهل تكون وسائل الإعلام متواطئة مع المرشحين في عرض سياساتها دون تمحيص؟ وهل تقوم وسائل الإعلام بلعب دور فعال من الناحية التربوية؟ وهل تقول للناخبين ما يحتاجون لمعرفته حول متى وكيف ولماذا نقوم بالتصويت؟
     إلى أي مدى تعكس وسائل الإعلام مصالح الأقليات وأصوات الفئات المهمشة ؟ هل يسمع صوت المرأة على نحو كاف في الحملة الانتخابية من خلال وسائل الإعلام؟ إن لم يكن كذلك، لماذا لا ؟ هل تعكس وسائل الإعلام التحيز للنوع الاجتماعي دون تمحيص، أو أنها تبذل جهدا لمقاومة ذلك؟
     إن مجموع القضايا التي تناولها المراقبون في وسائل الإعلام غير الحكومية واسعة. ونادرا ما تكون عملية مراقبة وسائل الإعلام قادرة على معالجة كل هذه القضايا. ولكن ما يمكن القيام به، هو تواجد المراقبين هناك بخبراتهم الخاصة، مما ينعكس على جوانب معينة من التغطية الإعلامية.
      تكون خبرة المراقبين في أغلب الأحيان في مجال وسائل الإعلام نفسها. وغالبا ما تشارك المنظمات غير الحكومية المعنية بحرية وسائل الإعلام وبالمعايير المهنية في عملية الرصد. ويكون الغرض على حد سواء للدفاع عن وسائل الإعلام ضد التدخل السياسي، من الحكومات أو القطاع الخاص. أو لتعزيز الكفاءة المهنية في التغطية.
     يمكن أن تؤثر نتائج الدراسة التي تنشر لرصد وسائل الإعلام في الحد الأدنى على نوعية التغطية الإعلامية. وفي بعض الأحيان، كما في موزمبيق في عام 1994، قد يذهب الحوار بين المراقبين والصحفيين خطوة أبعد. فقد تم استخدام غرفة الأخبار في راديو موزامبيق لعقد اجتماع أسبوعي لمناقشة ملاحظات المراقبين، ومناقشة إذا ما كان هناك اتفاق حولها أم لا، ووضع خطط لإدخال تحسينات عليها. وكان التحسن في مستوى تغطية الراديو - بعيدا عن التحيز الواضح للحزب الحاكم - ملحوظا خلال فترة الحملة الانتخابية.
       في انتخابات عام 2000 في تنزانيا، كان مشروع رصد وسائل الإعلام الذي بدأه مجلس وسائل الإعلام، وهي هيئة طوعية المهنية، بالاشتراك مع المنظمات غير الحكومية المعنية الأخرى بحرية الإعلام والمهنية. وقد بدأ هذا المشروع بمؤتمر شارك فيه ممثلو وسائل الإعلام الرئيسة، والتي وضعت مدونة لقواعد السلوك لتغطية الانتخابات. وكان الغرض من الرصد صراحة، هو دراسة ما إذا كانت التغطية قد امتثلت للمعايير التي وافقت عليها وسائل الإعلام نفسها. وبصورة حتمية كانت المؤسسات الإعلامية في الغالب تعارض نتائج المراقبين. ولكن ثبت أنهم على استعداد للدخول في حوار، والذي أدى إلى تحسين نوعية التغطية بدون شك.
      وفي مناسبات أخرى ، كانت العلاقة بين المراقبين غير الحكوميين ووسائل الإعلام أكثر صعوبة. وان العداء بين وسائل الإعلام الحكومية والمراقبين غير الحكوميين أمر شائع. وكانت الرقابة غير الحكومية تتهم من أنها تحاول تشجيع برامج سياسية خاصة. وكانت دور الإعلام الخاصة في بعض الأحيان تظهر رد فعل مماثل. فقد تم  في مولدوفا في عام 2005 على سبيل المثال - التشكيك في مؤهلات ونوايا  مجموعة الرصد التي توصلت إلى نتائج حاسمة.
 وتقوم جماعات المراقبة في بعض المناسبات بمعالجة قضايا أخرى أيضا.
    وجاء خير مثال على هذا التركيز الواسع في وسائل الإعلام في رصد الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في عام 2004. فقد قامت واحدة من المجموعات غير الحكومية، "المساواة في الوصول"، برصد مطول وشامل، تناولت فيه مسألة واحدة وهي الوصول إلى وسائل الإعلام المخصص لمختلف المرشحين. وبالتوازي مع ذلك، قامت منظمتان أخريان، معهد الإعلام و"مجموعة خاركيف لحقوق الإنسان"، بمشروع رصد عالج قضايا أخرى، إضافة إلى تخصيص الوقت والمكان للمرشحين. فلقد بحثوا في تغطية قضايا ذات أهمية خاصة لمجموعات الأقليات الإثنية - بما في ذلك تتار القرم - وتمثيل المرأة في تغطية الانتخابات. وكانت النتائج التي توصلوا إليها غريبة جدا - نقص كبير في تغطية  مشاكل الأقليات والحضور الضعيف للأصوات النسائية كمصدر للأخبار - والمهم أنها وفرت معلومات أساسية فيما لو عولجت هذه القضايا في المستقبل.


مناهج مراقبة وسائل الإعلام


    يحتاج العاملون في رصد وسائل الإعلام - سواء كانوا من مسؤولي الإدارة الانتخابية أو المراقبين الدوليين، أو نشطاء من المجتمع المدني أو الأكاديميين- إلى تسوية عدد من المسائل المنهجية قبل الشروع في مشاريعهم:
• ما هي وسائل الإعلام التي يتعين رصدها؟ هل ستكون وسائل الإعلام الرسمية، أو كل وسائل الإعلام؟ هل ستكون الصحافة المسموعة والمرئية فقط أو وسائل الإعلام المطبوعة أيضا؟ هل ستكون لمجموعة مختارة من وسائل الإعلام أو جميع وسائل الإعلام الوطنية الهامة؟
• ما هي المواد الإعلامية التي يتعين رصدها؟ هل ستكون نشرات الأخبار فقط، أو جميع المواد خلال أوقات معينة من اليوم، أو كل شيء؟
• ما هو المحتوى الذي يتعين رصده (ولأي هدف): الأخبار، والإعلانات، حصص الوصول المباشر، أو البرامج الخاصة، أو تثقيف الناخبين، أو كل هذا؟
• هل يسعى الرصد لجمع بيانات فقط حول كم من الوقت المخصص لمختلف الأحزاب أو المرشحين أو وسوف يتم النظر أيضا في جوانب أخرى من التغطية، مثل استخدام اللغة، واختيار القصص الإخبارية وما إلى ذلك؟
• هل المقصود من الرصد التدخل في الحملة الانتخابية - على سبيل المثال، الطلب من وسائل الإعلام الالتزام بالمعايير المهنية - أم أنها تهدف في المقام الأول إلى توثيق ما إذا كانت التغطية الإعلامية عادلة ومتوازنة؟
      إن الإجابات عن كل هذه الأسئلة لها تأثير هام على منهجية الرصد التي يتم اعتمادها.
      تعتمد معظم المنهجيات المستخدمة لرصد التغطية الإعلامية للانتخابات على تقنية تعرف باسم تحليل المحتوى. وهي منهجية تعتمد على الناحية الكمية أساسا. وهذا يعني أنها تهتم بالدرجة الأولى بالمواد الإعلامية التي يمكن قياسها وعدها. وقد وجهت انتقادات إلى هذا المنهج، لأنه يحد  التغطية على ما هو قابل للقياس، ويغفل جوانب هامة مثل اللهجة واللغة، سواء كانت منطوقة أو مرئية. وقد يكون النقد صحيحا. وهناك الكثير من الأمور التي لا يستطيع تحليل المحتوى القيام بها - وببساطة أكثر، إنها لا تستطيع بشكل واضح أن تكشف عما إذا كانت التغطية الإخبارية دقيقة أو غير دقيقة. بيد أن معظم المنظمات التي تضطلع بمراقبة وسائل الإعلام في الانتخابات تقوم باستخدام تحليل المحتوى والمنهج الكمي، على الأقل كجزء من عملها.
     ويقوم الرصد الكمي عادة بتغطية وسائل الإعلام في الانتخابات بالتركيز على مقدار الوقت المخصص للأحزاب والمرشحين. ثم قد يكون هذا وسيلة لتقييم ما إذا كانت التغطية جيدة أو غير جيدة. وإن كان من المحتمل أيضا أن تكون هذه التدابير كمية، فهي أحكام تركز على النوعية أساسا.
        ويتم إدخال أنواع أخرى من القياس الكمي في بعض منهجيات الرصد في محاولة لتجنب الاعتماد على تقييم مراقبين فيما إذا كانت التغطية إيجابية أو سلبية. ويجوز لهم، على سبيل المثال، عدد المصادر التي يستخدمها الصحفيون، وتوزيعها إلى فئات مختلفة سياسية أو اجتماعية. وقد يكون هذا الإجراء أكثر موضوعية في التوازن. ويمكن أن تصنف مواد وسائل الإعلام حسب الموضوع. ويمكن أن يكون هذا مفيدا لأن الأحزاب السياسية، في الحملة انتخابية في كثير من الأحيان، لا تعبر فقط عن المواقف المختلفة، بل أيضا تعالج قضايا متعددة. وبالتالي فإن اختيار وسائل الإعلام للمواضيع قد يكون مؤشرا حساسا عن ميولهم السياسية.
     وقد يكون هدف الرصد الكمي مجرد قياس كمية الدعاية السياسية أو برمجة الوصول المباشر الحر وتوقيتهما. وقد يكون هذا فقط لضمان أن ما ينشر أو يذاع في الواقع يتوافق مع القوانين والأنظمة التي تحكم الوصول المباشر.
     عندما يتم نشر نتائج رصد وسائط الإعلام، عادة ما يتوجه الاهتمام الأكبر إلى توزيع التغطية على الأحزاب والمرشحين (جنبا إلى جنب مع تقييم من الذي يحظى أو لا يحظى بالتغطية). وسيكون من الضروري عند نشر هذه النتائج التمييز بوضوح بين تخصيص الوقت في التغطية الإخبارية، والأنواع الأخرى المختلفة من التغطية - الإعلانات المدفوعة والوصول الحر المباشر ومقالات الرأي وغيرها.


رصد وسائل الإعلام وتحليلها


إن عملية رصد المواد التي تنتجها وسائل الإعلام لن يوفر صورة كاملة عن مدى مهنيتها في تزويد الناخبين بالمعلومات. ويركز رصد وسائل الإعلام على ما تنتجه هذه الوسائل. وإن دراسة مضمون التغطية الإعلامية لا يستطيع أن يجيب على أسئلة هامة حول الظروف القانونية والسياسية التي تعمل فيها وسائل الإعلام.
     وينبغي على عملية رصد وسائل الإعلام -سواء من جانب الإدارة الانتخابية أو بعثات المراقبين أو جماعات غير حكومية - أن تكون دائما جزءا من عملية أوسع نطاقا لتحليل وسائل الإعلام. والواقع إن العديد من نتائج الرصد لا يمكن تفسيرها دون وضعها في سياقها الصحيح. من يملك وسائل الإعلام المختلفة ؟ ما هي القوانين التي تحد من عمل الصحفيين؟ هل حدثت اعتداءات بدنية على وسائل الإعلام؟ ودون إجابة على هذه التساؤلات وغيرها، فإن النتائج الكمية والنوعية من رصد وسائل الإعلام ستكون بدون معنى.
     وإن تحليل دور وسائل الإعلام في الانتخابات يأخذ في الاعتبار عددا من العوامل التي يمكن تصنيفها تحت العناوين العريضة التالية:
• بيئة وسائل الإعلام: من يملك وسائل الإعلام؟ ما هي ميولها السياسية؟ ما هي هيكلية وسائل الإعلام الممولة من القطاع العام؟ كيف تحقق وسائل الإعلام الربح؟ من هو جمهور وسائل الإعلام المختلفة؟
• قوانين الإعلام: ما هي البيئة القانونية التي تعمل فيها وسائل الإعلام؟ هل هناك قيود عامة على حرية الإعلام؟ هل القانون المتعلق بوسائل الإعلام والانتخابات يمكنها من نقل التقارير بحرية، أو أنها تحد من هذه الحرية؟ وهل توجد قوانين تقيد استخدامها العادي؟
• المعايير المهنية والتقاليد: هل توجد في البلاد تقاليد تسمح بحرية وسائل الإعلام؟ هل هناك تجربة طويلة لصحافة مهنية مستقلة؟ هل هناك لوائح مهنية لوسائل الإعلام (وجود  مدونة لقواعد السلوك مثلا أو تنظيم ذاتي لإجراءات تقديم الشكاوى)؟ وهل تلقى معظم الصحفيين تدريبا مهنيا؟
• الهجوم على وسائل الإعلام: هل يسمح للصحفيين القيام بعملهم دون عوائق؟ هل تعرض الصحفيون للهجوم من قبل عملاء الحكومة؟ أو من جانب مؤيدي الأحزاب السياسية المختلفة؟ وهل تم اعتقال صحفيين وسجنهم؟
• ضوابط غير رسمية على وسائل الإعلام: هل يوجد للحكومة أو الشخصيات السياسية الهامة سيطرة سياسية غير رسمية على ما ينشر في بعض وسائل الإعلام؟ هل يحدث ذلك من خلال الرشاوى والإغراءات؟ أو التهديد والعقوبات؟ أو الرقابة الذاتية؟ أو مزيج من كل هذه؟



مناهج الرصد الكمي لوسائل الإعلام


غالبا ما يتم وصف منهج الرصد الكمي لوسائل الإعلام بأنه تحليل للمضمون. وكان هذا يمثل اتجاها واسع الانتشار في دراسات وسائل الإعلام لأكثر ما يقرب من نصف قرن. ولكنه ليس مقبولا على الصعيد العالمي
     وكانت الانتقادات المختلفة لمنهج تحليل المضمون، تركز في جميعها على أنها تعمل على فرض تقسيمات تعسفية وغير مرنة على النصوص التي قد تكون في الحقيقة مفتوحة لتفسيرات أكثر عمقا من ذلك بكثير. فتحليل المحتوى مثلا لا يأخذ في الاعتبار كيف يمكن للجمهور فهم الرسالة التي يتم نقلها من خلال وسائل الإعلام. ويقوم ببساطة بتحليل كمي لتلك الرسالة. ويعني التحليل الكمي اختيار عناصر مضمون المادة الإعلامية التي يمكن عدها فقط. وفي العديد من الأمثلة على التحليل الأكاديمي للمحتوى، قد تكون المؤشرات التي يتم اختيارها كلمات،  ويقوم الباحثون بقياس الطريقة التي تتردد فيها بعض الكلمات أو مجموعة من الكلمات.
      وأيا كانت صحة الانتقادات لتحليل المحتوى، فالحقيقة أنه كثيرا ما يستخدم في رصد وسائط الإعلام في سياق الانتخابات. ونادرا ما يركز التحليل على اختيار الكلمات، وإنما يقوم المراقبون بتحديد عدد واحد أو أكثر من المتغيرات التالية:
• عدد المرات التي تذكر فيها الأحزاب أو المرشحين.
• طول الوقت المخصص للأحزاب أو المرشحين.
• عدد المرات التي يتم فيها ذكر مختلف الجهات السياسية أو الاجتماعية الفاعلة الأخرى.

• عدد المرات أو الوقت المخصص لمواضيع مختلفة.
        وهناك عدد من المتغيرات الأخرى التي قد يرغب المراقبون التعرف عليها. وقد تشمل هذه: النوع الاجتماعي أو طبيعة المصادر المشار إليها، المنطقة الجغرافية للقصة، الوقت المخصص لبث موضوع، والمكان أو الترتيب الذي يقع فيه الموضوع في نشرة الأخبار، وغير ذلك.
      وتتضمن المنهجيات المختلفة مؤشرات متنوعة. إلا أن الخصائص المشتركة لأي مؤشر جيد الاختيار، أن يكون موثوقا وصحيحا.
المصدر الموثوق: يعني المصدر الموثوق أن النتائج ستكون متشابهة أيا كان هو الراصد. وبعبارة أخرى، سيكون هناك نظام تصنيف علمي يمكن تطبيقه في معظم الحالات:  قياس مقدار الوقت الذي يتحدث فيه مرشح معين مباشرة مثلا يمكن الاعتماد عليه. تصنيف الموضوعات وفقا لمجموعة من الرموز المحددة سلفا يمكن الاعتماد عليه، شريطة أن يتم تدريب المراقبين في كيفية تطبيق نظام التصنيف الذي سوف يعطي نفس النتائج بنسبة 95%.
  الصحة: وتعني أن البيانات التي جمعت تظهر في الواقع ما كان مفترض أن يظهر. إن مجرد عد أصوات الجنس الاجتماعي التي ذكرتها وسائل الإعلام مثلا، ليس من المرجح أن يكون مقياسا صالحا يظهر التحيز القائم على الجنس. عوامل أخرى كثيرة جدا يجب أن تؤخذ في الاعتبار: المواقف الاجتماعية العامة تجاه المرأة، توزيع المرشحين بين الجنسين في مختلف الأحزاب السياسية، وغيرها. وبالمثل، فإن مقدار الوقت المخصص لمرشح معين لا يمكن أن يكون مؤشرا صالحا للتحيز من جانب وسيلة الإعلام. (اعتبارات أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، مثل مضمون التغطية.)
الرصد الكمي- بعض المناهج الممكنة
    من المرجح أن تركز جميع مناهج الرصد الكمية لوسائل الإعلام في تغطية الانتخابات على الوقت المخصص لمختلف الأحزاب أو المرشحين. والكيفية التي سيتم بها احتساب ذلك هي مسألة تعود إلى الاختيار، مع المزايا أو المساوئ الموجودة في المناهج المختلفة.
      إن رصد العديد من وسائل الإعلام الأوروبية والمنظمات - بما في ذلك المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام ، وهيئة المراقبة "دي بافيا" ورصد وسائل الإعلام "ميمو 98"- تستخدم المنهج الذي يقوم على أساس تواتر الإشارة إلى عدد من المواضيع "السياسية" التي يتم تحديدها سلفا.  ويتم تسجيل كل ذكر لهذه المواضيع خلال فترة الرصد على حدى، ويسجل عدد المرات المخصصة للخطاب المباشر. كما سيتم تصنيفها على أنها ايجابية أو سلبية أو محايدة تجاه "الموضوع".
     وهناك منهج مختلف قليلا، لا يهتم بحساب التكرار، وإنما بتوزيع النشرات الإذاعية والمطبوعات في "بنود". وسوف يمثل كل بند عادة قصة ضمن نشرة أخبار أو صحيفة أو إعلان سياسي. وسيجري تسجيل جميع المصادر التي تم تحديدها علنا لهذا البند على حد سواء بالاسم وحسب الفئة (مثل حزب سياسي). وسيجري أيضا حساب عدد مرات الخطاب المباشر. ويجري تقييم كامل لكل البنود لتحديد ما إذا كانت تفضل و/ أو تعارض أي من المرشحين أو الأحزاب. ويتميز هذا الأسلوب بأنه يحصي عدد المصادر في كل بند من البنود ويقيم تنوعها ويعطي مقياسا موضوعيا للمهنية في التغطية الإعلامية. ولكنه لا يحسب بدقة عدد المرات التي يذكر فيها الحزب أو المرشح. ويتم استخدام هذا النوع من المنهجيات من قبل منظمات مثل مشروع رصد وسائل الإعلام في جنوب أفريقيا وزيمبابوي، والمادة 19، التي تقوم برصد وسائل الإعلام في أفريقيا وأوروبا الشرقية.
     ويجب على كل هذه المنهجيات معالجة مشكلة مشتركة، وهي كيفية تقييم ذكر موضوع سياسي أو خبر كامل (اعتمادا على منهجية دقيقة) يفضل أو يعارض مرشح أو حزب. وتستخدم بعض المنهجيات جدولا للتقييم حيث يقوم المراقب بوضع البند في مكان ما على مقياس ما بين 2 (إيجابي جدا) و-2 ((سلبي جدا)، مرورا بإيجابي ومحايد وسلبي.
     ومن الواضح أن مسألة الثقة ستكون حاضرة. فكيف يكون من الممكن ضمان أن المراقب يقوم بتطبيق نفس التقييم؟ ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال التدريب والممارسة. وهذا سوف يحدد هامش الخطأ في تقييم البنود المدرجة في الجدول.
تحديد التغطية الإيجابية والسلبية
      إن المشكلة الأكثر أهمية رغم ذلك، هي كيفية تطبيق المعايير الموضوعية. ومن المهم أن نفهم أولا أن تقييم بند من البنود بصورة إيجابية أو سلبية عن حزب أو مرشح معين، لا يعني تحديد ما إذا كانت منحازة. وإن قياس التحيز يأتي فقط عندما يكون من الممكن تقييم مجموع المقاييس للتغطية الإيجابية أو السلبية.
     ومن المناهج الفعالة استخدام مجموعتين من المعايير في تحديد ما إذا كان العنصر إيجابيا أو سلبيا: السياق والمضمون.
     وأول هذه المعايير هو السياق، وهو يشير إلى الطريقة التي صيغت فيها القصة. إذا كانت القصة تدور حول سياسي ظهر في المحكمة بتهمة التزوير على سبيل المثال، فالإطار الواضح سلبي (لاحظ أن هذا لا علاقة له مع ما إذا كانت القصة صحيحة أو عادلة). أما إذا كان السياسي قد تلقي جائزة نوبل للسلام، فالإطار هو إيجابي. وإذا كان السياسي يتوجه بخطاب لتجمع سياسي، فالإطار الأكثر احتمالا هو محايد.
      والمعيار الثاني، وهو المضمون، ويشير إلى الحقائق العلنية ونغمة القصة. إذا كان السياسي المتهم بالاحتيال يقدم كلمة مؤثره بشكل خاص من قفص الاتهام، قد يكون هذا ايجابيا (على الرغم من الإطار السلبي للقصة). إذا كان الصحفي يقول إن السياسي لا يستحق الحصول على جائزة نوبل، فهذا شيء سلبي، رغم الإطار الإيجابي. وغالبا ما يتزامن الإطار والمضمون.
      إذا كان السياق والمضمون يتطابقان، فإنه من الواضح كيف سيتم تصنيف هذا البند. وإذا كان السياق والمضمون يؤديان إلى نتائج عكسية (واحدة ايجابية وأخرى سلبية)، فسوف يلغي كل منهما الآخر، وسيتم تصنيفها على أنها محايدة في هذا البند. إما إذا كان المحتوى أو السياق هو محايد، في حين أن الآخر هو إيجابي أو سلبي، فإن هذا الأخير سوف يحدد كيفية تصنيف هذا البند.
مناهج كمية أخرى لتقييم التغطية
      في المجموعة الثانية من المنهجيات التي سبق وصفها، هناك عدد من المؤشرات الكمية الأخرى التي يمكن استخدامها:
• يشير عدد المصادر على المهنية الصحفية. ويشير توزيع المصادر وتوازنها إلى تحيز سياسي.
• النوع الاجتماعي للمصادر قد يكون مؤشرا مفيدا إذا تم تفسيره بعناية.
• قد يكون التوزيع الجغرافي للقصص مهما في بعض الحالات.
• يحتل اختيار المواضيع على الأرجح أهمية خاصة.
     النقطة الأخيرة - اختيار المواضيع - غالبا ما يكون مؤشرا كميا حساسا للتوجهات السياسية لوسائل الإعلام. وتقوم الأحزاب السياسية بحملتها عادة حول قضايا مختلفة إلى حد ما من حملة خصومهم. وإن اختيار القصص التي تغطيها وسائل الإعلام كثيرا ما تشير إلى مدى التأييد للبرنامج السياسي لهذا الطرف أو ذاك.
     كما أن الإحصائيات عن المصادر تقول شيئا عن التوازن، ولكن ليس بصورة تلقائية عن التحيز. فالقصة التي تعتمد على مصدر واحد غير متوازنة، ولكن ليس من الضروري أن تكون متحيزة. وإذا كان محافظ البنك المركزي يعلن عن زيادة في أسعار الفائدة، فلا حاجة هنا إلى صوت آخر لأن ذلك هو خبر.  (ربما توحي الممارسة الصحفية الجيدة بأن تعليقا من الأحزاب السياسية والخبراء المستقلين سيكون مفيدا.) من جهة أخرى، إن تغطية أعمال العنف السياسي التي تنقل من طرف واحد فقط، ستكون على الأغلب متحيزة.


المناهج النوعية لرصد وسائل الإعلام


      إن أساليب التحليل الكمي وحدها لا يمكن أن تفسر على نحو كاف قوة وضعف التغطية الإعلامية. لا يكفي الشكوى بأن الحزب الحاكم يحصل على مزيد من التغطية الإعلامية أكثر من المعارضة - قد تكون هناك أسباب وجيهة لذلك، كالدعم الذي يأتي من جماهير هذا الحزب. وبصورة مشابهة، إن عد البنود بكل ببساطة قد يخفي حقيقة أن "كوتا" التغطية في بعض الأحزاب يمكن أن تشمل عناصر تظهرها بصورة سيئة. على سبيل المثال، احتفظت الإذاعة الرسمية في جنوب أفريقيا قبل انتخابات العام 1994 بسجلها الإحصائي الخاصة بتغطية الحزب، وقد أظهر أن المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي كان في المعارضة، كان يتلقى تغطية واسعة. ولكن هذه النسبة اشتملت على الكثير من السلبية، مثل نقل محاكمة ويني مانديلا عن الاختطاف. ومن هنا كانت الإحصائيات المجردة لا تخبر بكل شيء.
      وهناك جوانب هامة للغاية من تغطية الانتخابات ليست عرضة للرصد الكمي بسهولة. وان نقل الخطب التحريضية مثلا، يتطلب تحليل النص عن قرب بمناهج تستخدمها وسائل الإعلام.
        ويقوم المراقبون أيضا بتحليل محتوى مواد تثقيف الناخبين، لضمان عدم وجود رسالة من أي حزب سياسي. وغالبا ما كان المراقبون يرغبون في المقارنة بين القصص نفسها في اللغات المختلفة. وغالبا ما  يكون المحتوى مختلفا تماما في عملية البث باللغة التي خلفها الاستعمار - الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية - ولغات السكان الأصليين. فالأولى سوف تكون إلى حد ما، للاستهلاك الخارجي. ويفترض المذيعون والسياسيون في كثير من الأحيان بأنه لا يوجد رصد مستقل يلتفت إلى ما يقولونه في لغاتهم الخاصة.
     أحد الاعتبارات الهامة جدا هو مدى دقة التغطية الإعلامية. إذ يقوم المراقبون لوسائل الإعلام بقياس التحيز بمقارنة التغطية الإعلامية للأحداث من خلال مجموعة متنوعة من المصادر. وإحدى الطرق من أجل القيام بذلك هو "رصد المصدر": حيث يقوم مراقبو وسائل الإعلام أنفسهم بحضور حدث جدير بالنشر مثل تجمع سياسي أو مؤتمر صحافي، من أجل مقارنة أساليب تغطيتهم الإعلامية الخاصة. وقد جعلت الإنترنت من السهل على المراقبين مقارنة التغطية المحلية مع التقارير الدولية عن بلادهم. ووفي بعض الأحيان يكاد يكون التشابه بينهما ضعيفا.
        كما يعد تقييم الرسائل الضمنية الواردة في تغطية وسائل الإعلام مهمة صعبة ومثيرة للجدل إلى حد كبير. تحت هذا العنوان تأتي كل المعاني الدقيقة للغة والصور التي تنقل رسالة يفهمها الجمهور، وبطريقة لا واعية في بعض الأحيان. ويمكن أن يكون هذا أكثر وضوحا من خلال استخدام الكلمات، سواء في الطباعة أو البث. فقد تستخدم وسائل الإعلام الموالية للحكومة على سبيل المثال كملة "صرح" الرئيس شيئا، في حين تستخدم كلمة “يدعي" لمنافسه. وليس من الضروري أن يكون التقرير غير دقيق ليكون له تأثير غير مناسب على فهم الجمهور. فقد لاحظ المراقبون في جنوب أفريقيا قبل انتخابات عام 1994، أن ما تردد ذكره عن مظاهرات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي دائما كمية القمامة التي خلفها المشاركون. وكانت الرسالة أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي فوضوي وغير مسؤول. ويمكن استخدام المواد الإعلامية الخارجية للتشجيع على تفسير خاص للأخبار المحلية. وفي ملاوي في عام 1994، كانت تغطية أخبار أحزاب المعارضة على الإذاعة الرسمية مصاحبة للأنباء عن الإبادة الجماعية في رواندا. وكانت الرسالة اللاواعية أن نهاية استقرار "الحزب الواحد" من شأنه أن يؤدي إلى إراقة الدماء.
       ويحتوي التلفزيون مجموعة معقدة من المفردات البصرية. فالشخصيات التي تعتبر موثوق بها - مثل السياسيين الحاليين - قد تعرض صورهم من خلال زاوية يظهرون فيها في مكانة هامة وعالية، في حين أن الآخرين يتم تصويرهم من زاوية أفقية أو من أعلى.. وتقوم الشخصيات في السلطة بالحديث غالبا إلى الكاميرا مباشرة، في حين أن الشخصيات الأخرى تتحدث إلى مشاهد غير معروف، وعلى جانب من الكاميرا، وبالتالي لا تخاطب المشاهد مباشرة. ويتم إجراء المقابلات العادية مثل المقابلات مع أعضاء المعارضة والنقابات والجمهور في الهواء الطلق عادة. في حين يتم مشاهدة أعضاء الحكومة في مكاتبهم يراجعون الأوراق غالبا، ومنشغلون على ما يبدو في بعض الأنشطة العاجلة الهامة. وتميل صورة المكتب في الخلف للتأكيد على السلطة والخبرة التي يتمتع بها الضيف، وغير ذلك.

    كما أن الرسومات والشعارات التي تصاحب عملية بث الأخبار تنقل رسالة. ولقد أظهرت الصورة على شاشات التلفزيون في جنوب أفريقيا عند بث قصة المفاوضات السياسية في عام 1993 اثنين من الرجال البيض ورجل أسود واحد. تم تغيير ذلك في وقت لاحق إلى رجل واحد أبيض وامرأة شبه بيضاء واحدة ورجل أسود واحد. ولم تعكس أي من هذه الصور التكوين الفعلي للمفاوضات. وبشكل صارخ كبير في انتخابات عام 2000 في زيمبابوي، قام برنامج خاص بالشؤون المحلية الذي كان يبث خلال فترة الحملة الانتخابية باستخدام شعار البرج فوق أنقاض زيمبابوي العظمى- وهو بالضبط نفس رمز الحزب الحاكم. 


التغطية الإعلامية لرصد النتائج


       إن الطريقة التي يتم بها نشر نتائج رصد وسائل الإعلام هي جانب هام من منهجية رصد هذه الوسائل. كيف يتم تناولها بالضبط سوف يختلف تبعا لنوع الرصد الذي تم، ومن الذي كان يجريه.
      إن البعثات الدولية لمراقبة الانتخابات مثلا لا تبلغ عادة عن نتائجها حتى انتهاء الانتخابات (أو على الأقل بعد انتهاء الحملة) ربما باستثناء تقرير مؤقت واحد. ومن المرجح أن هيئة إدارة الانتخابات أو أي منظمة وطنية غير حكومية ترغب في نشر النتائج التي توصلت إليها على أساس منتظم – وعلى الأغلب مرة واحدة في الأسبوع، أو يوميا في مراحل لاحقة من الحملة الانتخابية. والسبب هو أن الغرض من تقديم التقارير هو أن يكون لها تأثير على التغطية الإعلامية، سواء كسلطة تنظيمية أو كمجموعة ضغط.
      ومن الضروري أن تحتوي جميع التقارير- حتى التقارير الأسبوعية القصيرة –على عناصر معيارية معينة، حتى لو كانت مختصرة في تقرير موجز جدا:
• موجز للنتائج.
• وصف المشروع ومنهجيته.
• عرض البيانات والنتائج.
• الاستنتاجات والتوصيات.
    وتشمل التقارير الطويلة أيضا معلومات حول المشهد الإعلامي عموما (بما في ذلك أي انتهاكات لحرية الإعلام).
    وتحتوي جميع تقارير الرصد الجادة لوسائل الإعلام على بعض العناصر المشتركة في أسلوبها وطريقة عرضها. ويجب أن تكون اللغة التي تستخدمها دائما لغة محايدة وغير حزبية من الناحية السياسية. وتقدم الاستنتاجات والملاحظات بصورة واضحة ومدعومة بالبيانات الإحصائية وغيرها من الأدلة. وينبغي أيضا شرح أوجه القصور ونقاط الضعف المحتملة للبيانات.
      وسوف تكون البيانات أكثر وضوحا وفهما إذا قدمت بصورة أشكال مصورة- مثل الرسوم البيانية بشكل أعمدة أو دوائر. ومع ذلك، ينبغي توخي الحذر. وينبغي أيضا أن تظهر البيانات المجردة بشكل نسب مئوية لمساعدة القراء على فهم مغزاها. وينبغي أيضا أن تكون النسب المئوية واضحة من خلال عرض البيانات المجردة التي تستند إليها. وسيكون من السهل أن يكتب شيئا مثل: "كان هناك 100 في المائة من التغطية أكثر للحزب ا من الحزب ب" ولكن ربما كان هناك خبران عن احد الأحزاب وخبر واحد عن الحزب الآخر.
   إن التوصيات هامة أيضا. وإذا كان التقرير يعكس ويغطي كامل فترة الانتخابات، فإن هذه التوصيات سوف تهدف إلى إجراء التغييرات في المستقبل في ممارسات وسائل الإعلام، وربما إجراء التغييرات أيضا في القوانين واللوائح التي تحكم وسائل الإعلام في فترة الانتخابات. أما بالنسبة للتقارير المرحلية، فإن التوصيات من المحتمل أن تكون أكثر تحديدا وتركيزا من أجل تشجيع وسائل الإعلام على التغطية بصورة أكثر عدالة.
توزيع التقارير
     لقد أصبح من السهل الآن القيام بتوزيع تقارير الرصد لوسائل الإعلام بصورة منتظمة عن طريق البريد الإلكتروني في معظم الحالات. وعند القيام بذلك، يجب أن لا نتجاهل أهمية الجماهير التي قد لا تتمكن من الحصول على التقارير بسهولة عن طريق هذه الوسيلة. ونعرض فيما يلي قائمة سريعة للجمهور الذي يمكن أن يقرأ تقارير رصد وسائل الإعلام. ويختلف هؤلاء بطبيعة الحال، تبعا للظروف المحلية، إضافة إلى طبيعة عملية الرصد.
• المؤسسات الإعلامية.
• هيئة إدارة الانتخابات.
• الأحزاب السياسية.
• الهيئات التنظيمية لوسائل الإعلام.
• المنظمات غير الحكومية ذات الصلة.
• الهيئات المهنية لوسائل الإعلام (مثل نقابات الصحفيين، مجالس الإعلام التطوعية، الخ ).
• المنظمات المدنية والمجتمعية.
• المراقبون ومجموعات المراقبة والبعثات.
• الهيئات الدبلوماسية والمانحة.



تغطية الحملة الانتخابية


يخصص هذا القسم من موضوع وسائل الإعلام والانتخابات بصورة أساسية للصحفيين والمحررين.
        يركز القسم الأكبر من النقاش في هذا الموضوع  على الدور الحاسم الذي تضطلع به وسائل الإعلام في الانتخابات الديمقراطية - مسؤوليتها السياسية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن المحررين والصحفيين بصورة يومية لا يفكرون كثيرا بدورهم في المجتمع - بل هم معنيون بتغطية الأخبار بطريقة أسرع وأفضل وأكثر إثارة للاهتمام من غيرهم من الصحفيين. وإن مثل هذا التركيز هو حق شرعي تماما، ورغم ذلك أن تكون الأول والأفضل في تقديم الأخبار لا يتعارض مع المسؤولية المهنية. في الواقع، إن التخطيط السليم والتدريب جنبا إلى جنب مع المعايير الأخلاقية  يجعل تغطية الانتخابات بصورة أفضل.
• غالبا ما يكون التدريب على تغطية الانتخابات قليلا ونادرا. وهذا هو أحد المجالات التي يتم تجاهلها عادة في المناهج الدراسية لمؤسسات التدريب في مجال الصحافة. ويحتاج المحررون إلى الاتصال بمؤسسات أخرى للتأكد من أن الصحفيين العاملين معهم يحصلون على التدريب المناسب. أو يمكن أن يتعاونوا مع هيئات إدارة الانتخابات لتوفير مثل هذا التدريب.
• يحتاج المحررون إلى خطة لتغطية الانتخابات. فالانتخابات هي مجموعة ضخمة من القصص التي تتطلب توفير عدد كبير من الموارد البشرية والمالية. والكثير مما يجب القيام به، يمكن تحديده قبل بداية الحملة الانتخابية.
• ويحتاج الصحفيون والمحررون إلى تركيز النظر على قضايا أخلاقية محددة قد تنشأ في تغطية الانتخابات. ومن الناحية المثالية، يستطيعون صياغة مدونة سلوك طوعية لتغطية الانتخابات، وذلك بالتشاور مع أصحاب المصلحة الآخرين-ولا سيما مع الإدارة الانتخابية والأحزاب السياسية.
• يحتاج الصحفيون إلى تطوير فهم خاص بالاستراتيجيات الإعلامية التي اعتمدتها الأحزاب السياسية من أجل إيصال رسائلهم. يجب أن يتأكدوا من أن لا يصبحوا عن غير قصد منهم خداما لحملات الأحزاب الإعلامية.  وكذلك أن يكون لديهم القدرة على تفسير سلوك الأحزاب للجمهور.
• التغطية الإعلامية الجيدة والمبدعة للانتخابات تأخذ نقطة انطلاق لها احتياجات الناخبين. ويشمل هذا بالتأكيد ضرورة نقل ما تقوله الأحزاب ويقوله المرشحون، ولكن يتم التركيز في نطاق أوسع على ما يريده الناخبون- والذي قد يكون مختلفا عما يقدمه المرشحون. إن التقارير التي تركز على صوت الناخب لا تمثل مسؤولية اجتماعية فقط، بل من المحتمل أن تكون أيضا أكثر شعبية لدى الجمهور.



تدريب الصحفيين على تغطية الانتخابات


     إذا أراد الصحفيون القيام بتغطية الانتخابات بصورة مهنية،  فمن الواضح أنه يجب تدريبهم على القيام بذلك. وهناك حاجة واضحة لهذا التدريب، ولكنه لا يتوفر في كثير من الأحيان.
ومن ناحية عامة، إن المتطلبات المهنية لأعداد التقارير عن الانتخابات لا تختلف كثيرا عن التقارير التي تعد لأي موضوع آخر. وتحتل الضرورات الأخلاقية، الدقة والنزاهة والمسؤولية والاستقامة أهمية كبيرة في تغطية الانتخابات، ولكنها يجب أن تكون حجر الأساس لأسلوب العمل الصحفي في أي حال.
ومع ذلك، هناك مجالات أخرى كثيرة من المعرفة التي يحتاج الصحفي إليها إذا أراد أن ينقل تقارير الانتخابات على نحو فعال، وتشمل هذه:
• فهم النظام السياسي والانتخابي.
• فهم العملية الانتخابية بشكل عام.
• التعرف على القانون الانتخابي، خاصة وأنه يؤثر على التغطية الإعلامية.
• فهم دور وسائل الإعلام في تغطية الانتخابات.
• معرفة تاريخ الانتخابات في الدولة المعنية.
• المعرفة التفصيلية لآليات تسجيل الناخبين، وترسيم الحدود، والتصويت، والفرز وأية قضايا أخرى ذات صلة (مثل استخدام التكنولوجيا في التصويت أو استخدام التصويت عن طريق البريد، إذا كانت هذه من المسائل المحتملة للخلاف) .
• أنواع التقارير الخاصة بالانتخابات (مثل تقارير استطلاعات الرأي).
     كثير من هذه المسائل يمكن تغطيتها بسهولة في المنهاج الأساسي لمؤسسات التدريب الصحفي. إلا أنها في الممارسة العملية نادرا ما تكون. وترد بصورة روتينية أنواع معينة من التغطية المتخصصة، مثل تقارير المحكمة، كجزء من التدريب الأساسي للصحفي (رغم أن العديد من الصحفيين لا يستخدمون هذه المهارات). في الواقع، إن معظم الصحفيين في نهاية المطاف يقومون بتغطية الانتخابات، ولكن العديد منهم غير مدرب للقيام بذلك.
     وقد يترتب على هذا النقص في المعرفة وضعا خطيرا. ليس فقط لاحتمال أن تقوم وسائل الإعلام بإعداد تقارير غير دقيقة، أو في أحسن الأحوال بصورة غير كافية. وإنما ستكون أيضا غير قادرة على القيام بدورها في مراقبة العملية الانتخابية، ومحاسبة المسؤولين عن أوجه القصور.
     وغالبا ما يمثل هذا النقص المتكرر لتدريب الصحفيين، جزءا من مشكلة أعم تتمثل في إمكانية حصول الصحفيين على التدريب. فالعديد من البلدان الفقيرة لا تملك أي مؤسسة للتدريب في مجال الصحافة على الإطلاق.
       ويتم التعويض عن النقص في تدريب الصحفيين في تغطية الانتخابات في كثير من الأحيان من خلال دورات تدريبية خاصة، تقوم على إدارتها مجموعة كبيرة ومتنوعة من المؤسسات. وقد تجري هذه الدورات في البلد المعني (وتتميز هذه بوجود أكبر عدد ممكن من الصحفيين) أو في مؤسسة للتدريب.
وهناك عدد من المشاكل المحتملة التي يتعين التغلب عليها عندما تقوم مؤسسات تدريب خارجية بتنظيم التدريب:
• كيف يمكن أن يكون التدريب على صلة بظروف البلد المعني؟
• كيف يمكن الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الصحفيين ليكون لهذا التدريب تأثير؟
• متى يمكن تدريب الصحفيين لتحقيق أقصى فائدة ممكنة، دون أن يتعارض ذلك مع واجباتهم في تقديم التقارير الفعلية؟
     لا توجد إجابات بسيطة على هذه الأسئلة. ومع ذلك، يمكن أن تتم معالجتها بصورة أفضل، إذا تم تنظيم التدريب بالتشاور الوثيق مع أصحاب المصلحة الأهم: هيئة إدارة الانتخابات، والمسؤولون عن وسائل الإعلام وأصحاب المؤسسات الإعلامية وهيئات الصحفيين المهنية والنقابات.


تخطيط تغطية الانتخابات


     تحتاج جميع وسائل الإعلام إلى خطة لتغطية الانتخابات. وإذا لم يشمل التخطيط نشر موارد ضخمة ومتطورة، أو أفضل المهارات النادرة، فإن تغطية الانتخابات لن تعمل بشكل صحيح بدونها.
وأي خطة جيدة للانتخابات يجب أن تأخذ في الحسبان الاعتبارات التالية :
• ما هي الموارد المتاحة؟ هل هناك ميزانية خاصة لتغطية الانتخابات، أو ستتم تغطيتها من خلال ميزانية التحرير العادية؟ ما عدد الموظفين المتواجدين - وهل تتوفر ميزانية لتوظيف موظفين إضافيين أو موظفين بصورة مؤقتة؟
• ما هو الجدول الزمني للحملة؟ ومتى تكون اللحظات الحاسمة في الحملة؟ وإلى أي مدى سيكون من الممكن التحضير لهذه التغطية مقدما؟
• ما هي القضايا الهامة في هذه الحملة، وإلى أي مدى سيكون لها تأثير على الطريقة التي تقوم بها وسيلة إعلامية معينة بتغطيتها؟
• ما هو الجديد في مجال التغطية الذي ستقوم بها المؤسسات الإعلامية؟ ماذا ستكون السمات المميزة لتغطيتها؟
     تختلف الإجابة على هذه الأسئلة إلى حد كبير جدا باختلاف وسائل الإعلام المعنية، هل هي محطة تلفزيون فضائية دولية أو شبكة لصحيفة محلية؟ ويختلف نتيجة لذلك حجم العمليات بشكل كبير، ولكن قضايا التخطيط ستكون هي نفسها بالضرورة.
      وتسلط القائمة التالية الضوء على القضايا التي يحتاج المحررون إلى معالجتها قبل بدء الحملة الانتخابية:
• معرفة تاريخ الفترات الرئيسة لعملية الانتخابات: التسجيل، والترشيح، وفترة الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع وإعلان النتائج وما إلى ذلك.
• التحقق من الأنظمة والقوانين التي تؤثر على تغطية الانتخابات.
• تعيين ميزانية لتغطية الانتخابات.
• تحديد الفريق الذي سوف يغطي الانتخابات-الموظفون والسياسيون والصحفيون المتخصصون الذين سيقومون بتغطية جوانب معينة من هذه الحملة.
• تحديد الفريق المسؤول عن تغطية الانتخابات- كبار المحررين الذين سيقررون بشأن أي من المسائل الحساسة التي تنشأ في سياق الحملة الانتخابية.
• وضع خطة الترتيبات الفنية والتشغيلية.
• تعيين موظفين إضافيين.
• إعداد قائمة اتصال للمصادر البشرية،  مثل خبراء في الانتخابات والنقاد الذين يمكنهم تقديم النصح بشأن المسائل الانتخابية.
• التعاقد مع شركة محترمة للقيام باستطلاعات الرأي.
• التأكد من وجود مكتبة للصور وأفلام الفيديو.
• وضع خطة لمواجهة حالات الطوارئ.
وهذه قائمة معدلة من دليل الاتحاد الدولي للصحفيين حول تغطية الانتخابات. إقرأ الوثيقة كاملة هنا.
      وإن أهمية الترتيبات العملية كأهمية التفكير في كيفية تغطية الانتخابات. وإن العثور على زوايا جديدة سيكون على حد سواء وسيلة للتنافس بشكل فعال مع وسائل الإعلام المنافسةـ وجعل الانتخابات جديدة ومثيرة لاهتمام للجمهور. وعلى وجه الخصوص، يجب أن تحاول المؤسسات الإعلامية تحديد ما تعتقد بأنها القضايا الحاسمة في الحملة الانتخابية. وبمجرد أن تبدأ الحملة ، فإن كل الأحزاب السياسية ستحاول وضع البرامج التي تلائم مصالحها الخاصة. وينبغي أن تنظر وسائل الإعلام في أهم القضايا بالنسبة للناخبين ومحاولة متابعتها بغض النظر عن برامج المرشحين أنفسهم.
وإن الطريقة الفعالة للقيام بذلك هي من خلال تغطية "صوت الناخب" في التقارير المختلفة.


القضايا الأخلاقية المهنية لوسائل الإعلام في الانتخابات

إن معظم القضايا الأخلاقية والمهنية التي تواجه الصحفيين في تغطية الانتخابات، ستكون مختلفة عما يواجهونه في الحياة اليومية أثناء العمل. ويمكن أن تظهر هذه القضايا والمعضلات بطرق معينة خلال الانتخابات. ومن أمثلة هذه المعضلات المهنية ما يلي:
 • أخبار جديرة بالأهمية مقابل تغطية متوازنة: إن الاعتبارات التي تتحكم بتغطية الأخبار بصورة عامة هي التميز، حتى تكون لها أهمية خاصة في الحدث. إلا أن الناخبين يتطلبون عرض البيانات والبرامج الانتخابية لمختلف الأحزاب بصورة عادلة ومتوازنة (وقد تكون بعيدة عن التميز أو الإثارة للاهتمام). فكيف يمكن أن تقوم وسائل الإعلام بالتوفيق بين وظيفتها الإخبارية ووظيفتها في الخدمة العامة؟
 • الشفافية مقابل سلامة العملية الانتخابية: احد الأسباب التي تلعب فيها وسائل الإعلام دورا أساسيا في الانتخابات الديمقراطية هي القدرة على إخضاع العملية الانتخابية للتدقيق، وكشف أي سوء تصرف. ومع ذلك، فإن الإدارة السليمة للانتخابات تعتمد أيضا على الأمن والسرية. وإن تحقيق التوازن بين هذين العنصرين هو قضية تقع على عاتق المشرعين والمسؤولين عن وضع اللوائح الانتخابية. ولكنها أيضا في نفس الوقت مسألة عملية يومية بالنسبة للصحفيين أنفسهم.
 • تغطية الخطب النارية: تكمن المفارقة في أن الحملات الانتخابية هي الأوقات التي يحتمل أن يقوم فيها رجال السياسة بالتعبير عن المشاعر المتطرفة والتحريضية-مع فرصة كبيرة في أن تصل هذه إلى جماهير واسعة. وهي أيضا الوقت الأكثر احتمالا لكي يكون لها أثر سلبي – وهي أيضا الوقت الذي يكون فيه التعبير عن اختلاف وجهات النظر السياسية هو الأهم. وإن الآثار التنظيمية لهذه المعضلة تترك لصناع القرار من أجل البت فيها. ويتمثل التحدي بالنسبة للصحفيين في نقل الخطاب السياسي الملتهب بطريقة دقيقة وأقل احتمالا لإثارة العنف أو الخوف. وتوصف الصحافة أحيانا بأنها مهنية، ويفتخر العديد من الصحفيين بأن ينظر إليهم كمهنيين. ويرى صحفيون آخرون في الصحافة تجارة بدلا من أن تكون مهنة مثل الطب أو القانون. وأيا كانت النتيجة حول هذه النقطة، ينبغي أن يكون هناك اتفاق على أن ممارسة الصحافة يجب أن تنظمها مدونة سلوك مهنية أو أخلاقية. وقد تصدر مدونات السلوك من قبل الجمعيات أو النقابات المهنية للصحفيين، أو من خلال المؤسسات الإعلامية، أو بصورة فردية أو جماعية، أو من قبل الهيئات التنظيمية. وتكون هذه المدونات أكثر فعالية إذا كانت نتيجة عملية جماعية يشترك فيها الصحفيون والمحررون أنفسهم. ويوجد هناك قوانين عامة لقواعد السلوك، مثل تلك التي وافق عليها الاتحاد الدولي للصحفيين. وهي تعلن عدة مبادئ، من شأنها أن تكون ذات صلة بالصحفيين عند تغطية الانتخابات:
 • الدقة.
 •عدم التحيز.
 • الصدق ومقاومة الفساد.
 • تجنب استخدام اللغة أو المشاعر التي تشجع على العنف أو التمييز.
  • تصويب تقارير الوقائع غير الدقيقة.

 ومن الممارسات الجيدة في الغالب، القيام بوضع مدونة لقواعد السلوك تغطي قضايا مرتبطة بإجراء الانتخابات.
 وقد تشمل هذه المدونة على ما يلي:
 • تقارير حول نتائج استطلاع الرأي.
 • تقارير عن التجمعات والمسيرات السياسية ومناسبات أخرى ترتبط بالحملة الانتخابية.
 • استخدام استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع.
 • تقارير فرز الأصوات.

مدونات قواعد السلوك لوسائل الإعلام في الانتخابات


يوجد في العديد من البلدان مدونات سلوك تستخدم كدليل (أو نظام) للصحفيين في عملهم. وقد تصدر هذه عن الهيئات المهنية أو النقابية، أو من خلال المؤسسات الإعلامية أو من قبل السلطات التنظيمية. هناك أيضا مدونات سلوك دولية، مثل تلك التي اعتمدها الاتحاد الدولي للصحفيين.
     المبادئ العامة الواردة في هذه القوانين الأخلاقية، تطبق بصورة متساوية في أثناء فترة الانتخابات، وتشكل أساسا للمعايير المهنية التي يجب على الصحفيين والمحررين تطبيقها في جميع الأوقات. ومع ذلك  من المفيد في أغلب الأحيان، أن يتم وضع مدونة قواعد سلوك محددة بمزيد من التفصيل، لمعالجة معضلات مهنية معينة قد تنشأ أثناء الانتخابات.
      وتكون مدونات قواعد سلوك الصحفيين والمحررين أكثر فعالية، عندما يشارك الإعلاميون أنفسهم في وضعها. وينظر بعد ذلك إلى المعايير الموجودة فيها كوسائل مساعدة لصحافة فعالة، وليس كقيود للعمل الصحفي. ويتم وضع مدونات السلوك في بعض الأحيان من قبل وسائل الإعلام وحدها، ويمكن أن يتم في ظروف أخرى بالتشاور مع أصحاب المصلحة الآخرين، بما في ذلك هيئة إدارة الانتخابات والأحزاب السياسية.
عناصر مدونة سلوك
      تشتمل مدونة قواعد السلوك الخاصة بتغطية الانتخابات على مزيج من المعايير الأخلاقية العامة، تنطبق في جميع الظروف، وأخرى محددة لفترة الانتخابات. وهذه قائمة محتمله لمعايير مستمدة من مدونة سلوك مقترحة من المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (التي هي في حد ذاتها تعتمد على إلى العديد من القوانين الموجودة في بلدان مختلفة) :
• واجب الصحفي الأول هو كتابة التقارير بدقة ودون تحيز.
• يكتب الصحفي التقارير وفقا للحقائق التي يعرف مصدرها فقط. ولا يجوز له حجب المعلومات الأساسية. .
• يحافظ الصحفي على السرية المهنية الخاصة بمصدر المعلومات التي تم الحصول عليها على أساس من الثقة.
• يكتب الصحفي التقارير بطريقة متوازنة. فإذا  قدم أحد المرشحين ادعاء ضد مرشح آخر، ينبغي على الصحفي أن يحصل على تعليق من الجانبين كلما كان ذلك ممكنا.
• يبذل الصحفي قصارى جهده لتصحيح أي معلومات نشرت، ووجد أنها غير دقيقة بصورة مؤذية.
• ينقل الصحفي نقل آراء المرشحين والأحزاب السياسية بصورة مباشرة  وبكلماتهم الخاصة بقدر الإمكان بدل نقلها على لسان الآخرين.
• يتجنب الصحفي استخدام اللغة أو التعبير عن مشاعر بصورة قد تزيد من التمييز أو العنف على أي أساس، بما في ذلك العرق أو النوع الاجتماعي أو الميول الجنسية أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء، والأصل القومي أو الاجتماعي.
• يبذل الصحفي قصارى جهده عند نقل آراء أولئك الذين يدعون إلى التمييز أو العنف، لوضع مثل هذه الآراء في سياق واضح، ونقل آراء أولئك الذين وجهت مثل هذه المشاعر ضدهم.
• يجب على الصحفي عدم قبول أي إغراء من سياسي أو مرشح.
• يجب على الصحفي أن لا يقدم أي وعد لسياسي عن مضمون تقرير إخباري.
• يجب على الصحفي الانتباه عند تقديم التقارير عن نتائج استطلاعات الرأي. ويجب أن يشمل أي تقرير كلما كان ذلك ممكنا المعلومات التالية:
 - من الذي طلب الاستطلاع ونفذه ومتى؟
-   عدد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، وأين وكيف أجريت المقابلات معهم؟ وما هو هامش الخطأ؟
-  ما هي الصيغة الدقيقة للأسئلة؟
• يجب على الصحفي أن ينظر إلى ما يلي في عداد الجرائم المهنية الخطيرة:
- الانتحال.
- التحريف المقصود.
- الافتراء والقذف والتشهير أو الاتهامات الكاذبة.
- قبول رشوة بأي شكل من الأشكال تتعلق بالنشر أو الحذف.
وستتم دراسة العديد من هذه المعايير بمزيد من التفصيل على صفحات منفصلة.


دقة تقارير وسائل الإعلام


قد يبدو بديهيا أن يعمل الصحفيون على كتابة التقارير بدقة. ومع ذلك، فإن الكمية الكبيرة جدا من التقارير غير الدقيقة-التي تلاحظ بصورة خاصة في أوقات الانتخابات- تشير إلى ضرورة التركيز على هذه النقطة.
    ويجب أن تكون الدقة على مستويات مختلفة. وأبسط صورها أن يقوم الصحفي بذكر أسماء المرشحين بدقة، وأن يذكر أرقاما دقيقة عن المشاركين في المناسبات الانتخابية، ونقل الكلام الذي يقوله المرشحون بدقة، وهكذا.
      وتقع على الصحفي مسؤولية أكبر في اختيار الكلمات والأحداث التي  يتم نقلها في سياق التقرير بصورة واضحة ودقيقة. ويمكن أن ينحرف التقرير الإخباري بسهولة لصالح مرشح معين أو ضده، إذا لم يتم النظر في السياق الذي وردت فيه البيانات بدقة. وسوف يتطلب ذلك من الصحفي أو المحرر في كثير من الأحيان وضع تصريحات المرشح في علاقة صحيحة مع المواقف المعلن عنها من قبل المرشحين الآخرين.
       وتتنافس وسائل الإعلام دائما للحصول على القصة بأسرع وقت ممكن. ولكن هناك مسؤولية أخلاقية ليس بالسرعة فقط وإنما بالدقة أيضا - أو على الأقل الدقة بقدر الإمكان في مثل تلك الظروف. وهناك أسباب عملية  ومبدئية أيضا في نفس الوقت، ذلك إن الصحفي أو وسيلة الإعلام التي  تحاول السباق في جمع الحقائق فقط لن يكون ثقة بها، وستجد صعوبة أكبر في جمع المعلومات.


النـزاهة


     إن أحد المعايير من أجل كتابة تقارير الانتخابات بصورة جيدة هو الحياد. وترتبط كتابة التقارير المحايدة بالدقة. وهي شرط مسبق للنزاهة، ولكنها ليست كافية.
     وإن المقياس الكمي الذي يستخدمه مراقبو وسائل الإعلام لتقييم النزاهة هو التوازن. وإنهم ينظرون إلى المجموعة المتنوعة من المصادر الصحفية التي يستخدمها الصحفي في قصة معينة، أو التي تستخدمها إحدى وسائل الإعلام على مدى فترة من الزمن. ورغم أن هذا التدبير ليس دليلا قاطعا على التوازن، إلا أنه يمثل في العادة مؤشرا يمكن الاعتماد عليه. وقد أصاب تغطية الانتخابات خلل من خلال تقديم التقارير التي تعبر عن جانب واحد، وعن موقف الحزب أو المرشح المفضل، دون نقل المواقف البديلة. وإن القصة الإخبارية التي تتضمن وجهات نظر مختلفة تكون دائما أقوى وأكثر توازنا.
      وسيكون صعبا على وسائل الإعلام في كثير من الأحيان إقامة توازن داخل قصة معينة. فقد يتم تعيين صحفي لتغطية حملة حزب معين، ولن تتاح له الفرصة للحصول على تعليق من الأحزاب الأخرى. وتقع المسؤولية في هذه الحالة، على مستوى التحرير الذي يجب أن يتأكد من نقل مواقف مختلف الأحزاب بشأن المسألة نفسها، إما عن طريق تجميع ودمج التقارير أو عن طريق كتابة قصص متوازية تصور المواقف المختلفة.
      واحد عناصر عدم التحيز التي تستخدم في تغطية الانتخابات، هو الفصل بين الواقع والتعليق عليه. والذي يعتبر من المبادئ الأساسية للصحافة المحترفة. وينطبق أيضا على الحملات الصحفية الملتزمة. وسيكون لذلك أهمية خاصة في الانتخابات. وقد يكون لوسيلة الإعلام موقف سياسي معلن لصالح حزب أو مرشح معين. لكن لا يزال هناك التزام أخلاقي بأن تكون التغطية الإخبارية واقعية، حتى عندما تكون الدقة في كتابة التقارير تضعف الموقف الذي اتخذته إدارة التحرير. هذا التزام أخلاقي يقع على الصحفي والمحرر بصورة فردية، وعلى الإدارة العليا للمؤسسة الإعلامية أيضا.
       وأخيرا، من المعايير الهامة لنزاهة الصحفي، أن لا يحتل أي منصب بارز في حزب سياسي أو حركة. ويحق للصحفي مثل أي شخص آخر أن تكون له معتقداته ومواقفه السياسية، ولكن بروز هذه المواقف السياسية الفردية سوف يؤثر على مصداقيته باعتباره مؤرخ محايد للأحداث.


المسؤولية


يوجد لدى الصحفيين التزامات أخلاقية مختلفة، سواء بالنسبة للمجتمع كله، أو لمختلف الأفراد الذين يقيمون معهم علاقات مهنية. وإحدى هذه الالتزامات الواضحة، التعهد الذي يأخذه على نفسه في المحافظة على سرية المصادر والمعلومات، والحفاظ على سرية هويتهم. ويتعهد الصحفيون كذلك باستخدام أساليب نزيهة وقانونية لجمع الأخبار.
         هذا وإن الفكرة التي تقول أن الصحفيين لديهم مسؤولية اجتماعية أوسع تنبع من مفهوم أن عمله ليس مجرد وظيفة، وإنما هو ممارسة للحق في حرية التعبير- وهو حق إنساني هام لا بد منه من أجل تطبيق الديمقراطية. وتنبع بعض الالتزامات الأخرى عن هذه المسؤولية الاجتماعية.
      ومن الأهمية بمكان، على سبيل المثال، أن تكون الصحافة أصيلة وليست ثانوية. وإن الملاحظات غير الدقيقة تصبح في كثير من الأحيان واسعة الانتشار على نطاق واسع من خلال تكرارها. وهذا شيء غالبا ما تلام عليه المؤسسات الإعلامية الراسخة ذات السمعة الطيبة، وكذلك المؤسسات الإعلامية الصغيرة المحدودة الموارد. وأصبح الصحفيون يستخدمون في الفترة الأخيرة قصاصات من الكتب- أو شبكة الإنترنت- وينتجون أخبارا يكونون غير قادرين على إثباتها.
     يمارس الصحفي الجيد المسؤولية من خلال إعداده التقرير الذي ينقل فيه ادعاءات مضرة ضد الأفراد أو الفئات الاجتماعية. ويعطي المتضررين فرصة للرد، من خلال إعداد تقرير متوازن وغير ناري. ويكون على بينة من الأثر المحتمل لتقريره. ويمكن في أسوأ الحالات أن تؤدي التقارير النارية إلى  الاحتجاجات أو العنف. كما يمكن أن تؤدي التقارير غير الدقيقة إلى أرجحة نتائج الانتخابات.
     الصحفيون صادقون. إنهم لا يقبلون الرشوة أو غيرها من الحوافز في مقابل كتابة شيء إيجابي حول سياسي بارز أو أي شخص آخر. وعند تغطية الانتخابات، ينتبهون للطريقة التي يقبلون فيها، استخدام وسائل نقل خاصة بالأحزاب السياسية مثلا. والصحفي الجيد يظهر بطريقة واضحة دائما أنه ليس منحازا لأي حزب سياسي.


المسائل القانونية في تغطية الانتخابات


     إن الفهم الدقيق للقوانين التي تحكم الانتخابات يعد شرطا مسبقا للتخطيط للانتخابات وتغطيتها الإعلامية.
      ويحتاج كبار رؤساء التحرير والمدراء التنفيذيين المشاركين في تخطيط التغطية إلى معرفة التزاماتهم القانونية. وما هي الالتزامات المفروضة عليهم، أو ما يسمح لهم من نشر الإعلانات السياسة المجانية أو المدفوعة الأجر، على سبيل المثال؟  وكيف يمكن ترتيب مواعيد البث لاستيعاب هذه الاحتياجات؟ وما هي الأسعار المحددة لنشر الإعلان؟
       هل هناك أي قوانين أو لوائح تتعلق بمضمون برامج الوصول المباشر أو تغطية الأخبار؟ إذا كان الأمر كذلك، ما هي الأنظمة التي ستقوم المؤسسات الإعلامية بوضعها للوفاء بالتزاماتها؟
       هل هناك قيود على التغطية في أي لحظة خاصة خلال الحملة أو في يوم الاقتراع؟ ما هي الإمكانيات المتوفرة لوصول الصحفيين إلى منطقة الفرز؟ وهل هناك أي قيود على نشر النتائج؟
     يحتاج المخططون في دائرة التحرير إلى إجابات عن كل هذه الأسئلة وأكثر من ذلك. وفي بعض الحالات التي تشمل كتابة التقارير- يحتاج الصحفيون العاديون إلى هذه المعلومات أيضا.
      وهناك سبب آخر، يفرض على الصحفيين أن يكونوا على علم بقانون الانتخابات. إذا أرادوا نقل التقارير بدقة- وخاصة إذا أرادوا محاسبة المسؤولين عن إجراء الانتخابات - فهم بحاجة إلى معرفة الكيفية التي صمم بها النظام لكي يعمل. وإذا كان هذا يبدو واضحا، فالواقع أنه في كثير من الأحيان لا يفهم الصحفيون بكل بساطة الأساسيات التي يعمل بها النظام الانتخابي. وهم غير قادرين أيضا على إدراك ما إذا تم ترسيم حدود الدوائر الانتخابية بطريقة نزيهة، لأنهم لا يدركون المعايير التي تم بها تحديدها. إنهم لا يعرفون ما إذا كان هناك إجراءات أمنية لصناديق الاقتراع، لأنهم لا يعرفون ما ينص عليه القانون بخصوص هذه المسألة.
     ويمكن إلى حد كبير أن تعالج هذه القضايا من خلال التدريب. وسيعمل برنامج تدريبي جيد بالتأكيد، على تغطية ما لا يقل عن القواعد الأساسية لقانون الانتخابات. ومع ذلك، فإنه من غير المرجح أن تتمكن ورشة عمل تدريبية واحدة أن تجيب عن جميع الأسئلة التي قد تنشأ بشأن المسائل القانونية. ويحتاج مدراء التحرير إلى ضمان توفير مثل هذه المواد المرجعية لجميع الصحفيين - ويفضل أن تكون في شكل دليل مختصر حول قانون الانتخابات. وإن التعاون مع الإدارة الانتخابية لإنتاج مثل هذه المعلومات ستكون في مصلحة جميع الأطراف المعنية.


نشر استطلاعات الرأي


إذا ما استخدمت بالشكل الصحيح، يمكن أن تكون استطلاعات الرأي وسيلة هامة لقياس ما يفكر به الناخبون حول قضايا معينة، وعن الأحزاب والمرشحين. وغالبا ما تقوم الصحف ومحطات البث بتكليف مراكز مختصة للقيام باستطلاعات خاصة لتقديم معلومات عن نوايا الناخبين. ويمكن أن تكون استطلاعات الرأي أيضا وسيلة لمعرفة ما يفكر به الناخب في مسألة معينة - أو ما هي القضايا الهامة. وقد لا تكون هذه هي نفس القضايا التي تبدو مهمة بالنسبة للسياسيين. ويمكن القول، إن استطلاعات الرأي تساعد على تعزيز الخيار الديمقراطي. على سبيل المثال، في نظام الفوز بأغلبية الأصوات قد تساعد استطلاعات الرأي أولئك الذين يرغبون في التصويت من الناحية التكتيكية لضمان فشل مرشح معين.
     ويتمثل الخطر في استطلاعات الرأي، أنها عرضة للتلاعب على عدة مستويات: في اختيار الأسئلة، واختيار العينة، واختيار الوقت المناسب لطرح الأسئلة وغير ذلك. هذا بغض النظر عن هامش الخطأ المعتاد في أي استطلاع للرأي - الذي قد يكون في الانتخابات المتقاربة أكبر من الهامش الذي يفصل بين الطرفين. إن استطلاع الرأي الجيد الذي يجري بشكل جيد تكون نتائجه عادة دقيقة بشكل ملحوظ. وتشير التقديرات إلى أن عينة من 1000 شخص يمكن أن تعبر بدقة عن وجهات نظر أكثر من 200 مليون من البالغين في الولايات المتحدة، في إطار نسبة مئوية قليلة جدا. ويجب أن يفهم بوضوح حدود استطلاعات الرأي أيضا. ولهذا السبب إن نقل نتائج استطلاع للرأي في وسائل الإعلام يحتاج إلى أعلى المعايير المهنية. ولهذا السبب أيضا، يمكن القول، أن نقل استطلاعات الرأي يجب أن يخضع لأنظمة من قبل الهيئة المشرفة على الانتخابات للتأكد من أن وسائل الإعلام لا تقوم بنشر أكاذيب متعمدة.
     وإن المبادئ التوجيهية الداخلية في هيئة الإذاعة البريطانية في المملكة المتحدة، تذكّر الموظفين دائما بالتقليل من أهمية نتائج استطلاع للرأي، والتأكيد على أنها لا تمثل سوى شريحة من الرأي في لحظة معينة. وستكون الصورة أكثر دقة إذا قامت وسائل الإعلام بنشر نتائج جميع استطلاعات الرأي، خاصة إذا كانت النتائج متقاربة، وبالتالي التقليل من تأثير "استطلاعات الرأي" المارقة، والتي يمكن أن تحدث حتى باستخدام أكثر تقنيات الاقتراع المهنية.
     إن التغطية المهنية لاستطلاعات الرأي تعني طرح عدد من الأسئلة الأساسية حول الطريقة التي تم بها الاستطلاع - وإعلام الجمهور بالإجابة:
• من الذي أجرى الاستطلاع؟ هل له سمعة جيدة وهل هو مستقل ؟
• كم هو عدد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم؟
• كيف تم اختيارهم؟
• هل نشرت النتائج استنادا إلى أجوبة جميع الذين تمت مقابلتهم؟
• متى تم إجراء الاستطلاع ؟
• ما هو هامش الخطأ؟
• ما هي الأسئلة التي سئلت- وكيف كانت صياغتها؟ وفي أي ترتيب تم توجيهها؟
• كيف كانت نتائج هذا الاستطلاع مقارنة مع النتائج الأخرى؟



نشر استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع


    أصبحت استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع وسيلة شعبية كبيرة في التغطية الإعلامية للانتخابات.
     وإن استطلاع الخارجين من مراكز الاقتراع هو مجرد نوع من استطلاعات الرأي (بالمقارنة مع العد السريع، الذي يحسب عينة من الأصوات الحقيقية)، يتم توجيه السؤال للناخبين عند الخروج من مركز الاقتراع إلى صالح من قاموا بالتصويت. وإن استطلاعات الخروج إذا أجريت بصورة جيدة تحقق درجة عالية من الدقة، ولكن العديد من هذه الاستطلاعات لا تجري بصورة جيدة.
       يجب أن يخضع نشر نتائج استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع لنفس القيود التي يخضع لها نشر استطلاعات الرأي: من الذي أجرى هذا الاستطلاع؟ كم عدد الناس الذين أجريت المقابلات معهم؟ أين؟ الخ. ومع ذلك، هناك اعتبارات إضافية لنشر استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع، ترتبط بالهدفين الأساسيين اللذين من أجلهما تهتم وسائل الإعلام باستطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع:
• محاولة التنبؤ بالنتيجة الفعلية للانتخابات.
• محاولة معرفة ما إذا كان التباين بين استطلاعات الرأي والنتائج الحقيقية يشير إلى أي أخطاء في العملية الانتخابية.
     وكان نشر استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع بشكل عام، يتم في اللحظة التي يتم فيها إغلاق مراكز الاقتراع الفعلية. ويقوم نشر نتائج استطلاع الخارجين من مراكز الاقتراع بسد الفجوة في التغطية الإخبارية في الوقت الذي تكون فيه الصحف وشبكات البث في انتظار النتائج الحقيقية. هذا الاستخدام لاستطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع إلى حد ما غير ضار ونادرا ما يعتبر الآن مثيرا للجدل.
      وإن ما أصبح يثير الجدل، هو نشر نتائج الاستطلاع قبل انتهاء التصويت الفعلي. ويمثل هذا الأمر قضية خاصة في البلدان الكبيرة التي تمتد عبر عدة مناطق زمنية مختلفة. وكانت التقارير التي تنشر عبر الإنترنت، وليست التقارير التي تنشر في وسائل الإعلام التقليدية هي السبب في إثارة هذا الجدل.
      وكانت الولايات المتحدة هي الدولة التي تمثل قضية خاصة – فالبلاد تنتشر عبر عدة مناطق زمنية، إضافة إلى انتشار الإنترنت على نطاق واسع فيها. والحجة الرئيسة ضد تقديم تقرير عن نتائج الاستطلاع قبل نهاية التصويت، إلى أنها تؤثر على الناخبين الذين لم يدلوا بأصواتهم بعد.
     ويقول الصحفيون الذين يستخدمون الانترنت على العكس من ذلك، أن وقف نشر نتائج استطلاعات الرأي في هذا الوقت هو تقييد لحرية التعبير. فالنخبة السياسية تتوفر لديها هذه المعلومات، وكل ما تقوم به شبكة الانترنت هو أنها تجعل مثل هذه المعلومات متاحة للجمهور على نطاق واسع. ويقال أيضا أن طبيعة الإنترنت تتطلب من الناخبين البحث عن هذه المعلومات، بدلا من الاستماع إليها من خلال الراديو أو التلفزيون. ورغم ذلك، فإن تطور المراكز التي تغذي الأخبار وتوفير الخوادم الخاصة بقوائم البريد الإلكتروني يضعف من الحجة الأخيرة.
    ويرى العاملون في الصحافة التقليدية المطبوعة والمرئية والمسموعة، أن مجرد الحصول على معلومات (مثل نتائج استطلاع الخارجين من مراكز الاقتراع) لا يعني أن عليهم القيام بنشرها. فقد يعتبرون أحيانا أن هناك التزاما أخلاقيا بعدم القيام بذلك. هذا هو النقاش الذي لا يجد حلا نهائيا.
     إن استخدام استطلاعات الخارجين من مراكز الاقتراع مؤشر على سوء الممارسة الانتخابية، ويعد إشكاليا في نفس الوقت، ويعتمد على نوع المنهج المستخدم في إجراء استطلاع الخروج. وإذا كانت وسائل الإعلام تستخدم استطلاعات الخروج من أجل الحكم على إدارة الانتخابات، فهي بحاجة إلى التأكد من أنها تفهم منهج الاستطلاع ونوعيته. وفي بعض الحالات- كما في أوكرانيا في عام 2004، أظهرت نتائج استطلاع الخروج لأول وهلة وجود ممارسات خاطئة. وبطبيعة الحال فإن هذه الادعاءات يجب أن تكون مدعومة من خلال تحقيق مفصل في السلوك الفعلي للانتخابات. وفي حالات أخرى- في استفتاء فنزويلا في عام 2004 - كانت منهجية الاستطلاع مشكوك فيها بحيث أن النتائج ألقت بشكوك خطيرة على نتيجة التصويت الفعلي.


تغطية خطاب الكراهية


واحدة من أكبر التحديات المهنية للصحفيين الذين يقومون بتغطية الحملة الانتخابية هي كيفية تغطية اللغة التحريضية والمشاعر التي يتم التعبير عنها أثناء الحملات السياسية. ويتمثل التحدي من وجهة نظر الصحفي، في  كيفية تحقيق التوازن بين اثنين من الالتزامات الأخلاقية التي يحتمل أن تكون متضاربة: أن يتم تقديم تقرير دقيق، وعدم كتابة أي شيء من شأنه أن ينطوي على تمييز لأسباب عنصرية أو دينية أو وطنية أو النوع الاجتماعي أو لأسباب أخرى.
     في الممارسة العملية، وعند استخدام الممارسات المهنية الجيدة في كتابة التقارير، قد تكون المعضلة خيالية أكثر منها حقيقية. إضافة إلى أن الالتزام بالدقة في كتابة التقرير، تفرض على الصحفي أن يكون متوازنا أيضا. ويقضي التوازن نقل وجهات نظر متباينة أو متعارضة.كما ينطوي على وضع كلمات السياسيين في سياقها الصحيح.
     وفي بعض الأحيان قد يؤدي نشر اللغة التحريضية أو لغة الكراهية إلى إضعاف نوايا السياسي الذي استخدم مثل هذه الكلمات. وفي كثير من الأحيان يقدم السياسيون المتطرفون أنفسهم أمام الناخبين بصورة المعتدل، ولكنهم  يعبرون بكل بساطة عن المشاعر المنتشرة بصورة واسعة (حول المهاجرين والأقليات القومية ، أو أيا كان). وإن نشر الكلمات التي يستخدمونها عند التحدث إلى مؤيديهم في التجمعات السياسية، يضعف من مصداقيتهم في الواقع على نطاق أوسع. كما سيكون من مسؤولية وسائل الإعلام توثيق النتائج المترتبة على مثل هذا الخطاب. فإذا ترك المتشددون تجمعا سياسيا ومارسوا العنف ضد المعارضين أو أفراد المجتمعات المحلية المهمشة، يكون هذا هو السياق الهام الذي يجب الكتابة عنه.
      وحتى عندما لا يكون الأمر كذلك، فإن تحقيق التوازن بين خطاب الكراهية وأصوات أولئك الذين يتم الافتراء عليهم يمثل دورا إيجابيا ومفيدا. لأنه يوفر الفرصة من أجل الرد على محتوي خطاب الكراهية. وإن توفير الفرصة لسماع صوت أولئك الذين يتعرضون للتهميش والاحتقار، يجعلهم يشعرون بالإنسانية ويخلق إمكانية التعاطف معهم. في حين أن  التجريد من الإنسانية هو الغرض المباشر لمعظم خطاب الكراهية.
     وبصورة عامة، تعتبر التقارير الدقيقة عن خطاب الكراهية أداة تنبيه قيمة في وقت مبكر، تشير إلى الصراع الاجتماعي الذي يمكن أن يكون أكثر جدية، أو إلى انتهاكات لحقوق الإنسان يمكن أن تحدث في المستقبل. هذا وإن أهم الحجج ضد حظر خطاب الكراهية، هي أنه يتيح الفرصة لمعالجة أسباب التحامل والكراهية بدلا من المحافظة عليها مدفونة. وتلعب تقارير وسائل الإعلام المسؤولة دورا حاسما في هذا المجال.


تغطية الحملة


معظم المواد التدريبية الخاصة بتغطية الانتخابات تركز بصورة غير مستغربة، على تغطية الحملة ذاتها. هذا هو أطول جزء من العملية الانتخابية، الجزء الذي يتم فيه تخصيص أكبر موارد وسائل الإعلام، والجزء الذي يحتمل أن تقوم فيه وسائل الإعلام بممارسة الضغط على الناخبين.
     رغم أن تغطية الحملة يمكن أن ينظر إليها كامتداد للمهارات العادية التي تنطوي عليها كتابة التقارير، إلا أن هناك جوانب عديدة متميزة تحتاج إلى اهتمام بصورة منفصلة:
• استراتيجيات الأحزاب الإعلامية: كيف يقوم مدراء الأحزاب بالتلاعب بالتغطية الإعلامية من أجل حصول مرشحيها على أفضل صورة إيجابية والتأثير على الناخبين لصالحهم؟
• كيف يمكن أن يتم نقل الأحداث السياسية، كالاجتماعات والمسيرات، بطريقة تكون فيها مثيرة للاهتمام وقيمة ونزيهة ومفيدة في نفس الوقت؟
• كيف يجب أن يعالج الصحفيون مشكلة تغطية الخطب التحريضية أو التي تحتوي على تشهير؟
• ما هي القضايا المهنية والعملية التي ينطوي عليها نشر نتائج استطلاع للرأي؟
• هل هناك طرق بديلة لتغطية الانتخابات، تعكس على نحو أفضل مشاغل الناخبين العاديين وأولوياتهم؟



استراتيجيات وسائل الإعلام الحزبية


     يحتاج الصحفيون إلى فهم الاستراتيجيات التي تستخدمها الأحزاب السياسية من أجل نقل الرسائل من خلال وسائل الإعلام. وهذا أمر هام لضمان أن لا يتم التلاعب بهم، ولكي يتمكنوا أيضا من كشف هذه الاستراتيجيات وتوضيحها لجمهورهم.
      هناك الكثير من الحديث المعاصر حول الدعاية وغيرها من أسلحة وسائل الإعلام المبتكرة الجديدة. ولكن رغم تطور التقنيات الدقيقة في عصر الهاتف الخلوي والحاسوب المحمول، فان الاتجاهات التي تتخذها الأحزاب  في الحملات الانتخابية، لم تتغير كثيرا على مر السنين. ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
فرض البرنامج: تقوم الأحزاب السياسية المتنافسة أو المرشحين في كثير من الأحيان في القتال في المواقع الخاصة بهم والتي يختارونها. ويمكن أن يقوم أحد الأحزاب بخوض الانتخابات في قضية ترتبط بتحسين الوضع الاقتصادي. في حين يقوم آخر بخوضها على أساس الأمن القومي. وإن نجاح إستراتيجية الحملة يكمن في مدى تمكنهم من دفع وسائل الإعلام للحديث عن مسألة ذات أولوية بالنسبة حزبهم، وتجنب القضية التي يتم التركيز عليها من قبل الحزب المنافس. ويحتاج الصحفيون إلى أن يدركوا هذه النيات ومحاولة التركيز على ما يعتبرونه مسائل ذات أولوية حقيقية للناخبين.
استخدم الأخبار الممتعة لخلق شعبية لدى الناخبين. هذا أسلوب قديم قدم السياسة نفسها. حيث يقوم السياسيون بمصافحة الأطفال وتقبيلهم، أو شرب نصف لتر من البيرة، أو ممارسة لعبة البولينج - كل ما هو مناسب من الناحية الثقافية لإظهار أنفسهم بمسحة مثالية أو إنسانية. ويدرك الناخبون أن مثل هذه الأمور يتم ترتيبها بصورة تمثيلية، لكنها لا تزال طريقة ناجحة لإعطاء السياسيين وجها إنسانيا. والأفضل من ذلك، أنهم يستخدمون الوقت من أجل تجنب القضايا التي قد تكون ضارة. ويواجه الصحفيون مشكلة،  لأن هذه القصص ليست مناسبة في الواقع، ولكنهم قد يتعرضون لخطر قيام وسائل الإعلام المنافسة بجمع هذه الأخبار ونشرها إذا لم يفعلوا هم ذلك. ولهذا السبب، فإن الكثير من أخبار تغطية الانتخابات سطحي وغير إعلامي.
تغيير الموضوع. ويرتبط هذا ارتباطا وثيقا بالنقطتين السابقتين. فعندما تكون هناك أحداث قد تضر بأحد مرشحي الحزب، فإنه سوف يسعى بصورة حثيثة من أجل تغيير تركيز وسائل الإعلام حول أي حدث آخر: تقبيل الأطفال، ذكر مواطن الضعف لدى الحزب الآخر، والتعهد ببيان مختلف- أي شيء لتجنب الأخبار السلبية. الأحزاب الحاكمة تكون في وضع جيد للقيام بذلك، لأنها يمكن أن تخلق المناسبات الرسمية أو الإعلانات التي تشكل وسيلة لتحويل الانتباه بحد ذاتها.
حافظ على الاسم في الأخبار. وبغض النظر عن النقطة السابقة ، يعمل مدراء وسائل الإعلام على افتراض أنه لا يوجد شيء مثل الدعاية السيئة. وهناك شيء من الحقيقة في هذا القول خلال الانتخابات. لم يصوت أحد في أي وقت مضى لمرشح لم يسمع به.
أنشر قصص سلبية عن المعارضة. إن الموقف من الحملات السياسية السلبية يختلف بشكل كبير باختلاف الثقافة السياسية. ومع ذلك، فإن الاعتداءات المباشرة على مرشح منافس في معظم الحالات، هي أقل فعالية بكثير من وضع القصص السلبية بذكاء عن حزب أو مرشح منافس. هذا هو فن نشر الأخبار السلبية التي تطورت بشكل سريع مع ظهور أسلوب الدعاية. وتكون مسؤولية الصحفي عندما يواجه مثل هذه القصص السلبية، أن يطرح هذا السؤال : "من الذي يقول لي هذا؟ ولماذا؟"



تغطية الأحداث السياسية


     في معظم البلدان، وفي أكثر الحملات الانتخابية، لا يزال تنظيم الحدث السياسي يشكل جزءا هاما للغاية من الاستراتيجيات الإعلامية للأحزاب.
   لا تزال التجمعات السياسية في كثير من البلدان تحتل مكانة هامة في حد ذاتها. وهي وسيلة بطبيعة الحال يتحدث فيها المرشحون مباشرة إلى الناخبين. وحيث لا يزال هناك صدى للحملة الانتخابية، يطرح المرشحون المتنافسون سياساتهم، ويتم مناقشتها وتطرح الأسئلة حولها. وتخدم التجمعات السياسية أو غيرها من الأحداث في الحملة الانتخابية غرضين في المقام الأول:
• الحفاظ على وجود صورة المرشحين في عقل الجمهور.
• السماح لهم بطرح مواقفهم السياسية بدون منازع.
    وقد تقوم التجمعات السياسية الحديثة بأعمال أخرى، مثل إظهار تأييد المشاهير الذي يشكل عنصرا هاما من الحملات السياسية. فغالبا ما تستخدم التجمعات السياسية لتسليط الضوء على الدعم الذي يأتي من مطرب معروف أو ممثل أو شخصية تلفزيونية.
    وكل هذه الأهداف تتطلب إلى حد ما، مشاركة وسائل الإعلام نفسها. فالمرشح يكون في نظر الجمهور فقط إذا قامت وسائل الإعلام بنقل الحدث. وتصبح مواقفه بدون منازع، إذا فشلت وسائل الإعلام في نقل وجهات النظر الأخرى. وتكون شهادات المشاهير ذات فعالية كبيرة - كما هي عموما – إذا ركزت وسائل الإعلام عليها (ثم مواصلة الدعم للأغنية الأخيرة للشخصية المشهورة أو الفيلم أو البرنامج التلفزيوني).
     وتمثل هذه الأحداث بالنسبة للصحفيين والمحررين مأزقا حقيقيا. فالمسيرات أحداث كبيرة تستحق النشر. ومن ناحية أخرى، فإن مضمون هذه التجمعات عادة يمكن التنبؤ به، وهي تماما غير جديرة بالنشر. وبهذه الطريقة فإن أسلوب الحزمة الإخبارية يتم فرضه - والافتراض أن تكون هناك دائما وسائل إعلام أخرى تنقل الأخبار وكذلك يجب أن نفعل نحن.
           ومع ذلك، إن إخضاع تصريحات السياسيين لموقف انتقادي هو جزء ضروري من تغطية الانتخابات. وإن مجرد تكرار بيانات السياسيين بصورة مختزلة ليس جيدا في مجال العمل الصحفي. ويجب أن يكون التوازن مطلوبا، سواء من خلال نقل ردود الفعل على ما يقوله الساسة، لضمان أن الأحداث السياسية لمختلف الأحزاب والمرشحين يتم تغطيتها بشكل مناسب وعادل.
         ما يقوله الساسة هو جزء أساسي ومهم لتغطية الحدث في الحملة. ولكنه ليس الجزء الوحيد. ويمكن أن يشمل التقرير الجيد عن التجمعات السياسية أو غيرها من الأحداث الأخرى على جميع هذه العناصر أيضا:
• كم عدد الأشخاص الذين حضروا هذا الحدث - تقدير الصحفي، وليس تقدير الحزب المنظم أو الحزب المعارض أو الشرطة؟
• ماذا كان رد فعل الجمهور على الخطب، بصورة جماعية وفردية؟
• ماذا كان رد فعل الأحزاب الأخرى أو المرشحين؟
• هل كانت هناك أي حادثة هامة أخرى تحيط بالحدث، مثل محاولات عرقلة أو إزعاج المتحدثين، أو العنف من قبل الجمهور وغير ذلك؟



تغطية صوت الناخب

يتم تغطية الانتخابات بصورة تقليدية من أعلى إلى أسفل. وتقوم وسائل الإعلام بالمتابعة، وربما التعليق على بيانات وتعهدات وخطب الأحزاب والمرشحين. ويستهلك الناخبون الرسائل التي تبثها وسائل الإعلام، ويقومون باختياراتهم السياسية وفقا لذلك. ومن المناهج الأكثر إيجابية هو ما تم تسميته "بتغطية صوت الناخب"، حيث يأخذ هذا المنهج نقطة انطلاق له اهتمامات الناخبين في الانتخابات، بدلا من وعود السياسيين.
 ومن هذا المنطلق فإنه يحاول أن يقوم بشيئين:
 • إعلام الناخبين عن مدى اهتمام السياسيين بشواغلهم.
 • إعلام السياسيين باهتمامات الناخبين الحقيقية.

 وقد تم تطوير مفهوم تغطية صوت الناخبين من قبل معهد السياسات الإعلامية والمجتمع المدني. ويقول المعهد إن الصحفيين بحاجة إلى التفكير مثل الناس، وليس مثل السياسيين. إنهم بحاجة إلى اكتشاف مشاغل الناخبين التي قد تكون في كثير من الأحيان محلية وبدون فائدة إخبارية، وفقا لمعايير الحكم على الأخبار التقليدية. ويشير معهد السياسات الإعلامية والمجتمع المدني إلى أن هذا هو أصعب أشكال العمل للصحافي - لأنه ينطوي على الخروج من أجل إجراء مقابلات مع الناخبين، فضلا عن حضور المؤتمرات الصحفية والاجتماعات الحاشدة. ويتطلب هذا أيضا بحوث أساسية حول هذه القضايا.

صنع السياسات والتقييم


        تمثل العلاقات مع وسائل الإعلام جزءا هاما من إستراتيجية الاتصال لهيئة إدارة الانتخابات، ولكنها ليست الجزء الوحيد.
     النقطة الأكثر أهمية هي أن هيئة الإدارة الانتخابية لا تعمل بمعزل عن غيرها، وإن نشر خططها وقراراتها عملية هامة تجعلها أكثر فعالية. ويمكن تنظيم أفضل انتخابات في العالم - ولكن من الضروري أيضا أن تكون قادرة على التواصل. وبعبارة أدق، إذا كان الإدارة الانتخابية غير قادرة على التواصل فإنها بالتأكيد لن تكون قادرة على تنظيم أفضل الانتخابات في العالم.
     إن عمل الإدارة الانتخابية يسير في دورة مستمرة. فبعد أن تنتهي البلاد فترة انتخاباتها الأولية الانتقالية والديمقراطية، ستكون ملزمة في عملية لا نهاية لها من تنظيم الانتخابات: انتخابات تشريعية (النواب والأعيان)، ورئاسية وإقليمية ومحلية، وحتى انتخابات دولية كما هو الحال في أوروبا. وقد تكون هناك استفتاءات أو غيرها. وقد يجري التصويت على بعض القوانين المقترحة. إن الديمقراطية بكل مشكلاتها وصعوباتها عمل الشاق، وهو عمل لا يتوقف.
    إن المراحل التقليدية التي تمر بها إدارة المشاريع لا تتوافق بسهولة مع الإدارة الانتخابية. فقد يكون من الصعب فصل التخطيط والتنفيذ والتقييم، عندما تبدأ الانتخابات المقبلة قبل الانتهاء من الانتخابات السابقة تقريبا. ومع ذلك، فالتخطيط والتقييم كلاهما جزء أساسي من عملية تنظيم الانتخابات. وتقوم الاتصالات بدور حاسم في كليهما.
      ويتم تخطيط الأعمال بشكل أكثر فعالية إذا تمت مشاركة أصحاب المصلحة الآخرين. وخير مثال واضح على ذلك يتعلق بوسائل الإعلام والانتخابات، يتمثل في مجال الاهتمام بوضع لوائح وقواعد السلوك. وتعمل هذه اللوائح والقواعد على أفضل وجه، عندما يقوم جميع أصحاب العلاقة، لا سيما في هذه الحالة وسائل الإعلام والأحزاب السياسية بالمشاركة في عملية التخطيط. ومن مجالات الاهتمام الأخرى الجداول زمنية. فمن المهم أن تقوم كل من وسائل الإعلام والإدارة الانتخابية بالتفاهم حول الاختلافات الموجودة في الأولويات والمواعيد النهائية.
       كما يحتل الاتصال بصورة متساوية أهمية خاصة في عملية التقييم. وهناك خطر في التركيز عند تقييم النظام، على قياس المخرجات بدلا من قياس التأثير. ويرجع ذلك جزئيا لسهولة تحقيق ذلك. ويصعب في الواقع استخدام عدد النشرات الصحفية الصادرة عن قسم الإعلام في الإدارة الانتخابية كمؤشر للفعالية. لأن المشكلة هي أن البيانات الصحفية نفسها تظهر فقط ما تم إصداره، وليس ما تم استخدامه وفهمه. فمؤشرات الفعالية الحقيقية أكثر صعوبة في تطويرها، لأنها تتطلب الاتصال والتشاور مع الذين يتأثرون بها. وفي مثل هذه الحالة فإن دراسة استقصائية لوسائل الإعلام تبحث عن أكثر الأشكال الفعالة في نشر الأخبار، يمكن أن يكون أداة تقييميه أكثر فائدة. كما أن مراقبة وسائل الإعلام لمعرفة مدى استخدام المواد التي تصدرها الإدارة الانتخابية، يمكن أن يكون أكثر فعالية.


عملية تشاور


    تنطوي عملية تنظيم الانتخابات على عملية مستمرة للاتصال. وإن واحدة من أكثر الأشكال المفيدة والفعالة للاتصال هي التشاور بين الإدارة الانتخابية والجهات المعنية الأخرى.
إن أصحاب المصلحة الرئيسين في ما يتعلق بدور وسائل الإعلام في الانتخابات هم:
• هيئة إدارة الانتخابات نفسها.
• وسائل الإعلام، بما في ذلك كل من رؤساء التحرير والإدارة، والصحفيين العاديين.
• الأحزاب السياسية والمرشحون.
• المنظمات غير الحكومية، وخاصة تلك المسؤولة عن الدفاع عن حرية وسائل الإعلام أو مراقبة إنتاج وسائل الإعلام.
• ممثلون عن الناخبين أنفسهم، مثل منظمات المجتمع المحلي.
ونورد فيما يلي مثالين حول كيف تتم في الواقع المشاورات مع أصحاب المصلحة.
     قبل الانتخابات البرلمانية التنزانية لعام 2000، عقد مجلس وسائل الإعلام اجتماعا لوسائل الإعلام والصحفيين، والجماعات غير الحكومية المعنية بحرية وسائل الإعلام، واللجنة الوطنية الانتخابية. وقام هذا التجمع بوضع مدونة لقواعد السلوك للتغطية الإعلامية للانتخابات. وقام مجلس وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية الأخرى بتنظيم مشروع رصد وسائل الإعلام الذي كان يهدف إلى تحديد مدى التزام وسائل الإعلام بمدونة قواعد السلوك. وقامت بتقديم تقارير بصورة منتظمة طوال الحملة الانتخابية  قبل إصدار التقرير النهائي بعد الانتخابات.
     وقد صدر التقرير النهائي بعد إجراء المزيد من المشاورات، شارك فيها جميع أصحاب المصلحة نفسها، جنبا إلى جنب مع الأحزاب السياسية والمرشحين. وقد تمت مناقشة نتائج الرصد بدقة وتقييم مدونة قواعد السلوك، واستخلاص العبر للانتخابات المقبلة.
     وقبل انتخابات عام 2002 في زيمبابوي، قام مشروع زيمبابوي لرصد وسائل الإعلام بعقد مشاورات مع أصحاب المصلحة، في محاولة لوضع مقترحات لنظام الوصول المباشر إلى وسائل الإعلام من قبل الأحزاب السياسية. ودعيت وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والإدارة الانتخابية والمنظمات غير الحكومية، جنبا إلى جنب مع العديد من منظمات مجتمعية، مثل جمعيات السكان ونقابات العمال. وكان الحضور في هذا الاجتماع على نطاق واسع،  ولكن للأسف بدون مشاركة الإدارة الانتخابية أو الحزب الحاكم. وقام مشروع زيمبابوي لرصد وسائل الإعلام بإعداد ورقة تحتوي على سلسلة من الخيارات الممكنة لمختلف أنظمة الوصول المباشر. ونوقشت هذه بشكل مستفيض، وتمت الموافقة في النهاية على مجموعة من المقترحات بتوافق الآراء.  وكان غياب الإدارة الانتخابية واحد الأحزاب السياسية الرئيسة في هذه الحالة يعني أنه لا يمكن اعتماد المقترحات.


حالات مدروسة حول وسائل الإعلام والانتخابات

البوسنة : تطبيق اللوائح على خطاب الكراهية
كندا : الدعاية السياسية المدفوعة الأجر
كندا : تمنع المدونين من نشر النتائج
غامبيا : اللجنة الانتخابية المستقلة تضع خطة للاتصال
إيطاليا : الهيئة التنظيمية الحالية
روسيا : إجراءات الشكاوى (1993)
المملكة المتحدة : تطبيق اللوائح على خطاب الكراهية
الولايات المتحدة : إخضاع المدونين وضبطهم؟
زيمبابوي : مثال على التغطية غير المتوازنة

البوسنة: تطبيق اللوائح على خطاب الكراهية


تطلب قواعد وأنظمة لجنة الانتخابات المؤقتة لانتخابات عام 1998 دون أي غموض، ما يلي:
 "يجب على وسائل الإعلام والصحفيين عدم استخدم لغة تحريضية،  أو لغة الكراهية  أو اللغة التي يمكن أن تحرض على الكراهية أو العنف". [1]
    ويحق لخبراء لجنة الإعلام فرض العقوبات"المناسبة" على الانتهاكات المتكررة لهذا الحكم. ويحق لها أيضا تحويل انتهاكات وسائل الإعلام اإلى الهيئة التنظيمية، لجنة وسائل الإعلام المستقلة.
    وقد تناولت لجنة خبراء الإعلام واللجنة الفرعية المحلية لخبراء وسائل الإعلام التابعة لها، عددا كبيرا من الشكاوى خلال الحملة الانتخابية، وكان العديد منها يتعلق باستخدام اللغة التحريضية. وكان العلاج المنصوص عليه في معظم الحالات يتمثل بتوفير المجال للرد، ويجب نشر أو بث الرد أو التصحيح.  وقد أشار تقرير لجنة خبراء الإعلام حول نشاطاته إلى أن كل هذه التوصيات قد تم الالتزام بها.
      ومع ذلك، لقد كان مدى نجاح مجلس خبراء الإعلام في الحد من انتشار خطاب الكراهية في انتخابات عام 1998، نتيجة وضع المعايير العامة في وقت سابق للانتخابات. وكان للدور الذي لعبته لجنة خبراء الإعلام كمدافع عن حرية التعبير لدى الصحفيين قد ساعد في مصداقيتها. وكان التقييم الخاص بلجنة خبراء الإعلام على النحو التالي:
"كان المتوقع من الصحفيين أكثر، كما تم تقديم المزيد للصحفيين. لقد أظهر الصحفيون تقدما في دقة التقارير والمزيد من ضبط النفس، ولا سيما فيما يتعلق بتقارير الافتراء والتشهير. وقد أطهرت جميع وسائل الإعلام خلال فترة الانتخابات تحسنا في الكفاءة المهنية. وجدير بالذكر أيضا أن الصحفيين أشادوا بلجنة خبراء الإعلام لرفع مستوي المعايير المهنية للصحفيين. كما حققت لجنة خبراء الإعلام تقدما كبيرا في توثيق انتهاكات حقوق الصحفيين ووضعها كأولوية مهمة للعمل في المستقبل في البوسنة والهرسك ". [2]
[1] اللجنة المؤقتة للانتخابات. القواعد والأنظمة، المادة 9.35.a، في: لجنة خبراء وسائل الإعلام ، التقرير النهائي: وسائل الإعلام في انتخابات عام 1998، عام 1998.
[2]) المرجع نفسه ، ص 14.


كندا : الدعاية السياسية المدفوعة الأجر


     قامت لجنة الإذاعة والتلفزيون والاتصالات السلكية واللاسلكية الكندية بوضع القواعد التالية لتخصيص الوقت للدعاية السياسية المدفوعة:
•  هناك كمية محدودة من الوقت من أجل الشراء – وقد حددت بست ساعات ونصف الساعة في عام 1990.
•  يحق شراء الوقت من قبل الأحزاب المسجلة بشكل صحيح مع سلطة الانتخابات.
•  تقوم لجنة الإذاعة والتلفزيون والاتصالات السلكية واللاسلكية الكندية بعقد اجتماع لممثلين عن جميع الأحزاب المؤهلة من أجل تقسيم الوقت فيما بينها. وإذا لم يتمكن ممثلو الأحزاب من التوصل إلى اتفاق، ستقوم لجنة الإذاعة والتلفزيون والاتصالات السلكية واللاسلكية الكندية بتوزيع الوقت بطريقتها الخاصة.   وكانت الصيغة التي اتفق عليها ممثلو الأحزاب، في الانتخابات العامة عامي 1979 و1980، تقوم على نسبة الأصوات التي حصل عليها كل حزب في الانتخابات العامة السابقة، وعدد المقاعد التي يحتلها في البرلمان قبل حله، وعدد المرشحين في الانتخابات السابقة، مع إعطاء العاملين الأولين قيمة مضاعفة. ويتيح هذا الأسلوب المرونة بين الانتخابات، بحيث إذا وجد حزب جديد وقام بتقديم مرشحين في أي انتخابات معينة، يمكن استخدام صيغة مختلفة.
•  وبعد أن يتم تقسيم الوقت، يستطيع كل حزب شراء أكبر قدر من الوقت المخصص له بحرية، واستخدام ذلك الوقت كما يريد. ومع ذلك، فان الكمية المحدد للإنفاق العام في الانتخابات تعني أن أيا من الأحزاب لن يكون قادرا على شراء حصته الكاملة. [1]
[1] هوارد ر. بنيمان وأوستن راني. تنظيم الدعاية السياسية المتلفزة في ست ديمقراطيات مختارة، لجنة لدراسة الناخب الأميركي، بدون تاريخ.


كندا: تمنع المدونين من نشر النتائج


     أمرت المحكمة العليا في كندا في كانون الثاني عام 2006  وسائل الإعلام، بعدم نشر التقارير عن نتائج الانتخابات، إلا بعد إغلاق جميع مراكز الاقتراع. وقد شمل الحظر مواقع الإنترنت، بما في ذلك سجلات الويب.
     يتركز الكثير من النقاش حول تنظيم شبكة الإنترنت في مراكز الانتخابات، حول ما إذا كان يمكن اعتبارها جزءا من وسائل الإعلام كما يفهم تقليديا. ويرى العديد من المحللين أن الطابع اللامركزي للإنترنت، يجعلها مختلفة نوعيا عن وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والإذاعات. ويقولون أنها أقرب إلى أسلوب المناظرة منها إلى أسلوب البث – وهذه هي وجهة النظر التي اتخذها عدد كبير من أصحاب المدونات السياسية. ومع ذلك، فقد اتخذت المحكمة العليا في كندا رأيا مخالفا في الانتخابات العامة في عام 2006.
      وإن مسألة نشر النتائج تعتبر مسألة حساسة بشكل خاص في بلد مثل كندا، التي تمتد عبر عدة مناطق زمنية. فتكون مراكز الاقتراع مفتوحة على الساحل الغربي بعد اكتمال الفرز في مراكز الاقتراع في الشرق.
    وقام بول براين وهو صاحب مدونة من برتش كولومبيا على الساحل الغربي، بمخالفة القانون بصورة  متعمدة في عام 2000، ونشر النتائج على موقعه على الانترنت electionresultscanada.com. وكانت هذه جريمة بموجب المادة 329 من قانون الانتخابات الكندي، التي تنص على:
"لا يجوز لأي شخص نشر النتائج أو النتيجة المتوقعة عن الأصوات في دائرة انتخابية للجمهور في دائرة انتخابية أخرى، قبل إغلاق كافة مراكز الاقتراع في تلك المقاطعة الانتخابية".
    وتم توجيه تهمة إلى برايان بمخالفة القانون ودفع غرامة قدرها 25000 دولار. ولكنه تحدى دستورية هذا الحكم، بحجة أنه انتهك الميثاق الكندي للحقوق والحريات. وفي شهر شباط عام 2003،  قضت محكمة مقاطعة “برتش كولومبيا” بأن المادة 329 لم تحد من الحق في حرية التعبير، وكان  هناك ما يبرره في مجتمع حر وديمقراطي. وأدين بريان لاحقا على إنه قد خرق هذا الحكم، وغرم ب 1000 دولار.
    وفي شهر تشرين الأول عام 2003، وجدت المحكمة العليا في  “برتش كولومبيا” أن المادة 329 لم تنتهك في الواقع ميثاق الحقوق والحريات. وبرئت ساحة بريان في الاستئناف. ولقد توفرت الفرصة لانتخابات كندا  والنائب العام لاستئناف القرار، ولكن انتخابات عام 2004  جرت قبل أن يتم الاستماع للقضية. ولهذا لم تقم إدارة انتخابات كندا بفرض المادة 329 من أجل الحفاظ على تطبيق موحد للقانون في جميع أنحاء البلاد. وقامت وسائل الإعلام بالتالي بنشر النتائج في وقت سابق على إعلان المقاطعات الشرقية لنتائجها.
      وفي شهر أيار عام  2005، قامت محكمة الاستئناف في برتش كولومبيا بأخذ قرار يعكس قرار المحكمة العليا، حيث وجدت أن المادة 329 دستورية. ورغم أن المحكمة العليا في كندا منحت بريان الفرصة للاستئناف، إلا أنه لم يحدث أي شيء حتى انعقاد الانتخابات العامة القادمة في كانون الثاني 2006. وبعد أن أعلن إن المادة 329  أصبحت نافذة في مقاطعة برتش  كولومبيا، قامت إدارة الانتخاب الكندية بالإعلان عن تطبيق الحكم في جميع أنحاء البلاد.
     وقامت مجموعة من المؤسسات الإعلامية بتقديم طلب إلى المحكمة العليا لوقف الحظر، بانتظار صدور قرار الاستئناف في قضية بريان، على أساس أن آثار نشر النتائج ستكون ضئيلة، وينبغي أن "لا تكون مبررا للتعدي على حق حرية التعبير لعدة ملايين من الكنديين". ومع ذلك ، قضت المحكمة العليا بأن القانون الحالي سيبقى في مكانه.
     ولم يكن هناك من بديل لوسائل الإعلام والمنظمات الرئيسة إلا الخضوع لاحترام القانون. وهذا ما قام به معظم المدونون، الذين أشاروا إلى عدد من المشاكل المحتملة:
"التدوين في يوم الانتخابات سيكون صعبا في هذه الانتخابات، خلافا للانتخابات السابقة، فالمادة 329 من قانون الانتخابات في كندا، سوف تكون سارية المفعول، وهذا يعني أن الكتابة عن نتائج الانتخابات حتى الساعة العاشرة بتوقيت المقاطعات الشرقية سيكون ضد القانون، حيث تعتبر المدونات شكلا من أشكال البث للجمهور".
       في حين أن استخدام البريد الإلكتروني أو الرسائل الفورية أو حتى التحدث على الهاتف حول نتائج الانتخابات يعد شيئا مقبولا، لأن هذه الوسائل لا تعتبر من مجال البث العام..
      ولكن ماذا لو كنت تكتب عن نتائج الانتخابات على موقعك الخاص "لايف جورنال" بشكل تكون فيه المعلومات مقصورة على أصدقائك فقط؟  فكم يجب أن يكون حجم قائمة الأصدقاء قبل أن تعتبر القوانين ذلك شكلا من أشكال البث العام ؟ [1]
     إن التعليق الأخير يسلط الضوء على أن القوانين قد وضعت لتناسب وسائل الإعلام التقليدية، ولا تتناول الخصائص التي تنفرد بها وسائل الإعلام الجديدة. وإن إحدى السمات الخاصة الأخرى التي تتميز بها الإنترنت هي طابعها الدولي، فالمدونون خارج البلاد - الكنديون والمغتربون والمدونون في الولايات المتحدة –يشاركون في النشر.
[1] http://www.cbc.ca/canadavotes/analysiscommentary/blogreport.html ، بتاريخ 23 شباط  2006.


غامبيا: اللجنة الانتخابية المستقلة في غامبيا تضع خطة للاتصالات


     في أوائل عام 2004 قررت اللجنة الانتخابية المستقلة في غامبيا بأنها بحاجة لوضع خطة اتصال. وحددت خمسة أسباب رئيسة لأهمية هذه الخطة.
• لا تتوافر لدى اللجنة الانتخابية المستقلة الموارد الكافية في مجال الاتصال، كما هو الحال في جميع أعمالها. ومن شأن خطة الاتصال أن تتيح لها استخدام هذه الموارد البشرية والمادية في المجالات الأكثر أهمية بصورة خاصة. ومما يساعد أيضا على حشد مواردها في إعداد المواد لتوزيعها على وسائل الإعلام. وستكون اللجنة الانتخابية المستقلة قادرة على أن تكون فعالة في علاقاتها مع وسائل الإعلام بقدر الإمكان، بدلا من الاستجابة للطلبات المقدمة دائما. وسوف تكون قادرة على تنفيذ العمل في إعداد هذه المواد في الوقت الذي تختاره، وليس فقط في فترة الانشغال قبل الانتخابات.
• يفرض التخطيط الانضباط الذي من شأنه أن يساعد اللجنة الانتخابية المستقلة في التفكير بأهدافها بوضوح، والرسائل التي تريد إيصالها إلى مختلف الفئات من الجمهور. ومن ذلك يمكن أن تحدد وسائل الإعلام الأكثر فعالية لنقل هذه الرسائل.
• إن التخطيط في مجال الاتصال يسمح للجنة الانتخابية المستقلة بدمج جميع أعمالها في مجال الاتصال - وليس فقط في مجال العلاقات الإعلامية، وإنما أيضا تثقيف الناخبين، والاتصال مع الأحزاب السياسية الخ.
• سوف يسمح التخطيط والاتصال من التأكد من أن جميع الموظفين والمفوضين يرسلون نفس الرسالة إلى العالم الخارجي.
• سوف تساعد خطة الاتصال اللجنة الانتخابية المستقلة في وضع مجموعة من الأدوات والتقنيات والتدابير التي يمكن أن تستخدم في العلاقات مع وسائل إعلامها.
وقد قامت اللجنة الانتخابية المستقلة بالفعل بعملية تخطيط استراتيجي، وضعها في موقف قوي للنظر في احتياجاتها في مجال الاتصال. وقد التزمت في عملية التخطيط لها بالتسلسل التالي، والذي أخذته من المواد التي أنتجتها منظمة كندية، هي معهد وسائل الإعلام والسياسة والمجتمع المدني (IMPACS) :
• تحليل الوضع: الخلفية التنظيمية.
• تحليل الوضع: البيئة الخارجية.
• أهداف اللجنة الانتخابية المستقلة.
• أهداف الاتصال.
الجمهور المستهدف.
• الرسائل الرئيسة.
• الاستراتيجيات.
• الأساليب.
• التوقيت.
• الجدول الزمني.
• المتحدثون الرسميون.
   وكانت النقطة المركزية في هذا المنهج هي النظر إلى مواطن القوة والضعف في اللجنة الانتخابية المستقلة، جنبا إلى جنب مع أهداف خطة الاتصال الخاصة بها، قبل النظر في رسائل معينة والفئات المستهدفة من الجمهور. وبعد أن يتم تحديد كل ذلك، يمكن النظر إلى تقنيات المحددة التي يمكن استخدامها.
تحليل الوضع: الخلفية التنظيمية
تناولت اللجنة الانتخابية المستقلة هنا ثلاثة أسئلة:
• ما هي مهمة اللجنة الانتخابية المستقلة؟
• كيف تم تقييم نجاح اللجنة الانتخابية المستقلة في أداء هذه المهمة في الماضي؟
• ما هي المؤشرات الموجودة عن أدائكم؟
     وتمثلت مهمة اللجنة الانتخابية المستقلة في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وكانت الميزانية العامة إيجابية للغاية، وذلك باستخدام مؤشرات مثل الإقبال على التصويت، رد فعل المراقبين الدوليين، وردود فعل الأحزاب السياسية.
تحليل الوضع: البيئة الخارجية
حاولت اللجنة الانتخابية المستقلة توجيه أسئلة حول الكيفية التي ينظر بها إليها في العالم الخارجي، وهي كما يلي:
• هل تعتبر اللجنة الانتخابية المستقلة عموما بأنها فعالة وذات كفاءة؟
• هل تعتبر اللجنة الانتخابية المستقلة عموما بأنها جديرة بالثقة ويمكن الاعتماد عليها؟
• هل تعتبر اللجنة الانتخابية المستقلة عموما بأنها مستقلة؟
• هل يمكن الوصول إلى اللجنة الانتخابية المستقلة بصورة عامة؟
• هل قام أحد بتقديم رسائل معادية للجنة الانتخابية المستقلة؟
     وقد حاولت الإجابة على هذه الأسئلة من خلال وجهات نظر مختلفة من الجمهور ووسائل الإعلام والأحزاب السياسية. وكانت النتيجة أن الناخبين ينظرون إلى اللجنة الانتخابية المستقلة بطريقة إيجابية عموما، وجاءت معظم الآراء السلبية من الأحزاب السياسية، أما وجهة نظر وسائل الإعلام فقد كانت أكثر تنوعا.
الأهداف الرئيسة والأهداف التنظيمية
     وكانت الخطوة التالية هي تحديد وضع التغطية الإعلامية التي سعت اللجنة الانتخابية المستقلة إلى تحقيقه في إطار أهدافها وغاياتها العامة. وحددت هدفها الرئيس في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. وكان هناك عدد من الأهداف المرحلية، أو الخطوات على طريق تحقيق هذا الهدف، وهي:
• تسجيل شامل وعادل.
• توفير البيئة المناسبة للحملة.
• وصول الأحزاب إلى وسائل الإعلام بصورة عادلة.
• تزويد الناخبين بالمعلومات.
• حملة انتخابية سلمية ومتسامحة.
• ارتفاع نسبة الإقبال.
• سرية الاقتراع.
• التصويت المنظم.
• الشفافية / الدقة / مصداقية العد.
• نشر النتائج بصورة فعالة.
أهداف الاتصال
      قامت اللجنة الانتخابية المستقلة فيما بعد بتوجيه سلسلة من الأسئلة حول كيف يمكن أن تساعد اتصالاتها على تحقيق هذه الأهداف:
• ما هي الأهداف التي تسعى اللجنة الانتخابية المستقلة إلى تحقيقها من خلال حملة اتصالاتها؟
• ماذا تريد أن يفعل الناس بالمعلومات التي يتم تزويدها لهم؟
• كيف يمكن أن تقوم اللجنة الانتخابية المستقلة بقياس نجاحها ؟

الجمهور المستهدف
ثم نظرت اللجنة الانتخابية المستقلة في طبيعة الجمهور في اتصالاتها:
• ما هو الجمهور الرئيس لحملة الاتصال؟ وهل يمكن تقسيم هذا الجمهور إلى مجموعات فرعية؟
• هل هناك جماهير ثانوية لرسائل اللجنة الانتخابية المستقلة؟ إذا كان الأمر كذلك، من هي؟
    وقد خلصت إلى أن الجمهور الرئيس كان جميع الناخبين، ويمكن تقسيمه إلى الناخبين في المناطق الحضرية والناخبين في المناطق الريفية، ويحتاج ذلك إلى معالجة بطرق مختلفة، وربما برسائل مختلفة إلى حد ما. كما ستكون هناك أيضا رسائل خاصة توجه للناخبات من النساء والناخبين من الشباب أو الذين ينتخبون لأول مرة.
     وشملت الجماهير الثانوية الأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام نفسها (قواعد تقديم التقارير مثلا)، والمراقبين الدوليين والحكومة في هذه المنطقة الفرعية.

الرسائل الرئيسة
     يتطلب تخطيط عملية الاتصال بالنسبة للشركات التجارية والمنظمات غير الحكومية أو حتى الأحزاب السياسية عادة تحديد أولويات ثابتة في الرسالة. أما بالنسبة لهيئة الإدارة الانتخابية، فهناك عدد وافر من الرسائل، وبعضها بحاجة إلى تكرار باستمرار، وبعضها الآخر لفترة محددة من الدورة الانتخابية. وقد حددت اللجنة الانتخابية المستقلة في غامبيا الرسائل التالية بأنها مهمة :
• لا تعرض صوتك للبيع.
•  صوت في المكان الذي سجلت فيه. 
• من يحق له التصويت؟
• البطاقة ليست للبيع / وليست للرشوة.
• التصويت سري.
• لا تسجل أكثر من مرة.
• احترم وجهات النظر الأخرى.
• شجع النساء على التصويت.
• متى يتم التصويت؟
• أين يتم تصويت ؟
• كيف يتم التصويت؟
• هل سجلت؟
• مواعيد الترشيح.
• هدوء الحملة.
• مارس حقك في التصويت.
• النتائج.
استراتيجيات
   لوضع أفضل إستراتيجية لإيصال الرسائل المذكورة  أعلاه إلى الجماهير المستهدفة المحددة، قامت اللجنة الانتخابية المستقلة بإجراء تحليل "مظاهر القوة والضعف والفرص والتهديد". لمعرفة النتائج، أنظر إلى الجدول على الشريط الجانبي الأيمن.
     ولقد تم الوصول إلى أن إستراتيجية الاتصال يجب أن تكون فعالة. وكان من الضروري إعداد رسائل واضحة قبل الموعد الذي يتم استخدامها فيه، وبالتالي اختصار الوقت الذي يستخدم في الرد على استفسارات وسائل الإعلام.
    وستعطى الأولوية للإذاعة ووسائل الإعلام التقليدية، بما في ذلك وسائل الاتصال الاجتماعية في المناطق الريفية، ما دامت هذه هي الوسائل التي تصل إلى جميع السكان. وكانت الأولوية أدنى بالنسبة للتلفزيون والصحف، والجمهور الغفير في المناطق الحضرية.  .
التكتيك والمناهج   
     قبل إجراء تحديد دقيق لتقنيات وسائل الإعلام التي ستستخدمها اللجنة الانتخابية المستقلة، قامت بأخذ التالي بعين الاعتبار:
• ميزانيتها المخصصة للاتصال؟
• الإمكانيات المتوفرة لاستكمالها؟
• ما هو عدد الموظفين المتوفرين؟
• ما هي الالتزامات الأخرى المطلوبة منهم في نفس الوقت؟
• كم من الوقت سيتم تخصيصه للاتصالات الخارجية؟
وقد تم تحديد التقنيات التالية من الأولويات :
• المعلومات التي تم إنتاجها مسبقا للبث الإذاعي (بما في ذلك المسرحيات القصيرة). ويمكن إعدادها مسبقا وإعادة استخدامها لفترة طويلة.
• مجموعة شاملة من المواد الإعلامية. ويتم إعدادها مسبقا، ويتم تحديثها وتوزيعها قبل الانتخابات. وهذا من شأنه الحد من استفسارات وسائل الإعلام في المستقبل.
• سيقوم الموقع بإعادة استخدام مجموعة المواد الإعلامية، ومدونة قواعد السلوك والمبادئ التوجيهية الخ.
• قائمة شامله ومحدثة لوسائل الإعلام.
ويمكن أيضا استخدام تقنيات أخرى، ولكن بأولوية أقل:
• النشرات الصحفية.
• المؤتمرات الصحفية.
• إعلانات صحيفة مدفوعة الأجر.
• مقالات الأعمدة في الصحف.
• رسائل / تعليق / توضيحات.
• الرد على الاستفسارات.
التوقيت
    وضعت اللجنة الانتخابية المستقلة جدولا زمنيا يحدد فيه التاريخ الذي يجب أن ترسل فيه الرسائل المطلوبة. وهذا ليس فقط من أجل الانتخابات الوطنية المقبلة، ولكن من أجل التسجيل، والانتخابات الفرعية وغيرها من الأحداث.

خطة زمنية
    قامت اللجنة الانتخابية المستقلة بعد ذلك، بوضع كل المعلومات مع التوقيت والرسائل والتقنيات معا في إطار خطة محددة تشير إلى ما يجب القيام به ومتى وبواسطة من. وتوجد هذه المعلومات ملخصة في جدول مع خطة زمنية للمعلومات على الجانب الأيمن.

المتحدثون الرسميون
    حددت اللجنة الانتخابية المستقلة أخيرا، المتحدثين المسؤولين عن الاتصال مع وسائل الإعلام. وكان رئيس اللجنة الانتخابية المستقلة في السابق، هو المتحدث الوحيد باسم هذه اللجنة غالبا. وقد أدى هذا العمل المرهق إلى البطء في تقديم الإجابات لوسائل الإعلام. ورغم أن الرئيس قد ظل الرئيس وسيلة الاتصال الرئيسة مع وسائل الإعلام الرئيسة، فقد حولت العديد من مهام الاتصال اليومية إلى الموظفين. ولهذا كان عليهم وعلى غيرهم من المفوضين تلقي التدريب في تقنيات إجراء المقابلات الإعلامية.


إيطاليا : الهيئة التنظيمية الحالية



    أقر البرلمان الإيطالي في عام 1993 القانون رقم 515 بشأن "الانضباط في الحملات الانتخابية لانتخاب مجلس النواب ومجلس الشيوخ للجمهورية". وهو ينظم الوصول إلى وسائل الإعلام من قبل المرشحين، ويضع إجراءات مختلفة لوسائل الإعلام العامة والخاصة.

الإذاعة الرسمية
   تخضع الإذاعة الرسمية  "راي" لسلطة " اللجنة البرلمانية للتوجيه والمراقبة"، التي تتألف من 20 عضوا من كل من مجلسي البرلمان. وقد أصدرت اللجنة في عام 1994 مبادئ توجيهية  لمحطة "راي" من أجل ضمان "تكافؤ الفرص في ظهور جميع الأحزاب والحركات المشاركة في الحملة الانتخابية". ولقد أنشأت مركزا للمراقبة يسمح لها بمشاهدة كافة ما تنتجه محطة "راي" خلال فترة الحملة. كما وضعت اللجنة أيضا قواعد لعمليات البث المباشر في الانتخابات من قبل الأحزاب على محطة "راي".
وسائل الإعلام الخاصة
    لقد أنشئت من خلال قانون الصحافة الايطالية، هيئة تنظيمية تعرف باسم "الضامن" للإذاعة والتلفزيون والصحافة. وشملت ولايتها الإذاعة والتلفزيون في عام 1990. ويقوم رئيس الجمهورية (غير التنفيذي) بتعيين الضامن بناء على توصيات البرلمان. ولقد أعطى القانون رقم 515 الضامن سلطة إضافية فيما يتعلق بالانتخابات. وهذه هي باختصار:
• ضمان المساواة في وصول الأحزاب السياسية إلى الصحافة والبث الخاص.
• تحديد الحد الأقصى والحد الأدنى لرسوم الدعاية السياسية.
ويجب على الضامن أن يصدر لائحة تنظم التغطية الانتخابية.
     وتقوم اللجنة الإقليمية للإذاعة والتلفزيون بمساعد "الضامن". مرة أخرى، هذه هي الهيئات الرقابية القائمة، وهي تقوم أساسا بدور الرصد، وتبلغ الضامن بالظروف التي يتم فيها الامتثال للأنظمة والقانون رقم 515. [1]
[1] جيان بيرو جماليري . "ايطاليا وانتخابات عام 1994: وسائل الإعلام والسياسة ومركزية السلطة" في: ياشا لانج واندرو بالمر (محرران). وسائل الإعلام والانتخابات: دليل المعهد الأوروبي لوسائل الإعلام، دوسلدورف، 1995.


روسيا : إجراءات الشكاوى (1993)


     بدأت الدائرة القضائية الروسية للنزاع حول المعلومات في مؤسسة تسمى "محكمة الفصل في قضايا الإعلام"، وهي هيئة متخصصة، أنشئت تحديدا لانتخابات 1993 البرلمانية. وقد أثبتت هذه الهيئة المؤقتة نجاحا مقبولا، باعتبارها هيئة تحكيم محايدة في المنازعات خلال فترة مثيرة للجدل، ولهذا فقد تقرر أن يحل محلها هيئة دائمة للشكاوى.
   وإن "الدائرة القضائية للنزاع حول المعلومات" هي هيئة رسمية مستقلة "تحت إشراف رئيس الاتحاد الروسي". وتنفذ مهامها دون تدخل من أي جهة أخرى. ويتعلق عدد من هذه المهام بدور وسائل الإعلام في الانتخابات، بما في ذلك:
• المساعدة في ضمان تغطية إعلامية غير حزبية وصادقة لقضايا تتعلق بالمصلحة العامة.
• ضمان مبدأ المساواة في وسائل الإعلام.
• المساعدة على تطبيق مبدأ التعددية السياسية من خلال التلفزيون والإذاعة والأخبار والبرامج الحوارية السياسية.
• إصدار مبادئ توجيهية لتصحيح الأخطاء في تغطية وسائل الإعلام لمسائل تتعلق بالمصلحة العامة.
       وتنص الفقرة الثامنة من النظام الأساسي الذي أنشأ الدائرة على أنها سوف تفصل في "النزاعات وغيرها من الحالات التي ترتبط بوسائل الإعلام". ويكون الأساس القانوني لتسوية هذه النزاعات، إضافة إلى القانون الروسي، "المبادئ المقبولة عالميا، وقواعد القانون الدولي، ومتطلبات معاهدات الاتحاد الروسي على الصعيد الدولي"، فضلا عن معايير الأخلاق الصحفية.
     وعلى الرغم من أن الهيئة تسمى بالدائرة القضائية، فإن ولايتها مفصولة بصورة واضحة عن المحاكم العادية. ويمكنها النظر في أية مسألة تدخل في نطاق اختصاصها "باستثناء المسائل المشار إليها رسميا في السلطات القضائية للمحاكم التابعة للاتحاد الروسي". وهذا يعني أنه يمكن في الممارسة العملية، استئناف قرار صادر عن الدائرة في محكمة قانونية. ولكنه يعني أيضا أن المشتكي يمكن أن يأخذ المسألة إلى المحكمة بدلا من الدائرة- وهو حق مكفول بموجب الدستور - أو يمكن تقديم دعوى قضائية منفصلة بعد أن تكون الدائرة قد استمعت لهذه المسألة. [1]
[1] فيكتور موناكوف، "النزاع حول المعلومات المتعلقة بالحملات الانتخابية عبر وسائل الإعلام: تجربة الدائرة القضائية في الحملة الانتخابية عام 1999، الحملة الانتخابية، في: المؤسسة الدولية لنظم الانتخابات. وسائل الإعلام والانتخابات الرئاسية في روسيا عام 2000  دار نشر حقوق الإنسان، موسكو، 2000


المملكة المتحدة : عمليات المنظم حول خطاب الكراهية


      تلقت لجنة معايير البث في المملكة المتحدة في عام 1997 - وهي الهيئة التي تنظر في الشكاوى المقدمة ضد عمليات البث، بما في ذلك المسائل الانتخابية - 76 شكوى حول عمليات البث الانتخابية الحزبية للحزب الوطني البريطاني، وهو حزب يمثل جماعة من اليمين المتطرف.
     ووصفت الشكاوى البث بانه عنصري و"من المحتمل أن يشجع على انتشار الكراهية العنصرية أو العنف، ويرجع بصورة جزئية إلى طبيعة المادة التوضيحية المستخدمة في النسخة التلفزيونية، واستخدام عناوين صحف مثيرة".
     وكانت ردود وسائل البث تمثل نموذجا مثيرا للاهتمام نظرا للصعوبات التي تواجه وسائل الإعلام عندما يتم نقل التصريحات المتطرفة. وكان المذيعون قد قاموا بطلب المشورة القانونية بشأن ما إذا كان البث يشكل تحريضا على العنف، وتم التأكيد لهم بأنه ليس كذلك. كما أشارت المبادئ التوجيهية الطوعية للمذيعين خول إذاعة المواد الحزبية الانتخابية إلى أن محتوى البث مسألة تخص الحزب، والتي لم يكن من المتوقع أن تكون محايدة. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن البث عمل على الترويج لحزب تعتبر وجهات نظره عدائية بالنسبة  للكثيرين، ولكن لم تكن وظيفة المذيع إصدار الحكم على البث بديلا عن الناخبين".
    وقالت محطة "ويك إند التلفزيونية اللندنية المستقلة" إنها قد وضعت في موقف لا تحسد عليه:
"لقد كان من غير المناسب وغير المعقول أن نتوقع من المذيعين اتخاذ قرارات حول السياسة العامة فيما يتعلق أساسا بلياقة أولئك الذين يحملون الآراء العنصرية في فترات البث الانتخابية الحزبية. وعلاوة على ذلك إن الاستخدام المشروع حاليا لفترات البث الانتخابية الحزبية من قبل جماعات الضغط بنشر وجهات نظر وجدت بأنها هجومية، سيؤدي إلى زعزعة التقدير الذي كان يكنه المشاهدون لقناة "الاندبندنت التلفزيونية". ومع ذلك، فإن رفض البث للحزب الوطني البريطاني لم يكن خيارا صالحا، إذا كان المجتمع يسمح للحزب الوطني البريطاني أن يعمل كحزب سياسي.
        وكانت قناة تلفزيونية مستقلة أخرى، وهي القناة 5، قد طلبت من الحزب الوطني البريطاني أن يتأكد من أن لا تظهر أي صورة لأي شخص لا يوافق على أن يظهر في البث.
     وقد أشادت اللجنة بالمذيعين لتصرفهم بمسؤولية، ولم تأخذ بالشكوى، وخلصت إلى:
"إن متطلبات الديمقراطية، وحقوق حرية التعبير، ولا سيما في فترة الانتخابات، يعني أن فترة بث الانتخاب الحزبية ليست برامج بالمعنى التقليدي، بل هو جزء لا يتجزأ من الحملة الانتخابية، وقد تقال فيها أشياء تسبب الأذى والخلاف أيضا. وتتفهم اللجنة تماما قلق أولئك الذين شعروا بالغضب والخوف من هذا البث، ولكنها ترى أن ذلك يمثل في فترة الانتخابات التوازن بين الحقوق، ويميل لصالح حرية التعبير. وفي النهاية، فإن الناخبين هم الذين يصدرون الحكم على سياسة الحزب في صناديق الاقتراع ".
انظر المملكة المتحدة: قرار لجنة معايير البث (1) .  للإطلاع على النص الكامل للقرار.


الولايات المتحدة : إخضاع المدونين؟


     لقد تمت الإشادة في الانتخابات الرئاسية المتعاقبة في الولايات المتحدة بأنها تمثل عهد الانتخابات عن طريق الإنترنت. ومع ذلك، شهدت انتخابات عام 2004 بروز ظاهرة قليلا ما كان يسمع بها قبل أربع سنوات: وهي المدونات. والمدونة هي تسجيل مجموعة من الملخصات أو اليوميات على الانترنت – والتي اعتبرها العديد من المعلقين مؤثرة للغاية. وكان العديد من المدونين الأكثر شهرة من السياسيين المحافظين الذين يعتقد أنهم ساهموا مساهمة كبيرة في إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش.
     وقد قام أحد قضاة المحكمة الجزائية الأمريكية قبل انتخابات عام 2004، بالحكم بان لجنة الانتخابات الفدرالية يجب أن تطبق قانون تمويل الحملات الانتخابية على شبكة الإنترنت. وعندما تم اتخاذ قرار" قانون حملة إصلاح  الحزبين" (والذي كان يعرف شعبيا بقانون ماكين وفينجولد) في عام 2002، قررت لجنة الانتخابات الفدرالية أن الإنترنت يجب أن تكون معفاة من أحكامه. وكان قانون ماكين وفينغولد محاولة لمعالجة قضايا "الأموال غير الرسمية" - الإنفاق التي يتم ظاهريا ولا علاقة له بالحملة نفسها - و"الإعلانات الموجهة ضد المرشحين"، وهي شكل من أشكال الدعوة التي لا صلة لها ظاهريا على ما يبدو بالحملة الانتخابية، ولكنها في الواقع تعمل على تعزيز مرشح معين.
     وتم إحضار قضية شيز ضد لجنة الانتخابات الفدرالية من قبل المشرفين على  قرار "قانون حملة إصلاح  الحزبين" إلى مجلس النواب، كريستوفر شايز ومارتن ميهان. وقام كل من أعضاء مجلس الشيوخ جون ماكين ورسل فينغولد بتقديم موجز إيجابي لدعم شيز و ميهان. وقال ممثلو الكونغرس بأن أنظمة لجنة الانتخابات الفدرالية التي تطبق قرار" قانون حملة إصلاح الحزبين" تعمل على تقويض القانون وتتعارض معه. وجادلوا على أنهم كمرشحين اضطروا للسعي من أجل إعادة انتخابهم في منافسات انتخابية تشكلت بصورة غير قانونية. وحكمت المحكمة الجزئية في صالحهم، وألغت 15نظاما من أنظمة لجنة الانتخابات الفدرالية. وقد أيدت القرار في وقت لاحق محكمة استئناف مقاطعة كولومبيا.
وقد قام قرار "قانون حملة إصلاح  الحزبين" بتعريف "الاتصالات العامة" بأنها "أي شكل من الأشكال الإعلان السياسي العام". وكان القاضي كولين كولار كوتلي في المحكمة الجزائية الأمريكية  قد انتقد بشكل خاص أنظمة لجنة الانتخابات الفدرالية  باستثناء الإنترنت من هذا التعريف:
"السماح لهذه النفقات أن تتم بصورة غير منظمة، يسمح بتفشي التحايل في قوانين تمويل الحملات الانتخابية، وتعزيز الفساد أو ظهوره.... والسماح لفئة كاملة من الاتصالات السياسية أن تكون غير منظمة تماما بغض النظر عن مستوى التنسيق بين ناشر  عمليات الاتصال وحزب سياسي أو مرشح اتحادي سوف يسمح بالتهرب من قوانين تمويل الحملات الانتخابية ، وبالتالي  تحويل القرار على نحو غير ملائم وخلق إمكانيات إساءة الاستعمال بصورة كبيرة"
     المسألة هي أن "الاتصالات المنسقة" في سياق شبكة الإنترنت، يمكن أن يعني على سبيل المثال، أن وصلة إلى موقع المرشح تشكل عنصرا من عناصر التنسيق.
    وركزت المعارضة لقرار المحكمة في أوساط مجتمع المدونات على الادعاء بأن القرار يتطلب من اللجنة الفدرالية للانتخابات أن تعمل على  تنظيم محتوى المدونات. ومع ذلك، فقد تم الافتراض حتى الآن على إعفاء أصحاب المدونات من التنظيم وذلك على أساس تمديد "إعفاء الصحف. وهذا يعني، أن الصحفيين أحرار في التعبير عن آرائهم. ويمكن أن يكونوا خاضعين للتنظيم، مع ذلك، عندما يكون المطلوب مهم هو الكشف عما إذا كانوا يتلقون أموالا من لجنة الحملة أو المرشح. هذا واضح ومباشر نسبيا من حيث المبدأ، أي أن احتمال وجود إعلانات سياسية مدفوعة على الإنترنت، يفرض الإعلان عن الذي يمول الإعلان، والذي يطبق عمليا في عمليات البث.
     ومع ذلك، فإن بعض جوانب التنظيم يطرح صعوبات كبيرة. فروابط الانترنت المتشعبة، على سبيل المثال، يصعب، إن لم يكن من المستحيل تحديد  قيمتها من الناحية الكمية، إذا كانت شركة تقوم بمساهمة عينية لحملة انتخابية (حيث لا يسمح لها بتقديم مساهمات نقدية)  فإن لجنة الانتخابات الفدرالية تقوم بصورة عامة بتقدير قيمتها على أساس أنها مساهمة مالية بدلا من الموارد التي أنفقت (تكلفة البريد والمغلفات، الوقت،  السكرتير، أو أيا كان). وسيتم تطبيق نفس النهج على روابط الإنترنت؟ وإذا كان الأمر كذلك ، كيف يمكن تحديد استفادة الحملة من الناحية الكمية؟


زيمبابوي : مثال التغطية غير المتوازنة


      تمثل زيمبابوي حالة  دراسية مثيرة للاهتمام من ناحية التغطية الإعلامية للانتخابات، بسبب أن هذه التغطية قد تم رصدها على نطاق واسع في السنوات الأخيرة. وقد تم إنشاء مشروع رصد وسائل الإعلام في زيمبابوي، وهو منظمة غير حكومية، في عام 1999، وقام برصد سلسلة من استطلاعات الرأي المثيرة للجدل، بدءا من إجراء استفتاء على إصلاح الدستور في عام 2000.
     وعلى الرغم من تميز الانتخابات اللاحقة العديدة بتغطية غير متوازنة بشكل كبير في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة، فإن استفتاء عام 2000 يوفر مثالا واضحا بشكل خاص، لأن المعايير الدولية بشأن تخصيص الوقت في الاستفتاءات واضحة. يجب أن يحصل كل اقتراح - بقبول أو رفض مشروع الدستور الجديد الذي ترعاه الحكومة – على حصة متساوية من وقت بث الوصول المباشرة. وينبغي أن تعمل التغطية الإخبارية في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة على نقل مواقف كل حملة بصورة متساوية تقريبا.
     وبقي البث في زيمبابوي حكرا على الدولة في عام 2000. ثم تم تشغيل كل من الإذاعة والتلفزيون من قبل هيئة الإذاعة الزيمبابوية، وهي مؤسسة عامة مستقلة من الناحية الرسمية. وكانت ملكية الصحيفة اليومية الرئيسة "الهيرالد" تعود لشركة "زمبا" التي كانت تسيطر عليها في الظاهر مؤسسة عامة. ولكنها في الواقع، كما تشير الوثائق التي تم جمعها بصورة جيدة، إلى أن توظيف المحررين وفصلهم كان يتم من خلال  وزارة الإعلام. وكان الاحتكار الذي تتمتع به جريدة "الهيرالد" وزميلتها "كرونيكل" في سوق الصحف اليومية، قد تم تجاوزه في عام 1999، من خلال إطلاق صحيفة "ديلي نيوز" التي يملكها القطاع الخاص. وقد استقطبت هذه الصحيفة عددا كبيرا من القراء بصورة سريعة.  وظهر هناك عدد آخر من الصحف الأسبوعية النوعية في للقطاع الخاص بعدد أقل من القراء من المناطق الحضرية في  الغالب.
     إن التحليل الكمي لتغطية هيئة الإذاعة الزيمبابوية وصحيفة الزمبا، ووسائل الإعلام التي تستخدم مباشرة أو بصورة غير مباشرة الأموال العامة – يقدم دليلا دامغا على تحيزها الساحق لصالح اقتراح "نعم" وقبول مشروع الدستور. فقد قامت البرامج التلفزيونية المخصصة للشؤون الراهنة مثلا، بتخصيص  16.12 ساعة من التغطية لحملة "نعم" والحجج التي تقدمها، مقابل 1.33 ساعة فقط لحملة "لا " (وخصصت 1.28  ساعة لمعلومات عامة حول هذه القضية). ونشرت 17 مقالة من مقالات الرأي أو المقالات الافتتاحية في صحيفة "الهيرالد" تدعو للتصويت لصالح حملة "نعم"، في حين لم تتوفر أي مقالة من أجل التصويت لصالح حملة "لا". وبين مقالات الرأي التي بلغ عددها 38 في صحيفة "الزمبا" كانت جميعها تؤيد التصويت لصالح حملة "نعم".
    وإن المنهجية التي اتبعها مشروع رصد وسائل الإعلام في زيمبابوي، عمل على تأكيد أهمية مصادر المعلومات التي تستخدمها وسائل الإعلام بصورة كبيرة. وفيما يلي تقسيم نموذجي (في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة) لمصادر القصص حول الدستور في الفترة التي سبقت الاستفتاء، وهي تشير إلى محطتين من محطات هيئة الإذاعة الزيمبابوية:
• الحزب الحاكم والحكومة: 53 ٪
• المفوضون الدستوريون: 18 ٪
• أصوات نعم الأخرى: 18 ٪
• قارئ أخبار: 6 ٪
• أفراد الجمهور: 4 ٪
• الأحزاب السياسية المعارضة: 1 ٪
هذه أمثلة من الأساليب الكمية البحتة  التي تبدو وكأنها تحكي قصة الخلل في وسائل الإعلام بشكل واضح تماما. كما أن التحليل الكمي يتطلب مزيدا من التوضيح. ولنأخذ على سبيل المثال، هذه الإحصائية المذهلة: نشر التلفزيون في الشهر الذي سبق الاستفتاء 139 من إعلانات حملة "نعم" ونشر 14 فقط لحملة "لا". وهذه أدلة دامغة للتحيز-أليست كذلك؟ وتحمل الأرقام معنى فقط إذا عرفت  الأسباب التي أدت إلى اختلال التوازن. وفيما يلي بعض التفسيرات الممكنة :
• ربما تكون حملة "لا" قد قررت عدم وضع العديد من الإعلانات التلفزيونية.
• وربما كان لدى حملة "لا" القليل من المال للإنفاق على الدعاية.
•  قد تكون هيئة الإذاعة الزيمبابوية قد وضعت أسعارا مختلفة لإعلانات الحملتين.
• قد تكون هيئة الإذاعة الزيمبابوية قد رفضت قبول إعلانات للحملة "لا".
     وفي واقع الأمر، أن الأول من هذه التفسيرات غير صحيح. والثاني صحيح، ولكنه لم يكن في الواقع السبب في وجود عدد قليل جدا من إعلانات "لا" التي أذيعت. قد يكون الثالث من هذه العوامل صحيح ولكنه ليس بذات صلة. (ليس من الواضح إذا كانت اللجنة الدستورية التي تنظم الحملات للتصويت لحملة "نعم" قد دفعت فعلا للدعاية على الإطلاق). وكان السبب والعامل الرابع: هو رفض هيئة الإذاعة الزيمبابوية نشر أي مواد. وحصلت الجمعية الوطنية الدستورية، راعية حملة "لا" الرئيسة على أمر من المحكمة العليا يطلب من هيئة الإذاعة الزيمبابوية نشر الإعلانات، ولكن الشركة رفضت الامتثال لهذا الأمر، كما أن برامج أخبار هيئة الإذاعة لم تقم بذكر قرار المحكمة. وذكرت هيئة الإذاعة أن المواد الخاصة بحملة "لا" كان "غير متوازنة" وذات نوعية سيئة من الناحية التقنية. (ولم يكن هناك متطلبات خاصة بعملية التوازن- فقد كانت هذه إعلانات حملة انتخابية.) وفي وقت لاحق أصدرت هيئة الإذاعة بيانا قالت فيه، انه يحظر قانونيا عرض "مواد إباحية". وكان الإيحاء بأن المواد الإباحية كانت للتحالف الوطني، رغم أنه لم يقدم أي دليل عن هذا الادعاء.
    والقضية المنهجية هي: إن كل الحقائق الكمية يكون لها معنى فقط إذا تم ذكر السياق، وجرى تفسيرها بصورة سليمة. وبعبارة أخرى إن تحليل وسائل الإعلام هو المطلوب، وليس مجرد رصد وسائل الإعلام فقط.
     لا يمكن تغطية إخفاقات أخرى من هيئة الإذاعة الزيمبابوية من الناحية الكمية على الإطلاق. ويكفي أن نذكر أن المذيعين قد ذكروا، كما أشارت إلى ذلك صحيفة "زيمبا" مرارا وتكرارا، قضية الشاب الذي تعرض للضرب حتى الموت في هراري على يد أنصار حملة "لا". في حين أن توثيق الحادث قد تم بوضوح (في بيان للشرطة) وأشار إلى أن القتيل قد توفي في حادث سير. ويمثل هذا دليلا على النوايا السيئة للذين كانوا يقومون بالحملة ضد مشروع الدستور.
     ويمثل تثقيف الناخبين مجالا آخر، حيث لم تحترم فيه وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة المعايير المناسبة. وكان أحد أوجه القصور البسيطة، في أنها فشلت تماما تقريبا في شرح وتوضيح ما هي النتيجة التي سيكون عليها الاستفتاء. وكان من المفترض أن يكون التصويت ملزما - لأنه إذا نجحت حملة "نعم" للدستور الجديد، سيصبح تلقائيا هو القانون. ومع ذلك، لم يكن المفهوم كذلك. فقد كان أثر التصويت الإيجابي يعني بكل بساطة أن مشروع قانون دستور زيمبابوي سوف يعرض على البرلمان للتصويت عليه.
    ومع ذلك، كان هناك فشل أكبر في تثقيف الناخبين بخصوص المواد التي أعدتها اللجنة الدستورية. في عرض متحرك يحكي للناخبين كيفية إتمام الاقتراع الخاص بهم، فقد وضعت علامة "صح" في المربع بجانب كلمة "نعم"  الذي يظهر كيفية تعبئة الورقة. وكان هذا انتهاك صارخ للمبادئ التي ترى أن مواد تثقيف الناخبين يجب أن تكون محايدة. كان المطلوب فعلا من الناخبين وضع علامة الصليب في منطقة المربع، وكان وضع علامة صح يجعل من ورقة الاقتراع باطلة. ويكون التصويت لحملة "لا" بذلك نموذج لسخرية واضحة.
    ورغم ذلك، فقد كانت السخرية واضحة في كل هذا. فعندما تم التصويت في 12-13 فبراير 2000، رفض الناخبون في زيمبابوي مسودة الدستور بهامش كبير. وعلق مشروع مراقبة وسائل الإعلام في زيمبابوي  في تقريره عن الاستفتاء على هذه المفارقة، مشيرا إلى أثر التغطية الإعلامية بقوله: ربما تجاهل الناخبون التغطية المنحازة، وربما أنهم قد امتنعوا نتيجة لها وصوتوا ضد مشروع القرار لهذا السبب. وربما كان  للتغطية المنحازة أثر في انخفاض حجم انتصار حملة "لا". أم أن التغطية الإعلامية ربما لا علاقة لها بقرار الناخبين. ولقد اقتنع مشروع رصد وسائل الإعلام في ريمبابوي أن منهجية الرصد لم يتوفر لها أي أساس للوصول إلى أي من هذه النتائج. ويبقى السؤال ببساطة مفتوحا. ولقد انتهى مشروع الرصد إلى نتيجة أكثر تواضعا. إن مشروع الدستور الذي صوت الجمهور عليه لم يوزع إلا في حالات نادرة: "وهكذا، فقد صوت الناس على المشروع، وفقا لبعض العوامل الأخرى، وقد فعلوا ذلك على أساس المعلومات الواردة  في وسائل الإعلام. وهذه المعلومات كانت غير دقيقة ومنحازة للأسف. [1]
[1]  مشروع رصد وسائل الإعلام في زيمبابوي. مسألة التوازن: وسائل الإعلام في زيمبابوي والاستفتاء على الدستور، هراري، 2000.


المساهمون في وسائل الإعلام والانتخابات

      أضيف موضوع وسائل الإعلام والانتخابات لأول مرة إلى موقع إدارة الانتخابات وتكاليفها (ايس) في عام 2001. وكان مؤلف الموضوع الرئيس هو ريتشارد كارفر من شركة أكسفورد المحدودة للبحوث في وسائل الإعلام وتحت إشراف المؤسسة الدولية لنظم الانتخابات. 
         وقامت إدارة المؤسسة الدولي للديمقراطية والانتخابات بالإشراف على مراجعة موضوع وسائل الإعلام والانتخابات لهذا الإصدار الحالي في موقع إدارة الانتخابات وتكاليفها (ايس) . وكان ريتشارد كارفر من جديد هو المؤلف الرئيس، ويعمل تحت إشراف فرجينيا بيراميندي هاينه. وقد قدمت ليندا ايدربيرغ ومايكو شيميزو من المؤسسة الدولي للديمقراطية والانتخابات خدمات إدارية واسعة، وكما قامت بعملية المراجعة والتنقيح وتحميل المواد على الموقع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قائمة المدونات الإلكترونية

الاكثر زيارة

Welcome

اهلا وسهلا بك في هذه المدونة المتواضعة املين ان تجد فيها ما تبحث عنه من معلومات للفائدة العامة

احدث التعليقات

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

Facebook Badge

التسميات

Facebook Badge

التسميات

أرشيف المدونة الإلكترونية

المتابعون

Blog Archive

Latest Published Items

محادثة

Template Information

Template Information

المدونات

المدونات

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة